2015/05/05

أمين أبو الريش // الحروب البكتيرية والبيولوجية الإمبريالية على شعوب القارة الإفريقيا

تتناول هذه الدراسة الحرب البكترية والبيولوجية على القارة الإفريقية من طرف القوى الامبريالية العالمية من اجل استغلال الثروات الطبيعية والمعدنية والطاقية و افراغ القارة من محتواها الحقيقي، ولتحقيق هذا الهدف سعت القوى العالمية
إلى استخدام أسلحة بيولوجية ضد القارة الإفريقية تحت غطاءات غير مباشرة مستعملة مجموعة من الشعارات الجوفاء، والذي نتج عنها حصد لآلاف الأرواح من البشر نتيجة للفيروسات السامة.  ومن الأمراض الوبائية الجرثومية التي نشرتها عبر منظماتها المشبوهة تحت ذريعة "المساعدات الإنسانيةً"،  بدءً بالطاعون إلى الجمرة الخبيثة والى أنفلونزا الطيور والخنازير إلى فيروس السيدا و الإيبولا. وهذه الدراسة ستوضح المفهوم والسياق للحرب البكتيرية/البيولوجية، وكذا خلفيات وتأثيرات وتداعيات هذه الحرب على القارة الإفريقية.

لقد تعددت تسميات التغطيات الإمبريالية المشبوهة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعسكرية، والفكرية، والإنسانية لاستغلال واستنزاف خيرات القارة الإفريقية، مثال: الشركات متعددة الجنسيات، مكافحة الإرهاب الدولي، منظمات حقوقية، ومساعدات إنسانية، التمويل الأجنبي المشبوه، الإعلام المغرض المُوجَّه، الفوضى، التدخل تحت مبرر أسلحة الدمار الشامل، منظمات المجتمع المدني المشبوهة، الأحزاب السياسية المعارضة للقوى الوطنية، افتعال الأزمات والصراعات والتدخل باسم حماية الأقليات، الأمراض البيكترية والفيروسية،...وغيرها من المُسميات .
ولعل من أبرز مظاهر التدخل الامبريالي في القارة في الفترة هي الحرب البكتيرية / البيولوجية،التي تعتبر اخطر وأكثر الحروب فتكاً بالبشر،وأكثر انتشارا وتأثيرا في العالم، ومن هذا المنطلق أخذنا القارة الإفريقية كحالة للدراسة، باعتبارها من أكثر مناطق العالم تضررا من الحرب البكتيرية/البيولوجية استهدافا من طرف القوى الامبريالية العالمية، وعليه جاءت إشكالية دراستنا كالآتي: ما المقصود بالحرب البكتيرية/البيولوجية؟ هل هي حرب طبيعية أم حرب استعمارية مفتعلة ؟وما مدى انعكاساتها على الشعوب الإفريقية؟ وما هي تداعياتها على التنمية الاقتصادية الإفريقية؟..
الحرب البكترية، الحرب البيولوجية، الحرب الجرثومية، تعددت التسميات لكن المفهوم يبقى واحد، فهي الحرب التي تستخدم فيها الكائنات الحية الدقيقة التي تسبب امراض معدية تؤدي في غالب الأحيان إلى العجز أو الموت البطيء والبكتيرية/البيولوجية هي نوع من الأسلحة البيولوجية المتطورة والفتاكة في الفترة المعاصرة، نظرا لقدرتها على الانتشار السريع والإصابة وتأقلمها في مختلف الظروف والعوامل المختلفة، نتيجة للصراع المتواصل بين الدول الكبرى في بسط السيطرة والهيمنة على العالم، ولقد اتخذت الأسلحة البيولوجية العديد من الصور المختلفة لضمان الانتشار والإصابة السريعة مستفيدا من مخرجات التقنية الحيوية والهندسة الوراثية لنشر الدمار والهلاك بين الشعوب، وعليه فالأسلحة البيولوجية هي عبارة عن كائنات حية دقيقة لمجاميع ميكروبية مختلفة مثل البكتريا والفطريات والفيروسات.
"الحرب البيولوجية هو الاستخدام المتعمد للجراثيم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحية الدقيقة وسمومها، مما يؤدي إلى نشر الأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات، وللتأكيد على عسكرة البكتيرية/البيولوجية فقد نشر الجيش الأمريكي في عام 1956،مفهوما للأسلحة البيولوجية قائلا في معناه هي:" استخدام عسكري للكائنات الحية، أو منتجاتها السامة لتسبب الموت أو العجز أو التدمير للإنسان أو الحيوانات الأليفة أو النبات، وليست قاصرة على استخدام البكتريا، بل تشمل أيضا استخدام كائنات دقيقة أخرى ونباتات وأشكال أخرى من الأحياء كالحشرات."
إن المتتبع لصفحات التاريخ العسكري ونتائج الصراعات والحروب بين الأمم والشعوب عبر العصور، سيستخلص أن استخدام الأسلحة البكتيرية/البيولوجية قديم قدم الإنسان انطلاقا من تسميم المياه والمأكولات، عن طريق رمي جثت الموتى من جنود وحيوانات في مصادر مياه الأعداء، الأمر الذي ينتج عنه التسمم بفعل الجراثيم والبكتريا التي تتحلل في المياه،والتي تتحول بدورها إلى أمراض وبائية خطيرة أشهرها مرض الطاعون أو ما يسمى بالموت الأسود، وكذا مرض الجدري، وقد أشارت بعض الدراسات انه في عام 1348م أدى انتشار الطاعون إلى موت أعداد كبيرة من سكان أوروبا نتيجة لانتشار الجثث وسرعة نمو الميكروبات، كما أن البريطانيين خلال استعمارهم لأمريكا استغلوا تفشي وباء الجدري،وذلك بتوزيع بطانيات ملوثة بالميكروبات المُجرثمة على السكان المحليين، وفي عام 1763 تم تلويث مياه الشرب وتوزيع أغطية ملوثة بجراثيم الجدري بين الهنود الحمر من قبل الأوروبيين أثناء غزوهم لشمال أمريكا، مما أدى إلى موت الآلاف منهم، كما استخدمت الأسلحة البيولوجية خلال الحرب الأهلية الأمريكية عام 1863م ، حيث تمَّ تلويث الأنهار والبحيرات بجثث الحيوانات الميتة المصابة بالأمراض المعدية والفتاكة، كما استخدمت بعض دول جنوب شرق آسيا السموم النباتية الجرثومية لتدمير المحاصيل والغابات التي توفر ملاجئ للقوى المعادية.
ومع مرور السنوات وتعدد الصراعات بين القوى الأوروبية ازداد الاهتمام العسكري بالأسلحة البكتيرية/البيولوجية ، وخصوصا مع بداية القرن العشرين حينما اكتشف علماء الهندسة الوراثية و الكيمياء والبيولوجيا غازات سامة تؤدي إلى قتل كل الكائنات الحية بمجرد استنشاقها،وكان أول استعمال لهذه الغازات من طرف الألمان في الحرب العالمية الأولى، حينما استخدموا غاز الكلور ضد الجنود الفرنسيين الذين أصيبوا فيما بعد بمرض السقاوة. ثم توالت الاستعمالات للعديد من الفيروسات والغازات والأحماض والفطريات السامة المختلفة من طرف القوى المتصارعة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية مثل ، غاز الأعصاب، وغاز الفوسجين، والجمرة الخبيثة، هذه الأخيرة التي اكتشفها البريطانيون وقاموا سنة 1941 بأول عملية بحثية علمية بعدما جهزوا قنبلة مليئة بالجمرة الخبيثة والقوها في جزيرة جرينارد الاسكتلندية، حيث نتج عنها إصابة معظم سكانها بمرض الجمرة الخبيثة، وخلال الحرب الباردة أفاد تقرير للجنة العلمية الدولية قُدِّم للأمم المتحدة سنة 1952م في إطار تحقيق لاستخدام أمريكا لأسلحة بكترية وبيولوجية ضد الصينيين وكوريا الشمالية جاء فيه :"إن الشعب في كوريا والصين تعرض فعلاً لأسلحة جرثومية، إن أشياء ملوثة بجراثيم الكوليرا والجمرة الخبيثة وبراغيث مصابة بجراثيم الطاعون وبعوضاً يحمل فيروسات الحمى الصفراء، وحيوانات كالأرانب كلها قد استخدمت لنشر الأمراض الوبائية"، ونتيجة لشدة خطورة السلاح البكتيرية/البيولوجية دعت القوى الكبرى في سنة 1952 إلى عقد مؤتمر بجنيف للتوقيع على معاهدة حضر استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية، الا أن هذه الاتفاقية بقيت حبرا على ورق.
وبعد قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لغزو الشعوب، التي واصلت مسيرة تطوير الأسلحة البكتيرية/البيولوجية لتفرض حكمها وهيمنتها على العالم، كانت وجهتها وحقل تجاربها بلدان العالم الثالث وخصوصا القارة الإفريقية ضاربة عرض الحائط مختلف معاهدات حقوق الإنسان، ومعاهدات حظر استخدام الاسلحة الكيمائية والبيولوجية، وقد أفادت تقارير بان الولايات المتحدة الأمريكية اختارت بلدان العالم الثالث حقلا للتجارب من اجل تجنب أي خطر قد ينجم عن تسرب الفيروسات أو الجراثيم الخطيرة التي يجري تطويرها في مختبرات سرية، كما ذكر تقرير آخر أعده الصحفي الأمريكي" جيفري سيلفرمان" بأنه وجد عدد من المعامل والمختبرات البيولوجية الأمريكية التي تتناثر في جميع أنحاء أوروبا الشرقية وتتجنب بشكل صارخ معاهدة الأسلحة البيولوجية، وفي سياق التقرير يذكر جيفري سيلفرمان أن واحد من مختبرات الأسلحة البيولوجية السرية داخل جمهورية جورجيا قام بإرسال غاز السارين للمجموعات الارهابية المسلحة التي تحارب بالوكالة في سوريا.
ومن هذا المنطلق ما تعيشه القارة الإفريقية اليوم من حصد لآلاف الأرواح من البشر نتيجة للأمراض الوبائية الجرثومية بدءً من الطاعون إلى الجمرة الخبيثة والى أنفلونزا الطيور والخنازير إلى فيروس الإيبولا، ما هو الا نتيجة لمشروع امبريالي صرف هدفه نهب الثروات واستعباد الشعوب بالاستثمار في اللقاحات والمضادات الحيوية للأمراض الجرثومية التي أصيبت بها القارة الإفريقية وفقا للمخطط التالي:
تُجمع اغلب الدراسات التاريخية والسياسية والاقتصادية على أن ارتباط الامبريالية الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، و تواجدها بالقارة الإفريقية هو بالأساس النفط والأحجار الكريمة وكل انواع المعادن من ذهب ، ديامو ، كاستيريت ، ماس ...الخ الثمينة والثروات الموجودة في باطن الأرض، ولحد الساعة لازلت هذه الثروات تسيل لعاب الدول الامبريالية، وذلك بسبب احتياجاتها للنفط الإفريقي نتيجة لتزايد حاجة الصناعة الغربية للنفط،وحسب خبراء الاقتصاد فان إفريقيا تحتوي على أكثر من 10 % من احتياطات العالم من النفط، ويوجد في جنوب إفريقيا وحدها حوالي 40% من احتياطي الذهب العالمي، وفي الجزائر بلغ احتياطي الذهب لسنة 2014 حوالي 173.6 طن، وأيضا في نيجيريا وحدها نجد 37.2 مليار برميل احتياطي من النفط،وحسب تقرير نشرته وكالة روتيرز سنة 2012 يفيد بأنه يوجد في سواحل الموزنبيق حوالي 1.4 تريليون متر مكعب احتياطي من النفط،أي ما يعادل تقريبا احتياطي ليبيا، هذا فضلا عن توفر العامل الجيواستراتيجي، حيث تتميز إفريقيا بوجود مناطق إستراتيجية هامة، وممرات بحرية تتحكم في حركة النقل البحري الدولي منها ممر قناة السويس، وممر باب المندب، ولعل المتتبع للشأن الإفريقي في السنوات الأخيرة سيلاحظ أن الدول الغنية بالنفط هي الأكثر استهدافا من طرف الدول الامبريالية، والتي استخدمت الأسلحة البكتيرية/البيولوجية للسيطرة على هذه الثروات،ولقد كشفت عدة تقارير بأن الامبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تخوض حربا جرثومية باختراع وصناعة فيروسات قاتلة ونشرها في القارة الإفريقية وذلك للمزيد من التغلغل وترسيخ الوجود، ولإثارة الخوف والهلع في أوساط السكان، الأمر الذي سينجر عنه حتماً آثار اجتماعية واقتصادية وسياسة تصب في مصلحة الدول الامبريالية.
ولان النفط والثروات الطبيعية والمعدنية الإفريقية باتت مصدراً هاماً للصناعة الغربية، فقد أوجدت تنافسا شديدا ومحموماً بين الدول الامبريالية، حيث تحولت القارة السمراء إلى بقعة ساخنة لسباق دولي للاستثمار في قطاع النفط والطاقة والثروات المعدنية،وبالتالي فقد حاولت الدول الامبريالية استخدام الأسلحة البكتيرية/البيولوجية في إفريقيا للاستفراد بالكعكة النفطية و الطاقية والثروات المعدنية الإفريقية، وفي مقدمتها أمريكا، حيث تأكدت التوقعات الرسمية الأمريكية في اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على حوالي 20% من احتياجاتها النفطية من إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، ويتوقع مجلس المعلومات القومي الأمريكي أن ترتفع هذه النسبة إلى 25% بحلول عام 2015.

زيادة على ذلك أن الحرب البكتيرية/البيولوجية على إفريقيا تدخل في إطار الاستثمار والكسب المادي السريع، فقد كشف تقرير صدر أواخر 2004 عن اكتشاف لقاح تامي فلو tami flu  ضد وباء أنفلونزا الطيور الذي عرف باسم "H1N5" والذي وصل سعره إلى 50 دولار، وارتفع سعره سنة 2008 إلى 57 دولار، ويكشف التقرير أن الشركة التي كانت تسوق هذا اللقاح هي شركة "جي ليد" "Gilead" الأمريكية والتي كان يترأسها وزير الدفاع الأسبق في عهد جورج بوش الابن دونالد رامسفيلد، كما أظهرت القوائم المالية لشركة روش السويسرية العالمية على ربح صافي بلغ نحو 750 مليون دولار فقط خلال عام 2005، وهذا قبل الظهور القوي لفيروس أنفلونزا الخنازير على الساحة أو ما يعرف باسم "H1N1"، كما أنتجت نفس الشركة لقاح "تامي فلو"  "tamiflu" ضد فيروس أنفلونزا الخنازير وحققت أرباحا في عام 2006 بلغت حوالي 9 مليارت دولار، ومن خلال تقارير المنظمة العالمية للصحة نرى نفس الشيء قد طُبق مع مرض الجمرة الخبيثة ومرض أنفلونزا الخنازير، ومرض الإيبولا، حيث كشف تقرير صادر عن البنك الدولي في الآونة الأخيرة أن أرباح شركات الأدوية العالمية بلغت حوالي 20 تريليون دولار، ووفقا لدراسة طبية نشرتها جامعة هارفرد البريطانية تفيد بأن عدد شركات الأدوية العالمية ضد الفيروسات القاتلة بلغت حوالي 121 ألف شركة، تسيطر فعليا على السوق 25 شركة منها شركات أمريكية وأوروبية، منها مثلا شركة روش السويسرية حيث قدرت مبيعاتها خلال سنة 2014 36,1 مليار دولار، وحققت شركة نوفارتيس أعلى نسبة مبيعات بقيمة 50.5 مليار دولار.

وهذا ما يؤكد بان شركات الأدوية ومراكز البحث هي التي تنتج وتنشر الفيروسات القاتلة التي ظهرت في السنوات الأخيرة بوتيرة منتظمة كل عامين وتجني من وراء تصنيع الأدوية والأمصال ملايين الدولارات، ودليل القائلين بهذه النظرية هو اختفاء وتلاشي المرض والوباء بصورة فجائية ونهائية بعد عملية جني الأرباح.
وفي ذات السياق إن توفر الظروف الطبيعية والمناخية كان وراء اختيار الدول الامبريالية القارة السمراء كحقل تجارب لاستخدام وتطوير الأسلحة الحيوية والبيولوجية، حتى يتم إبعاد الخطر ولا تتأثر من انعكاسات التجارب والاختبارات،ولقد أكدت عديد الدراسات بأن الدول الامبريالية وعلى الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني أنفقت ملايين الدولارات لتطوير الأسلحة الحيوية التي كان بعضها في طي الكتمان، كما أكدت العديد من التقارير الإخبارية بأن الأوبئة والفيروسات القاتلة هي صناعة غربية وأمريكية على وجه الخصوص، وهذا ما ذهب إليه الدكتور سيريل برودريك متخصص في أمراض النباتات في كلية الزراعة والغابات بليبيريا باتهامه للغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وتحميلها المسؤولية عن تفشي وباء الإيبولا في دول غرب إفريقيا، وقدم دلائل تدعم اتهامه وطالب الدول الفقيرة ومنها الإفريقية باتخاذ إجراءات رادعة ضد التجارب الطبية التي تجريها الولايات المتحدة الأمريكية على مواطني هذه الدول ليس بغرض طبي وإنما بهدف اختبار الأسلحة البيولوجية، وهو ما أكده موقع "جلوبال ريسيرش" في قوله: إن الولايات المتحدة الأمريكية هي من نشرت وباء الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية على الرغم من علمها بالتحديات الهائلة التي ستواجه الدولة الفقيرة،حيث أن تلك التحديات المالية واللوجستية ستحول الفيروس إلى أداة من الإرهاب البيولوجي لقلق الجميع بشكل مبالغ فيه، وفي ذات السياق يذكر الموقع إن وزارة الدفاع الأمريكية قامت بتمويل تجارب حقن البشر بفيروس الإيبولا في سيراليون وغينيا قبل أسابيع من انتشاره، ودفعت 140 مليون دولار لشركة أدوية كندية لإجراء البحوث على الإيبولا. والجدير بالذكر أن الدول الامبريالية تركز حاليا على تغيير النمط السياسي والولاء الحكومي في المنطقة الإفريقية، وذلك بالتدخل عسكريا تحت غطاء محاربة الأوبئة والفيروسات القاتلة، وهذا ما أشارت إليه الكثير من التقارير الإخبارية، فقد جاء في تقرير نشرته إحدى الصحف المحلية النيجرية" أن طبيعة تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع الأزمة تعكس الكثير من المخاوف والشكوك حول وقوفها وراء القصة بالكامل"، وعلقت الصحيفة على قرار الولايات المتحدة بإرسال قوات أمريكية إلى الأماكن الموبوءة في إفريقيا قائلة: " هل يتطلب وباء مثل هذا إرسال أطباء استشاريين وباحثين أم إرسال عناصر من الجيش الأمريكي مدججة بالسلاح والعتاد؟"، ومن هذا المنطلق إن دراسة متأنية للجغرافيا السياسية للقارة الإفريقية وهي من وضع الدول الامبريالية، تجعلنا نستنتج أنها خريطة معطلة لكل تنمية ولكل نهضة افريقية حقيقية،وهكذا تظل قاعدة التخلف الاقتصادي والاجتماعي وللاستقرار السياسي مُطبقة بشكل متواصل من قبل أنظمة الحكم الموالية للدول الامبريالية.

التأثيرات والتداعيات:
في آخر تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية خلال شهر ديسمبر 2014، يكشف عن وجود 18 وباءً وفيروسا قاتلا وفتاكا منتشرا في عدة دول افريقية وآسيوية تم رصدها عالميا، وتأتي الدول الإفريقية في مقدمة انتشار هذه الأوبئة والفيروسات، ومن حيث عدد الضحايا فقد احتلت القارة السمراء المرتبة الأولى، حيث أكدت دراسة لمجموعة من الأطباء والباحثين نشرت عام 2012 عن وفاة 280 ألف شخص بسب مرض أنفلونزا الخنازير، وبخصوص فيروس أنفلونزا الطيور فقد ذكر إحصاء أعلنته منظمة الصحة العالمية لسنة 2014 ان عدد وفيات وصل الى حوالي 400 وفاة، وتسبب فيروس الإيبولا في وفاة 90 % من ضحاياه، ومن المتوقع أن يصاب به نحو3.4 مليون شخص خلال عام2015 .
زيادة على ذلك فقد لعبت وسائل الإعلام العالمية دورا كبير في ترويع وتخويف الناس بسبب انتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة، حيث ذكرت صحيفة "هافنتون بوست" في نسختها الفرنسية إلى أن هناك أيادٍ خفيَّة وراء الحملة الإعلامية الشرسة، وتحت عنوان: إفريقيا..القارة المريضة" ذكر موقع اخباري أن انتشار الأوبئة في إفريقيا تستغله جيدا وسائل الإعلام التي تشيع الذعر في موطن الوباء والبلاد المجاورة له،لافتا إلى انه سرعان ما يتحول المرض إلى قضية سياسية كبرى تتاجر بها جهات ومنظمات عالمية، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة "برافدا الروسية" أن نشر الفيروس يحقق مكاسب ربحية عن طريق تخويف العالم بالفيروس من خلال وسائل الإعلام ،ومن هذا المنطلق نستشف بان الدور الإعلامي  في ترويع وتخويف المواطنين هدفه ربح مادي، وذلك بالاستفادة من إعلانات شركات الأدوية العالمية والتي بلغت في عام واحد سنة 2008 حوالي 87 مليار دولار وفقا لأرقام مستقاة من معهد الأبحاث العالمي (جالوبGallup )، وهذا ما يؤكده الباحث عبد الجبار الغراز في مقاله" إيبولا وداعش..اية علاقة؟" قائلا:(( إن المشاهد الدراماتيكية التي يصورها الإعلام المتواطئ مع هذا الاقتصاد المعولم لضحايا إيبولا تسجل بالواضح اشتراك الماركوتينغ وعلم الوراثة في ارتكاب هذه الجرائم في حق أناس أبرياء يدفعون من حيث لا يدرون حياتهم ثمنا من اجل إنجاح إخراج مسرحية سخيفة اسمها فيروس إيبولا)).

وليس ببعيد فإذا كانت الحرب البكتيرية/البيولوجية أثرت سلبا على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، فقد كان لها الأثر السلبي الكبير على التنمية الاقتصادية في إفريقيا، حيث أوضح تقرير جديد للبنك الدولي صدر بداية شهر اكتوبر2014 انه في حالة استمرار انتشار الأوبئة والفيروسات القاتلة بإفريقيا وخصوصا إذا لم يتم احتواء وباء الإيبولا،فستصل الخسائر المالية في المنطقة إلى 32.6 مليار دولار بنهاية عام 2015، ويفيد التقرير بأنه في البلدان الأكثر تضررا من الأوبئة الفتاكة خصوصا غينيا وليبريا وسراليون، فإن الآثار الاقتصادية للإيبولا قد تصبح كارثية.

ويبدو أن هذه التقديرات هي ناتجة عن الترويع الإعلامي لخطورة تفشي الأوبئة والفيروسات القاتلة بإفريقيا، الأمر الذي أدى إلى تخوف الدول التي لم يتفشى فيها الوباء وسارعت إلى غلق الحدود، وأوقفت التعاملات التجارية والسياحية مع البلدان المتضررة من انتشار الأوبئة والفيروسات القاتلة وذلك بفرض قيود على المسافرين، فحسب تقرير البنك الدولي الأخير يذكر  أن 65 % من حجوزات الفنادق في غامبيا قد ألغيت منذ ظهور مرض الإيبولا في غرب إفريقيا بسب التخوف من الإصابة من المرض. هذا بالإضافة إلى تعطل القطاعات الزراعية والصناعية بسبب انخفاض إنتاجية العمل بسبب مرض العمال أو الوفاة، والذي أدى بدوره إلى تراجع معدلات الناتج المحلي للدول الإفريقية، وبالتالي زيادة كبيرة في مستويات الفقر، أضف إلى ذلك تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات الإنتاجية.
وعلى مستوى آخر، وبالرغم من الإقرار بأن انتشار الأوبئة والفيروسات القاتلة هو صناعة غربية، الا أن عدم التحكم والسيطرة على انتشارها واحتوائها سيؤدي حتما إلى انعكاسات سلبية على الدول الإفريقية التي تشهد صراعات عرقية مسلحة، أو تشهد نشاط متنامي لمنظمات إرهابية وخصوصا في منطقة الساحل الإفريقي، ونيجيريا، وجنوب السودان، مما سيشكل تهديدا للأمن والسلام ، فقد كشفت بعض التقارير الإخبارية بوجود بوادر لتطوير أسلحة بيولوجية تقوم على إنتاج البكتريا والفيروسات من جانب بعض التنظيمات الإرهابية، وتوظيفها سواء في الصراعات الداخلية أو في مواجهة دول الجوار أو لاستهداف حركة الطيران العالمي، حيث كشف موقع مجلة" فورين بوليسي" الأمريكية في 30 أوت 2014 على أن بعض الخلايا الإرهابية التي تم ضبطها في تونس المنتمية لتنظيم" الدولة الإسلامية (داعش) كانت بحوزتها ملفات حول كيفية صناعة أسلحة بيولوجية لنشر الأمراض الوبائية مثل الطاعون واستخدامها في أماكن مثل محطات مترو الأنفاق أو الملاعب الرياضية....".

اذن يمكن القول وفي إطار تطور الأسلحة البكتيرية/البيولوجية وتنافس القوى الامبريالية العالمية على استخدامها، باتت آثار هذا التنافس تنعكس على امن واستقرار القارة الإفريقية، وعليه بات من الضروري العمل من اجل فضح كل المخططات الامبريالية في القارة السمراء، و النضال ضد كل الانظمة الرجعية التي تحمي كل هاته المخططات من اجل مصالحها و لمواجهة المخاطر المتعددة التي تواجه القارة الإفريقية و التي تجعل من القارة السمراء حقلا لتجارب واختبارات الأسلحة الحيوية والبيولوجية، كما أنه يتعين على الشعوب اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها تمكين الأفارقة من أخذ زمام المبادرة ومواجهة التحديات المحدقة خصوصا الأوبئة والفيروسات القاتلة والفتاكة التي أصبحت لا تعرف الحدود.
5 ماي 2015



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق