في ذكرى ميلاد كارل ماركس: العقل الثوري الذي أضاء دروب التحرر الإنساني
شعلة تتحدى ظلام الاستغلال عبر العصور!
في مثل هذا اليوم، 5 مايو 1818، وُلد العبقري كارل ماركس الذي مزج بين الفلسفة والاقتصاد والعمل الثوري ليجيب على السؤال التاريخي الذي كانت تواجهه البشرية: "كيف نغير العالم" في ظل نظام الرأسمالية، ويصوغ رؤية علمية للطبقة العاملة للإطاحة بسلطة رأس المال، وإقامة دكتاتورية البروليتاريا، واجتثاث الاستغلال عبر الانتقال من المجتمعات الطبقية إلى المجتمع اللاطبقي، المجتمع الشيوعي.
في مقدمة "نقد الاقتصاد السياسي" يروي كارل ماركس رحلة الانطلاق من صلب الواقع عبر لحظات التحوُّل الفكري التي قادته إلى اكتشاف قلب التناقضات المادية:
"في 1842-1843، كمحرر في 'جريدة الراين'، وجدت نفسي للمرة الأولى في موقف صعب يتعلق بمناقشة ما يُسمى بالمصالح المادية. النقاشات في برلمان راينلاند حول سرقة الأخشاب وتقسيم الأراضي، والجدال مع فون شابر (حاكم راينلاند)، والمناقشات حول التجارة الحرة والتعريفات الجمركية، كانت الدوافع الأولى لاهتمامي بالاقتصاد. في الوقت نفسه، بدا في الجريدة صدى ضعيف للاشتراكية والكوميونية الفرنسية مُلوَّنًا بصبغة فلسفية. عارضت هذه الهواية، لكنني اعترفت صراحةً في مناظرة مع 'جريدة أوغسبورغ' أن دراساتي حتى ذلك الحين لا تسمح لي بإبداء رأي في مضمون التيارات الفرنسية. وهكذا، انسحبت إلى غرفة الدراسة."
في 1847، انضم مع رفيقه إنجلز إلى "عصبة الشيوعيين" وشاركا في مؤتمرها الثاني (نوفمبر 1847، لندن). وبتكليف من المؤتمر، صاغا "بيان الحزب الشيوعي"، أول برنامج شيوعي في التاريخ، الذي لم يكن مجرد نص، بل صرخة هزت عروش العالم الرأسمالي (فبراير 1848): "يا عمّال العالم، اتحدوا!"
في هذا العمل، طور ماركس مع رفيق دربه الرؤية الجديدة للعالم، ونظرية الصراع الطبقي، كاشفا زيف "الحرية" الرأسمالية، ومبرزا الدور الثوري للطبقة العاملة في الانتقال من الرأسمالية إلى المجتمع الشيوعي.
في 1848، أسس ماركس وإنجلز "جريدة الراين الجديدة" في كولونيا بألمانيا، كمثال للصحافة الثورية. التي حولاها إلى منبر يلهب حماس العمال. خلال ثورة 1848 في فرنسا، دافعت الجريدة عن انتفاضة عمال باريس، وأغلقت في 19 مايو 1849 بعد انتصار الثورة المضادة. العدد الأخير طُبع بالحبر الأحمر كله، حيث ودع ماركس العمال بقوله: "كلمتنا الأخيرة ستكون دائمًا وأبدًا: تحرير الطبقة العاملة!".
وفي عمله العبقري "رأس المال"، الذي كشف شفرات الاستغلال، وبطريقة جدلية، اثبت أن قوانين حركة المجتمع موضوعية، تعمل عبر فعل البشر، مكتشفا قوانين نمط الإنتاج الرأسمالي وتناقضاته الداخلية، مستنتجا أن تطور الرأسمالية يقود حتمًا إلى نمط إنتاج شيوعي أعلى.
اليوم، تتفاقم التناقضات الرأسمالية في أزمات اقتصادية وحروب إمبريالية. وهي الأزمة التي تعزز اكتشاف ماركس وواقعية وضرورة وإمكانية الانتقال إلى المجتمع الشيوعي، وتثبت بقوة بأن الماركسية كانت فعلا ضرورة تاريخية لعصر الرأسمالية. كما قال لينين: "عبقرية ماركس تكمن في إجابته على أسئلة طرحها الفكر الرائد للبشرية. تعاليمه كانت استمرارًا مباشرًا لأعظم ممثلي الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية."
ماركس لم يكن مجرد فيلسوف ومنظر، بل ثوريًا عمليًا. كما قال إنجلز: "النضال كان عنصره. حارب بشغف وإصرار قلّ نظيرهما."
وأعماله ستظل خالدة، لأنها علم، وعلم أضاء الطريق للطبقة الطليعية لتخليص البشرية من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، مثلما كتب انجلز: "كما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية، اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري... واكتشف القانون الخاص لحركة نمط الإنتاج الرأسمالي. باكتشاف فائض القيمة، أُضيء كل شيء، بينما ضلّت كل الأبحاث السابقة في الظلام."
قبل رحيله، اختزل ماركس اكتشافاته العلمية في ثلاث ثورات فكريةٍ حيث كتب:
" 1. وجود الطبقات مرتبط بمراحل محددة من تطور الإنتاج.
2 . الصراع الطبقي يقود حتمًا إلى دكتاتورية البروليتاريا.
3. هذه الدكتاتورية هي مجرد مرحلة انتقالية لإلغاء جميع الطبقات نحو مجتمع لاطبقي."
اليوم، وبينما تعلن الرأسماليةُ إفلاسها على جميع المستويات بما فيه الافلاس الأخلاقي، تبقى الماركسية وعلم البروليتاريا شعلة في عتمة العصر، تذكرنا أن الثورة ليست حلما، بل ضرورة تاريخية.