2016/03/30

موحى وكزيز// على ضوء إضرابات وتظاهرات العمال شيبا وشببا خلال شهر مارس الحالي بفرنسا

هناك من يردد ما كتب في سياق تاريخي، ما كتب وقيل في مرحلة من مراحل الثورات البشرية، ويعتقد أن حفظ وترديد مقولات وأفكار وخلاصات أوضاع اقتصادية وسياسية صاغها قادة من حجم لينين وغيفارا أو غيرهم كاف للنفاذ وامتلاك واقع الصراع الطبقي الآن، أي حاضرا.

يختلط الأمر على من يعتقد أن الاختباء وراء صيغ وأفكار عظماء الفكر الثوري يكفيه لينتصب ثوريا قحا ويقيه شر الالتزام بما هو مطلوب الآن فكرا وممارسة. إن هذا الأسلوب لا يمكن ولا يسمح لصاحبه الإسهام ولو بالقدر الأدنى في فك رموز الأوضاع الراهنة والنفاذ إليها، فما بالنا بتقديم إجابات سياسية في هذه المرحلة.
لماذا هذا التقديم العام أمام العزم على تناول وضع محدد يتعلق بالتظاهر في شوارع فرنسا ضد مشروع مدونة الشغل؟
يمكن لأي متتبع أن يسجل بدون عناء يذكر أن أوضاع الطبقة العاملة بفرنسا أو بالمغرب لا تعني أصحاب الأحكام الجاهزة ومرددي الشعارات خارجا وبعيدا عن الواقع المادي للصراع الطبقي. ويمكن تسجيل غياب أي عمل يذكر لأصحاب تكرار اللوازم ونسخ الجمل، ما عدا مناهضة ومحاربة أي عمل جاد ومنظم، وذلك باسم الثورية، الماركسية أو الماركسية اللينينية، الخ.
اعتبر أن واقع الصراع الطبقي بفرنسا راهنا ومستقبلا يعني بشكل وجيه ومباشر الصراع الطبقي بالمغرب لاعتبارات شتى. 
من اللاصواب والإجحاف أن لا نسجل القدرات الخلاقة للطبقة العاملة بفرنسا في صراعها مع البرجوازية وإبداعاتها ونضالاتها المتعددة والمتشعبة، وذلك في الماضي كما في الحاضر. 
يمكن الإشارة لمعطيات كثيرة تؤكد أن العمال بفرنسا يقاومون ويناضلون باستمرار من أجل مصالحهم المادية والديمقراطية في جل القطاعات ومجالات اشتغالهم وأن العمال يتقدمون كل النضالات والمعارك الطبقية ضد النظام الرأسمالي، وهم مؤطرون ومنظمون من طرف أجهزة ومؤسسات نقابية تفتقد لأي برنامج أو رؤية سياسية يستلهم نظراتهما من الفكر الماركسي. وهم، أي العمال، يشتغلون في محيط سياسي تملؤه وتشتغل به قوى رجعية من جهة وقوى إصلاحية. ويخلو، أي محيط العمال، من القوى ذات برامج نضالية ورؤية سياسية ثورية. وبمناسبة التظاهرات والإضراب القادم يومه 31 مارس 2016 أقف عند هذا الاستنتاج أو الخلاصة، إن على المستوى النقابي أو السياسي.
نقابيا، يمكن تسجيل المعطيات التالية:
في إطار الإعداد للمؤتمر ال 51 للكنفدرالية العامة للشغل(CGT) بمدينة مارساي (Marseille) تحت شعار "لا للعودة للقرن 19، من أجل مدونة شغل تؤكد حماية العمال وحقوقهم" (الترجمة لي، شخصيا)، أصدرت النقابة "العتيدة" أو "الحمراء"، كما يتم التداول هنا والمتعارف عليه في الأوساط المعنية بيانا جاء فيه أن مشروع الحكومة يخل بالتوازن بين العمل والرأسمال لصالح هذا الأخير؛ وهذا ما يفسر، تضيف النقابة تصفيق وقبول الباطرونا بمشروع قوانين الشغل المسمى "الخومري" نسبة لوزيرة الشغل الحالية، 
تستصدر النقابة في تحديد وتعيين التراجعات الخطيرة والقوانين الجديدة التي تستهدف العمال ويحتويها مشروع مدونة الشغل الحكومي. وعليه، وفي إطار هذه الأوضاع اقترحت النقابة (ك. ع. ش.) مشروع مدونة للشغل بديل عن المشروع الحكومي. 
وتنادي النقابة ب"إصلاح فعلي" "يضمن شروط عمل مقبولة" (انظر الموقع الرسمي للنقابة وتصريحات كاتبها العام السيد فليب مارتيناز Philippe Martinez). إن عمل إنتاج مشروع بديل هو في حد ذاته عمل وخطوة مهمة للغاية يعكس من خلال مقترحاته الأوضاع المزرية للطبقة العالمة. الآن، هذا العمل الجبار يستحق القراءة والنقد. ما يهمني هنا ليس النقط أو الفصول التي يحتويها المشروع البديل وهي مطالب مشروعة لا تقبل التأجيل وتتطلب معارك كبيرة من اجل انتزاعها من الدولة والباطرونا، بل سأهتم بشيء أخر أهم في نظري من المقترحات ذاتها، وهو ما يتعلق بركائز الفصول والمقترحات للمشروع البديل. وقبل ذلك أشير الى أن مشروع « الخومري » هو تتويج لسلسة من "الإصلاحات" مست في الصميم مدونة الشغل منذ عدة سنوات، وهذا الهجوم على ما تبقى من فصول المدونات السابقة هو في حد ذاته انعكاس للوضع السياسي والنقابي المزري للعمال أينما وجدوا بالمعمل وخارجه. 
تسترشد الكونفدرالية للدفاع عن مشروعها وإقناع الجميع بعدالته بدستور الجمهورية الذي يحتوي على "الحق في الشغل". إن هذه الحجة لا تصمد طويلا لتشكل سندا للنقابة لاعتبارات شتى من بينها أن هذا الحق في التشغيل الذي يتضمنه الدستور لا قيمة قانونيه له، أي أن "الحق" هو بمثابة تصريح عام لا يمتلك أية قوة قانونية. وهذا "الحق" في التشغيل الذي تتحدث عنه النقابة لا يلزم لا الحكومة ولا البرلمان ولا أي كان من المؤسسات الرسمية، وان المواطن ولا أي نقابة لا يمكنها أن تتقدم أمام القضاء للمطالبة ب "الحق" المنصوص عليه في الدستور والمطالبة بجبر الضرر الذي قد أصاب المطالب ب "الحق الدستوري" في الشغل. إن "الحق في الشغل" شأنه شأن المبادئ الأخرى التي يتضمنها الدستور إلا أنها من حيث صياغتها ومن حين علاقة القوانين والمؤسسات الرسمية للدولة لا يملك الشروط الأساسية والضرورية لينتقل الى قانون أو فصل أو فصول تتضمنها مدونة الشغل. وهذا ما لا يمكنه أن يحصل إلا في سياق سياسي آخر، أي تغيير الدولة ومؤسساتها. وأذكر مسؤولي النقابة أن صلب القانون الدستوري وأن أقدس حق والحق الأساسي الذي يدافع عنه الدستور وصاغته ودبجته بصيغة أو بأخرى كل المدونات أي أنه يملك كل المقومات المادية والقانونية والسلطوية هو الملكية الخاصة. أما ما يسمى بالحق في الشغل ما هو إلا مبدأ اجتماعي يخضع لسلطة وتقدير الحكومات المتعاقبة والمعنية والساهرة على التوازنات الماكرو اقتصادية للنظام الرأسمالي. واستنادا على هذا التحليل يعتبر سند ومبرر «"الحق في الشغل" الذي اعتمدته الكونفدرالية العامة للشغل لكونه متضمنا في الدستور سندا ومبررا واهيين لتحقيق مطالب عمالية عادلة ومشروعة تضمن المشروع البديل الذي تقدمت به النقابة أهمها وفي خطوطها العريضة. 
يبقى الإشارة في إطار الأجواء النضالية للعمال والشبيبة التعليمية وغيرها حيث جل الإطارات النقابية تستعد ليوم 31 مارس من أجل الإضراب والتظاهر الى نقطة أساسية أخرى، ألا وهي عقد العمل. 
إن المشروع الحكومي يسعى لتقليص المسافة الى حد الصفر بين عقد العمل والعقود الأخرى التي يؤطرها قوانين أخرى مثل القانون التجاري (Droit du Commerce). وهذا هو بيت القصيد. إن ما يميز قانون الشغل (Droit du Travail) هو تميزه عن باقي فروع ومذاهب القانون الأخرى، حيث جاء استجابة وإجابة عن وضع متميز يتعلق بالشغل ويتعلق ببيع قوة وخدمة إنسانية من طرف من لا يملك إلا قوته البدنية والذهنية الى من يملك وسائل مادية للإنتاج (الرأسمال). إن هذا الطرف الأخير مالك وسائل الإنتاج يشتري بضاعة أو سلعة ليست كباقي السلع ويعتبر أن العقد الذي يجمعه والعامل هو عقد يجمع بين أطراف متساوية. جاء قانون الشغل بعدما استطاع بفضل نضالات العمال المريرة ومأساة إنسانية لا تتصور أن ينظر ويؤطر لعقد بين طرفين غير متساويين، طرف قوي وطرف ضعيف. وجاءت المراسيم والفصول والقوانين وظهر الى الوجود مولود جديد اسمه مدونة الشغل code du travail. وكان الهاجس والمتحكم هو سن قوانين تحمي الطرف الضعيف في "المعادلة"، أي عقد الشغل Contrat de Travail. بالمقابل يسعى الرأسمالي والمشغل بشكل عام الى طرق وأساليب شتى لتفكيك وتقليص الحماية للعمال من أجل استغلالهم أكثر فأكثر ويسخر من اجل الوصول الى أهدافه سن قوانين تحمي مصالحه قبل غيره والمنحى الحالي وفلسفة مشروع « الخومري » هي محو الفوارق النظرية والقانونية التي تفصل قانون الشغل عن باقي مواد القانون بشكل عام ومن ضمنها القانون التجاري والمدني. وهاتان المادتان تعتبران أطراف العقد التجاري والمدني Parties des Contrats Commercial et Civil، أطراف متساوية. ومن هذا المنطلق يسعى مشروع قانون "الخومري" الى حبك مراسيم وفصول تمكن الباطرونا من عزل العامل عن نقابته وتمكين المشغل من تسريحه بدون صعوبات قانونية ومالية تذكر بعد تشغيله لمدة 12 ساعة يوميا وعدم احترام أوقات الراحة وتقليص آجره واعتبار المساهمة بالصناديق الاجتماعية والخزينة العامة حملا ثقيلا يجب التخلص منه. وهذا ما يفسر الحملات المسعورة لنقابة أرباب العمل Medef. قلت، إن طرفي عقد العمل طرفان غير متكافئين، بل ومتناقضين. جاء النظام بمشروعه لتلبية مطالب ومصالح طرف دون الآخر، والطرف المستفيذ من "الإصلاح" القادم لمدونة الشغل هو الباطرونا ونظامه ضدا على مصالح الطبقة العاملة. 
تبقى الإشارة على المستوى السياسي الى أن العمال فقدوا ثقتهم بقوى "اليسار"، أو بتعبير آخر، إن هذه القوى أفقدت العمال الثقة في الممارسة السياسية وأبعدتهم عن كل شروط تنظيمية كانت أو سياسية أو تثقيفية تمكنهم، أي العمال، من التشكل كقوة منظمة ومسلحة برؤية وبرامج وأدوات لإنجاز مهامها الآنية والمستقبلية؛ بل إن أحزاب اليسار بفرنسا خربوا وعي العمال وتنظيماتهم وتشكلت قيادات بيروقراطية همها الوحيد الحفاظ على كراسي الزعامة والحفاظ على النظام الحالي. وهذا شأن القيادات النقابية والسياسية. وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، ظهرت الى السطح قوى رجعية وفاشية تنافس القوى الأخرى (اليمين واليسار) من أجل سدة الحكم. وأصبح أكثر فأكثر هم القيادات المتعفنة لليسار الفرنسي هو بلورة خطط من أجل الحفاظ عن امتيازاتها، من ضمنها الاستمرار في تسيير مؤسسات النظام وإفساد أكثر فأكثر وعي العمال. وما النقاشات التي تدور رحاها في الساحة السياسية الآن إلا خير تعبير على ذلك...

موحى وكزيز
  28 مارس 2016 -فرنسا



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق