2015/04/01

وكزيز موحى// الانتخابات الفرنسية موضع تساؤل..

ببلاد الثورات الاجتماعية، فرنسا، أعلنت الإذاعات والتلفزيون بمناسبة الحملات الانتخابية، انهيار المنظومة السياسية المعهودة، أي تناوب كتلتين حزبيتين، اليمين الليبرالي واليسار الليبرالي، على مقاليد الحكم والسلطة، سلطة الجمهورية
الخامسة منذ 4 ماي 1958. ما حقيقة ما يجري ببلاد إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789؟ وهل فقدت البرجوازية كل إمكانياتها وأصبحت تميل الى عناصرها الفاشية كما في السابق لفرض سيطرتها وسلطتها؟
جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة لتؤكد بعض التخمينات: انتصار اليمين وفشل اليسار وخابت هذه النتائج من فتح الأبواب السياسية والإعلامية على مصراعيه لاحتضان القوى الفاشية وتقديم كل العون لها وأصبحت "الجبهة الوطنية" على كل الأمواج والشاشات مساء وصباحا منذ سنين.
وللذاكرة، إن اسم الجبهة الوطنية تمت قرصنته نظرا لدلالاته التاريخية والسياسية باعتبار تاريخ الجبهة الوطنية في وجه الزحف النازي على فرنسا. وكانت الجبهة مشكلة في غالبيتها من طرف الحزب الشيوعي الفرنسي لمقاومة النازيين، وكانت منظمة أشد تنظيما وأشد عزما ونضالية وقدمت شهداء لا حصر لهم. وهذا ما دفع بالعناصر المتعاونة مع النازية والتي لا علاقة لها بالجبهة الوطنية المقاومة للنازية بعد الحرب لقرصنة التاريخ، بما في ذلك اسم الجبهة الوطنية. قامت عناصر التنظيمات العنصرية التي يعود تاريخها الى عهد نظام فيشى بسرقة الإرث والتاريخ والرمز، وانتحلوا صفة الجبة الوطنية. إن الجبهة الوطنية في التاريخ ، تاريخ المقاومة ضد النازية لا علاقة لها ب "الجبهة الوطنية" الآن التي تأسست (1972 ) مؤخرا وتشكل استمرار الفكر البرجوازي الفاشي بفرنسا الذي نظمته عناصر فاشية لا علاقة لها بالمقاومة، بل كانوا في الطرف النقيض لها، أي المقاومة ومثال لوبن شاهد على ذلك.
كما أن انشغالات البرجوازيات الأوروبية وبالقيادة السلسة للعم سام، بعدما ربحت الحرب والصراع ضد الاتحاد السوفياتي، هو دك مسامير في نعش الحركة الثورية عامة وذلك على الصعيد العالمي، وفتحوا أبواب العنان أولا لتزوير الوقائع والتاريخ وشن حرب إيديولوجية بإمكانات باهظة من أجل كسب الطبقة العاملة وبالخصوص تلك التي عانت الويلات في ظل الأنظمة البيروقراطية على الصعيد الأوروبي والأسيوي، كل ذلك من أجل محورة الرأي العام في صفوف أغلب الطبقة العاملة وشعوب أوروبا وأسيا وباقي العالم. 
ولفهم أكثر النسق العام الذي جرت فيه الانتخابات المحلية لفرز المجالس العامة/الإقليمية يجب الإشارة الى البناء السوسيواقتصادي والثقافي بفرنسا الذي يتشكل من القاعدة المادية للجماعات المحلية (collectivités territoriales: communes, conseils généraux et régions). وهذا الواقع الإداري يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ويعود بنا الى عهد الإمبراطورية الرومانية. وتعتبر فرنسا وقبلها La gaule الوريث الشرعي للبنيان الثقافي والحضاري والإداري والقانوني.. الخ، للإمبراطورية الرومانية. وما التقسيم الإداري لتراب الإمبراطورية الفرنسية الى كومونات ( commune) وبلديات (municipalité ) وعمالات (préfecture ) وأقاليم (départements) إلا استمرار لهذا الإرث الروماني. فلا علاقة ولا أوجه تشابه ولا مقارنة مثلا بين الجماعات المحلية الفرنسية وما يسمى بالمغرب بالجماعات المحلية، فهذه الأخيرة ما هي إلا صورة مشوهة لإدارة محلية مشوهة تعكس البنيان الإداري العام المشوه للنظام بالمغرب وليد الاستعمار. 
ورغم التحولات المفروضة من طرف الاتحاد الأوروبي، فان المجالس العامة المنتخبة كجماعات محلية والجماعة المحلية هنا كمفهوم ومؤسسة إدارية تعني في الواقع السياسي والإداري والاقتصادي والثقافي الفرنسي، الكمونات، البلديات، الأقاليم/المجالس العامة ثم الجهات أو المجالس الجهوية، مؤسسات قائمة بذاتها ولها صلاحيات فعلية في مجالات تمس الحياة العامة المحلية. ورغم تمثيلية السلطات المركزية من طرف العامل le préfet، فإن هذا الأخير لا يتمتع بسلطة عميد الكمونة أو البلدية أو المجلس العام أو المجلس الجهوي، لان هذه المؤسسات قائمة بذاتها وسلطة الشرطة الإدارية غالبا ما تعود للجماعات المحلية les collectivités territoriales. هذه الصلاحيات والسلطات ستعرف تغييرا عميقا مع الإصلاحات الإدارية القادمة والمنسجمة مع التوجهات الليبرالية للاتحاد الأوروبي والحكومة الفرنسية ورئيس دولتها، وهذا موضوع أخر. 
عكست نتائج انتخابات المجالس العامة الأخيرة التي أصبحت بحكم القانون الأخير تعد مجالس إقليمية، حقيقة سياسية لا مفر من الوقوف ولو بعجالة عندها لتسليط بعض الضوء على بعض جوانبها. 
بالإضافة الى التوضيحات أعلاه ، في إطار الأزمة الخانقة التي يمر منها الاقتصاد الرأسمالي الفرنسي، تمكن الحزب الليبرالي اليساري، الحزب الاشتراكي الفرنسي، أن يتربع على مقاليد وكراسي كل السلطة والنظام من أعلى الى أسفل هرم ودائرة حكم ورئيس الجمهورية، الحكومة، أغلبية برلمانية، والى حدود نتائج الانتخابات الأحد المنصرم تمتع الحزب الاشتراكي بأغلبية مجالس عامة/إقليمية الآن بقوة القانون الجديد، ثم مجالس جهوية، مجالس بلدية ومجالس الكمونات. بمعنى أن الحزب الاشتراكي بالإضافة الى تنظيمه الحزبي والهيئات التي سواء يسيطر عليها أو يتواجد بها، يتملك ويمتلك سلطة شبه مطلقة على جميع المؤسسات انطلاقا من أصغر بلدة وكمونة الى باريس وأغلب الجهات والأقاليم ثم الحكومة ومن بعدها رئاسة الدولة. وعلى ما أعتقد لم يسبق أن حصل حزب حاكم على كل هذه السلط في آن واحد، وهذا ما يؤكد عليه تاريخ مؤسسات الجمهورية الخامسة منذ سنة 1958. سلطات وحكم شاسع من القمة الى القاعدة في يد قوة سياسية تدعى الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يعمل ليل نهار على تأكيد وممارسة سياسته الليبرالية. 
عوض تلبية بعض المطالب الخبزية للعمال والفلاحين والمستخدمين علما أن ظاهرة الانتحار بدأت منذ سنين تتوسع في صفوف هذه الشرائح، يتسابق هذا اليسار مع اليمين في تطبيق سياسته الليبرالية التي أتت على اليابس والأخضر في مجالات متعددة منها التعليم والوظيفة العمومية والشغل والصحة والسكن، وقبل ذلك قطاع المالية. ليكن في علم القارئ أن القانون المنظم للقوانين المالية المدعاة La lolf يخضع الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة لقانون السوق ألا وهو العرض والطلب، أي قانون التسيير والتدبير المالي للشأن العام هو نفسه قانون الشركات الخاصة المتعددة الجنسيات، استجابة لضوابط السوق الحرة. بمعنى أخر، إن مؤسسات الدولة بمفهومها العام تخضع لقوانين السوق ولم يعد مفهوم الخدمة الاجتماعية والمصلحة العامة يتحكم في دواليب الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، بل أصبح القانون الخاص هو سيد الموقف عوض القانون العام على علته. 
في هذه الأجواء تمت الانتخابات، أجواء تميزت بضعف القوى الشيوعية والنقابية. بالنسبة للنقابات، فهي تعيش في وضع تحسد عليه. مثلا، عرفت أعرق وأصلب نقابة، الكنفدرالية العامة للشغل CGT هزات واختلالات عصفت بقيادتها (بيروقراطية متفشية، تعاون فظيع مع الباطرونا، غياب رؤية سديدة وسليمة تقود العمال لمهامهم السياسية والمجتمعية، حصر وعي العمال ومجهوداتهم الخلاقة في مطالب ضيقة وهزم معنوياتهم وتفكيك تنظيمهم... الخ). أما الحزب الشيوعي، ثالث قوة سياسية فهو مستمر في احتقار العمال وسائر الشرائح والطبقات الشعبية ولا يرى أو بالأحرى، لا ترى قيادته إلا من خلال التحالف والاصطفاف وراء البورجوازية. وهذا ما عبر عنه الكاتب الوطني للحزب بعد نتائج الفشل المدوي لكل تلاوين اليسار، وهذا الخط للحزب الشيوعي الفرنسي ساهم بشكل قوي في إضعاف الطبقة العاملة. أما التنظيمات اليسارية أو "اليسراوية" الأخرى فهي لا تمثل إلا نفسها.
رغما عن ذلك، لم يتمكن الحلف الفاشي من استلام زمام الأمور الإدارية الاقتصادية والاجتماعية ولو لمجلس عام/إقليمي واحد أي أن الطبقة العاملة الفرنسية في حاجة ماسة لقوى نقابية وسياسية حقيقية تعبر عن مصالحها و تعمل بجد وإخلاص من أجل الاشتراكية. وهذا الغياب الفظيع هو صلب تقدم القوى الفاشية بالمقارنة مع المحطات الانتخابية السابقة. 
لا يمكن الاستمرار على هذه الحال بفرنسا وأوروبا أمام تقدم، حتى لا أقول، زحف القوى الرجعية والفاشية بأوروبا. 
لا خيار بعد الآن، يا إما الفاشية أو الاشتراكية.
  1 أبريل 2015



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق