إن شعبنا يعيش واقعا تنعدم فيه سبل الكرامة. المرارة والحرمان والاستغلال
والاضطهاد عناوين حياته، والمسؤول هو النظام. فأصحاب النفوذ والأموال لهم الخدمات الأساسية،
لهم كل ثروة البلاد. أما الكادحون فلهم دريهمات لا تقي من جوع أو برد، وحقهم مضمون
في سوق المناقصة الانتخابية من أجل مناصرة حزب من أحزاب العمالة والخيانة في مسلسل
من مسلسلات البهرجة والتطبيل "للديمقراطية" و"العهد الجديد" من
أجل تمرير مخططات هدفها الوحيد تصفية حق أبناء الشعب وتكريس البؤس على وجوههم وقتلهم
بطرق خفية وبطيئة، تكون فيها أدوات الجريمة غير مرئية. ولكنها، لمن يفهم طبيعة الصراع،
فهي جلية وواضحة.
إن حال الشعب المغربي بشكل خاص وكل الشعوب جعل كل من يحمل ذرة من
الإنسانية يندفع إلى الحراك من أجل إنقاذ هذه البشرية من براثين التشرد والفقر، وذلك
عن طريق إنارة طريقها وفتح عيونها على حقيقة الأشياء لمواجهة العدو ودحره. فخلال الاستعمار
المباشر وبعده في ظل الاستقلال الشكلي، عملت كل القوى الغيورة على مصالح شعبنا على
مقاومة الاستعمار، وواقع العمالة الذي يعيشه النظام القائم ببلادنا وعلى التصدي لكل
الآليات التي كانت تعمل على قبر العقول الحية. ومع توالي الانتفاضات الشعبية، تبلور
التيار الثوري نظريا وممارسة في الشارع السياسي والذي لم يبق أمامنا سوى سنوات قليلة
لطي نصف قرن من عمر ه. إنه والى حدود الآن، لم تجد الجهود المبذولة طريقها الى خلاص
شعبنا وتقرير مصيره. والمفارقة الغريبة تتجلى فيما وصلته تضحيات شعبنا وحجم عطاءاته
النضالية مقارنة مع الممارسات السياسية التي تدور حول حلقات الفراغ، وتملأ الدنيا ضجيجا
بثرثرة الاستعداد قولا لخوض المجابهة، وهي عمليا مستسلمة للمصير الأسود، وعاجزة عن
ملامسة الحقيقة في الصراع أو رؤيتها أو الحديث عنها.
أنطلق لأقول مثلما هو مألوف القول في غالب تحليلات وأعمال الماركسيين
اللينينيين المغاربة، إن غياب الأداة الثورية ينعكس بقوة على واقع نضالات شعبنا. كما
ان الاقرار بهذه الحقيقة من طرف البعض لا يعني ضمنيا استيعاب مدلولاتها من طرف الكل
وترجمتها في افكارواعمال تساهم في الدفع بعجلة الصراع الطبقي الى الامام، إن المساهمة
في نهاية المطاف ذات طابع ملموس. وباعتبار الحركة الطلابية جزء لا يتجزأ، بل رافد من
روافد حركة نضال الشعب من أجل التحرر، فهي بدورها تعاني من أزمة الذات الثورية، وغيابها
يلقي بتأثيره على واقع الحركة الطلابية المغربية. أثير هذا مستحضرة أدوار الحركة الطلابية
تاريخيا كما تشهد لها أعمال المِؤرخين، بحيث يكاد غالبهم يقر بدورها القوي في غالب
بقع العالم. لقد كان لها الفضل في إعطاء انعطاف حقيقي للتاريخ العالمي. فمثلا تشهد
كتب التاريخ على الدور الأساسي للطلبة في 1848 في كل من ألمانيا والنمسا، وفي انطلاق
الحركات الثورية في كل من روسيا والصين وحركات اليسار الماركسي اللينيني في المنطقة
العربية والمغاربية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واليسار الماركسي اللينيني بالمغرب
والثورة الجزائرية، وفي الإطاحة بالعائلة الحاكمة في الصين 1911، وفي فرنسا 1968 وفي
الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع الستينات. وبالإضافة الى أدوارها الأساسية المشهود
لها في التاريخ، تتميز قاعدة الحركة بخصائص مهمة ومساعدة على التأطير السياسي والنضالي،
مثل التزايد المستمر لأعداد الطلبة على جميع المستويات بالرغم من سياسة الإقصاء الممنهجة
من طرف النظام. ويشكلون قاعدة الإمدادات لغالب القطاعات الجماهيرية من نقابات عمالية
وجمعيات ومنظمات ...ويتشكلون من فئات عمرية شابة في سن مليء بالحيوية والحماس والاندفاع،
فئات متحررة من ضغوط العمل والوظيفة والمعيشة والمسؤولية الأسرية وترتبط بفضاء يضمن
لها سرعة التواصل اليومي والتفاعل الدائم والمستمر، خاصة وعصر سرعة التواصل، إضافة
إلى انشغاله بمجالات الفكر والعلم. وهو ما يجعلها من الفئات المتقدمة سياسيا والأكثر
أهلية لممارسة النقد والبحث عن الحقيقة والمناهضة لكل الضغوط الاجتماعية والسياسية.
وغالبيتها منحدرة من الأوساط الشعبية والفئات الأكثر تضررا في المجتمع، وهذه الميزات
لقاعدة الحركة الطلابية تجعل منها الحركة الأكثر تفاعلا في الصراع، بل غالبا ما تتصدر
الصراع في شروط الجزر العام.
أثير هذه النقط لأقول إن الحركة الطلابية المغربية لا تشكل الاستثناء،
فجينات الإسهام في التغلب على غياب الأداة الثورية في الشارع السياسي قائمة. وبالرغم
مما قدمه ويقدمه النهج الديمقراطي القاعدي من أعمال وتضحيات وبرامج نضالية، ضمنت للحركة
الطلابية القدرة على الصمود والتحدي والقدرة على صد الهجمات والمؤامرات وعلى انتزاع
الحقوق والمطالب وعلى الحفاظ على المكتسبات التي باتت محط مخططات التصفية والتدمير،
فإن الأمر لا يعني أن هذا هو الكل في الكل. إن طموح المناضل يستدعي تطوير الإرث النضالي
الحالي وجعل الحاضر يتقدم في مساره لخدمة القضية الكبرى والتي يعد الشعار الاستراتيجي
التعليم الشعبي الديمقراطي الموحد والعلماني جزء لا يتجزأ منها، دون أن يعني الأمر
أن برنامج الحركة الطلابية، البرنامج المرحلي الذي لامس الواقع الموضوعي والذاتي للحركة
وبشكل دقيق وعلمي، قد فقد راهنيته أو خرج عن السياق، أو أنه استنفذ إمكانياته. بالعكس
هذا البرنامج يكثف في العمق الأفق الإستراتيجي الكبير، لكن المسألة العميقة في المرحلة
التي لابد من إثارتها في ظل شروط الزخم النضالي والاندفاعة التي قدمتها حركة 20 فبراير
على المستوى السياسي والفكر التنظيمي والنضالي، هي وجود وحدة في البرنامج وبالمقابل
التعثر الواضح والمؤثر في التقدم في التنسيق النضالي الميداني وتوفير شروط المعارك
القوية والوطنية والخروج من دائرة الحروب الباردة التي يسقيها العدو باستمرار وبشتى
الطرق المكشوفة والخفية، على أيادي أشباه المناضلين والعناصر المشبوهة رغم المحاولات
التي بدلت في هذا الاتجاه:
- دعوة المعتقلين السياسيين لتوحيد
معاركهم النضالية
- نضالات عائلات المعتقلين السياسيين
- اعلان التضامن بين المواقع
- ربط التواصل بين المواقع الجامعية
والدور الذي لعبته لجنة المعتقل في ذلك.
كل هذه الخطوات لم ترقى الى مستوى انتاج الرد المؤطر والمنظم على
المستوى الوطني.ان جسامة المهمة واهميتها جعلها عرضة لكل اشكال الهجومات لهذا فكل تقدم
في هذا المنحى بمثابة انتكاسة للاعداء ومن غير الطبيعي الايدرك المناضلون ان أي تقدم
يحمل معه مشاكل من هذا النوع(التشويش,التسميم,التشكيك او حتى التخوين) لكن يبقى التشبث
بالمباديء وخدمة المشروع والارتباط بالجماهير مفتاح الحل لتجاوز هذا التعثر والدفع
بهذا المسار الى الامام لا العودة الى الوراءتحت دريعة "ّتحصين الذات" .
فلا يعقل أن تكون مشاكل المنحة والأحياء الجامعية والمطاعم الجامعية
والأسس البيداغوجية والبنية التحتية للجامعات والبحث العلمي المتخلف وحرمة الجامعات...
مشاكل واحدة يقف خلفها عدو واحد بتواطؤ من أحزاب وإطارات الذل والعار والخيانة، ونحن
لا نفكر في صنع الرد النضالي الجماعي، حيث نخوض حروبا مشتتة ينفرد بها العدو ويحاصرها
ويضعف قوى الموقع تلو الآخر، ونحن نتباهى بعضنا على بعض دون الالتفات الى مكامن الخلل...
متشبثين بالأنا المفرطة. ولما لا نستلهم من تجارب مهمة مثل معركة المنح لموسم
2012/2013، المعركة التي انطلقت بمبادرة من جامعة ظهر المهراز بتأطير اللجان النضالية
الأوطامية المؤقتة المنبثقة عنها، والتي انتقلت إلى أغلب المدن والمواقع الجامعية في
أفق معركة وطنية مركزية كما كان مسطرا في خلاصات اجتماعات اللجان التحتية المشار إليها،
وللأسف لم تتواصل لعدة عوامل منها هجوم النظام الاستباقي على ظهر المهراز في 15 أبريل
2013 لإجهاضها واستهداف مكاسب أخرى وخنق المعارك في حدودها المحلية.
في تقديري، إن هذا المنحى القائم، سيراوح مكانه إذا لم نفقد مواقع
أخرى. لهذا لا أرى فائدة في الاستمرار في تسخين حروب الذات والعنترية، فالمناضل في
حاجة إلى المناضل، والحركة المناضلة في حاجة إلى الحركة المناضلة وجميعا في حاجة إلى
تجميع قوانا وفي حاجة إلى كل جزيئاتها، في حاجة إلى قوى الحركة في كل مواقع تواجدها،
في حاجة إلى تضحيات المناضلين، في حاجة إلى الجسور مع الحركات المناضلة من أجل تقديم
الفعل وخلق الشروط لخوض المعركة تلو الأخرى ضد العدو، ضد النظام اللاوطني اللاديمقراطي
اللاشعبي. وإن أي انزياح عن هذا المسار قد يخدم أبينا أم شئنا العدو بالدرجة الأولى.
فأخطر ما في الأمر هو العمل بالطريقة والأسلوب الأنسب للعدو. فبقدر وجود الفراغ السياسي
في الشارع بقدر ما تطفو المشاعر الذاتية في التعامل مع أي عمل فكري وأي اقتراح تقييم.
لكن، مهما كان الأمر، فما وصله وضع شعبنا من تدهور وتردي اجتماعيين واقتصاديين، يستلزم
تحمل المسؤولية وعدم التردد في التقدم إلى الأمام، لأنه لا خيار لنا للبحث عن مداخل
فعالة وفعلية للعمل الجاد في الوضع الراهن.
لهذا أرى ضرورة فتح نقاش جدي و ذي أهداف واضحة ومنسجمة، عموديا وأفقيا،
وإزاحة السياج الذي يحمي الأعداء من قوة المواقع والجماهير والمناضلين مجتمعة، وإغلاق
كل الطرق والسبل الخاطئة واللامبدئية التي ينفخ فيها الأعداء باستمرار لتفتيت الجهود
ولقتل الطاقات ولفسخ الالتزامات ولفتح الأبواب على مصراعيها للوشاية وللقيل والقال
وخلط الأوراق وتزييف الحقائق... وتعني هذه المهمة بالدرجة الأولى مناضلي البرنامج الأكثر
وضوحا في الساحة الجامعية المغربية، البرنامج ذي الفاعلية والراهنية، البرنامج المرحلي،
وذلك لقدرة هؤلاء المناضلين على ضبط الانطلاقة من المواقف والمبادئ الأساسية التي يجب
أن تكون بوصلة لرسم إمكانات وخطط العمل الدقيقة، أما من يلهث وراء بناء الإطار الفوقي
فلا مكان لهم في هذا التقدير، مثل جماعة ما يسمى ب"لجنة المتابعة لخلاصات ندوة
23 مارس" وعرابها. هذا إن كان المناضلون يحملون بعد القضية ومقتنعون بأن البرنامج
المرحلي هو برنامج الحركة الطلابية وليس عنوانا يعلق لتشريع التجذر ولضمان صلاحيات
الحديث باسم النهج الديمقراطي القاعدي. فالفهم السليم لن يكون له معنى إذا لم تكن الفعالية
وسط الجماهير الطلابية بشكل واسع ومستمر وملح سنة بعد أخرى، وإذا لم يكن التفاعل مع
الصراع الطبقي والاستعداد لمقارعة العدو ومؤامرات البيروقراطية، تطلعا الى التغيير
والى الاصطفاف بجانب جماهير شعبنا المضطهدة والمستغلة، وبجانب قضيتها الكبرى، والى
الرقي الى مستوى من الصراع المتقدم لإيقاف الهجوم على المكتسبات ولتحقيق مصالح الطلبة
ولإرغام النظام على التراجع وإضعاف قوته والإسهام في تهيئ الشروط الى جانب حركات جماهير
شعبنا المناضلة لهزمه في بؤرة ومعقل الحركة الطلابية. وهذه الإمكانات تتطلب إزالة الغشاوة
عن الأعين وفتح آفاق النظرة البعيدة وتعرية فكرة الحصون والتحصين الوهمي. فلن يستقيم
الحديث باسم النهج الديمقراطي القاعدي إذا لم يفعل دوره في الجماهير الطلابية وطنيا
وبارتباطها بقضايا شعبنا وقيادتها لمسايرة الضرورة التي تحملها المرحلة، أي الضرورة
التي تتطلبها مصالح الجماهير الطلابية والجماهير الشعبية على العموم . فتجسيد البرنامج
المرحلي يتطلب التوعية اليومية في صفوف الجماهير الطلابية والنجاح في جعلها تعتنقه
وتتخذه وسيلة لتؤطر فعلها نحو الهدف والإسهام الفعال في تخصيب الصراع الطبقي ببلادنا.
وهذا الفهم لا يعني موقعا دون آخر، إنه العمق المطلوب ترجمته على
أرض الواقع. وفي نفس الآن، لا يعني الأمر محو التقديرات المتفاوتة أو نقط الاختلاف
إن كانت هناك نقط اختلاف، بل هو محكوم بقناعة أن هذه الأمور تجد مخرجها في الصراع وليس
في السماء المجردة لتنزل فيما بعد الى الأرض. الإشكالات الكبرى والصغرى تحل على الأرض.
وفي السياسة الثورية تحل في خضم الصراع الطبقي، في الفعل الواسع والممتد وطنيا وأمميا
وسط الجماهير المعنية بالقضية، ومن خلال عمل يعكس هذا الفهم السليم، أي بقدرة المناضلين
التأثير على الجماهير والسير في مقدمتها، ستتوفر إمكانية حقيقية لحل ما يبدو الآن خلافا
وبالتأكيد ستبرز إشكالات جديدة أخرى ستكون محط جدال وتفاوت في التقدير لن تجد بدورها
المخرج السليم إلا في الممارسة. أما تحصين المواقع بعزل بعضها عن البعض لاعتبارات خاصة
أو لوجود خلافات أو تقديرات في نقط ما ستترك أمر تطوير الصراع، خصيصا صراع من اجل صد
هجمات العدو على الجامعة المغربية، وعلى التعليم، مؤجلا الى تاريخ غير محدد، إن لم
تتعمق الهوة وتوفر للعدو فرص أخرى لضرب مكاسب أبناء الشعب في التعليم ولتنشيط أدواره
في النفخ في "الأوهام" للتفريق بين المناضلين.
إنه مطلوب وبحدة، الدمج الذكي للقواعد المتعاطفة وللغيورين على قضية
شعبنا، مع الأخذ بآرائهم وتصويبها بنقد علمي بعيد عن أساليب البولميك والتجريح والسب
والشتم وتصفية الحسابات الضيقة، إن الدمج لا يستدعي وضع القيود والحواجز أمام الطاقات
بدعوى الثوابت والمواقف، بل يجب التفاعل وممارسة نقد مرن وذكي لتوضيح وتدقيق النظر
والمقترحات. وهي طريقة لجعل القاعدة في عمق عمليات صنع القرار وتحميلها للمسؤولية وإشراكها
في الفعل والمبادرة الجادة، أما إبعادها عن المساهمة في التقرير وبالتالي إنزال القرارات
عليها دون نقاش سليم تساهم فيه بجدية ومسؤولية فسيبعدها يوما عن آخر عن المشاركة وتصبح
غير معنية بأي موقف أو قرار. وهذه الحالة تنعكس سلبا أمام أي تراجع مفترض وتفتح الإمكانية
للبيروقراطية في التقدم داخل الحركة الطلابية، وأكثر من ذلك تشكل منطق ومفتاح الهوامش
الفتاكة القابلة لتصير مركزا. إن خلق الشروط لفعل نضالي وطني مبني على التنسيق النضالي
وعلى أرضية ملفات مطلبية واضحة وذات ملحاحية وراهنية تستمد روحها من استراتيجية التعليم
الديمقراطي الشعبي الموحد والعلماني، وهذا الطريق في اعتقادي وتقديري سيتشكل كمدخل
إيجابي لتفاعل جدي ولنقاش ديمقراطي يساهم في وضع أسس التقدم لخوض الصراع ضد النظام
اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي ولترسيخ ممارسة ديمقراطية هادفة. إن المقاومة ضرورية
ولا محيد عنها، وأردد مع أدونيس أيام شبابه: "لولا مقاومة هذا اللهيب الذي يعمق
ويخلخل، ...لكان السؤال: هل نحن شعب ينقرض"...
فاطمة الزهراء المكلاوي
مارس 2014
-المغرب -
شارك هذا الموضوع على: ↓