الإضراب عن الطعام شكل نضالي كباقي الأشكال النضالية. ويلجأ الى هذا الشكل
بالأساس المعتقلون، لأن سلاح المعتقل هو ذاته. فلا يملك خيارات كثيرة. ويأخذ الإضراب مشروعيته وقوته من القضية التي يدافع عنها المضرب عن الطعام، أي القضية موضوع الإضراب. أما تحديد مدته فمرتبط بسياق المعركة التي يخوضها كل مضرب. والبداية تكون في جل الحالات إضرابات إنذارية محدودة. والإمعان في الإذلال والتعنت، يستوجب رفع التحدي. لأن الأمر لا يعود مقتصرا على الفرد أي الذات والمطالب البسيطة، بل على القضية..
وللعلم، فخطورة الإضراب عن الطعام، وخاصة المفتوح أو اللامحدود تفوق مخاطر الأشكال الأخرى، رغم أن أي فعل نضالي قد يعرض المناضل الى ما لا يحصى من الأساليب القمعية، بما فيها الاغتيال. فإذا كان الحصار أو التوقيف أو الطرد من العمل أو التشريد أو القمع بما في ذلك الاعتقال هو مصير من يخوض بعض الأشكال النضالية، فإن مصير المضرب عن الطعام قد يصل الى الاستشهاد أو على الأقل حصول أضرار بليغة بصحته. ومن خبر الإضراب عن الطعام يدرك مرارته وقساوته. فليس ترفا خوض معركة الإضراب عن الطعام أو مزايدة أو حبا في التباهي. كما ليس انتحارا أو عشقا للمغامرة، وهي التهم الجاهزة للأنظمة الرجعية وأذنابها والعاجزين عن مواكبة الدينامية النضالية، سواء بالمغرب أو بتركيا أو بغيرهما. فكثيرا ما يتجاوز الأمر الجوع، أي الامتناع عن الأكل، ليصل الى التعذيب الجسدي والنفسي والعزل بالكاشوات أو الزنازن الانفرادية، واستفزاز العائلات وترهيبها. ورغم التوثيق الضئيل لتجارب الإضراب عن الطعام ببلادنا وبغيرها، يمكن للمتتبع تمثل الإجرام الذي يعانيه المعتقلون المضربون عن الطعام.
وبالمغرب، فأول إضراب عن الطعام الذي خلق الحدث هو إضراب سنة 1977 الذي استشهدت إبانه المناضلة سعيدة المنبهي. ويعتبر محطة نضالية مرجعية. وتوالت الإضرابات عن الطعام بمختلف السجون (مكناس وتزنيت...)، إلا أنها نادرا ما نالت الاهتمام والحيز الإعلاميين اللذين يليقا بحجمها النضالي. وفي سنة 1984، سنة انتفاضة يناير الشعبية، فجرت مجموعة مراكش معركة (مراكش واسفي والصويرة) خربت جدران الصمت وهزمت الترسانة القمعية للنظام وفضحت شكلية اللعبة الديمقراطية. وكان الثمن الباهض شهيدين، بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري. وفي الوقت الذي لم يستطع النظام كسر شوكة معركة الشهيدين، انطلقت عدة معارك (الدار البيضاء والرباط...) من بينها معركة سجن لعلو بالرباط التي استشهد على إثرها المناضل عبد الحق شبادة سنة 1989.
وأمام هذا الزخم النضالي، صار الإضراب عن الطعام سلاحا بيد المعتقل لفرض ذاته وتحقيق مطالبه العادلة والمشروعة. وشهدت السجون بالمغرب (فاس ووجدة وطنجة وتازة...) العديد من الإضرابات عن الطعام، وخاصة من طرف المعتقلين السياسيين. وكان لها الصدى الكبير في إثارة الأوضاع الكارثية بالسجون.
والى جانب الإضرابات عن الطعام بالسجون، انتقلت أيضا الى الاعتصامات بالساحات العمومية والجامعات ومقرات العمل. وتدخل في هذا السياق معركة الشهيد مصطفى مزياني سنة 2014 التي انطلقت من الاعتصام وانتقلت الى السجن. ونذكر أيضا الاعتصام والإضراب المفتوح للشهيد خلادة الغازي سنة 2017. ولنا اليقين أن الشهداء المذكورين وكافة شهداء شعبنا يحبون الحياة، بل يعشقونها؛ وطبعا الحياة الكريمة وليس الذل والهوان...
وقد اعتمد الإضراب عن الطعام كذلك من طرف العائلات والمناضلين كشكل داعم وكصيغة تضامنية رمزية مع المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام.
وخارج المغرب، هناك تجارب متعددة يصعب الإحاطة بها في مجملها، ويتطلب ذلك دراسة شاملة ومجهود كبير. ومن بين التجارب الرائدة، نضالات المعتقلين الفلسطينيين بسجون الاحتلال وإضراباتهم عن الطعام. وباختصار، فكل التجارب التي شملها ما يسمى بالعدالة الانتقالية (جنوب افريقيا ودول أمريكا اللاتينية...) عرفت إضرابات عن الطعام المحدودة وغير المحدودة. وبدون شك، هناك تجارب أخرى معلومة وغير معلومة. والحديث عن الإضراب عن الطعام لا يمكن أن يمر دون الإشارة ولو العابرة للإضراب الذي استشهد خلاله مناضل الجيش الجمهوري الإيرلندي الانتقالي بوبي سانز سنة 1981 وعدد كبير من رفاقه، وذلك من أجل تصنيفهم كمعتقلين سياسيين والحفاظ على مكتسباتهم. كان ذلك في ظل الإجرام الذي رعته مارغريت تاتشر في حربها ضد الشعب الإيرلندي.
ولأن سياق هذا المقال ليس التوثيق لتجارب الإضراب عن الطعام، بل فضح جريمة اغتيال المناضلين الأتراك Helin_Bölek و IbrahimGökçek وMustafa_Koçak، أعيد نشر مقال بهذا الصدد لأحد المناضلين المتابعين للموضوع (الرفيق Camarade ML) بتاريخ 07 ماي 2020؛ علما أن السجون بتركيا عرفت الكثير من الجرائم في حق المعتقلين السياسيين، خاصة المضربين عن الطعام منهم. ومن بين من عانى شراسة السجون بتركيا، الشاعر المعروف ناظم حكمت. وفيما يلي نص المقال:
"معطيات إضافية عن معركة الرفيقين إبراهيم غوكشيك وهيلين بوليك عن مجموعة يوروم التركية الملتزمة وعن المناضل الماركسي اللينيني الشهيد Mustafa_Koçak#:
بدايةً فالرفيق Ibrahim_Gökçek الذي استشهد اليوم بعد أزيد من 323 يوم من الاضراب المفتوح عن الطعام، متزوج منذ 05 سنوات (الصورة أدناه له ولزوجته) وقضى 04 سنوات (بشكل متفرق) والرفيقة Helin_Bölek# وبعض أفراد المجموعة الآخرين في دهاليز المعتقلات النتنة للنظام الظلامي الفاشستي القائم بتركيا.
الرفيقان عضوان في مجموعة Yorum الموسيقية الملتزمة. وقد بدأت معركة الإضراب المفتوح عن الطعام حتى الموت من داخل المعتقل، ليفرضا إطلاق سراحهما يوم 24 فبراير 2020، لكنهما أبيا إلا أن يستمرا في معركتهما البطولية حتى تحقيق مطالب المجموعة وفي مقدمتها سحب اسمائهم من "لائحة الإرهاب" (عازف القيثارة والمغني الملتزم وأعضاء فرقة غنائية ملتزمة أصبحوا إرهابيين!!!)، والإفراج عن رفاقهم المعتقلين السياسيين ثم رفع الحر عن المجموعة، لتعلن الرفيقة هيلين ميلادها الجديد يوم 03 أبريل 2020 عن سن 28 سنة بعد صمود بطولي دام 288 يوماً. فيما استشهد الرفيق ابراهيم اليوم 07 ماي 2020 بالمستشفى بعدما أعلن تعليقه للإضراب عن الطعام أول أمس وقد قُدمت للمجموعة ضمانات برفع الحظر عنها والإفراج عن الرفاق المعتقلين (انظر نص البلاغ الذي أصدرته المجموعة ونشرتُ جزء منه الثلاثاء 7/5/2020. (في خضم المعركة البطولية التي خاضها الرفيقان، قال الرفيق Ibrahim_Gökçek في تصريح لإحدى الجرائد (الترجمة لي):
" قرار #الإضراب_عن_الطعام_حتى_الموت لم يكن صعبا نظرا لما نعيشه كل يوم. آلاتنا وأدواتنا الموسيقية يتم تكسيرها باستمرار. أسماؤنا مسجلة على لوائح الإرهاب، ونحن معتقلون.
أشياء كثيرة مرت...
بالطبع، منذ البداية، #نحن_نريد_الحياة. لكن أحيانا، في تركيا، ينبغي أن نكون #مستعدين_للموت_لكي_نبقى_واقفين.
عندما أُنشئت مجموعة يوروم، كان الصمت يعم تركيا. لقد ناضلنا ضد اللامساواة... ونصارع أيضا اليوم من أجل ذلك دون شك. نحن نناضل ليس من أجلنا وفقط، لكن من أجل كل الشعوب في تركيا. وأنا مدرك تماما إذا ما حدث لي مكروه أنا أو هيلين فلن تنتهي المقاومة."...
كما كتب الرفيق قبل أيام رسالة مطولة نشرتُها يوم السبت 02 ماي 2020 تحت عنوان "بالأمس كنت عازف قيثارة، اليوم أصبحت إرهابيا" ومضمونها إما الانتصار وإما الشهادة معلنا عدم التخلي عن معركة "الإضراب عن الطعام حتى يتم قبول مطالبنا. بثمن الموت، إذا لزم الأمر"...
معلوم أنه إضافة إلى استشهاد الرفيقين إبراهيم وهيلين (عضوي مجموعة يوروم)، فقد اغتال النظام الفاشستي الظلامي القائم بتركيا الرفيق Mustafa_Koçak# يوم 24 أبريل 2020. وقد أعلن الرفيق مصطفى ميلاده الجديد بعد معركة بطولية عن الطعام دامت 297 يوما من داخل زنازن الذل والعار لعصابة أردوغان. وهذه إحدى كلمات الرفيق:
"أنا مستعد للمعاناة والألم حتى لا يعاني أحد من القضاء من بعدنا.
#أعاني_كثيرا_اليوم_حتى_لا_تبقى_المعاناة_غدا. أحبكم كلكم كثيرا"...
وكان الرفيق قد اعتقل يوم 23 شتنبر 2017 وحوكم ب#السجن_مدى_الحياة بتهم صورية معززة بشهود زور وَفي مقدمتها "خرق الدستور" و"تسليم سلاح أدى إلى قتل قاضي سنة 2015". والواقع أن الرفيق حوكم لانتمائه لليسار الثوري في تركيا. ولذلك دخل في إضراب عن الطعام حتى الموت دفاعا عن هويته كمعتقل سياسي واحتجاجا على القضاء الرجعي، مطالبا بمحاكمة عادلة. وقد تعرض الرفيق بحسب أحد محاميه لشتى أنواع التعذيب من طرف أجهزة القمع التركية لانتزاع اعترافات منه. لكن قناعات الرفيق كانت أصلب وأقوى...
ولن تذكرنا هذه المعارك البطولية التي تجسد قمة التضحية و نكران الذات إلا بمعارك المناضلين الماركسيين اللينينيين الأمميين/المغاربة الذين استشهدوا في معارك الإضراب عن الطعام:
-الشهيدة سعيدة المنبهي
-الشهيدين مصطفىبلهواري و بوبكر الدريدي
-الشهيد عبد الحق اشبادة
-عريس الشهداء مصطفى مزياني
كما تذكرنا بما قاله الثائر الأممي مصطفى مزياني:
"سننتصر...لأننا نسير على درب الجماهير...و لأننا في وسط الجماهير...سننتصر... لأن الجماهير ستصنع التاريخ... سننتصر...لأن الجماهير ستنتصر".
لكم المجد ومنا الوفاء
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
على درب الشهداء سائرون
==========================
إشارة مهمة جدا:
رفيقة درب الشهيد ابراهيم Sultan Gökçek لا تزال قيد الاعتقال في سجن سيليڤيري سيئ الذكر باسطنبول ولن تتمكن (كما هو مؤكد لحد الآن) من حضور جنازته المقررة غداً....
الخزي والعار للنظام الظلامي الفاشستي القائم بتركيا... يحرمون الرفاق حتى من أبسط الأمور وهي حضور جنازة زوج..."
شارك هذا الموضوع على: ↓