12‏/05‏/2015

حمزة عيطاوي // الصدق هو قول الحق في وقت يكون الكذب يتمتع بالحماية (الجزء الثالث)


حول مبدأي الوحدة والسلمية


بداية لم يسبق لأنشطة ونقاشات 20 فبراير وطنيا وعلى مستوى الدار البيضاء أن كان محور نقاشها مبدأي الوحدة والسلمية، سواء للحسم فيهما أو سواء للإدلاء
بآراء المناضلين في الموضوع. وطبقا لما تعلمته في تجربتي السياسية المتواضعة خصيصا داخل حركة 20 فبراير، يعد أي موقف أو رأي أو وجهة نظر لم يتم الحسم فيها في أنشطة الحركة وهياكلها التقريرية، والتي تعد الجموعات العامة أعلاها لحدود ما وصلته تجربة الحركة، غير ملزم للحركة مهما تشدق به العشرات من نشطائها ومهما كتب عنه هذا أو ذلك ولو ببعد صادق. وعليه يمكن القول أنه لا يمكن لأحد أن ينصب نفسه استاذا للحركة بإمكانه تقديم دروس للمراجعة والحفظ لشبابها على شاكلة البديهيات الرياضية بمطالبتهم تحميلها كمبادئ عقلانية دون برهان علمي. فكل ما يمكن أن يقوم به الفرد الواحد سواء من داخل الحركة أو من خارجها هو إدلاؤه برأيه والعمل على تقديم ما يكفي من مقومات الإقناع من أجل تسييده. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الوحدة والسلمية قد يكونا محط نقاش شديد وقوي بين النشطاء السياسيين والمناضلين الميدانيين داخل الحركة وخارجها. وذلك راجع لموقع ووجهة نظر كل طرف، فردا أو مجموعة، في الصراع الطبقي الدائر داخل المجتمع المغربي.
مبدأ الوحدة
بداية: في مثل ذات النقاشات يعد الحديث والإحتماء بالوحدة كمبدأ هو احتماء بحصن جذاب وجميل، في حين أن مثل هذا الحصن لا يبنى بالكلام المنمق وبالأستاذية المتعالية، لأن الوحدة لها أسس وقواعد ودونها تحول الى ثرثرة ولغو واحتيال سياسي في بعض التكتيكات السياسية. كما لا يجب الخلط بين الوحدة ومفاهيم سياسية أخرى مثل التحالف والإتفاقات السياسية وغيرها من المفاهيم السياسية الفوقية التي تقترب منها دون أن تحدها. فالوحدة لها أسس تحتية طبقية تحكم قيامها العلمي والتاريخي، أي ليست من حجم الإتفاقات الفوقية، فهي تعني الاتفاق على مبدأ أو مبادئ ومصالح وأهداف تشترك فيها الأطراف المنخرطة في العملية الوحدوية والممارسة طبقا لها، وهو ما يعني أن الوحدة ليست خطوة أو عملية من حجم الإتفاقات المؤقتة والعابرة التي قد تشكل بين أطراف بالرغم من اختلافاتها المبدئية وتناقض آرائها. ومنه القول: كيف يمكن احداث وحدة في جسم مفتوح يستقبل مختلف الفئات والطبقات الإجتماعية والتي تشكل الأساس للآراء المختلفة ولوجهات النظر التي تصل لحد التعارض والتعادي كانعكاس لتشكيلته الطبقية غير المنسجمة؟ ألن يكون ذلك من قبيل الإقصاء أو دوبان أطراف لسيادة أطراف أخرى سواء في المرحلة الراهنة أو مستقبلا؟ إنه من المستحيل ومن اللاعلمية الحديث على وحدة في ظل حركة تلف داخلها مختلف الأحزاب والجماعات باختلاف مبادئها وشعاراتها ولو في حدود من تدعي اليسارية والديموقراطية والدفاع عن مصالح الشعب والكادحين.. إن ذلك من المستحيل في حقل يلف "يساريين" لا يحملون من اليسار سوى الإسم مثل الاحزاب المدعوة يسارية لذا السيد النوضة والتي لا تتردد في التعاون والخضوع للنظام ووجود جماعات وتيارات مناضلة وثورية تهدف لإسقاطه. وعلى هذا الأساس نعتبر كل محاولة تمرير مبدأ الوحدة بأي طريقة من الطرق هو في العمق تسويق الحركة في بورصة السلم الإجتماعي. لهذا فعبارة مبدأ الوحدة داخل حركة 20 فبراير بين كل الأطراف المنخرطة فيها هي عبارة لا قيمة لها لانه ببساطة مبدأ يقدم في شرط غير شروط بنائها وتحقيقها وعلى اساس غير علمي. فمبدأ الوحدة يمكن ان يتحقق بين جماعات أو طبقة منسجمة تجمع على مبدأ واحد وشعارات واحدة واهداف واحدة مثلا يمكن الحديث عن وحدة الطبقة العاملة وهو ما يعكسه الشعار التاريخي "يا عمال العالم اتحدوا" أو الوحدة من داخل النقابة العمالية أو الطلابية كتعبير علمي عن وحدة مصالح التشكيلة الطبقية المعنية التي تشكل الشرط الأساس لوجود وخلق إطار الوحدة، فكل طبقة داخل المجتمع لها مصالحها الخاصة الموحدة والتي على ضوئها تحدد أهدافها والتي تختلف عن باقي مكونات المجتمع, وفي كل نضال مشترك بين طبقات المجتمع تعمل كل طبقة على تحقيق أهدافها وليس أهداف كافة الطبقات المنخرطة في النضال المشترك وتعد فئات البرجوازية الصغيرة العاجزة عن خوض الصراع وقيادته الفئة الرائدة على تسييد حلم التوفيق بين مصالح الطبقات كتكتيك سياسي لاستثمار تضحيات الكادحين ككل، في ظل مرحلة لم يعد فيها لذا البرجوازية أي مصلحة في تغيير النظام السياسي بل بالعكس واجبها الميداني هو بتر كل حركة تهدف للتغيير عكس طموح الطبقة العاملة التي ليس لها أي مصلحة في استمرار النظام القائم.
ولهذا تعد كل محاولات تثبيت هذا المبدأ، مثلما كان سابقا العمل من طرف جل الإتجاهات من داخل "حركة 20 فبراير" لتسييد شعارات المهادنة وترويض الجماهير للثقة في الإصلاحية والرجعية بدعوى أن الشعار الثوري يبعد الجماهير عن الإلتحام والتفاعل مع أشكال الحركة وكأن الثورة جريمة وكذا السير طبقا لتوجيهات ما سمي بمجلس الدعم، هي عمليا جر الحركة لتقوية اللعبة السياسية من موقع "يسار" خاضع لإرادة وأوامر النظام وأهدافه ومصالحه السياسية وجعل العناصر والجماعات والتيارات الرافضة والمناهضة، والتي تتبنى المقاومة الصريحة للنظام، تلتحق باللعبة تحت يافطة المبدأ البراق والجميل "مبدأ الوحدة". ففي الوضع الحالي، لا يوجد اساس لمبدأ الوحدة وهذا لا يعني انعدام امكانية التحالفات بين الأطراف الثورية للمقاومة والنضال ضد النظام من أجل بناء نظام متحرر من قبضة الرأسمالية الإستعمارية وعملائها المحليين من كومبرادور وملاكين عقاريين كبار وبيروقراطيين عسكريين ومدنيين والذي يعد أول الشروط لتحقيق اتفاق فعلي متقدم وفي مصلحة الجماهير الشعبية من داخل الحركة أو خارجها وأقول اتفاق وليس الوحدة. فمبدأ الوحدة يتطلب الاتفاق على الشعار الموحد والهدف الموحد وهذا ما لا يتوفر طبقا للإفرازات السياسية داخل الحركة وخارجها لهذا قلت بالإتفاق ولم أقل بالوحدة. إنه الخيار الواضح بين الوحدة النضالية المؤطرة بالرؤية الثورية والوحدة تحت سقف السلم الإجتماعي والرضوخ لإشارات وتوجيهات النظام فليس هناك رؤيا تستند لمصالح المستفيدين والسماسرة والبيروقراطيين وتريد التغيير كما ليس هناك رؤيا تستند لمصلحة من لا يملكون وسائل الإنتاج ولا يكون هدفها أولا وأخيرا المقاومة والثورة. فمهمات الثوريين ليست الذوبان وسط برامج وأهداف قوى الإنبطاح والخضوع والسلم الإجتماعي من قبيل "الملكية البرلمانية" و"محاربة المخزن" ودفع الجماهير المنتفضة للثقة في أحزاب الذل والخيانة لكيلا يخالفوا الشعارات الجميلة والبراقة والمراد منها الخداع والتضليل وتأمين صرح الملكية وتجميله لكي يناسب العصر مثلها مثل دعوة هشام إبن عم الملك.
مبدأ السلمية
بالتأكيد أن ما أفضى إليه تاريخ البشرية في عصر الرأسمالية، والذي لا يستثنى منه مجتمعنا المغربي، هو سيطرت الطبقات الرأسمالية الحاكمة، أي البرجوازية الإمبريالية والبرجوازية الكمبرادورية اللتان استنفذتا كل امكانيات التقدم، على كل شيء وبالدرجة لأولى كل أجهزة القمع من جيش والشرطة والدرك والسجون والمخافر.. والقضاء والقوانين ومؤسسات الخداع والتضليل السياسي والإديولوجي والأموال والإعلام وغيرها من وسائل وأدوات القوة والبطش والتضليل، وتحولها، أي الطبقات الرأسمالية الحاكمة، لعالة حقيقية على المجتمعات بتكديس الثروة في يد اقلية ضئيلة من البشر وتدميرها، أي المجتمعات البشرية، بالازمات الاقتصادية والازمات المالية وحروب الخراب والبطالة والجوع والفقر والجهل.. وتعرض مستقبل كوكبنا للدمار، وتعيق وتناهض بكل ما تملك من قوى أي إمكانية للتخلص من هذا الواقع البئيس والفضيع ولو كان ذلك على حساب أرواح وحريات ابناء الشعوب وأحرارها. وفي المقابل طبقات محكوم عليها بالكدح وانتاج الثروة للأقلية المسيطرة تحت ما يسمى خداعا قوانين ملزمة للجميع ولا تترك للشعوب الكادحة أي امكانية للتحرر سوى الاعتماد على كثرتها وتلاحمها وتضحياتها لإسقاط سلطة الإقلية والقضاء على سيطرتها الطبقية وتحرير قوتها، وهو ما تقف ضده الأنظمة الرجعية بجبروت القمع بالحديد والنار، وتاريخ البشرية خير شاهد على حقيقة هذا الصراع. وهذا ما يجعل التغيير السلمي, أو تغيير المصالح الطبقية بطريقة سلمية، أو النضال السلمي، ضرب من التمني الجميل المبني على الوهم وليس على حقيقة ما يجري فعلا في الصراع، والذي له إيقاعه وحدته طبقا لموازين القوى مما يجعل مبدأ السلمية أو النضال السلمي غير مطروح بالنظر لواقع الصراع من موقع التغيير الفعلي لصالح الشعوب الكادحة. هذا من حيث الفهم العام لواقع الصراع الطبقي وللقوانين المحكوم بها بغض النظر عن أفكارنا ووجهات نظرنا الفكرية أو السياسية.
لكن السؤال هو ما المقصود فعلا بالنضال السلمي أو بالثورات السلمية عند دعاتها؟ أليس الحديث عن الثورات السلمية هو الدعوات للإقتداء بتجارب مصر وتونس بربط "اسقاط النظام" برحيل بعض رموز السلطة استحضارا لشعارات "المجدي ارحل" والهمة ارحل" قبل الإمتثال لإشارات القصر بعد تمتين مربع السلطة بهما؟ إن افتراضنا أن هذا هو المطلوب بالحديث عن السلمية فهو في العمق نضال يرمي لتغيير رموز السلطة الفوقية اقتداء بنموذج شعار "ارحل" دون المساس بالمصالح الطبقية للطبقات المسؤولة على استمرار التخلف ومعاناة الشعوب وتردي المجتمعات البشرية وتقديم النماذج الغربية أي الإستعمارية كنماذج لمشاريع برامجها وإجاباتها في المرحلة، مرحلة أزمة النماذج الغربية وافلاسها، وهذا ما يجعل من أصحاب هذه الدعواة ومنهم النوضة أكثر دفاعا عن اليسار الملكي أكثر من دفاع اليسار الملكي عن نفسه مادام هذا الأخيرة لا يخفي تلطيف المواجهة والصراع مع العرش ومع المصالح البرجوازية الكمبرادورية والعقاريين الكبار والسير خلف الملكية مع صلاحيات المعارضة في حدود التحديث والترميم لتساير العصر ولا يخالف أي إشارة صادرة من القصر وتغييب قضية السيطرة على السلطة السياسية من برامجها والتي من خلالها تقرر مصلحة من يسود، وهو في العمق تخلي عن المصالح الحقيقية لشعبنا أي التخلي عن نسف كل أسس الإستغلال والظلم والفقر والجهل والتشريد.. في حين أن تحول الحركات المناضلة الى حركات عنيفة ليس خيارا ذاتيا بل هو خيار تدفع له الرجعيات بكل الطرق والوسائل، لكن متى تدفع لذلك؟ إن الطبقات المسيطرة في الغالب عند عجزها على تقديم إجابات على مطالب الشعوب، كما هو الحال في المرحلة الراهنة والذي اثبتته تطورات انفجارات المنطقة المغاربية والعربية، تدفع بالصراع ليأخذ المجرى الذي تتفوق فيه وتملك كل مقومات حسمه لصالحها، لهذا فخيار المعارك العنيفة هو خيار يفرض على الحركات المناضلة والثورية مع تطور إقاع الصراع مع القوى الرجعية لأن الطبقات المسيطرة على السلطة تظل متشبثة بمصالحها وبسيادتها وهي السيادة والمصالح التي تنتج التخلف والتردي والظلم.. وأن الطبقات المناهضة الحقيقية، في حركاتها المناضلة والثورية والى جانب كل الثوريين أفراد وجماعات، لا تجد أي جواب على واقعها واقع البطالة والإستغلال والفقر والجوع وغيرها من المآسي خارج القضاء على المصالح الطبقية للطبقات السائدة والرمي بسلطتها الى مزبلة التاريخ.. وهذا هو أساس الصراع وأساس منعطفاته. فلجعل الفقر والبطالة والجوع والحرمان وكل مآسي البشرية في حكم الماضي تلتزم الحركات المناضلة في برامجها وممارستها باستهداف السلطة السياسية باعتبارها الحاسم في ضمان المصالح الطبقية للطبقات التي تغتني وثراكم الثروات على حساب معاناة الإنسان من اجل تحطيمها والقضاء عليها بحسم السلطة لصالح الطبقات النقيضة، ولهذا لازال وسيظل الثوار المغاربة داخل حركات 20 فبراير وعلى جميع جبهات الصراع متشبثون بالصراع من أجل السلطة للقضاء ودحر مصالح الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار وخدامهم السياسيين والعسكريين والمدنيين والنقابيين باعتبارهم أصل المعاناة والفقر والتشرد وانتشار دور الصفيح والسكن العشوائي والموت بالبرد والتهميش والجهل.. كخيار واضح وصريح من أجل خلاص شعبنا وتحرره من قبضة عملاء الإستعمار الجديد.

مواضيع ذات صلة:




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق