كثيرا ما نجد أنفسنا محاصرين بلغة غريبة عن المعنى.. لغة لا تكلف الصحافي أكثر من "نسخ" و"لصق".
يقال اللسان ما فيه عظم، لو كان لتكسر بقوة حجم الجريمة المدسوسة خلف الكلمات، وفي أيامنا مع نهضة الذكاء الاصطناعي قد يتكسر بها العقل أيضا بفرط استعمال الخوارزميات اتجاه الكلمات المستخدمة لتخدير الشعب.
إن الواقع يدق الاجراس، ويدق الأواني من اعتصامات نساء فكيك إلى الطرقات على جدران شاحنات نقل العمال والعاملات بمزارع المستعمر بسوس ماسة.
إنه يدق، ويدق أي شيء، وينذر بدق القنابل وحتى البرق القاتل الذي سيوقظ حتما المتعلم والأمي على السواء، ويستثنى "السياسي" و"الصحافي" وزميلهما "المثقف".. إن ساطور النظام، وكل أنظمة الرأسمالية عبر العالم اليوم، لم يعد يستثني أي كتلة صلبة متبقية من عصر التضحيات لشعوب الأرض في نضالها من أجل الخلاص، إنه يذيب آخر بقعة من المنطق تمنع الباطل ليتمثل الحق، ويستنزف الحق لوضعه على الهامش.
هذا الساطور مرفوع فوق الرقاب وينطق الباطل بوجه حق، معلنا أن "بلادنا اليوم تقدم الدعم الاجتماعي المباشر والدعم عن السكن والتغطية الصحية لجميع المغاربة… أفليست هذه إنجازات تضاهي ما تقوم به دول جد متقدمة في المجال الاجتماعي؟" هكذا نطق لسان رئيس الحكومة المغربية يوم الاربعاء 24/04/2024، خلال جلسة عمومية لعرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، أمام البرلمان بمجلسيه، الممثلين لرجال المال والنهب ورعايا حفظ نظام الكمبرادور، وسماسرة اللعبة السياسية، وهم يفركون أيديهم. إنه تصريح بنشوة الفرح وهو ينتشر بين صفحات المواقع الالكترونية المملوكة.. "بلادنا" على لسان رئيس الحكومة ليس هي "بلادنا" على لسان الشعب، فلكل معناه ل"بلادنا"..
رئيس الحكومة يعرف أن المعنيين ب"بلادنا" يفهمون ما يعنيه، ويفهمون اللعبة، ويعرفون الحقيقة بالأرقام المتستر عليها، ويعرفون الخدعة المدسوسة بعناية خلف التصريح، لهذا هم يفركون الأيادي لزيادة احتياطيات الأموال "الساخنة" لتلبية احتياجات رأس المال، مع سياسة فرض الضرائب على الشعب، وما تخلفه من فتات تحت الموائد، على اليمين واليسار، للبياعة القدامى والجدد..
وهذه النتائج لإنعاش "أشجار المال" الناجمة عن سياسة فرض الضرائب التي ينتهجها النظام، لا تأتي فقط من الضرائب المباشرة، ولا من السطو على ما تبقى من مكتسبات الشعب، ولكن أيضًا من تحصيل ضريبة القيمة المضافة المرتفعة، ومن الأسعار المشتعلة للمنتجات التي تأكل دخل الناس، إضافة الى توسيع وعاء شفط جيوب الفقراء تحت غطاء الاحصاء من اجل الدعم بهدف إدارة فقر الفقراء والترفيه عن تحصيل الضرائب التي تضمن الأموال "الساخنة" والإعفاءات والتسهيلات الإضافية لمجموعات الأعمال.
والأكيد هو أن تصريح رئيس الحكومة، مقدمة توحي أن أطراف اللعبة تعد للاحتفال بجريمة ذبح الشعب، بعد إعلان آخر جولة للحوار الاجتماعي لهذا الموسم يوم 25 من هذا الشهر، أي قبل فاتح ماي بأيام، وستقدم مادة وهمية للنقابات لتمديد عمرها وتجديد جرعة الحياة فيها.. ، إلا أن الشعب لن يستفيد من هذه "النجاحات"/المذابح إطلاقاً، ولا حتى بالفتات، كما حدث في السابق.
إن من "يشعرون بالفرح" هم مجموعات الأعمال الكبرى، التي سوف تستمر في التمتع بالإعفاءات الضريبية وإعانات الدعم الضخمة، ومرونة التشغيل، والاستفادة من خصخصة قطاعات الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم وتحويل التأمين والمعاشات التقاعدية إلى مسألة فردية، مع توفير الارضية لزيادة حدود سن التقاعد، وتجريم الاضراب، كما سيستفيد الحكام الفعليين، أصحاب صناديق التمويل الاستعماري الذين ينهبون أقساطهم مبكراً.