مراكش 1983..
30 مارس 1976، ذكرى يخلدها الشعب الفلسطيني، تشبثا منه بأرضه ودفاعا عنها ضد المصادرة والاستيطان، واستنكارا لجرائم الكيان الصهيوني ومذابحه الهمجية،
وخاصة منها الاغتيالات والاعتقالات التي لحقت الفلسطينيين المحتجين حينذاك (إضرابات ومسيرات...) من الجليل وحتى النقب..
وقد دأب جل المناضلين والهيئات السياسية والنقابية والجمعوية على تخليدها، من خلال تناول القضية الفلسطينية في علاقتها بفلسطين وبجراح فلسطين وبتاريخ وراهن فلسطين وبمستقبل فلسطين..
أنا بدوري، لن أخرج عن القاعدة.. لكن، وفاء للذكرى والذاكرة بجلباب مغربي، جلباب مراكشي أصيل.. من موقع المعاناة المتعددة في المكان والزمان، سأتحدث عن لحظات مؤثرة وجميلة من الزمن الجميل والصعب في نفس الآن.. زمن النضال الصادق والاستعداد اللامتناهي للتضحية.. وأيضا زمن القمع الأسود، زمن الحديد والنار..
قبل تاريخ 30 مارس 1983، ذكرى يوم الأرض، نظم مجموعة من المناضلين عدة لقاءات تحضيرية سرية من أجل تخليد هذه الذكرى بالشارع العام. كان من بين هؤلاء المناضلين تلاميذ وطلبة وغير التلاميذ والطلبة كذلك، وكان من بينهم أيضا مراكشيون وغير المراكشيين، وخاصة الطلبة.. وللأمانة التاريخية، أذكر أن منزل عائلة الشهيد بوبكر الدريدي والمعتقل السياسي السابق الطاهر الدريدي كانت من بين المنازل التي شهدت بدورها لقاءاتنا السرية..
كانت الخلاصة تنظيم مسيرة بالمناسبة يوم الأربعاء 30 مارس 1983 بالحي الشعبي باب تاغزوت (المدينة القديمة). ومن يعرف هذا الحي، لابد أن يتذكر "لا ودة" (الحريرة) و"لعزيبة" (نسخة ما قبل باولو بجامع الفنا) وسينما "مرحبا"..
لماذا بالضبط هذا الحي؟
كان يعقد بهذا الحي سوق أسبوعية، كل يوم أربعاء. وكانت تعرف رواجا كبيرا وحضورا مكثفا لمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، وخاصة المفقرة..
بالفعل، كان الالتزام مضبوطا وصارما.. ففي حدود الساعة الرابعة بعد الزوال انفجرت السوق بالشعارات وبأعلام فلسطين.. اهتزت أرضية "سوق الأربعاء" تحت أقدام المناضلات والمناضلين، وحصلت المفاجأة التي شدت الأنظار واستقطبت الحضور (طبعا، ليس كل الحضور).. ومن بين الشعارات المرفوعة، كان الشعار الأبرز: "حرب التحرير الشعبية هي سبيل الحرية".. وبدون شك، كانت شعارات متعددة متضامنة مع الشعب الفلسطيني وأخرى منددة بالطبيعة الرجعية الدموية للنظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، وبعمالته للامبريالية والصهيونية..
استمرت المسيرة بالشعارات المدوية وبأعلام فلسطين، في زمن عد الأنفاس والحصار، حتى ساحة جامع الفنا (مسافة حوالي كيلومترين).. لحظتذاك، تم تطويق المسيرة بمختلف الأجهزة القمعية.. إلا أنها لم تلو على شيء، غير بعض الأعلام الفلسطينية..
كانت مسيرة، ليست كبعض مسيرات ووقفات اليوم التي باتت مناسبات بطقوس احتفالية للترفيه وأخذ الصور التذكارية..
تفرقت المسيرة في الوقت المناسب وانسحب المناضلون دون أثر..
كانت ضربة موجعة للنظام.. وشكلت محفزا قويا لاستمرار نضالات أبناء شعبنا داخل الجامعة والثانويات ودور الشباب والأندية السينمائية.. وليس غريبا أن ينخرط هؤلاء المناضلون بحماس في انتفاضة يناير 1984..
طبعا، كان الانتقام قويا أيضا: أربعة وأربعون (44) معتقلا سياسيا.. إنها مجموعة مراكش 1984.. كانت التهمة الأقسى: "المؤامرة الغاية منها قلب النظام".. وكان الحكم الأقسى: خمسة عشر (15) سنة سجنا نافذا..
شارك هذا الموضوع على: ↓