لعبة الفساد تدار بشكل جيد بالنسبة للمستفيدين من الفساد، وبالنسبة لمن يملكون الثروة في المنطقة.
بلاد تنمية الفساد والمفسدين، والعملاء..
بلاد يسيطر عليها نظام يعمق العمالة والخضوع، ويجدد العهد مع اسياده المستعمرين والصهاينة.
بلاد محكومة بنظام يسهل نهب الثروات وسرقة الموارد العامة، ويعمق الفساد، ويكون المفسدين الجدد، بعدما جعل البذخ أسلوبا لحياة كل من يتسلم خاتم في مكتب من مكاتب مؤسسات البلاد، في القطاع العام أو الخاص.
جعل النظام من الفساد جزءً من كيفية عمل المؤسسات، من أعلى قمة حتى أبسط مجلس قروي في مناطق نائية، لتعميق جذور الفساد في جميع القطاعات والمؤسسات، وجعل الرشوة والابتزاز والوساطات هي الأشكال الرئيسية في تقديم الخدمات العامة والإنتاج، وصير السياسة والعمل النقابي والجمعوي مرادفات للفساد. وأسس عملية محاربة الفساد، ومحاسبة المفسدين، وخلق منها لعبة متقنة الاخراج يديرها من الخلف، في تجديد نخبة الفساد، بمحاربة الفاسدين بمفسدين جدد، دون المساس بما نهبه الاولون، باستمرارية مسرحية بهلوان "عفى الله عما سلف"، وكطريقة فعالة في الرفع من قيمة الرشوة ومن وتيرة النهب والسرقة. فيتأكد دوما أن " السمكة تفسد من الرأس" كما يقال، كتعبير دقيق عن شعارات النظام في "محاربة الفساد" و"تطهير الإدارة" و"الحكامة الجيدة".
صفرو ونواحيها، رقعة جغرافية صغيرة، من هذا البلد. صفرو لم تكن يوما استثناءً. لم تخرج عن القاعدة العامة. الفساد يعم كل مناحي الحياة، من مؤسسات اللعبة السياسية (المجالس البلدية والقروية) حتى جمع النفايات. الفساد، بالمدينة الصغيرة الجميلة، لم تسلم منه حتى شجرة الكرز (حب الملوك) التي قاومت لسنين تقلبات المناخ لتستمر كرمز للذاكرة، ولم تسلم منه المآثر الرمزية التي تضرب في أعماق عريقة محتفظة لشعبنا بمعالم تاريخه الحضاري.
في صفرو، مثلما الأمر في بلدنا عموما، تتحرك الجهود في لعبة مغلفة بالمساءلة ينصبون لها زعماء ويصنعون لها قادة ويخلقون لها أرضية ودعاية، تجد فيها الصحافة غذاءً دسما، ويجددون مرة أخرى نخبة الفساد، وتتجدد خدمات مصالح النخبة السياسية على حساب الساكنة وكل المغلوب على امرهم، ويسمح هذا الإطار العام للمتحكمين في اللعبة بتجديد طرق السيطرة على جميع مستويات السلطة.
صفرو نموذج ومشهد مصغر لملامسة اللعبة وكيف تنتج بؤرة النهب والفساد، وخدمات عامة قائمة على حلب المواطن، وكل هذا وصل لمستوى التأثير في النخبة الحقوقية وتحويل غالبيتها لنخبة مستسلمة وغير فعالة.
فبعدما كان ذكر تاريخ 23 شتنبر، كاف للتعريف بالمدينة وتاريخها النضالي المشرق، وتاريخ المنطقة (اهرمومو اموزار مرموشة...)، وكذلك للتعرف عليها، دون ذكر صفرو، ولا ذكر حتى شجرة "حب الملوك" (الكرز) المحتفى بفاكهتها كل سنة، هاته الشجرة التي نالت نصيبها الاوفر من سياسة الاجرام. ها هم، الان بفعل السياسة الاجرامية التدميرية، المنتهجة من طرف ممثلي النظام القائم، الساهرين على رعاية الفساد المستشري في مفاصل ومسام الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وإعادة إنتاجه في كل القطاعات، يستهدفون تاريخ نعتز به ويعتز به شعبنا وكل مناضليه، وضرب التضحيات المقدمة التي وصلت لتقديم كريم الشايب شهيدا وشاهدا على التاريخ النضالي للمدينة.
فهل الاخراج الهزلي المكرور للعبة "محاربة الفساد"، وتسويقها اعلاميا بعد تقديم الفتات لتجار أقلام تقتات على موائد السراق، للترويج لها كنموذج يحتذى به قد ينطلي على المفقرين والبؤساء، والأصوات الحرة؟!
شعبنا يعرف الفاسدين، ويعرف الواقفين خلف الفاسد، ويعرف صناع الفاسدين، والفساد..
فلعبة فضح وكشف الفساد من طرف الفاسدين، ومحاربته بالفاسدين منهم، والكل في الدفاع عن نصيبه او للفوز بحصة إضافية، ينخرط بحماسة، في لعبة يتبادلون فيها الادوار طبقا لعملية الاخراج المحددة لهم بعناية، هي في الأساس، موضوعة للتغطية على المستفيدين الحقيقيين، ومن يقفون وراء هذه السياسة للإلهاء، وتشتيت الاهتمام، وخلط الأوراق، وجذب الكل لهذا الاتجاه، وبذلك يسهل تمرير كل السياسات الطبقية التدميرية والتفقيرية، في صمت وفي غفلة.
كما يسهل الاعتقال، والمحاكمات والسجن في حق المناضلات والمناضلين، ويسهل الطرد والتوقيف، وقطع الارزاق، والتضييق، ونسج المؤامرات.
قد أظهر التاريخ أن كسر مثل هذا النظام يتطلب مهمة سياسية لا يمكن أن نسميها سوى الثورة لتضع منتجين خيرات البلد في مراكز الحكم.