2015/01/02

حسن أحراث// تلاميذ يناير 1984 بمراكش

التاريخ يفرض نفسه، سواء البارحة أو الآن أو متى توفرت شروط ذلك. قد تكون اليوم أو غدا أو بعد غد. نحن، المناضلين، تعلمنا أن "استنطاق"
التاريخ بيد الشعوب. وعندما تثور شعوبنا، سيتحدث التاريخ بطلاقة وسيكشف الحقائق المرة التي عمل المجرمون، أنظمة وإطارات وأشخاص، على إخفائها.. سيتحدث التاريخ عن المندسين والمتسترين وراء الشعارات الزائفة وعن المتواطئين وعن منتحلي الصفة (خاصة صفة المناضلين والشهداء) وعن "الكهان" الذين ينصبون أنفسهم حماة "الملة" و"الدين" و"النظرية".. واستباقا لبوح التاريخ، أصرخ كأحد ضحايا القمع السياسي، وأفضح أحد جرائم النظام المسكوت عنها من طرف الجميع، وأكرر من طرف الجميع.. إنها مأساة أطفال في عمر الزهور، قتل عنفوانها واستبيحت كرامتها وزج بها في المجهول.. من يتذكر تلك العقول الفتية التي دمرت ببشاعة في عهد الحسن الثاني والبصري في يناير 1984؟ من يتحدث عنها في زمن الجوائز والمنصات والندوات والورود؟
للذاكرة والتاريخ والحقيقة، أعيد نشر مقال حول تلاميذ يناير 1984 بمراكش، ولي اليقين أن الأمر يهم كل التلاميذ وبكل المدن المغربية.. إنه نفس النظام.. إنه نفس الإجرام:
تميزت الانتفاضة الشعبية ليناير 1984 عن غيرها من الانتفاضات الأخرى التي عرفها المغرب بالشمولية. فقد عمت جل المدن المغربية باستثناء مدينة الدار البيضاء التي "'تعسكرت" عن آخرها للحيلولة دون إفشال القمة الإسلامية التي انعقدت بها آنذاك، خاصة وأن دخان بنادق القمع الدموي في 20 يونيو 1981 كانت رائحته مازالت مخيمة على أجواء المدينة. وإذا كان القمع الشرس هو الرد الطبيعي للنظام القائم على كل الانتفاضات الشعبية، حيث سقوط القتلى والجرحى في صفوف المواطنين صغارا وكبارا ونساء ورجالا واكتضاض السجون بعد حملات الاعتقال العشوائية والمنظمة، فإن ما ميز أكثر انتفاضة يناير 1984 بمراكش هو الانتقام الفظيع الذي استهدف الأطفال الذين ساهموا بقسط وافر في تأجيج لهيبها. فبعد أن امتلأت دهاليز كوميسارية جامع الفنا بأعداد هائلة من التلاميذ وخاصة تلاميذ المستوى الإعدادي تمت عملية الغربلة والحساب والتدخلات وقدم حوالي أربعون (40) تلميذا معتقلا الى المحكمة الابتدائية ليصدر في حق كل واحد منهم حكم بالسجن النافذ لمدة سنتين، وليوزعوا على سجني الصويرة وآسفي بسرعة فائقة. لقد زج بهم داخل عنابر معتقلي الحق العام المحكومين بمدد طويلة ليتعرضوا لشتى أصناف الإهانة والاستغلال بما في ذلك الجنسي. وإذ أثير حالة هؤلاء التلاميذ المنسيين فلأن صفحة الماضي أكبر من أن تطوى بالبساطة التي قد يتوهم البعض، ولأن المسؤولية تقتضي متابعة ليس فقط الملفات المعروفة بل كذلك الملفات المنسية والتي لم يبادر أصحابها الى إثارتها لسبب من الأسباب. فماذا تبقى لهؤلاء الأطفال بعد اغتصاب مستقبلهم وكرامتهم؟ متى وكيف سيرد لهم الاعتبار؟ فبالتأكيد لا يستحقون الأذى الذي لحقهم من طرف الكومسير المسمى الخليلي، وما أدراك وما الخليلي (ماذا جنيت أيها الحقير؟)، الذي زرع الرعب بمراكش في يناير 1984 وكان وراء انتهاك حرمة البيوت في الليل والنهار ومضايقة عائلات الضحايا طمعا في الترقية والمكافآت. وهل بنسيان أو تجاهل هؤلاء الضحايا الصغار سنبني كهيئات حقوقية وسياسية دولة الحق والقانون؟ وهل سنرضي ضمائرنا من خلال الاهتمام فقط بالأسماء الكبيرة؟ إن هذه الأخيرة قد فرضت نفسها على الجميع ولابد من نفض الغبار عليها إن عاجلا أو آجلا، ولا شك في أنها تدعونا إلى الاهتمام أكثر بأسماء أخرى في حاجة الى جرأتنا والى مجهوداتنا. وأتذكر كيف اهتزت نخبتنا في بداية التسعينات لتشكيل لجن دعم (...) دون أن تتحرك سواء من قبل أو من بعد لنصرة أسماء أخرى في حاجة ماسة الى الدعم والمساندة. إن النضال على الواجهة الحقوقية ممارسة مبدئية غير مشروطة ولا تسمح بوضع زيد وراء أو أمام عمرو. فضحايا القمع السياسي في حاجة الى دعمنا دون أي اعتبار لحجمهم أو انتمائهم أو للون عيونهم. فلننصف هؤلاء التلاميذ كبداية لإنصاف تلاميذ وعموم ضحايا الانتفاضات الشعبية الأخرى ( يناير ومارس ويونيو ودجنبر..)..
المغرب
2 دجنبر 2015




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق