2015/05/05

أحمد بيان // انتفاضة ماي 1968 بفرنسا..


أسالت انتفاضة ماي 1968 بباريس وباقي المدن الكبرى بفرنسا أنهارا من المداد.. وجل هذه الأنهار/الأقلام البئيسة (المستفيدة والمدفوعة الأجر..) أساءت الى هذه الانتفاضة التاريخية وشوهتها، ثم سوقتها، في أحسن الأحوال، كهبّة طلابية نشاز (معزولة) في "معقل" الديمقراطية وحقوق الإنسان، "معقل الأنوار" (يا لها من أنوار باهتة!!)..

لن أخوض كترف فكري في سياقات الانتفاضة الذاتية والموةضوعية، كشرارة طلابية فعلا. إن ما يهمني بالأساس، وارتباطا بالواقع السياسي الحالي، هو تسجيل بعض الخلاصات (من لا ذاكرة له، لا مستقبل له). إن العيب في كثير من الأحيان هو الغوص في النقاشات أو المتاهات دون تسطير أو تحديد الخلاصات، أي المواقف..
وما يهمني (صراحة) أكثر، هو علاقة الانتفاضة الفرنسية بواقعنا، نحن المغاربة، وبالضبط نحن الماركسيين اللينينيين المغاربة، من حيث استحضار التجربة ودروسها..
وأسجل بالمناسبة على "الرفاق" الماركسيين اللينينيين بالمغرب انسياقهم وراء التطاحنات "الشخصية" (المحكومة بالعجز أولا وبالحقد المجاني ثانيا) بدل إعمال الفكر العلمي (التحليل الملموس للواقع الملموس) والاجتهاد/الإبداع في تناول تجارب الشعوب، ومنها تجارب الشعب المغربي الغنية، من أجل التقدم في معركة التغيير الجذري.. فلا شيء يمنع من إخصاب شروط الثورة المغربية إذا توفرت الإرادة الثورية الحقيقية والصلبة البعيدة عن التفاهات والجزئيات المرضية والطفولية.. شقوا طريقكم الثوري أيها الثوار..
وقبل الوقوف عند النقط الجوهرية المرتبطة بهذه الانتفاضة المجيدة، أشير الى أن هذه الأخيرة تفجرت كنتيجة موضوعية لواقع الصراع الطبقي بفرنسا، أو بلغة "المثقفين" (التائهين والمرعوبين)، نتيجة موضوعية لحالة الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عاشته فرنسا حينذاك، بما في ذلك تأثير الهزائم التي حصدتها فرنسا، خاصة في حربها العدوانية ضد الشعبين البطلين الفيتنامي والجزائري..
بالفعل، وبعد تردي الوضع التعليمي وكذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي الاقتناع بأن المجتمع فاسد كليا وغير قابل للإصلاح، وأنه لابد من تدميره من أجل تشكيل مجتمع آخر جديد، وبعد أن اعتقل البوليس بعض طلبة جامعة نانتير، لأنهم تظاهروا ضد حرب فييتنام ونددوا بجرائم الولايات المتحدة والامبريالية الأميركية تضامن معهم طلاب السوربون في الحي اللاتيني، لتتصاعد وتيرة الاحتجاج تدريجيا لتنضم إلى الحركة، حيث قررت "أهم النقابات العمالية" إضرابا عاما لمدة أربع وعشرين ساعة يوم الاثنين 13 ماي 1968. وتجسد على أرض الواقع، ابتداء من 17 ماي، التحام المعارك الطلابية والمعارك العمالية (مصانع رونو وعمال الطيران...) رغم أساليب المناورة المنتهجة من طرف البورجوازية الفرنسية، وخاصة من طرف CGT الموالية للحزب الشيوعي الفرنسي، التي رفضت الدعوة الى "الإضراب العام المفتوح"، بل رفضت أي تجاوب أو تنسيق مع نضالات الحركة الطلابية.. 
وعكس ذلك، وأمام توسع مجال وتأثير الانتفاضة، انطلقت تحركات الفلاحين بداية من 22 ماي، لتصل في 24 ماي الى كافة المناطق الفرنسية (انفجار نضالات الطلبة والعمال والفلاحين). 
وفي ظل ذلك الوضع الذي لم يكن يخدم المصالح الطبقية للبورجوازية الفرنسية (حوالي 11 مليون عامل مضرب)، تجندت آلة الحوار/التفاوض والمناورة للإجهاز على الثورة وإحباطها، وهو ما تم ابتداء من 27 ماي (تحقيق بعض المطالب الجزئية لصالح العمال، في إطار ما عرف ب"اتفاقية غرونيل" ..). 
وبعد ذلك، في 19 ماي 1968، اضطر ديغول، الرئيس الفرنسي آنذاك (الهارب لما يزيد عن ثمانية أيام)، الى تأجيل اجتماع مجلس الوزراء، ومغادرة باريس، ليعلن عن حل مجلس النواب وعن إجراء انتخابات جديدة في وقت قريب (ذهب ضحيتها الحزب الشيوعي الفرنسي الذي لا يحمل من الشيوعية إلا الاسم)...
وكانت النهاية المأساوية للانتفاضة التي ذكرت العالم بكومونة باريس سنة 1871 التي اعتبرها كارل ماركس أول ثورة بروليتارية في التاريخ، نتيجة الخيانة والتواطؤ والعجز (بالدرجة الأولى).. 
ما هي دروس هذه الانتفاضة/الثورة في إطار ما يهمنا بالمغرب بالدرجة الأولى؟
لا يخفى أن أثر هذه الانتفاضة الطلابية/العمالية قد تجاوز كل الحدود الجغرافية والسياسية والفكرية.. وقد تحصلنا حقنا عندما اعتبرنا في إطار الحركة الماركسية اللينينية المغربية في بداية السبعينات من القرن الماضي أن "الشبيبة التعليمية طليعة تكتيكية". وقبل ذلك، فقد ساهمت هذه الانتفاضة/الثورة،ّ الى جانب عوامل أخرى أساسية، في ميلاد ما عرف على صعيد واسع ب"اليسار الجديد".
الدرس الأول: ضرورة ارتباط والتحام كل مكونات الشعب المغربي، طلبة ومعطلين وعمال وفلاحين وعموم المهمشين والكادحين...، لصنع انتفاضة/ثورة الشعب المغربي...
الدرس الثاني: انتصار انتفاضة/ثورة الشعب المغربي رهين بوجود الحزب الثوري، حزب الطبقة العاملة.. 
إنه التحدي الأول القائم في وجه الماركسيين اللينينيين المغاربة.. فلا مجال للانشغال بغير ذلك.. ولنترك الأمور الصغيرة للصغار..



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق