بداية وتفاديا لأي لبس، لأننا نسير فوق الألغام ونزن المواقف والآراء ببيض النمل،
فأي معركة نضالية من صلب شعبنا ومن إبداع أبناء شعبنا لا يمكن ألا ننخرط فيها قلبا وقالبا، وتحديا أيضا. وأكثر من ذلك، فمسؤولية المناضل الثوري التجذر في صفوف الجماهير الشعبية وخاصة الطبقة العاملة، والارتباط بقضاياها المصيرية، في جزرها ومدها، تأطيرا وتنظيما، وبكل ما يتطلبه الموقف من تضحيات ونكران ذات. فلن ننتظر المعارك الناجحة والفرص المواتية لنستعرض عضلاتنا ونزايد على بعضنا البعض، وبالتالي ادعاء البطولة...
فقط، لا معنى لتقديس "العفوية". لأن في ذلك إساءة، بل طعن في القضية. وحتى بالفهم البسيط، الحب الزائد قد يقتل؛ أو كما يقول المثل السائر "إذا زاد الشيء عن حده، انقلب الى ضده".
كما أن العجز والضعف لا يبرران "التقديس". إن المسؤولية النضالية تقتضي دراسة كل حالة/معركة والوقوف/التوقف عند نقط ضعفها ونقط قوتها (سلبياتها وإيجابياتها)، باعتماد التحليل العلمي القائم على مبدأ التحليل الملموس للواقع الملموس. لا مجال للعاطفة، فهذه الأخيرة بدورها قد تقتل...
وأخطر نقط ضعفنا كمناضلين ثوريين، تتجلى في عدم امتلاكنا للمعلومة الدقيقة/الصحيحة. ففي غياب هذه الأخيرة لا معنى للحديث عن التحليل الملموس للواقع الملموس (التحليل العلمي).
ففي كثير من الأحيان، نعتمد ما ينشر في الصحف والمجلات وما يداع في القنوات التلفزية والإذاعية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي... وناذرا ما نتحمل مشاق التواصل المباشر والمتابعة الميدانية وتنويع مصادر الخبر والمعلومة... وهنا قد تضيع الكثير من الحقائق وتسود بالمقابل المغالطات ويعم التشويش...
إن الواقع المغربي يعج بالمفارقات الغريبة والعجيبة، وما خفي فيه "أبشع"... إن قوتنا في كشف الخيوط الخفية للعبة السياسية ومصادر الثروة (القوة الاقتصادية) وقنوات إنتاجها وتصريفها/تسويقها برا وبحرا وجوا...
ونكون (بحسن نية أو بسوئها) "ضحية" المواقف أو المبادرات غير المحسوبة، وكذلك السقوط في فخ جهات متخفية تخدم أجندات أسيادها؛ علما أن المناضل الثوري لا يشفع له "جهله" بواقع الصراع الطبقي وملابساته في السقوط في فخاخ ومناورات الأعداء الطبقيين الذين يستهدفون قضية شعب ومصير شعب، خاصة والأساليب الماكرة والتقنيات الحديثة المتطورة التي تستعملها فلول وجنود الرجعية والصهيونية والامبريالية...
إن المسؤولية النضالية، مرة أخرى، تفرض الوضوح في الرؤية وفي المبادرة. وغير ذلك نزوع نحو المجهول والارتجال والتيه، جوابا عن العجز والضعف الذاتيين والانسياق العاطفي "المرضي" نحو إبراز الذات الغائبة في الواقع من خلال العالم الافتراضي أو "تربصات" الهامش...
إن المسؤولية النضالية تفرض الاتجاه رأسا نحو العدو الرئيسي، أي النظام القائم وأزلامه من قوى سياسية رجعية (ظلامية وشوفينية وغيرها) وقيادات نقابية وجمعوية متواطئة، وفضحه ومحاربته الى جانب المعنيين الأساسيين ومن خندقهم، أي الجماهير الشعبية المضطهدة، وعلى رأسها الطبقة العاملة.
باختصار، المناضل الثوري لا يعشق الدم من أجل الدم ولا يلجأ الى العنف من أجل العنف. إن الدم يعني التضحية، وكثير من المناضلين قدموا دمهم وصحتهم ومستقبلهم، أي استشهدوا من أجل قضية شعبهم وذاقوا مرارة الزنزانة والسجن وإجرام السجان. والعنف يعني العنف الثوري أي العنف الطبقي الذي يخدم قضيتهم.
إن المناضل الثوري يعشق الحياة. إن المناضل الثوري يعشق الثورة بكل نبلها ومن أجل أهدافها الإنسانية العظيمة.
وأي فعل أو معركة بدون أفق، قد يكون مآلهما الفشل... والحديث عن التكتيك بدون استراتيجية، لا يعدو أن يكون جملا إنشائية وعاطفية وصورا عبثية...
ومناصرة الشيء ونقيضه تعبير صارخ عن الغربة والبعد عن الواقع وتحديات الواقع، وبالتالي معانقة "الذي قد يأتي أو لا يأتي".
إنها حال مثيرة للشفقة حقا!!
لنتجند من أجل معارك ذات أفق واضح وذات استراتيجية دقيقة، ولنعمل على إبداع الخطط الملائمة والتكتيك المناسب لإنجاح معاركنا، معارك شعبنا (وليس "معارك" غيرنا، بوعي أو بدونه)...
لدينا شهداء، لدينا معتقلين سياسيين؛
هناك انتفاضات شعبية (الريف، زاكورة، جرادة...)؛
هناك اعتقالات بالجملة ومحاكمات صورية وأحكام جائرة وقاسية...
هناك معارك عمالية داخل المعامل والحقول (العمال الزراعيون والفلاحون الفقراء...)؛
هناك معطلون، هناك مهمشون...
هناك طلبة مشردون وأمام مصير مجهول...
هناك جماهير شعبية بدون حقوق (تعليم، شغل، سكن، صحة...)، وبدون كرامة...
هناك معارك، هناك تضحيات، بل هناك شعب، بدون قيادة...
شارك هذا الموضوع على: ↓