2015/07/08

في الذكرى الثالثة والأربعين لاغتيال الشهيد غسان كنفاني: غسان بقلم زوجته "آني"..


صباح الاغتيال، جلسنا جميعنا أطول من العادة، نشرب قهوتنا التركية على الشرفة. وكان لدى غسان كما هو دأبه الكثير من الأمور للتحدث عنها، وكنّا كما هو دأبنا دوماً حاضرين للاستماع. وكان يخبرنا ذلك الصباح عن رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم بدأ يتحدث هو وأخته فايزة عن طفولتهما في فلسطين.

قبل أن يغادر متوجها إلى مكتبه، أصلح القطار الكهربائي لابننا فايز ولابنة أخت غسان وأخيها. كان الثلاثة يلعبون داخل المنزل ذلك الصباح. وكان على لميس، إبنة أخت غسان، أن ترافق خالها إلى وسط البلد للمرة الأولى منذ وصولها من الكويت بصحبة أمها وإخوتها لأسبوع خلا، فقد كانت تعد العدة لزيارة أقربائها في بيروت. لكنها لم تفلح في الوصول الى هناك أبداً. فما هي إلا دقيقتان على تقبيل غسان ولميس إيانا قبل"إلى اللقاء" حتى دوى انفجار مريع.
تطايرت نوافذ البيت جميعها. انحدرت بسرعة، لأجد أشلاء سيارتنا الصغيرة تحترق. وجدنا "لميس" على بعد بضعة أمتار، ولم نجد غسان. ناديته باسمه، ثم اكتشفت ساقه اليسرى. وقفت مشلولة، فيما راح فايز يضرب برأسه الحائط، ورددت ابنتنا ليلى النداء تلو النداء: "بابا، بابا"، وبالرغم من ذلك فقد ساورني أمل ضئيل بأنه قد أصيب اصابة خطرة ليس إلا. لكنهم عثروا عليه في الوادي، قريباً من منزلنا، ونقلوه بعيداً عنّا، وفقدت الأمل بأن أراه مرة أخرى.
قعد أسامة قرب جسد أخته الميتة، وقال لها: "لا تجزعي، يا لميس، ستكونين بخير، وستعلّمينني الانكليزية من جديد".
وفي المساء قالت لي صغيرتنا ليلى: ماما، سألت البابا أن يأخذني معه في السيارة لنشتري شوكولاته، لكنه كان مشغولاً، فأعطاني لوحاً كان يحتفظ به في جيبه. ثم قبلني وطلب مني الرجوع إلى المنزل. جلست على درج بيتنا لآكل الشوكولاته، وحصل دوي كبير. لكن، يا ماما، لم تكن تلك غلطة البابا، إن الإسرائيليين هم الذين وضعوا القنبلة في سيارته.
أنا ارملة غسان كنفاني واحد من شهداء الثورة الفلسطينية العظام، وطني الأصلي هو الدنمارك. استطيع أن اذكر بغموض الاحتلال الألماني الذي بدأ في 9 نيسان 1940. فقد انخرط أبي في حركة المقاومة، أسوة بغيره من الرجال والنساء الدنماركيين. وقدّم كثير من المقاتلين الأحرار حياتهم آنذاك، وآل بعضهم إلى سجون "الغستابو" [المخابرات الألمانية زمن هتلر] ومعسكرات التصفية أثناء نضالهم ضد الاحتلال الألماني. وكان الألمان يلقبون المقاتلين الدنماركيين الأحرار بـ"الإرهابيين"، وهو الافتراء عينه الذي ترمي به القوى المحتلة قاطبة الشعوب المقهورة التي تقاوم الاحتلال وتشرع في النضال من أجل حريتها واستقلالها. بل إن حركة المقاومة الدنماركية كانت قد ساعدت على إنقاذ اليهود أنفسهم من النازيين الألمان.
في عام 1960 شاركت في مؤتمر عالمي للأساتذة، وشاركت لاحقاً في مؤتمر للطلاب في يوغوسلافيا. وكانت تلك المرة الأولى التي واجهت فيها المشكلة الفلسطينية من خلال لقاءاتي ببعض الطلاب الفلسطينيين، وعند عودتي إلى الوطن التحقت بـ"جامعة الشعب العالمية في الدنمارك" حيث واصلت نقاش تلك المشكلة مع زملائي الطلاب، وسافر بعضنا إلى لندن وشارك في مسيرة الدرماستون التي نظمها أنصار نزع الأسلحة النووية بقيادة برتراند راسل. وحين توفي برتراند راسل عن سبعة وتسعين عاماً كان ما يزال يقاتل من أجل العدالة وهذه المرة من أجل الفلسطينيين.
في صيف الدرماستون ذاك، عدت إلى يوغوسلافيا بصحبة فرقة فولكلورية دنماركية شهيرة، هي "تينكلوتي"، وهي فرقة قد كنت عضواً فيها لسنين عشر. وقد التحق بعضنا بمخيم عمل عالمي حيث التقينا بطلبة اسرائيليين، ثم التقينا في مخيم آخر بطلبة عرب، وتحدثنا عن المشكلة الفلسطينية مع الفريقين كليهما.
في أيلول 1961 ذهبت إلى سوريا ولبنان لكي ادرس المشكلة الفلسطينية عن كثب. وفي بيروت، عرفوني إلى غسان كنفاني، وكان آنذاك واحداً من محرري المجلة الأسبوعية العربية "الحرية" وكانت المجلة ناطقة باسم "حركة القوميين العرب"، وكان غسان محرراً للشؤون الفلسطينية فيها. حين سألت "غسان" أن يأذن لي بزيارة بعض مخيمات اللاجئين، تملكه الصمت. وبعد هنيهة صرخ غاضباً "أوتحسبين أن شعبنا الفلسطيني حيوانات في جنينة حيوانات؟" ثم شرع بالتفسير، فتحدث عن شعبه وعن وطنه، تحدث كيف أن الأمم المتحدة نقضت ميثاقها في 29 تشرين الثاني عام 1947 حين قسمت فلسطين خلافاً لإرادة سكانها العرب (الذين كانوا يشكلون آنذاك ثلثي حجم السكان، وكانوا يملكون أكثر من تسعين بالمئة من الأراضي، وتابع غسان يحدثني عن فلسطينه الحبيبة، وعن اضطراره الى مغادرتها عام 1948 بصحبة أهله وأشقائه وشقيقاته الخمسة.
ولد في عكا في 9 نيسان 1936، في بداية الثورة الفلسطينية العربية ضد القوات الصهيونية وسلطة الانتداب البريطاني. وأثناء الثورة، قام الفلسطينيون العرب بإضراب عام لعله يكون الأطول في التاريخ استمر ستة شهور. وحين أخمدت الثورة عام 1939، كان 5032 عربياً قد قتلوا و14760 قد جرحوا، وشنق مئة وعشرة أشخاص على يد السلطات البريطانية.
أخبرني غسان عن الإرهاب الإسرائيلي وكيف أجبر شعبه على هجرة أرضه. وكانت مدينته عكا قد خصصت للسكان العرب، حسب خطة التقسيم التي أرستها الأمم المتحدة. غير أن عكا، أسوة بالكثير من المدن والقرى الفلسطينية، خضعت لاحتلال القوات الصهيونية، وهجر سكانها بالقوة الجسدية والنفسية. وأصيب عرب فلسطين آنذاك بالذعر الشديد بعد مجزرة دير ياسين، القرية المسالمة العزلاء. وقد وقعت المجرزة في 9 نيسان 1948 وصادف ذلك عيد ميلاد غسان الثاني عشر. ومذاك، لم يحتفل غسان بعيده قط. وفي مثل هذا اليوم من كل سنة، أقف أنا أرملة غسان بخشوع أمام أرواح غسان والضحايا الأبرياء الذين سقطوا في مجزرة دير ياسين. وفي ذلك اليوم بالذات من عام 1940، تم احتلال وطني (الدنمارك) على يد النازيين الألمان.
غادرت عائلة غسان عكا قبيل 15 أيار 1948، وكان حوالى ثمانمئة ألف عربي قد فروا من الإرهاب الصهيوني آنذاك. واستمر العرب في الهجرة، يتقدمهم الأطفال والنساء، فقد بقي الرجال ليدافعوا عن القرى والمدن. وما لبثت يافا وحيفا واللد وغيرها أن "نظفت" والتعبير هو لإيغال ألون، من سكانها العرب.
عندما طردت عائلة غسان من فلسطين، كانت صفر اليدين، وقد اختار الأب أن يبقى في قرية لبنانية صغيرة هي الغازية قريبة من الحدود، فالحال انه أراد ان يكون بين أوائل العائدين إلى منازلهم بعد انتهاء القتال، على نحو ما نص قرار الأمم المتحدة بصدد اللاجئين الفلسطينيين (وهو القرار رقم 194، الفقرة الثالثة، الصادر في 11 كانون الأول 1948). ونحن نعلم جميعنا أن مثل هذا القرار لم ينفذ، فقد منعت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين العرب من العودة، لقد أراد الصهاينة الوطن، لا شعبه، وكانت مثل هذا الرغبة كامنة منذ بداية إنشائهم الكيان الصهيوني.
وانتقل أبو غسان مع جميع أفراد عائلته إلى قرية جبلية في سوريا تدعى الزبداني. وكانت الحياة هناك قاسية، وكان الجوع والبرد وجبتهم اليومية. وانتقلوا لاحقا إلى دمشق، وشرع غسان وأخوه الأكبر بتجميع الكتب أملا بكسب القليل من المال الذي يعينهما على عول عائلتهما المؤلفة من ثمانية أشخاص بالإضافة إلى ثمانية أشخاص آخرين يعيشون معهم. وما لبثا أن تابعا دراستهما في مدرسة مسائية بعد أن كانا قد عملا طوال النهار.
كان غسان آنذاك في الثالثة عشرة من عمره، وكانت أخته فايزة (أم لميس) قد حصلت على الشهادة الثانوية، وذهبت عام 1952 إلى الكويت حيث صارت واحدة من أوليات المعلمات، وواحدة من الفلسطينيين الكثر الذين أسهموا في نمو الدول العربية بصفتهم أساتذة ومهندسين وأطباء وغير ذلك. وبعد أن نال غسان شهادة البريفيه في السادسة عشرة من عمره، شرع بالتدريس في مدارس الأونروا، وكان، مع أستاذ آخر، مسؤولين عن تعليم ألف ومئتي طفل فلسطيني لاجئ، غير أن هدف غسان الأعظم كان توعية أولئك الأطفال توعية سياسية. ومنذ ذلك الوقت  صار سبعون في المئة من تلاميذ غسان في مدارس الأونروا مقاتلين.
قبل أن يلتحق غسان بمدرسة الأونروا، عمل في مطبعة في دمشق. وفي سنة 1955 طلبت منه "حركة القوميين العرب" أن يعمل في تحرير جريدتها الرأي وفي طباعتها. وانتسب إلى "الحركة" في ذلك العام، وفي العام التالي، لحق بأخته فايزة وأخيه غازي في الكويت. وأرسل ثلاثتهم أكثر رواتبهم إلى عائلتهم في دمشق. وهكذا توافر للوالد دخل شهري يعول به بقية أفراد العائلة، وحصل في تلك الفترة كذلك على إذن بالعمل في سلك المحاماة في دمشق، وكان أكثر زبائنه من الفلسطينيين المدقعين. وواصل غسان، خلال السنوات الست اللاحقة التي قضاها في الكويت، نشاطه السياسي. وكان يدرّس الفن والرياضة، ولقد أثبتت تلك السنون أنها جزء هام جداً في حياته. فقد قضى معظم أوقات فراغه في الرسم والكتابة والقراءة، وانصبت أكثر قراءاته على السياسة: فقرأ ماركس، وانجلز، ولينين، وغيرهم. وفي عام 1960، أقنع الدكتور جورج حبش "غسان" بمغادرة الكويت والمجيء إلى بيروت للعمل في الحرية.
منذ الأيام الأولى للقائي بغسان، أحسست بأنني إزاء إنسان غير عادي. وتطورت علاقتنا من خلال القضية الفلسطينية إلى علاقة شخصية، ورغم وضعه الذي لا يبعث على الأمان فغسان الفلسطيني لم يكن يملك جواز سفر، ولا مالاً، وكان يعاني فوق ذلك من مرض لا شفاء منه هو السكري ، فإننا ما لبثنا أن اكتشفنا أن الموت وحده سوف يكون قادراً على تفريق الواحد منّا عن الآخر.
وشرعت بالتدريس في روضة للأطفال. وما هو إلا شهر على وصولي إلى لبنان حتى تزوجنا ولم يندم أي منّا على ذلك وكان لنا كمعظم الفلسطينيين الآخرين، مصاعبنا، الاقتصادية وغير الاقتصادية. وفي كانون الأول عام 1962 أضحى الوضع السياسي شديد الاهتزاز، فكان على غسان أن يبقى مختبئا في المنزل لفترة تزيد عن الشهر، وذلك لافتقاره إلى الأوراق الرسمية. وأثناء هذه الفترة، كتب رواية رجال في الشمس التي طار صيتها في معظم أرجاء العالم العربي، وأهداها إليّ.
ولقد ترجم غسان لي كل رواياته وقصصه أثناء كتابته إياها، وصرت على معرفة كذلك بكتاباته السياسية. وكان دافعه إلى الكتابة لا يحد كأن في غسان نبعاً من الكلمات والأفكار يعب منه الصفحة تلو الصفحة عن فلسطين، وطنه، وعن شعبه. وكان دائم الانشغال، كما لو أن الموت يتربص به عند زاوية الشارع. وكان غسان رساماً ومصمماً للرسوم، وكانت إحدى لوحاته اثناء تلك الفترة تمثل رجلاً مصلوباً بالزمن...
لقد كنت شديدة التأثر بأفكار غسان، غير انه لم يفرضها أبداً عليّ. وهذا ما ينطبق على أصدقائنا الأجانب الذين اكتشفوا القضية الفلسطينية من خلاله. واهتم الكثير منهم، لاحقاً، بهذه القضية في بلدانهم ذاتها، أما علاقتي بعائلة غسان فقد كانت حميمة، فلقد رحبت بي عائلته منذ البداية بكل ما امتلكت من ضيافة ودفء، وصرت أحب أفرادها حباً عظيماً.
استندت حياتنا الزوجية إلى الثقة، والاحترام، والحب، ولهذا، فقد كانت على الدوام مهمة، جميلة، قوية. وولد أول صبي لنا في 24 آب 1962 وأسميناه "فايز" ومعناه المنتصر تيمنا باسم جده.
وصار غسان أكثر انشغالاً من ذي قبل، وانغمس في عمله انغماساً كلياً. وكان آنذاك قد ترسخ في حقلي الكتابة والصحافة. وفي عام 1963 عُرض عليه منصب رئيس تحرير المحرر، وهي جريدة يومية مثلت وجهات نظر القوى الناصرية والتقدمية. وما لبثت هذه الجريدة أن أصبحت ثاني أكبر جريدة يومية في لبنان، واتسع انتشارها في بلدان عربية أخرى. وعمل غسان فيها سنوات خمساً، وعمل في مجلة فلسطين الأسبوعية التي مثلت وجهة نظر الجناح الفلسطيني في "حركة القوميين العرب" وعالجت المسائل الفلسطينية.
خلال عامي 1963 1964، كانت "حركة القوميين العرب" في طريق تحولها إلى الاشتراكية العلمية، وقررت عام 1964 أن تعد العدة لبدء الكفاح المسلح في فلسطين. وما هي إلا فترة وجيزة حتى تأسست الفرقة المقاتلة الأولى، ولم يكن هدفها أول الأمر القيام بعمليات عسكرية، وإنما الاتصال بالعرب المقيمين في "اسرائيل" وإنشاء قاعدة للكفاح المسلح القادم، وما لبثت "حركة القوميين العرب" أن قدمت شهداءها الأُول في النضال من أجل تحرير فلسطين. ولقد أهدى غسان لاحقاً روايته ما تبقى لكم التي حازت عام 1966جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان لواحد من أولئك الشهداء، هو خالد الحاج، وكتب غسان في الإهداء: "إلى خالد.. العائد الأول الذي ما يزال يسير".
عام 1965 دُعي غسان رسميا لزيارة الصين والهند. وهناك التقى بوزير الخارجية الصيني "شينغ لي" وبرئيس الوزراء الهندي شاستري، وبغيرهما من الزعماء السياسيين في كلا البلدين، وناقش المسألة الفلسطينية معهم. ولا شك في أن زيارته تلك قد أثرت فيه تأثيراً عظيماً.
وبعد زيارة غسان الثانية إلى الصين، حيث شارك في مؤتمر كتّاب آسيا وأفريقيا، كسب فايز ابن الأعوام الأربعة أختاً جميلة، أسميناها "ليلى"، تيمنا ببطلة إحدى أشهر الروايات الشعبية العربية، و"ليلى"، إضافة إلى ذلك، اسم إسكندينافي معروف في أوساط اللابيّين في المنطقة القطبية الشمالية.
أحب غسان طفليه حتى العبادة، وغالبا ما كتب عنهما، وعلى قصر الزمن الذي قضاه معنا، فقد كان يلعب معهما مراراً ويعلمهما أشياء كثيرة. ولقلما فقد أعصابه، ولم يضربهما قط. واتسع سروره برفقتهما ليشمل أصدقاءهما، وغالباً ما قادهم جميعا في سيارته إلى السينما أو شاركهم ألعابهم في منزلنا.
قبل حرب حزيران 1967 بأسبوع واحد، توفيت أم غسان فجأة في دمشق بعد إصابتها بذبحة قلبية. لكنه لم يذرف دمعة واحدة طوال مأتمها، على صدق حبه العميق لها، بل إنه حاول أن يبث العزيمة في أبيه وفي أفراد العائلة الآخرين. غير أننا أثناء رجوعنا إلى بيروت، انهار غسان، ولأول مرة في حياتي، شاهدت دموعاً في عينيه.
وعندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر استقالته عقب حرب حزيران، وبعد أن فقد الكثيرون الأمل، رفض غسان أن يخضع للاستسلام. لقد كان في اللحظات الدقيقة قوياً بشكل لا يصدق، وكان يحاول أن يعطي شيئا من هذه القوة للآخرين. وكان يعبّر لاحقاً عن مشاعره بالكتابات السياسية والأدبية.
لم يساورني أدنى شك في أي لحظة من اللحظات في أن غسان قد اختار الطريق السليم. ولو أنني حاولت أن امنعه من مواصلة نضاله والتزامه السياسيين، لبقي لي زوجي، غير أنه ما كان سيكون ذلك الإنسان المرهف الشريف الذي أحببته وأُعجبت به.
حاولت ما في وسعي أن أشارك غسان في نضاله، قمت باتصالات مع أشخاص يعيشون في الغرب ويهتمون بمعرفة حقيقة النضال الفلسطيني. وطلبت مني مجلة دنماركية يسارية أن اكتب مقالة تشرح خلفية فلسطين، وكانت تلك المقالة واحدة من مقالات كثيرة غيرها كتبتها لاحقاً، ومنذ حرب حزيران كتبت المئات من الرسائل إلى أصدقاء قدامى وجدد في اسكاندينافيا وغيرها من البلدان. وكانت إحدى مراسلاتنا مع الكاتب اليهودي الشهير المعادي للصهيونية موشي مانوحين الذي يسكن في الولايات المتحدة ومؤلف انحطاط اليهودية في زمننا. وقد اعتبرناه صديقا من أصدقائنا الشخصيين.
في خريف 1967، التحق غسان بهيئة تحرير جريدة الأنوار وكانت آنذاك جريدة طليعية ناصرية الاتجاه وأصبح رئيس تحرير ملحقها الأسبوعي، وكان قد بدأ كذلك بالقيام بدور قيادي في النشاطات الإعلامية الفلسطينية وتلك التي تقوم بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وغدا من المعلوم ان كل جريدة أو مجلة يساهم غسان في كتابة مقالاتها وافتتاحياتها يلحقها ارتفاع في مستواها وفي نسبة توزيعها. وراحت السفارة الفرنسية وغيرها من السفارات في بيروت تترجم مقالاته الأسبوعية في الأنوار، لما تتضمن من تحليل سياسي دقيق.
غير أن غسان قرر عام 1969 أن يترك وظيفته الآمنة في الأنوار لكي يبدأ المجلة السياسية الأسبوعية "الهدف"، مع أن مثل هذا القرار عنى انخفاضا في الدخل. لكن "غسان" لم يعمل لاعتبارات مادية، فقد كان الإلهام الذي يدفعه للكتابة والعمل المتواصلين هو النضال الفلسطيني/ العربي وتحرير فلسطين، وفي تموز 1969 صدرت الأعداد الأولى من الهدف برئاسة تحرير غسان، وكان على يقين أن المجلة سوف تنقل رسالة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والقوى التقدمية الأخرى إلى الجماهير العربية والرأي العام العالمي. وكان على حق، فلقد تحولت الهدف في السنتين اللاحقتين إلى واحدة من أفضل المجلات السياسية الأسبوعية في العالم العربي قاطبة، واقتبس الكثير من كلماتها، وترجم عدد كبير من مقالاتها وافتتاحياتها إلى لغات أخرى. ولقد شارك غسان بصفته منظراً سياسياً في وضع البرامج والبيانات السياسية الصادرة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكان يقوم بأكثر عمله في المنزل لكي يكون على مقربة منّا. وصمّم الكثير من ملصقات "الجبهة الشعبية"، وكتب الكثير من المقالات في المنزل، حيث كان "فايز" و"ليلى" عاملين متطوعين سعيدين برؤية أبيهما يرسم ويلون. واستمر غسان في الكتابة بدون انقطاع، مقدما لـ"الهدف" الكثير من إسهاماته. وحين أصبح الناطق الرسمي باسم "الجبهة الشعبية"، تناقص الوقت الذي كان يكرّسه لي وللأطفال، وهكذا فقد كان الوقت الذي نقضيه معاً ثميناً جداً. ولم تكن لديّ الرغبة في إيقافه عن العمل السياسي. فالحال أن رفاقه كانوا يقدمون حياتهم، يومياً، في النضال، أو كانوا يؤولون إلى التعذيب في السجون الإسرائيلية. وكان واجبه أن يحكي للعالم عن الثورة الفلسطينية، وحسب كلمات جريدة الدايلي ستار في عددها الصادر في 9 تموز 1972، فإن غسان: "كان المقاتل الذي لم يطلق رصاصة واحدة. كان سلاحه قلماً، وميدانه صفحات الجرائد. لكنه آذى عدوه أكثر من رتل من المقاتلين".
وأثناء اختطاف "الجبهة الشعبية" لأربع طائرات غربية، لم نر غسان طوال أكثر من أسبوع. وكانت تلك أكثر فتراته انشغالاً في حياته الفاعلة على صعيد الإعلام. وكان قد عاد من عمان على متن الرحلة الأخيرة إلى بيروت، عشية الأهوال الرهيبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وحركة المقاومة في الأردن.
لئن عجز المئات من المراسلين الأجانب الذين ملأوا مكتب الهدف وقد غدا أسطوريا آنذاك عن إجبار غسان على القيام بحوار معهم، فذلك لأن إجاباته قد كانت على الدوام ثاقبة حادة دقيقة. ولعل السبب الرئيسي لذلك يكمن في أن القضية التي كان يدافع عنها قضية النضال الثوري الفلسطيني قضية عادلة.
لقد زارنا الكثير من الصحافيين وغير الصحافيين من أجل محاولة فهم صادق لازمة الشرق الأوسط، وقد عاد كثير منهم إلينا، وبعضهم صاروا من أصدقائنا الشخصيين. لقد كان غسان واحداً من أولئك الذين قاتلوا بإخلاص في سبيل تحويل حركة المقاومة من حركة تحرر وطني فلسطيني إلى حركة قومية عربية ثورية اشتراكية يشكل تحرير فلسطين مكوناً أساسياً فيها. وشدد دائما على أن المشكلة الفلسطينية لن تحل بمعزل عن وضع العالم العربي الاجتماعي والسياسي العام.
وعلى الرغم من احتجاجات نقابات الكتّاب والصحافيين، فقد سجن غسان في تشرين الثاني عام 1971 بسبب مقالة في الهدف تتحدث عن نظام رجعي في بلد عربي معيّن. وسجلت الصحافة اللبنانية احتجاجها على سجن غسان من خلال المقالات والافتتاحيات، وبسبب مرضه، فقد أمضى وقته في مستشفى السجن، وتسنى له مطالعة بعض مسرحيات ستريندبرغ فضلاً عن رواية طويلة للكاتب الأيسلندي الحائز جائزة نوبل هالدورلاكسنس، لكن لم يتح لغسان بشكل عام أن يرتاح. فقد كان عليه أن يعمل، فكتب جزءاً من روايته الطويلة غير المكتملة التي تحكي عن فلسطين. هذه الرواية "العاشق" التي كان يريد أن يكتب فيها عن تاريخ النضال الفلسطيني منذ بداياته ضد السلطات البريطانية والقوات الصهيونية حتى النضال الثوري الراهن من أجل تحرير فلسطين قد كانت في باله سنوات متعددة. ولقد أجرى مقابلات مع فلسطينيين من جميع أنحاء فلسطين، في المخيمات وفي غير المخيمات، وقابل المقاتلين الذين شاركوا في الثورة الفلسطينية بين عامي 1936 و1939 والذين لا يزالون يقاتلون. وكان ينوي أن ينتهي من كتابة العاشق خلال صيف 1972. وقد نشر جزء منه. وحسب القراء، فإنها عمل قوي ومؤثر. وكان إلى جانب الكتابة، يرسم كثيراً، ويرسم الجياد أكثر ما يرسم، ولعب الحصان دوراً هاماً في بعض قصصه ورواياته. كان يقول إن الحصان بالنسبة لنا نحن العرب يرمز إلى الجمال والشجاعة والأمانة والذكاء والصدق والحرية. وبالنسبة لي، فقد حاز غسان كل تلك المزايا، أما جياده التي رسم أكثر من عشرين منها في الأعوام الأخيرة التي سبقت رحيله فهي معلقة الآن على جدران بيوت عائلتنا وأصدقائنا في اسكندينافيا والبلدان العربية، وعلى جدران بيوت الحراس والأطباء والممرضات الذين تعرّف عليهم في مستشفى السجن.
لقد سار إنتاج غسان الأدبي جنبا إلى جنب مع نشاطاته الصحافية والسياسية. وكان قبل موته بزمن طويل يعتبر من بين أفضل الكتّاب العرب والفلسطينيين. وكان في العادة يبني القصة أو الرواية أو المسرحية في ذهنه، ثم يكتبها كلها في زمن قصير، مضيفا إليها تصحيحات قليلة في ما بعد. وكانت جميع مخطوطاته مكتوبة باليد، ولم يصوّر قط أياً منها.
في لبنان والعالم العربي بشكل عام، يمنع المرء من مساءلة الدين والمذهبية، لكن غسان في مسرحية الباب قام بمثل تلك المساءلة من خلال مغزى عربي ما ورائي يعنى بالدين والوجودية. وبالمناسبة، فإنه على الرغم من كونه مسلماً ومن كوني مسيحية، فإن هذا الاختلاف في مذهبينا لم يشكل عائقا في علاقتنا، لكوننا قد تبنينا وجهة نظر واحدة في الدين. وفي عام 1964 ترجمت الباب إلى الفرنسية ونشرت في المجلة الأدبيةL'Orientالصادرة في باريس.
تجلى حب غسان للاطفال في مجموعته القصصية عالمٌ ليس لنا [1965] وقد أهداها لـ"فايز وليلى"، وفي العام ذاته نشر أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، وقد كانت تلك المرة الأولى التي كشفت للعالم العربي وجود شعراء فلسطينيين عرب مصممين وأقوياء في "اسرائيل"، من بين هؤلاء الشعراء الذين عرّف الكتاب بهم: محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، وغيرهم ممن اشتهروا لاحقاً في العالم العربي وبلدان أخرى.
عام 1969 كتب غسان أم سعد. وأم سعد صديقة عزيزة وقديمة، وكانت ترمز بالنسبة لغسان إلى المرأة الفلسطينية في المخيم والى الطبقة العاملة. والكتاب يتحدث عنها ويتحدث مباشرة الى الناس الذين تمثلهم، وفي الحوار الذي يجري بينه وبين أم سعد، تكون المرأة الأمية هي التي تتحدث، في حين يستمع المثقف ويطرح الأسئلة.
نضج غسان على الصعيد الماركسي أول ما نضج من خلال إنتاجه الأدبي، وأم سعد قد كتبها روائي ماركسي، غير أنه كان قد نما أيديولوجيا منذ بدايات مجلة فلسطين، فما إن حلت سنواته الأخيرة حتى كان قد غدا محللاً ماركسياً كذلك.
وحملت سنة 1970 روايته الأخيرة "عائد إلى حيفا"، لكنه ترك وراءه روايتين غير منجزتين ومسرحية غير منشورة. مما لا شك فيه أن "غسان" قد كان كاتباً موهوباً جداً، وهذا ما أقر به العالم العربي، وإني على يقين أن بقية بلدان العالم سوف توسع من إطار ذلك الاعتراف يوماً من الأيام.
لقد قتلوه حين كان لا يزال ينمو، وكان خطره عليهم صحافياً وناطقاً رسمياً وفناناً وإنساناً أكبر من أن يتحملوا وجوده.
لقد كتبت الدايلي ستار في ملحقها يوم 16 تموز 1972 تقول: "استخدمت اسرائيل الهجوم على مطار اللد ذريعة لكي تخلق من غسان صورة للرجل المسؤول عن ذلك الهجوم، في حين أن مجال عمل كنفاني داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لم يكن ليجعله أكثر تورطاً في مثل هذه الأعمال من القادة الآخرين. إن ما حرّض الإسرائيليين على عملهم حقيقتان: أولاهما أنه كان هدفا أسهل، وثانيتهما أنهم كانوا سيتجاوزون تبرير اغتياله أمام العالم الخارجي إلى الظهور وكأنهم قد نجحوا في الثأر لهجوم اللد. وعلقت الجريدة كذلك بالقول إن الصحافة الغربية ولا سيما دي هامبورغرتسايتونغولاستامبا، والدايلي مايل قد ساعدت على تنفيذ خطة الإسرائيليين بنشرها أخباراً ملفقة عن تورط غسان في هجوم اللد، وبذلك تتحمل تلك الصحافة مسؤولية ما عما حدث.
ولكن لماذا كان ينبغي عليهم أن يقتلوا غسان بمثل هذه الطريقة؟ لقد كان أشبه بجبل، والجبل لا يدمره إلا الديناميت، هذا ما كتبته صحيفة بيروتية عنه.
عقب الاغتيال بساعة واحدة فقط أذاع راديو إسرائيل أن الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد قتل، مع زوجته، بعد انفجار سيارتهما بقنبلة موقوتة.
هل راقبنا القتلة زمناً طويلاً؟ هل علموا أنني كنت معتادة على الذهاب إلى وسط المدينة مع زوجي كل يوم سبت؟ لقد كنت أعمل طوال الأسبوع في مدرسة للأطفال المتخلفين عقلياً، وكان ذلك السبت هو السبت الوحيد الذي لم أذهب فيه مع غسان إلى العاصمة. هل لاحظ القتلة أن المرآب قد كان ملعباً لجميع أطفال البناية؟ كان الأطفال قد غادروه قبيل الانفجار. ولو أن السيارة انفجرت داخل المرآب لدُمر جزء من البناية دماراً كلياً.
أنا اليوم أرملة لما يقرب العام. إن المساعدة المعنوية العظيمة التي جاءتني من عائلتنا، ومن حركة المقاومة الفلسطينية، ومن جيراننا، ومن أصدقائنا المعروفين وغير المعروفين المنتشرين في أنحاء العالم، قد ساعدتني خلال هذه الفترة. إنه لا يزال من المستحيل أن اصدّق، أو أن يصدّق الأطفال، أن حبيبنا غسان وعزيزتنا لميس ليسا معنا الآن.
حدث الاغتيال صباح السبت في الثامن من تموز. قبله بيوم واحد، اصطحبنا غسان أنا وفايز ولميس والأطفال الى شاطئ البحر. كنّا ثمانية في السيارة. وكان من الممكن لحادث التفجير أن يحصل آنذاك... تلك العشية، وصل إلى البيت باكراً، وهو ما كان قد فعله طوال أسبوعين كاملين. إن حب الحياة يحتم العنف. لم يكن غسان من دعاة اللاعنف على غير طائل. لقد قتل في قلب الصراع، كما قتل من قبل كارل ليبكنخت، وروزا لوكسمبورغ، وأرنست ثالمان، ولومومبا، وتشي غيفارا. ومثلما أحب هؤلاء الحياة، أحبها هو. ومثلهم، رأى حتمية العنف الثوري في الدفاع عن النفس ضد قهر الطبقات المستغلة. وبالرغم من التهديدات المتكررة التي تعرّض لها فإنه لم يقهر.
لقد أجبرت حركة التحرير الفلسطينية على الرد على العنف بالعنف، ضحت بأرواحها في صراع غير متكافئ وأجبرت على مواجهة الموت كل يوم. وحين سأل مراسل غربي "غسان" قبيل استشهاده عمّا إذا كان الموت يعني شيئا بالنسبة له، أجاب: "بالطبع. إن الموت يعني الكثير بالنسبة لي، المهم أن نعرف لماذا. التضحية بالنفس في إطار الفعل الثوري تعبير عن الفهم الأسمى للحياة وللصراع من أجل جعل الحياة مكاناً جديراً بالإنسان، إن حب المرء للحياة يصبح ضمن ذلك الإطار حباً لحياة جماهير شعبه، ورفضاً لأن تستمر حياة هذه الجماهير مليئة بالبؤس والمعاناة والشدة المستمرة. وهكذا يغدو فهمه للحياة فضيلة اجتماعية، قادرة على إقناع المقاتل الملتزم بأن التضحية بالنفس خلاص لحياة الشعب، إن مثل هذه التضحية لهي التعبير الأقصى عن التعلق بالحياة".
كثيراً ما نزور ضريحي غسان ولميس. إنهما مدفونان في ظلال الشجر، والأرض جافة وحمراء كتربة فلسطين التي طرد منها شعبهما. لقد كان على غسان أن يدفع ثمن نضاله من أجل أن يعطي الشعب الفلسطيني احتمال العودة إلى بيوته في فلسطين وكانت حياته ذلك الثمن. أحبه الشعب، فلقد عبر عن آمالهم وأحلامهم، وأثبت لهم أن الحياة قد تختلف عن بؤس مخيمات اللاجئين.
إن عشرات الألوف الذين لحقوا بغسان إلى قبره في أكبر تظاهرة شعبية منذ موت الرئيس عبد الناصر، قد كانوا من العمال، والفلاحين، والمثقفين، واللاجئين من أبناء المخيمات، وأعضاء من فصائل المقاومة الفلسطينية، وممثلين عن معظم الأحزاب السياسية وأنشطة الحياة العامة. إنهم عينهم الذين اندفعوا بالمئات إلى منزلنا الكائن في الضاحية خلال الأيام التي أعقبت الاغتيال. العمال، المثقفون، الفنانون المعروفون، وممثلو الأحزاب السياسية في جميع أنحاء العالم، عبّروا جميعهم عن تعاطفهم مع حركة التحرر ومع عائلته، ووعدوا جميعهم في الوقت نفسه بمواصلة النضال الذي أفنى غسان حياته في سبيله.
أحياناً أقضي الصباح في الحديقة الصغيرة التي كان غسان يفخر بها. وأذكر كيف جاء حسين، أبو لميس، سعيداً تلك الأمسية من ذات يوم سبت من اجل أن يخبر ابنته أنها قد قبلت في كلية الطب في عمان وأن من الممكن أن تلتحق بها بعد انتهاء عطلة الصيف. عندما وصل، كانت ابنته قد ماتت. الآن، حين يتحدث والدا لميس عن ابنتهما وعن غسان، تلتمع أعينهما وتقوى أصواتهما. فإنه يهمهما أن يعرف الآخرون عن لميس وغسان، عن حياتيهما، عن آمالهما التي يتعلق بها الشعب الفلسطيني اجمع رغم تبعثره في أربع رياح العالم.
لقد بدأت نشاطات غسان الأدبية في الحقيقة بكتاب صغير أهداه إلى لميس. كانت لميس طيلة حياته عروس شعره، ولقد قتلا، ذلك السبت، بعد سبعة عشر عاماً، بالقنبلة ذاتها. وحين حاولت، بعد المأتم، أن أواسي "حسين"، قال: "لقد أحبت غسان على الدوام وكان موتها معه هديتها إليه"، كان غسان يرسل بكتاب إلى لميس كل عام تقريباً، ولا يكتبه إلا لها. وكانت كتبه هذه مكتوبة باليد، ومقرونة برسوم توضيحية من رسومه هو. ولئن كان لغسان الكثير من الأعداء السياسيين فإنه لم يكن لديه أعداء شخصيون. بل على العكس من ذلك، فقد كان محبوباً ومحترماً من قبل أولئك الذين اختلف معهم بالذات. وغالباً ما التقى أعداؤه به، ولحقوا به إلى المقبرة، واستقبلتهم في منزلنا حين جاؤوا ليعربوا عن تعاطفهم معنا.
لقد أمل قتلة غسان نشر الاستسلام في صفوف اللاجئين الفلسطينيين وأملوا شق حركة المقاومة الفلسطينية، لكنهم لم يحصدوا إلا النقيض، فلقد فهم الناس عظمة غسان، وأحبوه، وأظهروا حبهم هذا برص صفوفهم بعضها إلى بعض.




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق