قبل الخوض في موضوع خوصصة قطاع الماء والكهرباء والتطهير وإنشاء
مما يدفعنا لمطارحة الأرضية النقابية التي يتم في ظلها تمرير هذا المخطط، ويلزمنا بالتالي القاء نظرة ولو مختصرة على النقابة.
لقد نشأت النقابات مع بداية القرن 19 كمنظمات لتأطير مقاومة الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي وسلطته السياسية، التي لم تتوانى عن استخدام كل وسائل القمع والقتل ضد العمال، بالإضافة لوسائل الدعاية التي تقدمه كنظام للرفاه والديمقراطية...بغية زرع الوهم و تكسير الاضرابات، وهي الأدوات التي لم تنفع - رغم بطشها- في الحد من تنامي وعي الطبقة العاملة بالطابع العبودي الجديد لهذا النمط من الانتاج، وتصميمها للقضاء عليه، إذ لم تدخر جهدا في التصدي لعنفه حتى بالمواجهة المسلحة، كما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال.
فدرئا لتطور الأمور نحو ما قد يعصف بنظامها الرأسمالي عمدت البرجوازية إلى فصل القيادات النقابية (المهيأة أصلا) عن قاعدتها العمالية، محولة إياها الى ارستقراطية عمالية قابلة للتفريط بكل شيء من أجل الحفاظ على وضعها المرفه الجديد ، وللعب دور الكابح لتبلور أي بناء ديمقراطي داخل الأجهزة النقابية، وبالتالي انتصابها كأداة بيروقراطية لا يخرج العمل النقابي في عرفها عن الروتين الإداري الخاضع للإملاءات والاوامر، بما يخدم مخطط الرأسمال في تلطيف استغلاله بعيدا عن " شر" النضال وما يشكله من تهديد للسلم الاجتماعي المرغوب تأبيده.
ولم تشذ الحركة النقابية بالمغرب عن هذا المنحى، بل إنها كانت أكثر انصياعا لمخططات النظام معلنة في وقت مبكر عن طلاقها بل عدائها للعمل السياسي تحت ذريعة الاهتمام بما هو خبزي أولا (نموذج الاتحاد المغربي للشغل) أو تبعيتها الذيلية لأحزاب سياسية رجعية وإصلاحية انتهازية (نموذج إ ع ش م، ك د ش، إلخ)، بما نزع عنها كل مقومات المجابهة لما تتعرض له الطبقة العاملة من استهداف، وترك الباب مشرعا لسيادة الارتجالية والضبابية بدل البرنامج والملف المطلبيين الواضحين، لنصل إلى مرحلة الانهيار، الذي عمقته موجة تفريخ الإطارات النقابية (تحت سقف خط المهادنة والتعاون الطبقيين) بما يعمل على اضعاف ما هو ضعيف اصلا.
كل ذلك لا ينفي تواجد طاقات كفاحية تبرز مع المعارك القوية التي تستلزم الصمود لتحديد مصير العمال، إلا أنها تظل ضعيفة في مقابل خط المهادنة والتفاوض بغض النظر عن النتائج، وهو الذي تم العمل على المزيد من تقويته مع اتفاقية غشت 1996 وما تلاها من اتفاقات التفافية وفي أحسن الأحوال اتفاقات تحت ضغط الشارع والغضب الشعبي طيلة العقدين السابقين (نموذج أبريل 2011 إثر انتفاضة 20 فبراير) ولعل الموافقة على مدونة الشغل في 2004 والتوقيع عليها من فوق أكبر دليل على فراغ الحوارات والاتفاقات المدبجة في الكواليس، كما هو الشان في تمرير قانون التقاعد، والتعاقد وما سمي قانونا أساسيا "جديدا" في قطاع التعليم مؤخرا.....
وبالانتقال إلى واقع العمل النقابي بالوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والتطهير، فإن الصورة تزداد قتامة: فالنقابة تسمى بنقابة الدار، متحكم فيها بشكل مطلق من طرف الادارة، بدءا من تشكيل المكاتب النقابية الى التعاطي الفج مع المشاكل البسيطة للمستخدمين والمستخدمات، بينما تبقى الملفات الكبرى من اختصاص الأمانة العامة التي تقوم بتصريفها وفق حساباتها مع وزارة الداخلية.
أما فيما يخص المناديب فحدث ولا حرج، إذ حتى الدور الذي أنيط بها منذ ولادة العمل النقابي لم تشغله وأضحت تقتصر على الاستحقاق السنوي (الترقية) والذي بدوره لا يمارس الا بشكل مبتذل، وباختصار هناك غياب تام لأي عمل نقابي الشيء الذي انعكس على رؤية القواعد التي أصبحت لا ترى فيه الا مجالا للاسترزاق وغيب فيها اي استعداد للنضال حول مطالبها ليتفشى بالمقابل داخلها فيروس الاستجداء؛ واي محاولة تشذ عن هذه القاعدة وتحاول إعطاء بعد نضالي ولو في حدوده الدنيا للعمل النقابي يتهم أصحابها بالعمل على ضرب المكتسبات!!! ولا ندري عن أية مكتسبات يتحدثون؟! إلا إذا كان الانبطاح والتحايل والعبث بمصالح المستخدمين/ ات في عرفهم يعد مكتسبات.
ففي ظل هاته الشروط وأسوأ منها، يراد لنا أن نواجه مخطط الخوصصة الزاحف ضمن شوطه الثاني فيما يعرف بسياسة التقويم الهيكلي. والأخطر أن من يفترض فيهم أن يكونوا في مقدمة المتصديين له والمعبئين ضده، أي أعضاء المكتب الجامعي، وضدا على الشعار المفترى عليه الذي يدعونه وهو الدفاع عن مصلحة العمال والمستخدمين، نجدهم يسوقون له كمستقبل زاخر وواعد بالامتيازات متغافلين أو بالأحرى متجاهلين ( انسجاما ومصلحتهم كأرستقراطية عمالية) لطبيعة النظام الرأسمالي التي تقوم على الاستغلال المكثف لقوة العمل من أجل الربح والمزيد من الربح في مقابل التقليص إلى أقصى حد من النفقات، وحتى ما قد يتنازل عنه من فتات لن يؤثر على ما يتم مراكمته من ارباح. هذا دون أن نتجاهل ما يمثله هذا المخطط من إثقال لكاهل الجماهير الشعبية بتسعيرات الفواتير التي ستزداد ارتفاعا بما يعني ضرب حقها في أحد مواردها الحيوية.
فكيف يعقل أن يدعي المرء كونه نقابيا وهو يشجع مسلسل الخوصصة، بما تعنيه من استغلال مكثف وضرب للعمل القار وعصف بالمكتسبات....
وللرد على أصحاب الرؤية الوردية للخوصصة تحت ذريعة فشل وافلاس المؤسسة العمومية وتردي خدماتها، وهي الصورة التي يعملون على اضفاءها على الوكالات تهييئا لتفويتها.
وحتى لا نذهب بعيدا بالأمس القريب كانت الوكالات تشرف على جميع مسارات الخدمة من ألفها إلى ياءها وبأفضل مستوى على الرغم من عدم توفر الإمكانيات التكنولوجية الحالية. لكن مع دخول " ثقافة" التسيير المفوض والعمل بالمناولة (مقاولات من الباطن)، التي لم تكن سوى تفويت لمجالات الخدمة لشركات يترأسها في الغالب أشخاص كانوا أو لازالوا يشتغلون في نفس القطاع، أصبحت النتائج كارثية.
فإذا أخذنا على سبيل المثال الجانب اللوجستي وبعد أن كانت الوكالة تقوم بشراء السيارات لإنجاز مهامها وتتوفر على مرآب وورشة الإصلاح وكذلك للتزود بالوقود، وقد تدوم السيارة في الخدمة أزيد من عشر سنوات ليتم في الأخير بيعها في المزاد؛ أصبح القاءمون على الأمر يلجؤون لعملية الكراء المكلفة، اذ بعملية حسابية بسيطة سنجد انه في ظرف أربع سنوات سيكون المبلغ الذي تم صرفه في هذه العملية كافيا لتغطية ثمن سيارة جديدة، هذا بالإضافة إلى الصيانة والاصلاح...التي تتم في ورشات خارج الوكالة بما يضاعف المصاريف ويعصف بعدة مناصب للشغل؛ أضف إلى ذلك عملية كراء مقرات ملحقات الوكالة وحتى الطابعات....
والمثال الثاني يتعلق بخدمة الماء والكهرباء والتطهير، حيث تم أللجوء الى شركات المناولة بهذه المجالات ضمن حملة من الدعاية بأنها ستحدث ثورة في الخدمات باعتمادها العنصر التكنولوجي، لتبين بالملموس أن الأمور قد اتخذت منحى عكسيا وهو ما يؤكده تراكم الأخطاء وتعددشكايات المواطنين من تردي الخدمات بالقياس مع السابق حين كانت تؤدى من طرف مستخدمي الوكالة، علاوة عن كونها عملت على تقليص فرص الشغل القارة، وضاعفت التكاليف على الزبناء.
وهكذا أصبحنا نكتوي بنار التسيير المفوض، مستخدمين وزبناء، بينما المستفيد الوحيد من العملية هم اصحاب هاته الشركات المفوتة أساسا على قاعدة الزبونية والمحسوبية.
ففي دولة البورجوازية التبعية هاته والتي تحكمها المزاجية في التسيير، وتسعى بخطى حثيثة لتصفية وتفويت القطاعات الاستراتيجية، في إطار لهاثها وراء نهب خيرات البلد وخدمة أسيادها الإمبرياليين، لا مجال حتى للتوهم بأن تحضرها نية إجراء تقييم لأداء شركات المناولة، مادامت هذه الأخيرة لا تمثل إلا تمهيدا للخوصصة الشاملة، رغم فشلها، وباعتراف مؤسسات تعتبر" منتخبة"، من داخل المدن التي طبقت بها على مستوى هذا القطاع.
إننا لا نهدف من خلال محاولة قراءتنا لهذا الواقع رسم صورة سوداوية للآفاق، بقدر ما نتوخى دق ناقوس الخطر وفضح هاته "القيادات" الهجينة التي تتاجر بمصير المستخدمين/ات من أجل مصالحها الشخصية والفئوية.
إذ كيف يعقل أن يكون الجميع: "المكتب الوطني للكهرباء" و" المكتب الوطني للماء الصالح للشرب" و"الوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والتطهير"، منضوين تحت نفس النقابة (إ م ش) و يناقش كل طرف بشكل منفرد ووفق قانونه الأساسي الخاص مع السلطات (الوزارةالوصية) عملية إدماجه في الشركات الجهوية للتوزيع، ألا يعد ذلك ضربا من العبث؟!!! بل والأدهى من ذلك أن ممثلي نفس المركزية النقابية فيما يسمى "مجلسا للمستشارين" قد صوتوا على قانون خوصصة هذا القطاع في الوقت الذي كان يتظاهر فيه مستخدمات ومستخدمو " المكتب الوطني للماء الصالح للشرب" التابع لنفس النقابة أمام البرلمان!!! وأصر رئيس فريقها إلا أن يصرح أنهم غير معنيين كبرلمانيي إ م ش بما يقع في الشارع!!! إن مثل هاته المواقف الخيانية هي التي شجعت على تمريره ونشره في الجريدة الرسمية.
فالحل لا يمكن أن يكون فاعلا الا بتكثيف الاتصالات بين المناضلين الفعليين وخوض النقاش الجاد لصياغة قانون أساسي موحد يكون بمثابة أرضية صلبة لضمان حقوقنا، مع خلق شروط التعبئة داخل كل هاته المؤسسات ورسم مسار نضالي مع بلورة ملف مطلبي واضح، حتى نكون قادرين على مواجهة آثاره ( المكتسبات المادية والمعنوية، ظروف واستقرار العمل...) وعلى المواطنات والمواطنين ( زيادات محتملة جدا في أسعار الماء والكهرباء، وفي الخدمات المرتبطة بهما، ضمان التزود بهما من عدمه حسب المناطق...)
ويبقى الحل الوحيد امام الجميع : مستخدمين وزبناء هو مواجهة هذا المخطط والعمل على إسقاط القانون المؤسس له.
ماهو مصير عمال المناولة في ظل الشركات الجهوية
ردحذف