صعب أن تجد ما يثلج الصدر في مشهدنا السياسي، غير التضحيات المتواصلة
لبنات وأبناء شعبنا على طول وعرض خريطة البلد. وهذه التضحيات (انتفاضات شعبية مزعجة ومسيرات وإضرابات...)، كثيرا ما تكون بعيدة عن مخالب القوى السياسية المحترفة وعن الأضواء أيضا. إنها نضالات وتضحيات ليست دائما عفوية، فأثر وتأثير المناضلين حاضران في مضامينها، أكثر مما هو بارز على واجهتها. ومعاناة المعتقلين السياسيين بمختلف سجون الذل والعار عنوان بارز لتخاذل القوى السياسية وانزياحها عن المهام الآنية التي من المفروض أن تتابعها عن قرب وبدون هوادة. وأقصد القوى السياسية التي تدعي التقدمية والديمقراطية وترفع شعارات حقوق الإنسان، والى جانبها الطيف الجمعوي والحقوقي بكل ائتلافاته وتحالفاته، المنسجمة وغير المنسجمة.
مناسبة القول هي "المسيرة الوطنية الحقوقية" المنظمة من طرف هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يوم الأحد 15 دجنبر 2019 بالرباط، تحت شعار "دولة الحق والقانون رهينة بالديمقراطية وإحقاق حقوق الإنسان في شموليتها".
صعب أن أصدق أنها "مسيرة وطنية" بالنظر الى العدد القليل جدا، بل المخجل، للمشاركات والمشاركين، وخاصة ضحايا القمع السياسي. وسهل أن أدرك (بالتحليل والمتابعة الميدانية) أنها مناسبة روتينية (وليست رمزية) لتسجيل الحضور من أجل الحضور (؟؟!!). فدون توقع حضور مختلف مناطق المغرب، هناك غياب رموز بعض مكونات "الهيئة" المنظمة وحضور شكلي وهزيل لبعضها الآخر من محور الرباط-الدار البيضاء. علما أن الهيئة تتشكل من الإطارات التالية: العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وجمعية عدالة والهيئة المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى بدائل المغرب.
والمثير هو غياب العديد من ضحايا القمع السياسي السابق لسنة 1999، والأكثر إثارة هو غياب ضحايا القمع السياسي لما بعد 1999. فلم يعد "المنتدى" غير "ذاكرة"، وللأسف ذاكرة مصابة بالخرف (مرض زهايمر). فمن غير المقبول (حتى أخلاقيا) أن تكون السجون اليوم مكتظة بالمعتقلين السياسيين وضحايا القمع السياسي بالآلاف والعائلات تئن تحت وطأة القهر والتضييق والقمع والاحتجاجات لا تتوقف، ونسمح لأنفسنا بتنظيم مسيرة معزولة وفارغة باسم "المسيرة الوطنية الحقوقية"...
كفى من صباغة الواقع بلوننا المحبب، لننظر الى الواقع وألوانه القاتمة.. فبدون الانطلاق من الحقيقة المرة، لن نتقدم في مسيرة شعبنا الكفاحية...
ولا يكفي حتى، قصف الآخر بالعدمية والتشويش على "أعراسنا"، للاحتفال الخادع بالذات.. نحن في حاجة الى من "يصرخ" في وجهنا، بل الى من "يصفعنا" لنثبت أقدامنا ونقوم بوصلتنا في تجاه خدمة قضية شعبنا.
كلنا مسؤولون..
من حضر "المسيرة الحقوقية الوطنية" ليوم الأحد 15 دجنبر 2019، لا يسعه إلا أن يتألم وأن يتحسر، إذا كان مناضلا فعلا وقولا...
ماذا بعد؟
"تفسير الواضحات من المفضحات"...
شارك هذا الموضوع على: ↓