18‏/01‏/2023

جمال أوزرار // البيروقراطية من لاشيء تريد ان تشيئنا


ان الاتفاق الموقع من طرف البيروقراطية القطاعية يوم 14يناير 2023  يعكس
بالملموس حجم التسرب والتحكم الجلي للنظام في العمل النقابي وتوجيهه بما ينسجم ومخططاته الطبقية في كل المجالات خاصة التعليم. اولا، ان اي قراءة موضوعية لاي حوار ينبغي استحضار التراكمات الميدانية التي رسمتها نضالات الشغيلة بكل فئاتها، هذه التراكمات وبكل موضوعية لم تساهم القيادات في تحديدها او في بلورتها بل هي تضحيات القواعد من نساء ورجال التعليم تكللت في سيرورتها بخطوة مقاطعة المجالس ووضع النقط في برنامج مسار وعرف توحيد ميداني قل نظيره في هذا الحقل. ان المعركة نجحت في لم شمل الشغيلة انخراطا وتضامنا ووعيا بقوتها الميدانية، هذا الزخم الذي خلقته المعارك المتسلسلة لكل الفئات بشكل منفرد صب في الاخير وفق شروط موضوعية الى الاتحاد من اجل انجاح كل الملفات، وكل هذا بانخراط جل القواعد في كل النقابات لكن بمعزل عن القيادات التي لم تستوعب حجم هذا الزخم وقابلته ببيانات محتشمة تدعم وتزكي باحتشام المعارك، لكنها بيانات تخفي ابتسامة الغدر قبل طعن الضحية. 

ان اي عاقل واي مستوعب لالف باء العمل النقابي والسياسي يعرف ان الحوار على هذه الأرضية الصلبة التي هيأتها القواعد بصلابتها واصرارها ينبغي ان يكون على حد أدنى يراعي التراكمات الميدانية والسياسية الآنية والمستقبلية للمعركة، لكن بما ان البيروقراطية لم تستصغ معارك لا تتحكم فيها ولا تسيرها فمن الطبيعي ان تبيع كل شيء بفتات الفتات وان تعمل على تكسير المعارك التي دامت اكثر من سنوات، وعلى سبيل المثال معركة الذين فرض عليهم التعاقد. ان البناء يحتاج الى جهد ووقت لكن الهدم غالبا ما يكون في لحظة. إذن اول نقد موجه للبيروقراطية هو استغلال الظرفية السياسية والميدانية التي خلقتها القواعد لمصلحتها الخاصة ومصلحة النظام. هذا طبعا يبعدها عن الفهم العلمي للقيادة الديموقراطية.

ثانيا، وباعتباري مناضل في صفوف النقابة الوطنية للتعليم كدش اقف عند نقطة تنظيمية مهمة تخص اتخاد القرار في مثل هذه القضايا المصيرية، قد يقف أغلب المطبلين عند كون القرار تنظيمي، صحيح  مادام تم عقد المجلس الوطني، لكن لنمضي في تحليل العلاقة التنظيمية لاعضاء المجلس الوطني باعتبار هؤلاء تم انتخابهم من طرف مؤتمري الأقاليم وبالتالي هم يمثلون إرادة كل اقليم وليس ارادتهم الخاصة وبالتالي موقف عضو المجلس الوطني غير ملزم اذا كان نابعا من رايه الخاص ويعتبر صحيحا فقط اذا كان نتيجة تشاوره وتداوله مع من يمثلهم  إقليميا، حتى لو كان العضو محنكا وفقيها في التنظيم والقضايا النقابية فإن الديموقراطية التي هي ركيزة المنظمة تستلزم منه تجميع القرار من القواعد اي من مجالس الفروع ثم المجلس الإقليمي لكي يكون القرار قاعديا يعكس الإرادة الفعلية للقواعد. لكن كل هذا لم يحدث لان القرار فرض من فوق بل فرضه النظام بشكل عمودي، فيه إهانة حقيقية للمنظمة ولتاريخها. فكيف يعقل ان يتم ابلاغ المكتب الوطني يوم الجمعة لكي يتم التوقيع يوم السبت. الا يملك المكتب الجرأة لاخد وقت كافي لتمحيص محضر القرار وتداوله. لتنطلق الاتصالات وبسرعة تفوق سرعة الضوء عند اينشتاين لعقد اجتماع المجلس ليلا مع العلم ان اغلب الاعضاء لا علم لهم عن فحوى ما تمخضت عنه جولات الحوار اللهم المقربين السياسيين والمرضيين .كيف يتم اتخاد قرار في بضع ساعات وعن بعد في قضية مصيرية تهم الشغيلة التعليمية كافة.

ثالثا، كما قال الشاعر محمود درويش البلاغة تخدش المعني وتمدح جرحه. صياغة بنود الاتفاق على هذا الشكل المغرق في العمومية وبلغة الخشب الطنانة المحبذة للنظام ولازلامه يحمل اكثر من دلالاة، كأنه اتفاق على أن تتفق الاطراف على مساحة المراوغة والتاويل حتى في الخطاب، مع القواعد سيتم تكييفه مع لغة الاقناع والانجاز والتطبيل للانجاز التاريخي اما مع النظام يمكن تأويله وفق بروتوكول الطاعة والولاء. يا سادة في السياسة وفي أي اتفاق كل كلمة تقبل اكثر من تاويل هي خاطئة ولو كان مع "الملائكة".

رابعا، من حيث المضامين لم يات الاتفاق بجديد اللهم ما يطبل له اتباع المكتب الوطني وهو نقطة خارج السلم. صحيح انها جاءت بشكل صريح وهي النقطة الوحيدة الواضحة إذا تم الالتزام بها، لكن هذه النقطة وقراءة بشروط المعركة الايام ذكرها سابقا فهي تحصيل حاصل بل كانت نقطة مساومة من طرف النظام منذ بداية الحوار ، ونقطة المساومة تعني انها نقطة يمكن التنازل عنها من طرف النظام بمقابل نقط اخرى فما هي يا ترى النقط التي تمت المساومة عليها.

 طبعا أهمها غياب الزيادة في الأجور سيعترض علي البعض بانها نقطة  مركزية، وساقول لماذا لم تكن مركزية في الصحة والتعليم العالي؟! ن الاكتفاء بالتطبيل لنقطة التحفيز والدعم كبديل عن المطالبة بالزيادة الفعلية في الأجور هو إذلال واحتقار للاستاذ والاستاذة خاصة بوجود تفاوت في المجالات بين العالم القروي والحضري وبين الجهات، فحين يتم ربط التحفيز بالمؤسسة ومرتبتها وطنيا أليس فيه اجحاف لاغلب الأساتذة أليس بادرة بخلق فتنة التمييز بينهم؟

اما النقطة الاهم وهي موقف الاتفاق من نقطة الأساتذة الذين فرض عليه التعاقد فإن الاتفاق جاء بلغة نظام موحد وموحد بمعنى انه نظام يحتوي في جوفه وجود الاختلاف بينهم وبين  المرسمين، فلو كانت الوزارة فعلا لا ترى اختلافا بينهم لتم إدماجهم لكن اصرارها على الإبقاء على وضع الاختلاف يوحي انها متشبة بمخطط الإجهاز على الاستقرار الوظيفي في قطاع التعليم. يا اذكياء، ما هو اسم الإطار الذي سيتم تصنيفهم فيهم وما الضرر المادي الذي يمكن أن يحقق إدماجهم ما دمتم تطبلون انه ليس هناك اختلاف فلو لم يكون هناك اختلاف فالادماج كان ليكون وكفى من علك علكة بنموسى يا سادة .

في الاخير اقول ان الاتفاق يلزم القيادة لكن ليس بالضرورة يلزم القواعد وايمانا منا بانتمائنا للمنظمة وتجسيدا لمبادئها، وانطلاقا من فهمنا للضرورة التاريخية لمجابهة البيروقراطية والانتهازية، كنقطة مركزية للنضال ضد النظام الطبقي، فإننا نستوعب ان المنظمة هي ملك للقواعد والشعب وليست ملكا لاحد، وان سطت عليها حفنة من البيروقراطيين فإن المسؤولية التاريخية تستوجب منا سؤال الذات وسبل توجيه المنظمة في سكتها الصحيحة. اما حلول الانسحاب فهي حلول المستسلمين في أوج الصراع. حين انتمينا للمنظمة، كنانعرف ان المسار صعب وان النضال يبدا بكنس الدار وتوفير الجو الديموقراطي بداخلها. لن نترك الدار لكن لن نتهاون مع الاوساخ...




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق