02‏/03‏/2020

م.م.ن.ص // خبث البيروقراطية في معارك الطبقة العاملة ووجوب التصدي لها وتعريتها وإزاحتها – معركة عمال أمانور نموذجا

إن وصف القيادات البيروقراطية، المتربعة على عروش النقابات العمالية،
 بالخبيثة أهون ما يمكن أن  يصفها به المرء في ظروف الصراع الطبقي  ببلادنا، في الوقت الراهن. وكل مناضل شريف، ومخلص، لقضايا الطبقة العاملة، والجماهير الشعبية بشكل عام، لا يمكن إلا أن يؤمن بضرورة كنس الديناصورات المتقمصة للعمل النقابي  والتي تعبث فسادا، وتتلذذ بمعاناة الطبقة  العاملة من جراء ما تتعرض له من اضطهاد في المعامل والضيعات ومن الهجمات المنظمة لأرباب العمل، بتنسيق مسبق مع النظام، لضرب كل تجربة نضالية تدخل غمارها الطبقة العاملة على طريق الدفاع المستميت على حقوقها وتحسين شروط العمل. إنها شريحة من محترفي المتاجرة والسمسرة في معانات شعبنا وفي مآسيه، وكدحه، وفي دماء الشهداء، وضعت هياكل المركزيات تحت نفوذها على امتداد مسار من العمالة والانبطاح والخيانة، وحولتها إلى إطارات عاجزة عن لعب أي دور مستقل عن النظام وعن أصحاب رأس المال. 
فواهم من لا يزال يعتقد أن القيادات النقابية المفيوزية بإمكانها الاصطفاف (في جبهات، تنسيقيات ..) الى جانب شعبنا من أجل لقمة العيش الكريم أو للدفاع عن ملفاته الاجتماعية بعيدا عن الوفاء لمتطلبات النظام. وواهم كل من يعتقد على قدرتها على التنازل عن دور الوسيط المتاجر بمعانات الشغيلة بشكل عام. 
لقد علمتنا التجارب المريرة للطبقة العاملة، ولجماهير شعبنا بشكل عام، أن الزعماء السياسيين والنقابيين المزورين هم أول من ينقلب ضد المعارك النضالية حين يشتد أوارها ويرتفع لهيبها، ويسارعون الوقت، ويقومون بالمستحيل، وبوجه مكشوف، لفك العزلة عن النظام حين يشتد عليه الخناق، والتنفيس عن أرباب العمل حين يتوقف الإنتاج بسبب إضرابات العمال الطويلة النفس، وليست ببعيدة انتفاضة الجماهير الشعبية  في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الحالية، وليست ذاكرتنا مثقوبة حتى ننسى الأدوار الشنيعة التي  قام بها الخونة المتربعون على القيادات النقابية والقوى الانتهازية في أوج المواجهة البطولية لشعبنا وبالصدور العارية للأسلحة النارية الفتاكة للنظام المجرم (انتفاضات 1981، 1984،1990، 20فبراير 2011 ... الخ). 
  واستحضارنا لتلك التجارب المريرة من باب وضع المهتمين بالنضال العمالي والطامحين للتغيير الجذري أمام هاته الحقيقة المرة، وتذكير من أصبح يعتقد بإمكانية إصلاح القيادات التي نشأت وترعرعت في كنف النظام وأصبحت مدمنةعلى استجداء الفتات الذي يقدمه لها  أرباب العمل مقابل بيع معارك العمال أو التخلي عنها في أحسن الأحوال، عوضا عن الافتخار بالتضحية في سبيل تحقيق انتصار الطبقة العاملة الذي هو في آخر المطاف انتصار لقوى التحرر وتخليص الإنسانية من الاستغلال الرأسمالي، وذلك من حق كل قيادي عمالي مناضل في المرحلة التاريخية الراهنة. 

إن اطلالة القيادة المفيوزية للاتحاد المغربي للشغل بعد اندلاع معركة عمال أمانور كانت أطلالة تضليلية ومخادعة. كانت أطلالة لدس السم بلطف وسط الفعل النضالي الذي أطلق لتجسيد التضامن العمالي الحقيقي. وكل متتبع لمسار تطور المعركة البطولية لعمال شركة أمانور، يرى كيف انقلبت الأمور في ظرف وجيز. ففي الأسبوع الثاني للمعركة  انخرطت أغلب القطاعات (عمالية وغير عمالية) في مسار التضامن مع المعركة، واتجهت الأنظار، على المستوى المحلي والوطني، إلى  البرنامج النضالي الحافل  الذي أعلن عنه المكتب الجهوي للاتحاد المغربي للشغل بطنجة، وتوالت بعده بيانات التضامن والإشادة بقوة وإصرار العمال القابضين على الجمر.

 هذا المسار التصاعدي لم يرق الأمانة العامة للاتحاد، كما لم يرق أجهزة النظام محليا ومركزيا، وطبعا لم يرق إدارة أمانور (وهؤلاء ممكن جمعهم في جهة واحدة لتقاطع المصالح) وهنا وجدت القيادة البيروقراطية نفسها على هامش معركة خرجت عن التزامها (أي التزام القيادة البيروقراطية) مع النظام بالسهر على ضمان السلم الاجتماعي المزعوم، وبالتالي فاستمرار الأمور على منوال التصعيد العمالي، وأي انتصار قد يحققه العمال على إثر صمودهم وتشبث بانتزاع واسترجاع حقوقهم المسلوبة قد يدحض، وسيدحض،  كل  التصورات والنظريات والطروحات المرتبطة بمسرحية الحوار الاجتماعي المبتذلة.

 وسنصبح أمام  وضع جديد، تطلق فيه شرارة الإيمان بقوة العمال ووحدتها وأهمية بنائها بطريقة صحيحة بعيدا عن الانتهازية والانبطاح. ويعاد فيه الاعتبار لسلاح الإضراب عن العمل، والصمود الطويل النفس في مواجهة تجبر وتعنت أرباب العمل. وهذا البعد السياسي والتنظيمي هو الذي دفع ويدفع القيادات الخائنة لقتل  المعارك في مهدها.
 وإلا كيف سيكون موقف البيروقراطية لو صعد جيل جديد من المناضلين (في قيادة النقابات) المخلصين وليس أشباه مناضلين يأتمرون بأوامر ‘'شيوخ’’ النقابة الفاسدين؟ ألن يدفع الوضع الجديد بالمناضلين المقموعين من طرف تلك القيادات إلى التمرد وإعلان انحيازهم للنضال   المسؤول والالتزام الأخلاقي بما التزموا به؟ ألن يطلق هذا المسار سراح العديد من ''التابعين'' لوضع "لا يريدونه" وبالتالي فكل فجوة ''نضالية'' قد تحدثها معركة، مثل معركة عمال أمانور، قد تدفعهم إلى الخروج من تحت عباءة البيروقراطي، ونسبة كبيرة من هؤلاء في أمس الحاجة لمن يسندونهم كما يدعون، رغم أن هذه الحالة تفوح منها رائحة  الانتهازية والتذبذب. وهنا استحضر تلك الحماسة في بيانات وبلاغات المكتب الجهوي لنقابات طنجة وباقي المكاتب النقابية لقطاعات عمالية وغير عمالية، وأتساءل: أين أنتم من تلك الخطابات الحماسية والاستعداد لكل الاحتمالات لدعم المعركة؟! لنفترض صدق تلك الخطابات والبلاغات والبيانات، لكن ليكون لها معنى ألا يتطلب ذلك تجسيدها على أرض الواقع كالتزام أخلاقي ونضالي، وستكون صادقة  فعلا إن اقترنت بأفعال وليس أقوال، حتى لا تبقى مجرد فقاعات صوتية؟!.. 
إن نقطة الصراع الرئيسية في هذه المعركة، كما في أغلب المعارك العمالية والشعبية، تتعلق بمن يقود المعركة ووفق أي رؤية يقودها. وهو ما يتوجب على الطاقات العمالية الصاعدة الانتباه له جيدا والعمل على توضيحه، فمعركة عمال أمانور أعطت دروسا وعبرا للمناضلين سواء الذين عاشوا انتكاسات في الماضي (معارك عمالية سابقة) أو المتواجدين حاليا في معمعان الصراع يتحملون المسؤولية في قيادة نقابة عمالية أو غير عمالية. فالمنعرجات والمحن التي مرت وتمر منها معركة أمانور تتطلب من المناضلين العماليين التحلي بالصبر والصمود أكثر من أي وقت مضى أكثر من أي وقت مضى وإبداع أشكال المقاومة حتى انتصار معركتهم البطولية.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق