تمر
شعوب المنطقة المغاربية والعربية من مرحلة تاريخية حاسمة وفي غاية الأهمية، من حيث
الدروس المرتبطة بالتحولات السياسية الحالية التي
لعبت فيها الامبريالية أدوارا خطيرة. وتكمن نوعيتها وأهميتها في تعرية واقع الصراع الطبقي والواقع الحقيقي للأطراف المنخرطة فيه بعدما كانت هذه الأنظمة الرجعية والأحزاب الذيلية لها تسعى بكل جهد لإخفاء هذه الحقيقة وترجيح موازين القوى الطبقية لفائدتها. إن هذه الدروس والتحولات السياسية هي في مصلحة الشعوب التواقة للتحرر والانعتاق، إن استطاعت القوى الثورية المدافعة عن مصلحة الطبقة العاملة استلهامها واستيعابها بالشكل المطلوب.
لعبت فيها الامبريالية أدوارا خطيرة. وتكمن نوعيتها وأهميتها في تعرية واقع الصراع الطبقي والواقع الحقيقي للأطراف المنخرطة فيه بعدما كانت هذه الأنظمة الرجعية والأحزاب الذيلية لها تسعى بكل جهد لإخفاء هذه الحقيقة وترجيح موازين القوى الطبقية لفائدتها. إن هذه الدروس والتحولات السياسية هي في مصلحة الشعوب التواقة للتحرر والانعتاق، إن استطاعت القوى الثورية المدافعة عن مصلحة الطبقة العاملة استلهامها واستيعابها بالشكل المطلوب.
فاليوم
وأكثر من أي وقت مضى، يجب على القوى السياسية الثورية ببلادنا أن تستفيد من التجربة
الحالية، لأنها تربية نضالية ووعي سياسي من صلب الصراع الطبقي، إنها تجربة تعيش اليوم
على إيقاع اضطرابات سياسية مهمة للغاية، هذه الاضطرابات التي عصفت بقوى ورموز شائخة
لتحل محلها قوى أخرى ورموز أخرى.
ومنذ
انطلاق ما اصطلح عليه "الربيع العربي" (الذي لم نر أزهاره بعد، بل العكس
جفت ينابيعه وذبلت أوراقه رغم التضحيات العظيمة وآيات البطولة) تم إفراز وضع سياسي
نوعي ومتقدم، مما استدعى من الأنظمة المستهدفة لعب الأوراق الأخيرة التي بحوزتها لتتصدى
لأي مد جماهيري أو حراك شعبي. فهناك من تم اغتياله في المهد (السعودية، البحرين...)
ومنه من أفرغ من مضمونه منذ الوهلة الأولى (سوريا، ليبيا، اليمن...)، وكل بطريقته الخاصة.
ولم يبق في المسار طويلا إلا تونس ومصر. وفي الحقيقة، إن واقع هذين البلدين لا يختلف
عن واقع باقي الدول الأخرى المجاورة من حيث البنية الطبقية .
إن
ما حدث مؤخرا في كل من تونس ومصر هو بمثابة إعلان مكشوف عن العودة إلى ما قبل سنة
2011. فبعد أن تحكم الجيش المصري بزمام الأمورإثر تعنت وإصرارالرئيس مورسي وزبانيته
الاستفراد بالحكم وتهميش الأطراف السياسية الأخرى بما فيها تلك الجوقة الليبرالية التي
دعمته وانقلابه اللحظي على حلفائه، جاءت صناديق الاقتراع الديمقراطية بتحالف
"نداء تونس" الرجعي إلى مقاليد الحكم والذي لا يعد سوى تعبيرا سياسيا لوجه
قديم باسم جديد .
وفي
انتظار حسم مصير زين العائدين، ها هو القضاء المصري يبرئ حسني مبارك وزمرته من التهم
المنسوبة إليهم لتكتمل العودة المظفرة. فبعيدا عن مشروعية أو قانونية حكم القضاء المصري
(لأن التهم الموجهة إلى حسني مبارك وزمرته هي هزلية ومضحكة/مبكية، حيث اختزلت 30 عاما
من البطش والإغتيال والنهب وامتصاص دم الشعب المصري في واقعة الجمل ). إن إعلان القضاء
المصري الموجه عن براءة حسني مبارك هو إعلان سياسي بالدرجة الأولى، إنه إعلان العودة
إلى ما كانت عليه الأوضاع فيما قبل سنة 2011 بشكل هزلي ومفضوح. إنه إعلان التحدي في
وجه الشعب المصري أولا وكل الأطراف السياسية ثانيا. إنه الدرس المباشر والعلني لقوى
التغيير الجذري في مصر والدول المجاورة لتستيقظ من أوهامها ولتسأل وتسائل نفسها أين
هي من هذا الصراع الذي لا يرحم ولا ينتظر؟
إنه
إعلان تأبيد النظام المصري القديم/الجديد، أحب من أحب وكره من كره. ثلاث سنوات إلى
الوراء، كانت شعوب المنطقة المغاربية والعربية تتوعد الأنظمة الرجعية وحلفاءها باقتراب
ساعة المحاسبة والحسم مع العهد البائد الذي سيصبح في متحف الديكتاتوريات. إلا أن الرياح
هبت بما لا تشتهي سفن الشعوب.
إن
في عودة رموز القهر والذل إلى سدة الحكم في كل من تونس و مصر دلالة سياسية واضحة، لأنها
عودة في أساسها متشابهة، وإن اختلفت في الشكل. ففي مصر، ورغم أن الآلة العسكرية هي
التي فرضت العودة، إلا أنها استغلت غضب الشارع السياسي، أي صوت الجماهير المصرية، ضد
فاشية القوى الظلامية. وفي تونس كذلك، فالجماهير التونسية، هروبا من بطش النهضة وفي
غياب قوى ثورية قادرة على صنع الفارق السياسي، ساهمت في إحراز "ندا ء تونس"
على التقدم..
إن
التجربتين الأليمتين في كل من تونس ومصر أثبتتا بالملموس أن الشعبين معا، وهذه الحال
تنطبق على البلدان المجاورة كذلك، في حاجة إلى قيادة سياسية ثورية تكون محطة ثقة وقادرة
على شق الطريق الثوري بلا رجعة، وإلى اجتثات جذور الأنظمة البائدة وآلاتها القمعية،
العسكرية والبوليسية، والتصدي لعرابيها من صهيونية وامبريالية، وفي حاجة إلى تأطير
سياسي من خلال لجن تحتية في الأحياء والمعامل والمصانع والمزارع، لجن مكافحة تجسد الشعار
المرفوع على أرض الواقع، شعار "الشعب يريد إسقاط النظام .
إن
هاتين التجربتين أبانتا عن غياب مروع لأحد أطراف المعادلة الأساسيين، المعنيين بهذا
التغيير، إنه حزب الطبقة العاملة، حيث كان الميدان فارغا، إلا من الجماهير الشعبية
المسحوقة. مما فسح المجال للقوى الظلامية بأن تصول وتجول كيفما شاءت، وفسح المجال أيضا
للانهزاميين لتبرير تهافتهم والاستباق إلى مصافحة القوى الظلامية. لأنه لا خيار أمامهم
سوى التعامل والالتحاق بهذه القوى ذات المشروع الرجعي الفاشي. إن حزب الطبقة العاملة
هو صاحب خيار خوض النضال ضدها وفضح مشروعها أمام الشعب، مشروعها المناقض للشعار الذي
رفعته الجماهير منذ انطلاق الحراك الشعبي، وتبين أن القوى الظلامية لن تعمل إلا على
ترميم النظام واعتماد الأسطوانة المشروخة عفى الله عما سلف"..
أما
جوقة الليبراليين، التي ليست لها أي مصداقية لدى الجماهير الشعبية، والتي تؤمن أشد
الايمان بصنادق الاقتراع "السحرية"، فلم تتجاوز الحزازات الشخصية والأنشطة
المحدودة جدا: المحاضرات المغلقة والشعارات المضللة، ثم تنفيذ التعليمات ومباركة المخططات
التدميرية التي تعمق معاناة الشعوب المضطهدة.
إن
هذا الأفق المظلم، المرسوم من طرف الامبريالية والصهيونية والرجعية، الذي خيم على مستقبل
الجماهير الشعبية في غياب أي ضامن لحقوقها المادية والديمقراطية هو الذي صنع العودة
إلى الوراء تحت قيادة الجيش العميل والقوى القروسطية والظلامية والأخرى الليبرالية
الطيعة، في انتظار تغيير جذري حقيقي بقيادة البروليتاريا وحزبها الثوري..
شارك هذا الموضوع على: ↓