تقديم:
يعد العامل والرأسمالي نتاج لتاريخ المجتمع الطبقي. تاريخ تختزله قصة الاستغلال والتنفع من كدح الآخرين حيث أغلبية المجتمع يكدح ويقوم بالانتاج من
أجل اقلية أو قسم ثان من المجتمع لينعم بالثروات.وفي العصر الرأسمالي يبيع العامل قوة عمله للراسمالي مقابل أجر زهيد.
أجل اقلية أو قسم ثان من المجتمع لينعم بالثروات.وفي العصر الرأسمالي يبيع العامل قوة عمله للراسمالي مقابل أجر زهيد.
وقوة العمل، التي يبيعها العامل للرأسمالي، في حقل من حقول الانتاج ليست كسائر البضاعات أو المواد الأولية التي يحتاجها الرأسمال لخلق منتجات جديدة، بل هي تلك البضاعة التي تستهلك في العمل أكثر من باقي المواد الأولية التي يحتاجها الرأسمالي في عملية الانتاج للحصول على بضائع جديدة، حيث قيمتها تفوق بكثير قيمة ما صرف في انتاجها، وهذا الفائض أو القيمة المضافة هو نتيجة لقوة العمل، أي هو ثمرة كدح العمال الذين ينهضون باكرا أو يسهرون الليالي لساعات لتحريك عجلة الانتاج على الصعيد العالمي كما توضح ذلك الماركسية.
ولهذا تعد المجتمعات الحالية ثمرة وحصيلة الابداعات والجهود والكدح الذي قدمه ويقدمه العامل فيما يذهب كل ينتجه لمالك وسائل الانتاج أما العامل فيتقاضى أجرته فقط لضمان استمراره في عرض قوته قسرا للرأسماليين بسبب وضع اجتماعي يجبره على بيعها في مرحلة تاريخية يضخ فيها المجتمع فائضا من الجيش الاحتياطي للعمل ويتحول الى قوة في يد الرأسمالي لتبخيس قوة العمل.
وبمناسبة فاتح ماي، اليوم الأممي للطبقة العاملة، أقدمت مدونة "مغرب النضال والصمود: من أجل بديل جذري " على إجراء حوار مع بعض العاملات في القطاعات الصناعية من أجل تقريب الصورة لظروف عملهن ولحجم المعاناة والصعوبات الناجمة عن الاستغلال الذي تتعرض له المرأة وواقع العمل النقابي داخل الشركات...
وفيما يلي نص أحد هاته الحوارات:
س: بداية هل ممكن أن تتحدثي عن الدافع لمغادرة مدينتك والتوجه الى طنجة من أجل العمل؟
ج: الدافع اجتماعي بالدرجة الاولى كما هو حال ابناء الشعب، بعدما قضيت سنين طويلة من حياتي في الدراسة ورغم حصولي على شهادة جامعية وجدت نفسي بين مطرقة البطالة وسندان المجتمع الذي لا يرحم، خصوصا كوني امرأة وأنت تعرفين نظرة المجتمع للمرأة، لذا قررت البحث عن عمل لأعيل نفسي وعائلتي وبالطبع في أي مكان يمكن لي أن أجد فرصة لذلك.
س: وكيف تمكنت من ايجاد عمل داخل هذه الشركة؟
ج: بعد انسداد أفق الوظيفة العمومية في وجهي نظرا لسيادة منطق الزبونية والمحسوبية وقلة المناصب المتوفرة لابناء الشعب، وبعد بحث طويل ومضني وطرقي لأبواب مجموعة من الشركات دون نتيجة، التجأت إلى وكالة انعاش الشغل بالمدينة "ANAPEC'' ومن خلالها وقعت على عقد العمل لمدة سنتين مع الشركة التي أعمل بها الآن.
س: والآن بعد قضائك هذه الفترة من العمل داخل المعمل عبر شركة الوساطة ماذا يمكن قوله عن حال العمل من خلال وكالات الوساطة الوساطة ؟
ج: يجب أن تعرفي أنه حتى العمال المرسمين بعقد عمل غير محدود الآجال ''CDI'' ليسوا مرتاحين ووضعهم يرثى له، فما بالك بمن يعملون عن طريق الوساطة. في البداية كان الوضع لا يطاق بدون عمل، لكن بعد حصولي على هذا العمل دخلت لعالم آخر من المعاناة؟ فأنا مهددة بالطرد في أية لحظة، بسبب أو بدونه، وليس لدي حق في الترقية أو المطالبة بالزيادة في الأجر الزهيد الذي أتقاضاه وليس لدي حق في الاحتجاج على ما أتعرض له يوميا من ضغوطات في العمل وتسلط "الشيفان" والإداريين. يمكنني أن أجزم لك أننا نعيش وضعية العبيد مقابل فتات الفتات. كما أن مالك الشركة وإدارتها لا يملون ولا يكلون من مطالبتنا والضغط علينا من أجل رفع وتيرة الإنتاج، وفي هذا الوضع اصبحنا مثل الآلات التي تعمل 8 ساعات في اليوم ويمكن الاستغناء عنها في اي وقت بدون تعويضات ومستحقات، لأنها في نظرهم آلات مكتراة من عند وكالة انعاش الشغل. وخوفا من الطرد علينا قبول هذه الوضعية مكرهين.
س: بحكم تواجد عدد كبير من النساء بالشركة التي تشتغلين بها دعينا نتوقف على واحد من المشاكل الاجتماعية الخاصة بالمرأة العاملة وتحديدا أريد منك تقديم نظرة على وضعية المرأة الحامل، بمعنى هل هناك وضع خاص بالعاملات الحوامل وهل يعاملن معاملة تقدر وضعيتهن؟
ج: داخل الشركة ليس هناك مراعاة لوضع الحوامل، إذا استثنينا بعض الحالات الناذرة حيث يتلقين تعاملا جيدا من طرف بعض رؤسائهم، فليس لديهن أي امتياز ولا يكلفن بمهام تراعي وضعيتهن الخاصة، بل يقمن بنفس المهام الشاقة التي يقوم بها باقي العمال، ولا يتم استثناؤهن من العمل ليلا، فنظام "الشيفت" المتعامل به داخل الشركة لا يعطي للحامل أي امتياز، فهي كباقي العاملات تشتغل ليلا بما يعنيه العمل الليلي من صعوبات وكثرة الارهاق واختلال في الحياة الاجتماعية، وهذه الفكرة ستفهمها كل امرأة عاملة تترك خلفها أبناءها الصغار ليلا لوحدهم في المنزل. وحين تنظر في وجه بعض العاملات الحوامل ترى علامات التعب والارهاق بادية بشكل واضح على وجوههن، وهناك حالة عاملة اضطرت في الأشهر الأخيرة لترك العمل بعد أن أصيبت بالارهاق التام ورفض الإدارة تثبيت فترة عملها نهارا…
س: وهل بإمكانك أن تقدربي الصورة للقارئ والمهتم بوضع النساء العاملات عن كيف تحقق العاملات الأمهات التوازن بين العمل ومهام المنزل وتربية الأطفال؟
ج: بين الاستغلال في الشركة والأعمال المنزلية وتربية الأولاد تعيش الأم العاملة جحيم حقيقي يصعب شرح تفاصيله بدقة، إذ أنها لا تعرف الراحة بتاتا إلا بعد أن تضع رأسها على الوسادة لتنام بضع ساعات لا تكفيها للتخلص من الأرهاق جراء تعدد المهام، طيلة فترة الحمل هناك معاناة، وبعد الولادة تستفيد من فترة راحة لثلاثة اشهر، بعدها تعود للعمل، فتكون مضطرة لترك رضيعها في أحدى دور الحضانة مقابل 500 إلى 800 درهم شهريا على الأقل، وعند خروجها من العمل عليها رعاية الرضيع والقيام بباقي المهام المنزلية، وهذه الحالة تتكرر يوميا، فحياة المراة العاملة لا تترك لها أية فترة للترويح عن نفسها وأخذ قسط من الراحة أو القيام برحلات للتخفيف من الضغط الحاد عليها.
س: ألا يوجد مكتب نقابي داخل شركتكم؟
ج: قبل التحاقي بالعمل في الشركة وحسب ما ابلغني به بعض العمال كان هناك مكتب نقابي إلا أن معظم اعضائه تعرضوا للطرد والبعض الآخر غادر الشركة وما تبقى منهم أصبح يعمل ضد مصالح العمال.
س: ماذا تقصدين بقولك "أصبحوا يعملون ضد مصالح العمال"؟
ج: لقد تم انتخابهم إلى جانب بعض موظفي الإدارة كمناديب للعمال في أجواء لا تختلف عن الانتخابات الجماعية والبرلمانية بتقديم وعود بالدفاع عن مصالح وحقوق العمال، لكن مباشرة بعد انتخابهم أصبحوا يدافعون عن مصالح الإدارة ضاربين عرض الحائط مصالحنا، والأكثر من ذلك وفي بعض الأحيان يحثوننا ويطالبوننا برفع مستوى الانتاج لكي ننال رضى الإدارة ولتفادي أية عرقلة لمسلسل الانتاج في حال حدوث عطب تقني أو ما شابه ذلك.كما انهم اصبحوا بمتابة اعين الادارة التي لا تفارقنا لدرجة يجعلوننا نشعر وكاننا لصوص وجب عدم الثقة بهم والاحتياط الدائم منهم انه احد مظاهر العنف التي نتعرض لها بشكل مستمر ويبدو لي من هذا الاسلوب المنحط الذي تنتهجه الباطرونا وادارة الشركات هو من اجل الوقوف ضد تنامي وعي العمال بواقع الاستغلال والسرقة التي يتعرضون لها
س: في المنطقة الصناعية الحرة بطنجة أفرزت العديد من المكاتب النقابية في السنوات الأخيرة وهذا الوعي يتنامى بشكل ملموس وسط العمال ولو أن هناك تجارب تركت انطباعا سلبيا وسط العمال وكان في صالح الباطرونا، مع ذلك هناك تجارب لمكاتب استطاعت فرض مكاسب يشيد بها العمال في المنطقة الصناعية واستطاعت لف القواعد العمالية عليها وبالتأكيد كل العمال يأملون لصنع أمثال هذه النماذج التي يحس فيها العامل بأن النقابة هي نقابته وملجؤه الحقيقي لحل المشاكل ونقاشها بكل ديموقراطية وحرية لهذا ألا يفكر عمال وعاملات الشركة في بلورة تجربة بديلة عن ما هو كائن الآن اقتداء بالتجارب الناجحة؟
ج: هذه الفكرة لا تفارقنا، ونتناقش فيها في ما بيننا، خصوصا مع العمال المرسمين، مع الاحتياط من وصول الخبر للإدارة، وما يحفزنا أكثر هو الانطباع الذي تركه المكتب النقابي السابق لدى العمال، بتحقيقه مجموعة من المكاسب لازلنا نستفيد من بعضها لحدود الآن، وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الصعوبات في إقناع مجموعة من العمال بالفكرة، أولا عامل الخوف بحكم التهديدات الدائمة والتي تصل لحد الطرد دون أي تعويض وهو بالنسبة لهم بمثابة حرمان من لقمة العيش، ثانيا للفكرة السائدة لديهم على اعتبار أن النقابيين لا يدافعون حقيقة عن مصالح العمال، بل يتسثمرون تضحياتهم لمصالحهم الخاصة عن طريق المساومة مع الإدارة بالاضافة الئ ان النسبة العالية للعمال لا زالوا في طور التدريب حسب الادارة وهم تابعون بموجب العقد المحدد الاجال لشركة الوساطة، مما يعني ان ضرب الحق النقابي والحقوق الاجتماعية الاخرى متضمن في نمط العقد المفروض على ابناء الشعب كما ان هذه الفئة ممنوع عليها الانخراط حتي في المكاتب النقابية الموجودة في بعض الشركات والمؤسف ان هذا المنع والتهميش يتم حتى من طرف تلك المكاتب النقابية بدعوى أن الانتماء للنقابة حكرا علي من هم مرسمون داخل الشركة وهو امر غير مفهوم وغير مقبول بتاتا
س: وما موقفك أنت من النقابات؟
ج: شخصيا لدي موقف سلبي من النقابات الموجودة بشكل عام، لأنها بعيدة كل البعد عن الدفاع عن مصالح العمال والعاملات، وهاته النقابات لا تختلف عن الأحزاب الموجودة في المغرب، فكلهم يستغلون معاناتنا من اجل تحقيق مصالحهم الخاصة، ولكي أعطي لكل ذي حق حقه، فهناك بالمقابل قلة قليلة من النقابيين الذين يدافعون بشكل مبدئي عن مصالح من يمثلونهم. وكم نتمنى أن يكون لدينا مثل هؤلاء في شركتنا وفي كل الشركات.فإني مع العمل النقابي الذي يدافع عن مصالح العمال الحقيقية كما ان اغلبية العمال لهم نفس الراي الا ان الخوف الدائم من الطرد يمارس عليهم ضغطا حقيقيا ويحد من نشاطهم وتفكيرهم
س: ونحن على أبواب فاتح ماي، عيد الطبقة العالمي العاملة، هل سبق لك المشاركة في التظاهرات الخاصة بذلك، وهل ستشاركين هاته السنة؟
ج: عندما كنت طالبة كنت أشارك في تظاهرات الطلبة كلما سمحت لي الظروف، أما الآن فنحن نعمل في هذا اليوم رغم كونه يوم عطلة، لكني متحمسة للمشاركة هاته السنة كونه سيصادف يوم الأحد. وبهذه المناسبة اوجه التحية للطبقة العاملةالمغربية وللطبقة العاملة في العالم فهي التي تكدح ليل نهار ولا تجني سوي الفقر والتهميش في كافة المجالات وكانها وجدت من اجل ان تكدح لتنال حياة البؤس والشقاء في حين ينعم من وضعوا انفسهم في اعلي الهرم بكل الخيرات دون ان يقدموا اي عمل يدكر لكن يبقي املي كبير في قدرة الطبقة العاملة علي تغيير وضعها بمعية مناضليها وجنبا الي جنب مع كافة ابناء الشعب.
شارك هذا الموضوع على: ↓