2016/06/02

حسن أحراث// إفراغ الأشكال النضالية من مضامينها الكفاحية أو ذبح الأشكال النضالية -الإضراب العام نموذجا-

* الأشكال النضالية والجهة المناضلة:
تعتبر الأشكال النضالية، وعلى رأسها الانتفاضة الشعبية والإضراب العام، آليات لتحقيق مطالب أو أهداف محددة أو لانتزاع مكتسبات أو حقوق.. ويتم اعتماد
الشكل النضالي المناسب للمعركة المناسبة. ويمكن اللجوء الى عدة أشكال نضالية وفق التطورات التي تعرفها المعركة وكذلك الشروط الذاتية والموضوعية للجهة المناضلة التي تخوض هذه المعركة، ودائما في أفق إنجاحها وتثبيت نتائجها. وقد فشلت العديد من المعارك بسبب عدم اعتماد الشكل النضالي المناسب أو بسبب التقدير الخاطئ للظرفية السياسية أو للشروط الذاتية والموضوعية، حيث لكل مطلب أو مكسب قوته ووزنه. وكثيرا ما يحدث ذلك نتيجة العفوية أو الاندفاع/المغامرة والفقر النظري والجهل بموازين القوة، بما في ذلك جهل نقط ضعف العدو الطبقي بالخصوص ونقط قوته (علاقاته، تحالفاته...). كما أن حجم المعركة يتحدد من خلال الأشكال النضالية المعتمدة من طرف المعنيين بالقضية وكذلك الجهة المناضلة المنظمة والمؤطرة لها. وعندما أتحدث عن الجهة المناضلة، فأستثني أساليب المناورة الخبيثة (الافتراء والتضليل والتحامل المجاني...) والحسابات السياسوية أو تصفية الحسابات، وبدون شك المصالح الضيقة أو الشخصية (أسلحة الجهة غير المناضلة).. فأي جهة مناضلة، لا يمكن إلا أن تبدع وأن تضحي من أجل خدمة قضيتها، قضية شعبها.. ولا يمكن أن تتخذ هذا السبب أو ذاك ذريعة للاختباء أو التنكر لمسؤوليتها وواجبها النضاليين.. 
وطبعا، كلما احتد الصراع الطبقي وتطورت أساليب النظام القمعية والقهرية، وكلما تطورت تكنولوجيا الاتصال...، كلما تطلب الأمر تطوير الأشكال النضالية وتدقيق شعارات المرحلة والاستفادة من التجارب والخبرات لمواصلة المعركة رغم كل التعثرات والإخفاقات (في الفشل أحيانا، من الدروس ما يفوق دروس النجاح).. وهذا يصدق الى هذا الحد أو ذاك (بدون ميكانيكية) بالنسبة لجهة مناضلة مقتنعة بقضية عادلة وتسعى الى خدمتها بكل التضحيات المطلوبة.. 
ووجود جهة مناضلة منظمة ومؤطرة لا يعني دائما وجود أداة سياسية، بمعنى حزب سياسي، بمواصفات طبقية. لأن المعضلة الحقيقية هي غياب هذا الحزب الذي من المفروض نضاليا أن يواكب، بل أن ينسق نضالات كل الجهات المناضلة (نقابات، جمعيات...). وعموما، لا يمكن بالنسبة لأي جهة مناضلة إلا أن تعطي للأشكال النضالية مضامينها الكفاحية التي تصب كلها في تجاه حسم السلطة السياسية لفائدة الجماهير الشعبية المضطهدة وفي طليعتها الطبقة العاملة.. 
* الأشكال النضالية والجهة غير المناضلة:
المقصود هنا بكل وضوح هو إعلان "الإضراب العام" ليوم 31 ماي 2016 (شكل نضالي مفترى عليه) من طرف زمرة من القيادات النقابية المتواطئة مع النظام القائم والجاثمة على صدر كل من الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والفدرالية الديمقراطية للشغل والنقابة الوطنية للتعليم العالي. وبكل اختصار، لا يمكن لجهة غير مناضلة (نقابة واحدة أو كوكتيل من النقابات المتورطة في جرائم الفساد وتبديد الأموال وانتهاك أبسط القواعد الديمقراطية..) أن تخوض معركة أو شكلا نضاليا، إلا إذا كان همها هو إفراغه من مضمونه الكفاحي.. فالجهة غير المناضلة تخدم مصالحها ومصالح أسيادها وفي مقدمتهم النظام القائم، ولا يمكن بأي مقياس أن تخدم الطبقة العاملة أو عموم الكادحين والمضطهدين.
فمن هذا المناضل العبقري الذي يستطيع أن يبرهن على صدق نوايا قيادة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في الانخراط في معركة من صميم معارك شعبنا؟!! وأي جرأة تجعل من يحترم نفسه (مناضل أو غير مناضل) يصدق أن مخارق أو الأموي يسعيان الى "الانخراط في معركة من صميم معارك شعبنا"؟!!
أين التحليل الطبقي، التحليل الملموس للواقع الملموس؟!! 
أين تقييم المحطات السابقة (المكتسبات، الخسائر أو الأخطاء...)؟!!
أين الالتزامات والادعاءات والشعارات البراقة...؟!!
لقد سقطت الأقنعة.. فمن يضع يده اليمنى في يد البيروقراطية، يستطيع أن يضع يده اليسرى في يد النظام. وهو ما حصل في عدة تجارب/مناسبات، ومنها تجربة "المصالحة" الإجرامية بالمغرب أو ما يسمى ب"العدالة الانتقالية".. 
* الواقع والجهة غير المناضلة:
تضاربت الأرقام الرسمية.. فتصريح وزير الوظيفة العمومية للقناة الأولى يقول: "إن نسبة الإضراب لم تتجاوز 22 في المائة الموظفين متفهمين للإصلاحات التي تقوم بها الحكومة، وهم على وعي بأن الحكومة تراعي مصالح هذه الطبقة بكل مسؤولية"). أما بلاغ للنقابات الخمس في نفس اليوم، فيتحدث عن: "نسبة نجاح الإضراب في الوظيفة العمومية 83.72 % ونسبة النجاح في الجماعات المحلية 94 %". في جميع الأحوال، كان "الإضراب العام" المفترى عليه باردا.. لم يشعر أحد بحرارته أو بأثره.. إنه أشبه بزلزال بدرجة صفر على سلم ريشتر.. 
وماذا عن الاعتصام؟ 
أولا، ليس هناك اعتصام. إنه الكذب على الذقون في واضحة النهار (شاهد عيان صباحا ومساء).. الأمر يتعلق في أحسن الأحوال بوقفة بعد الزوال كوقفات روتينية سابقة أمام البرلمان.. كان ختامها على الساعة الخامسة (17.00) كلمات مكرورة ومحفوظة عن ظهر قلب..
ثانيا، كانت الوقفة ضعيفة/هزيلة من حيث الكم (خمس نقابات!!). شعارات مبتذلة ومتنافرة وغير مدروسة.. مجيمعات هنا وهناك.. هستيريا "التوثيق" (التباهي) عبر أخذ الصور وتبادل العناقات..
لا أثر للمعارك العمالية على طول وعرض البلاد.. لا صوت للمعتقلين السياسيين وعائلاتهم.. لا صدى لنضالاتهم وإضراباتهم عن الطعام..
لا حديث عن استفحال الفساد وأشكال الريع (المقالع والمأذونيات والصيد في أعالي البحار..).. لا حديث عن "ربط المسؤولية بالمحاسبة".. إنه التجسيد العملي للإفلات من العقاب (عفا الله عما سلف)..
فقط، رائحة الانتخابات التشريعية المقبلة (07 أكتوبر 2016) تفوح من أفواه المرتزقة.. 
فقط، الاستجمام "النضالي".. 
لست تدري أهو "عرس" أم "مأتم"!!
لا يهم تمرير هذا "القانون" أو ذاك، باستثناء مشروع قانون النقابات!! المشروع "بوعو" الذي يخيف "جهابذة" العمل النقابي.. لا يهم اعتماد هذه الصيغة أو تلك.. المهم هو ضمان الاستفادة والإشراك في البصم على المخططات الطبقية. وقد تم البصم على العديد من الجرائم في الخفاء.. 
في الأخير، انسحب الجميع.. انسحب "المعتصمون" المزعومون وكذلك ضحايا التضليل والآلة البيروقراطية المدمرة.. وختمت النقابات الخمس وهمها (الإضراب العام والاعتصام) ليوم 31 ماي 2016 ببلاغ، جاء في نهايته: "والمركزيات النقابية الخمس إذ تهنئ الموظفات والموظفين على نضجهم ووعيهم وقدرتهم على التعبئة والنضال والاحتجاج السلمي للتعبير عن مطالبهم، لتهيب بكافة المناضلات والمناضلين في مختلف القطاعات وجميع الأجراء، رفع وتيرة التعبئة والتأهب للدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم والنضال المستمر من أجل تحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة. عاشت الوحدة النقابية.. عاشت الطبقة العاملة المغربية". 
السؤال الأول: لماذا الاقتصار على الوظيفة العمومية والجماعات المحلية؟!!
السؤال الثاني: ما موقع الطبقة العاملة (عاشت الطبقة العاملة المغربية!!) في مسخ يتعلق قسرا وزورا بالموظفات والموظفين؟!!
كفى من عبث هذه الأزلام التي تقدم الهدايا الى النظام ومن التيه عموما وكذلك "الفذلكات" الكلامية الفارغة.. ليعانق المناضلون الحقيقيون القضايا الكبيرة لشعبنا ولينخرطوا في بناء صرحها الشامخ.. إنه التحدي النضالي الذي يفصل بين الجد واللعب..

1 يونيو 2016



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق