2014/11/01

سعيدة العزوزي // في ذكرى الشهيد المعطي بوملي: دماء شهدائنا ذاكرة لن تبلى.


أطلق الشهيد المعطي بوملي صرخته الأول سنة 1971 بنواحي مدينة تازة المغربية، ولج شعبة العلوم الرياضية بمدينة جرسيف بعد مسار دراسي
ناجح بالرغم من الواقع الإجتماعي الصعب إثر وفاة أبيه وتزوج أمه من رجل ثاني ليجد نفسه بين أحضان عائلة خالته، حصل فيها على شهادة الباكالوريا سنة 1990. التحق الشهيد بجامعة محمد الأول بوجدة في نفس السنة الجامعية التي كانت تتصدر النضال الأوطامي والمعاركة القوية وفي مقدمتها معركة مقاطعة الإمتحانات الشبه وطنية لموسم 1988/1989 من أجل ملف مطلبي متكامل، حيث كان العالم بأكمله يمر من وضع سياسي دقيق، انطلق مع انهيار جدار برلين سنة 1989 والذي عصف بالتجارب الإشتراكية بأوروبا الشرقية، وصولا إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، المرحلة التي طبعتها حدة المراجعات/التراجعات، وكانت مرحلة حاسمة للإمبريالية لإطفاء بؤر التوثرة وحسمها لصالح أقطابها. وكان من الضرورة لها تجفيف ما تبقى من البقع الثورية، لتعطيل صفوف المقاومة الشعبية درءً لكل نهوض جديد في محاولة لتأخيره، وكانت ملشيات القوى الظلامية عبر العالم من الأدوات المجندة والمدفوعة بطرق عدة والخفية والمفضوحة لهذه المهمة، انطلاقا من الأكثر غلوا في التطرف الى المدعوة متنورة.
ولأن الحركة الطلابية المغربية من الحركات القليلة التي بقيت صامدة، بنقابتها العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في وجه القمع الدموي الذي شهدته تلك المرحلة وما قبلها وأربكت "المسلسل والإجماع والسلم" بمواجهاتها بالصدور العارية للأسلحة النارية، كما تشهد روح زبيدة وعادل على ذلك، والتي انحنت ركوعا لها المعارضة التقليدية المتخاذلة آنذاك والمركزيات النقابية البيروقراطية، لاحتضانها خط الثورة المتجسد في الفصيل الماركسي اللينيني النهج الديمقراطي القاعدي، وعليه عمل النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، انسجاما وتوجيهات دواليب الامبريالية، على تجييش القوى الظلامية لقبر هاته الحركة المناضلة واغتيال هذا الفصيل "المزعج"، ليعلنوا انطلاق الجهاد في حق الجماهير الطلابية والإتحاد الوطني لطلية المغرب والذي كانوا يسمونه أنذاك، أي قبل فشل تكتيك الردع العنيف، بـ "الإتحاد الوثني لملاحدة المغرب"، وكانت جامعة ظهر المهراز يسمونها "هافانا"، وأصبح كل مناضل يدافع عن مصالح أبناء الشعب، ملحدا وزنديقا، وخاصة من ينادي منهم بالثورة كحل جذري لمعاناة الجماهير الشعبية، وهي التهم التي أجازت تنشيط الفتاوي واصدار أحكام القتل وازهاق أرواح الشرفاء، وتحويل ساحات النضال إلى حمامات من الدماء، وكانت سنوات أواخر عقد الثمانينات وعقد التسعينات مرحلة حولت فيها القوى الظلامية الجامعة الى ساحة حرب بتبادل الأدوار مع الأجهزة القمعية للنظام، حيث كانت كل سنة تحشد جيوش جرارة مدعومة لوجيستكبا من دواليب النظام للهجوم على الجامعة المغربية وكان لجامعة ظهر المهراز بفاس وجامعة محمد الأول بوجدة النصبي الأكبر من ضربات التاتار، وكان أعنفها وأشدها الهجوم الذي تعرضت له الجماهير صبيحة 25 أكتوبر يجامعة ظهر المهراز 1991 سواء بحجم القوى المحشودة للمشاركة في "التحرير" كما سموه، وسواء بطريقة التنظيم العسكري الذي أوحى أن الترتيب كان دقيقا واستدعى إمكانيات كبيرة جدا والتي لن تكون بعيدة عن لمسات النظام وأعينه، وسواء بحجم الأطراف المشاركة والتي تتكون من مليشيات تابعة لجماعات ثالوث الإرهاب والتركيع "ياسين" "بنكيران" و"مطيع" الذين حشدوا آلاف العناصر مدججة بمختلف أنواع الأسلحة البيضاء وأجهزة حربية أخرى، استقدموها من أوساط غريبة عن الجسم الطلابي كان بعضها من الجزائر. كل ذلك بمباركة قوى القمع التي انكبت على حماية القوى الظلامية، وتزويدهم بكل المعدات اللوجستيكية اللازمة، وحتى المخبرين الذين انكبوا على ارشاد الفيالق لأماكن تواجد المناضلين، ودلهم عليهم. لتبدأ عملية تمزيق أوصال كل من سقط بين أيديهم، وتقديم ما تبقى من أشلائه لقوى القمع لتلقي القبض عليه، حيث تم الزج بالعديد من مناضلي أوطم في غياهب السجون التي كانت مكتظة سلفا بالمعتقلين السياسيين.

 وعلى غرار ما وقع بفاس، ستشهد جامعة وجدة هجومات متتالية لنفس العناصر بعد أقل من أسبوع على ذلك، بعدما وفر لها النظام كل وسائل النقل والحصانة اللازمة، ليشهروا سيوفهم في وجه الطلاب وآثار دماء طلبة ظهر المهراز لازالت بادية عليها، كل هذا أمام مرآ ومسمع من الجميع، لتقدم يوم 31 أكتوبر 1991 على اقتحام إحدى قاعات الأشغال التطبيقية بكلية العلوم واختطاف الشهيد المعطي بوملي من بين زملائه في القسم وأمام أنظار أستاذه. لتصدر في حقه فتوى سفك الدماء، بإحدى منازل حي القدس، تعرض فيه لأبشع أنواع التعذيب، عبر قطع أوصاله بالتدريج، وجمع دمائه في قنينات، في جريمة ترتعد لها الأبدان وتقشعر لها النفوس، ملأها الحقد والكراهية على كل أحرار وطننا الجريح، لن ينفذها إلا مجرمين فاقدين لكل قيم الإنسانية احترفوا القتل والذبح باسم الدين. ليلقى به جثة هامدة بعدما لفظ آخر أنفاسه بإحدى أزقة القدس، معلنا ميلاده الجديد وصرخته المدوية التي هزت الجميع. وفي تبادل مكشوف للأدوار، ستقدم قوى القمع على نقل جثة الشهيد سرا إلى أحد المستشفيات، ومن بعدها دفنه سرا بأمر من "الوكيل العام للملك"، في استكمال لفصول الجريمة وطمس معالمها. ولحدود اليوم لازال قبر الشهيد مجهولا.

إن استحضارنا لهاته الأحداث الأليمة، ليس للتباكي على روح الشهيد، وإنما أولا لتذكير أصحاب الذاكرة المثقوبة بتاريخ اجرام القوى الظلامية، وبالحد الفاصل بين النضال الجاد والمسؤول اتجاه قضايا الشعب والاستعداد لمواجهة كل أشكال القمع والحظر بكل ما أوتي المناضلين من قوة، وبين التراجعات والارتدادات عن الحقائق الفعلية والتاريخية التي تؤكد طبيعة الصراع وعن مواقف المواجهة والصمود، وثانيا المشككين في قدرة الجماهير ومناضليها عن مواجهة الكل، والتي اشتدت بعد جريمة الاغتيال الثانية التي نفذتها نفس الأيادي في حق الشهيد آيت الجيد بنعيسى بظهر المهراز. ليبقى الشهيدين صفعة على وجه كل من أنستهم مواقعهم المريحة التاريخ، المتسابقين لمعانقة المجرمين في مجالس التنسيق والدعم الوطنية والمحلية.


سيظل الشهداء المصباح الكاشف لكل خرجات المجرمين وهم يتقمصون دور الضحية، مهما حاولوا قلب الأدوار وحبك المؤامرات أو تنفيذها، و24 أبريل لازالت حاضرة أمامنا، لينضاف شهيد آخر لقافلة الشهداء، رفيقنا مصطفى مزياني الذي عرى المتآمرين وكل الضالعين في جريمة اغتياله وفي مقدمتهم القوى الظلامية.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق