14‏/02‏/2015

الرفيقة إيناس محمدي// هل تحدد التحريفية والثورية بالاسم؟

أسماء عدة ومختلفة ومتنوعة اتخذتها التنظيمات والأحزاب السياسية عبر التاريخ وكانت الحاجة إليها، أي إلى التنظيمات السياسية، هو الواقع الذي تعرضت وتتعرض له الشعوب، عبر التاريخ، من الاستغلال والاضطهاد
والعبودية والاستعمار، ويدفعها للمقاومة والمناهضة للقوى التي تفرض هذا الواقع مهما كانت قوتها وجبروتها. وهذا الجهد والتحدي كانا ولازالا يتحمل مسؤوليتهما زعماء الشعب المعني والعناصر المتقدمة منه التي تتحسس ضرورة وملحاحية التنظيم لقيادة تضحيات شعوبها للخلاص من الواقع المعاش ولتحقيق مشروع نضالها. وهذا التاريخ العظيم ظلت الشعوب متمسكة به وتلجأ إليه كلما أحست بالحاجة إلى ذلك. وهذه الظاهرة الإنسانية منتشرة عبر ربوع العالم في عصرنا الراهن، ولم تعد الحاجة للتنظيم السياسي موقوفة على المضطهدين والمستغلين وفقط، بل إن جميع الطبقات تفتقت نظرتها لهذا الإرث الإنساني ولأهميته في خوض الصراع للدفاع عن مصالحها أو للحفاظ عليها، وذلك طبقا لمواقعها في عملية الصراع الطبقي، ولهذا نصادف فسيفساء من التنظيمات السياسية في كل بلد وبأسماء مختلفة ومتنوعة للتمييز عن بعضها البعض، ولم تعد الأسماء التاريخية تعبيرا على الجهات الطبقية التي أنتجتها ولم تعد تعبيرا علميا وانعكاسا لمضمون البرامج والأهداف التي تسطرها. فمثلا، نجد أن التنظيمات المسماة "الاشتراكية-الديموقراطية" قد تحولت الى تنظيمات للبورجوازية ومدافع شرس على المشاريع الإمبريالية بعدما كانت في البداية هي أسماء للتنظيمات العمالية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكذا الأحزاب الشيوعية هي بدورها تعرضت للمسخ والتحريف وصارت غالبيتها إصلاحية وانتهازية ومحافظة. ونفس الشيء آلت إليه الأممية، فقد صارت فضاءً وبوقا للمشاريع التحريفية والانتهازية في حين أن الحديث عن الأحزاب الشيوعية سابقا أو عن أحزاب "الاشتراكية الديموقراطية" أو الأممية، في مراحل محددة، هو حديث عن تعبير وتمثيل سياسي للطبقة العاملة، كانت تهدف لبنا الاشتراكية انطلاقا من منظور ماركسي أي تتخذ الماركسية مرجعا ومبدأ لها. لكن البرجوازية بحكم تجربتها السياسية العريقة ومعرفتها الدقيقة لمصلحتها لا تغضبها الأسماء، ولذا تبني تكتيكاتها على هدف سحق أعدائها الحقيقيين ومسخهم، وتحويل أوعيتهم إلى أبواق تستفيد منها للدفاع عن مشاريعها. وتعد البرجوازية الصغيرة ومثقفوها أحد المداخل الأكثر خطورة التي عصفت بتجارب حزبية ثورية كبرى. وقد انكشفت بوادر هذه الحقيقة بعد وفاة انجلز وصارت واضحة ولا لبس عليها مع الحرب العالمية الثانية بعد الخيانة التاريخية لأغلب قادة أحزاب "الاشتراكية-الديمقراطية" الممثلة للطبقة العاملة وانحيازها للدفاع عن السياسة الإمبريالية القومية وتطليق الأممية ومشروع الطبقة العاملة وتقسيم هذه الأخيرة، وطرح سلاحها القوي والمهدد لكل الرأسماليين في كل أرجاء العالم، والذي يثير الرعب والفزع في صفوفهم لحدود الآن، أي وحدتها العالمية وأهدافها الأممية، على الرفوف وتحويلها إلى شعارات للدعاية والمتاجرة على فتات المستعمرين والتضليل للطبقة العاملة بالتمنيات الجوفاء والمعسولة. مما دفع لينين لاقتراح تغيير اسم الحزب "الاشتراكية-الديموقراطية" ب"الحزب الشيوعي" بعد أن خان زعماؤها الاشتراكية في العالم كله. ونفس الشيء آلت إليه تجربة اغلب الأحزاب الشيوعية من بعد وفاة ستالين وصعود التحريفية على هرم السلطة السياسية بالإتحاد السوفياتي. وهذه حقائق كشفتها لنا الوقائع التاريخية، وهو ما لا يمكن ستره أو تغطيته مهما بدل الإنسان من جهد لذلك. ولهذا يطرح السؤال حول: لماذا حصل هذا المصير والذي حكم تجربة على مسافة حقبة طويلة من الزمن؟ وهل هذا المصير مزمن؟ إن هذا الموضوع يحتاج الى تشريح مفصل ودقيق للتجربة التاريخية لاستكشاف العوامل الفاعلة في التجربة، والذي يحتاج لجهد خاص، وهذا العمل ليس في هذا الباب. وكل ما يمكن قوله هنا هو أن الطبقة العاملة لا تتوصل بذاتها لنظرية الاشتراكية العلمية، بل المثقفين القادمين من أوساط البرجوازية بمختلف مراتبها هم من ينقل النظرية لأوساط العمال، كما أن مبادرات بناء التنظيم السياسي المعبر عن الطبقة العاملة في الغالب هي مبادرات من هؤلاء باعتبار أن القوى المعنية بالتغيير مطالبة بالتنظيم لتقوم بذلك، ويبقى باب الانتساب للتنظيم السياسي العمالي مفتوحا أمام المثقفين الثوريين كسلاح ذي حدين. فكلما عجز التنظيم استيعاب العنصر العمالي والفلاحي (الفلاحين الفقراء) المناضل والمتقدم استيعابا تنظيميا متطورا.. (هذا الاحتواء يتم عبر صيرورة الفعل النضالي مع إنضاجه وتحويله الى تمثيل مواز وفعال..) وعن تكوين وتربية الكادر الثوري وتطويره، كيفا وكما، وسط العمال والكادحين، واستيعاب الحاجات العملية والمهمات الأساسية لتأمين التقدم بثبات لتحقيق الهدف الاستراتيجي، ومحاربة أمراض المجتمع الرأسمالي المتنقلة عبر المنتسبين لتلافي الفردية والأنانية السياسية وتحقيق تواصل عميق ومنتظم وعلاقات متطورة وبديلة كجنين للمجتمع المنشود، يؤدي بالحتم الى دخول قوى أخرى قد تسمح لتسللات وانحرافات عديدة ومتراكمة عبر بوابة العناصر البرجوازية الصغيرة، تؤدي في نهاية الأمر لضرب أو تحريف أو تمزيق وتخريب التنظيم الثوري والحركة الثورية بشكل عام. كما يجب أن لا نغفل أن البرجوازية الصغيرة هي البداية الأولية للنشوء البرجوازي وأنها تمتاز بذكاء في تكتيكاتها السياسية وعلى قدرتها على إخفاء أخلاقيتها المزدوجة التي تجمع بين الدفاع عن الثورة والاشتراكية والحديث عنهما بمنشطات حمراء كبعوث كموني من جهة وبوسائل برجوازية من جهة أخرى، وهو ما يوفر للعدو وسطا مناسبا للتخريب والتآمر.. لتدمير التجارب الثورية. لذا فنجاح التجربة الثورية أو التنظيم الثوري رهين بمدى تفعيل النظرية الثورية التي تستمد أصولها من الواقع الملموس ومدى تكوين الجماهير، المعنية بالقضية، بالنظرية التي تعنيهم نساء ورجالا وشبابا، والتعلم منهم، (ودونها أي الجماهير تبقى النظرية مجرد مفاهيم وشعارات يتوهم أصحابها التغيير بالعبارات)، وحشدهم في نضال موحد ضد أعدائهم ومحاربة كل أساليب، وسياسة، التضليل والتشتيت لوحدتهم، والدفاع باستماتة بقوتهم وفي مقدمتهم عن مشروعهم التاريخي..
هنا أعود لاسم التنظيم، كيفما كان، في صيغته الأولية أو النهائية، وأتساءل هل ثوريته أو تحريفيته أو إصلاحيته أو انتهازيته تحدد من خلال الأسماء التي تتخذها؟ هل اتخاذ اسم يوحي بالتاريخ الثوري أو مستوحى منه بما قد يحمله من جادبية بأزيائه الثورية هو دليل ثوريته وفي حالة العكس أي افتقاره لها هو دليل لتصنيفه في خانة التحريفية أو الإصلاحية وما خلفهما؟ أقول بالطبع لا، وإن هذه الأحكام مفلسة وبئيسة وتافهة وغير مؤهلة لبناء معرفة علمية بالتنظيم المدروس أو المحكوم عليه انطلاقا من الاسم. فكم من أسماء كانت "جميلة" ولكن يحملها الأشرار، وبالمناسبة سأنقل طريفة من التاريخ المروي عن محمد "نبي الإسلام" (الإصابة 40/8) "أن عاصية بنت ابن أبي الأفلح زوجة عمر لما أسلمت أتت عمر فقالت: قد كرهت اسمي فسميني، فقال: أنت جميلة، وقالت: ما وجدت اسما تسميني به إلا اسم أمة؟ وأتت النبي واستسمته فسماها جميلة أيضا، فغضبت، وذكرت ما قالت لعمر، فقال النبي: أما علمت أن الله عند لسان عمر قلبه". فإن كان اسم "جميلة" مرفوض في عصر وجود الإماء (جمع آمة،أي الجواري) فهل هو مرفوض في يومنا هذا؟ أكيد أن في عصرنا، في الغالب، لا أحد قد يغضب من اسم "جميلة" أو يكرهه. وهذا يعكس أن الرفض لاسم "جميلة" في عصر محمد هو نتيجة لاحتقار الآمة، في حين أن الجارية ليست هي كذلك لأنها تحمل اسم "جميلة" أو "مرية" أو "بركة" أو "أم أيمن" أو غيرها من الأسماء، وليس الاسم هو الذي جعلها جارية.. وكذلك التنظيم السياسي فهو ليس ثوريا بمجرد أن يكون اسمه الشيوعي أو الشيوعي الثوري أو الشيوعي الماوي أو الماركسي الثوري أو الماركسي اللينيني أو الماركسي اللينيني الماوي...، أو تحريفي لأن اسمه لا يوجد على قائمة اللائحة الرسمية لكهان الثورة. كما أن المناضل ليس ثوريا بمجرد أن يستعير اسما من أسماء الشهداء أو من أسماء الثوار الخالدين في التاريخ. ولذا فهذا الحكم، أي الحكم انطلاقا من الأسماء، حكم خاطئ وغير صحيح نهائيا وليس طريقة تليق بالبحث العلمي في كشف مدى ثورية تنظيم ما أو تحريفيته، وهو أكثر من ذلك إساءة للشهيد والثورة، بل هو صالح للتشويش على العقول البسيطة، وزرع بذور تشتيت وحدة القوى الاجتماعية والسياسية الثورية. وهذا العمل يصنف في باب الذكاء التكتيكي للبرجوازية، بمختلف مراتبها، والتي تتفوق فيه وتتقنه عبر أبواقها الجسدية والآلية.
إن ثورية أو تحريفية تنظيم سياسي معين لا تحدد من خلال الأسماء التي يعرف بها كما لا يمكن أن تحدد بالإيديولوجية أو بالمنطلقات والشعارات التي يرفعها، لأنه قد يتستر بها عن الحقيقة ويتخذها كتكتيك للخداع والتوهيم لطبقات وشرائح واسعة من المجتمع ويستهدف المحتوى الاجتماعي المغاير أو المضاد. فالزعيق بالثورة وأزياء التطرف والإكثار من الحديث عن البروليتاريا والثورة وفي نفس الوقت رفض التنظيم وتسخيفه وغياب الاهتمام بالواقع الملموس الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والنقابي والحقوقي والثقافي والنضالي، هي من سمات البرجوازية الصغيرة المفرطة في الحماسة والهولسة. لهذا فالشعارات والمنطلقات دون السلوك السياسي الثوري الصحيح، أي دون ممارسة سياسية عملية تنزع للمراكمة لتحقيق أهداف الإستراتيجية الثورية للطبقة العاملة، ليست أساس الحكم والدراسة السليمة والعلمية، بل العكس هو السليم والصحيح، أي العلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة هي الأساس بعيدا عن الخلفيات المقيتة والمنحطة والتي تتوخى عكس ما تدعيه. وفي هذا الباب أذكر بإحدى دروس التاريخ العظيم، والتي جعلتها ملحمة غيفارا ورفاقه خالدة لا تمحى من ذاكرة الشعوب، أن الثوار الكوبيين، رفاق كاسترو وغيفارا، لما كانوا يستعدون للصعود للجبال لم يشغلوا بالهم واهتمامهم باسم الرحلة التاريخية ولا بوضع اسم المجموعة وغيرها من الاهتمامات الشكلية ولا الأنانية المفرطة والذاتية المريضة، بل كان همهم هو جمع المخلصين للقضية التي يتطلع شعبهم لنجاحها وكيفية إنجاز المهمة الثورية التي انتدبوا أنفسهم لتحقيقها. ولهذا كان شعارهم "الوطن أو الموت" (الذي اقتبس منه القاعديون بجامعة ظهر المهراز موسم 1999/1998 شعار "المجانية أو الاستشهاد" بعد معركة إحراق الذات للتسجيل بالسلك الثالث، ليتبناه القاعديون وطنيا من بعد)، وهو ما أدى بالبعض ليسمي الثورة الكوبية بالثورة الرومنسية، وأن غيفارا ومجموعته لما شدوا الرحال الى إفريقيا للقتال إلى جانب الشعب الكونغولي ضد الاستعمار البلجيكي لم يهدروا وقتا في البحث عن الاسم البراق والمشع الذي سيخوضون تحته مقاومتهم، بل كان همهم الإخلاص للقضية، والاستعداد لتقديم أرواحهم فداء لها، وكيف يجعلون لقتالهم معنى.

13 فبراير 2015



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق