25‏/04‏/2020

حسن أحراث // حكايا الصبي: جوهاري وأحراث.

عندما تكون مدة السجن طويلة، لابد من إبداع ترسانة متنوعة ومتجددة من
مقومات الصمود وأشكال المقاومة. وهذه الترسانة ليست جامدة أو صالحة لكل الأوضاع. إن فعاليتها تكمن في تجددها وانسجامها مع كل لحظة وشروطها، أي استيعاب الواقع والإحاطة بتفاصيله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تماما كما أشكال الفعل النضالي. فقد تكون هذه الأخيرة ميتة، أو الأدق قد نقتلها في حالة تنزيلها دون مراعاة مدى ملاءمتها لزمن ومكان معينين. وقوة المناضل، داخل السجن أو خارجه، تتجلى في اختياره الصيغة المثلى لإحداث التأثير الإيجابي في واقعه. وتجد مراكمة الفشل السياسي ببلادنا بعض تفسيراتها، في لي عنق العديد من أشكال العمل وإقحامها في غير محلها أو سياقها، مما يجعلها تافهة ومتجاوزة وغير ذات أثر أو جدوى. طبعا، ليس سبب ذلك عقم "الخيال" أو شح الإبداع فقط، بل في كثير من الأحيان ضعف الاقتناع بالقضية أمام جبروت النظام القمعي وغياب المناخ الديمقراطي. فعندما نتحدث عن قوة المناضل، نعني قوة اقتناعه بقضيته. لأن قوة الاقتناع بخلفية نظرية علمية تولد قوة الفعل، وقوة الفعل تتمثل في التجسيد على أرض الواقع.
"حكايا الصبي" عنوان محنة، أكثر مما هو عنوان نص. ولأن تضاريس محنة الاعتقال غاية في الصعوبة، فقد فرض الأمر خلق أدوات قهرها وإذلالها. ذلك ما حصل بالنسبة للرفيقين جوهاري نورالدين (08 سنوات) وحسن أحراث (15 سنة). وإنه سر حرب شرسة تطلب ربح أوارها إعمال الاقتناع والتجربة وأقصى درجات التضحية...
انتقل الرفيقان، تارة معا وتارة أخرى فرادى، من سجن الى آخر ومن مستشفى الى آخر، وكذلك من زنزانة الى أخرى ومن كاشو الى آخر. خاضا إضرابات عن الطعام محدودة وغير محدودة. واستقر بهما الحال إبان معركة الإضراب اللامحدود عن الطعام الذي دام ست (06) سنوات، بغرفتين/زنزانتين متقابلتين بالمستشفى الجامعي ابن رشد (موريزكو) بمدينة الدار البيضاء. ولهزم شراسة العزلة المفروضة، لجآ الى الحكي المباشر عبر حلقات عن حياتهما وعن خصوصياتهما منذ نعومة أظافرهما. واختارا عنوان النص، أي "حكايا الصبي" لملحمتهما الخالدة. لقد سمح تقابل بابي الزنزانتين والممر الضيق بينهما باسترسال الحديث رغم قيدهما الى الأسرة بواسطة الأصفاد ورغم عيون وآذان أطقم الحراسة.
لقد صارا واحدا بدل اثنين. الواحد منهما يعرف تفاصيل حياة الآخر وأسرته. تناولا بالتناوب كل صغيرة وكبيرة في حياتهما وحياة أفراد أسرتيهما، ذكورا وإناثا. كان الحديث شيقا وبحميمية لا متناهية. كان حب الأسرة يضفي لمسة شاعرية عن البوح.
اندمجا لدرجة تجاهلهما محنة الاعتقال وقساوة الإضراب اللامحدود عن الطعام..
حكى نور الدين كثيرا عن والدتنا "القديسة" الفقيدة فاطنة وعن معاناتها الصامتة، وعن الأب حسن الذي رحل مبكرا. كم كان يذكره اسم حسن (أحراث) باسم أبيه الراحل!!
حصل مرة أن تعرض الرفيق نور الدين الى تعنيف من أحد أساتذته. وبعد علم الأب حسن بالأمر، توجه وكله حنق الى المدرسة ورجمها بسيل من الحجارة، رفضا واحتجاجا..
حكى بمرارة عن فقدان أخيه محمد وعن دوره كأب في صفوف الأسرة. حكى بسخاء وبعاطفة فياضة عن كل من عبد الرحيم والفقيد عبد اللطيف والفقيدة زهرة والفقيدة نزهة وفاطمة. حكى عن حكماء العائلة وأبنائها وبناتها...
تناول الطفولة وشغبها والتسكع بدروب مدينة وادي زم وأحيائها. استرجع قيض وقر سنوات الدراسة بوادي زم وبمراكش (كلية العلوم، جامعة القاضي عياض)...
حكي، بل سلاح/بساط سافر بنا خارج الزنزانتين.. كنا نادرا ما نغرق في أغلال الجلاد/السجان ومستنقعه...
كانت الزنزانة محطة، وفقط محطة...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق