29‏/07‏/2019

م.م.ن.ص// مشروع قانون الإضراب "يفضحنا"...

عبر مختلف مراحل تطور المجتمعات الطبقية، كانت الطبقات السائدة تسعى
دائما عبر أداتها الطبقية (الدولة) إلى بسط سيطرتها وسطوتها الطبقية عبر القمع الدموي وسن قوانين تضمن مصالحها الطبقية. ولم يسجل التاريخ، في أي مجتمع من المجتمعات، أن وجدت قوانين أو دساتير رسخت وثبتت مصالح الجماهير الشعبية المضطهدة والمسيطر عليها، إلا في حالات نادرة في ظروف الثورات المسلحة أو الاضرابات السياسية العامة. ومثل هذه الحالات نادرة وعابرة. 
وفي الآونة الأخيرة يسعى النظام القائم بالمغرب إلى تمرير عدة قوانين تنظيمية في عدة قطاعات منها القانون الإطار المنظم لقطاع التعليم وقانون الإضراب. لقد نجح فعلا في تمرير المخطط التخريبي الأول بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان الخاضع كليا للنظام وحواريه. ونجاح النظام في تمرير مخططاته يرجع بالأساس إلى الضعف الحاصل في الجهة المقابلة، التشرذم الذي تتخبط فيه المعارضة الجذرية بمختلف تركيباتها، لأنه لو توفر الحد الأدنى من التنسيق النضالي والعمل المنظم على أرضية المصالح الآنية والاستراتيجية للجماهير الشعبية لما استطاع النظام تنزيل مخططاته رغم تواطؤ الأحزاب السياسية والقيادات النقابية البيروقراطية؛ وحتى إن استطاع ذلك فالأكيد كانت ستكون التكلفة كبيرة.
وتجدر الإشارة الى أن الأمر سيان، سواء تم تمرير هذا المشروع أو لم يتم ذلك. فتجريم الإضراب ليس جديدا، ولم يسبق أن تم احترام أي قانون عندما تصير المصالح الطبقية للنظام محط تهديد.
إن مشروع قانون الإضراب الذي يسعى النظام إلى تثبيته وتمريره في أسرع وقت سيكون بمثابة الضربة القاضية للمكتسبات التي ضحت الطبقة العاملة وأوسع الجماهير الشعبية بالغالي والنفيس في سبيل تحقيقها وترسيخها على مدى أزيد من 60 سنة من الكفاح والنضال والتضحية.
 فالقراءة السريعة والأولية لمواد مشروع قانون الإضراب تضع القارئ أمام الصورة القاتمة التي ستصبح عليها وضعية العمال وكل الشغيلة بمختلف مواقع العمل.
تشير المادة الثانية إلى أن: "الإضراب هو كل توقف جماعي عن العمل يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشرة للأجراء المضربين". 
 هذه المادة هي خطوة أولى لتجريم الإضرابات ذات البعد السياسي مثل الإضرابات التضامنية أو تلك التي لا ترفع مطالب مهنية صرفة.  فواضعو المشروع يسعون إلى تضييق هامش الدعوة للإضرابات والانخراط فيها. ودون الخوض في تفاصيل أكثر، فإن هذه المادة هي المدخل للقضاء على الإضراب بمعناه الواسع وتقزيمه وتحويله إلى "توقف محدد عن العمل للدفاع عن حقوق ومصالح اجتماعية واقتصادية مباشرة للأجراء المضربين". وبالتالي، مثلا، فكل احتجاج أو إضراب ضد قرار سياسي معين سيكون بمثابة جريمة ويعاقب عليه القانون.
وما قلناه سابقا تؤكده بشكل سافر المادة الخامسة: "ويعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا". وهذه المادة هي بالضبط السند والحجة "القانونية" للنظام لاعتقال ومحاكمة المناضلين النقابيين وغير النقابيين بذريعة مخالفة أحكام القانون، إن هذه المادة هي بالضبط السوط الذي سيسلطه النظام على رقاب المنظمين والمشاركين في الإضرابات العامة والانتفاضة التي تنتج عن عصيان مدني أو إضراب سياسي عام، وهو ما لم يكن يتوفر عليه النظام في الانتفاضات والإضرابات العامة في المراحل السابقة من صراع الجماهير الشعبية مع النظام القائم. إن النظام يسعى بشكل مكشوف الى "حماية" نفسه (منطق النعامة)، وخاصة أمام "الخارج"... 
وأغلب مواد هذا القانون تصب في اتجاه تقييد ومزيد من التضييق على حرية العمل النقابي والنضال السياسي المقرون به بحكم أنه لا يمكن الفصل بين النقابي والسياسي بحكم ارتباطهما الجدلي. 
إن ما سلف ذكره هو إحاطه بسيطة بالوضع المزري الذي سيصبح عليه حالنا في ظل التأخر الحاصل في مواجهة مخططات النظام قبل وبعد ترسيمها ومَؤسستها. 
 هذه اللحظة علامة فارقة في تاريخ صراع الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة ضد النظام القائم بالمغرب، وكل تخلف في مواكبة الصراع بكل ما يتطلبه من نضج وحزم ومسؤولية سنعاني منه الأمرين عندما يحين وقت المواجهة. 
إنها لحظة تاريخية أخرى تفضح عجزنا وتخلفنا عن القيام بالواجب النضالي...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق