وجه أحد الرفاق مؤخرا (مشكورا) رسالة غير مباشرة الى الرفاق والمناضلين،
إنها في العمق ليست رسالة مشفرة، إنها صرخة مدوية في آذان الرفاق والمناضلين (وأنا واحد منهم)، لعلهم يستوعبون اللحظة التاريخية الراهنة ويستحضرون مستلزمات النهوض النضالي والتصدي لإجرام النظام المستفحل. ولن نختلف حول فظاعة الصمت تجاه الجريمة التي ذهب ضحيتها حسن الطاهري بالجرف (الرشيدية).. فهل ننتظر تساقط الواحد منا تلو الآخر؟ هل ننتظر كشف الحقيقة من طرف أعداء الحقيقة؟ أما شعبنا، فخناجر النظام وأزلامه من قوى رجعية (ظلامية وشوفينية) و"إصلاحية" قد فعلت في أحشائه فعلتها.. الخلاصة هنا هي عدم فهمنا لأنفسنا أولا قبل فهم غيرنا. الخلاصة هنا هي عدم استعدادنا لمواجهة أنفسنا قبل مواجهة غيرنا. لنفضح أنفسنا ولو لمرة واحدة.. لنعترف بعجزنا ولو بخجل..
ليس عيبا أن نعزي أو أن نواسي بعضنا البعض أو أن نبارك، كما ليس عيبا أن نفرح أو أن نحزن أو نبوح أو أن نبعث (فقط أن نبعث) رسائل الصمود والوفاء والكفاح والأمل.. إن العيب أن "نغرق" في ذواتنا وفي الأوهام وأن نتجاهل واجبنا النضالي كمناضلين ثوريين. إن العيب أيضا أن نغيب عن الواقع وأن نستلذ ركوب الفضاء الأزرق الوثير الذي ليس غير نافذة (ضيقة) لبعض الفضح أو آلية من بين آليات أخرى لتسجيل بعض الحضور النضالي..
أن نغيب عن الفايسبوك ليس كله مرفوضا، كما أن الحضور بالفايسبوك ليس كله مقبولا.. يجب أن نكون حيث يجب أن نكون، وليس بالضرورة أن نقول ما يجب أن يقال دون حساب إيجابيات وسلبيات ذلك. فكثيرا ما نتكلم من أجل الكلام، لدرجة أن كلامنا صار/يصير دون معنى، بل بدون مصداقية. وكثيرون يهدرون الجهد في الكلام من أجل الكلام (لكلام لمرصع فقد المذاق).. كثيرون يتكلمون دون أن يقولوا شيئا.. كثيرون يرددون أقوال الزمن الغابر، هروبا من مسؤولية الحاضر.. كثيرون يرفعون عقيرتهم من بعيد.. كثيرون يلحون أو يدعون الى احتراق المحترقين.. فبدل لعن الظلام، لنشعل شمعة.. بدل أن ندعو الآخر الى (...)، لنبادر نحن الى (...).. لنكن القدوة.. لنكن المثال...
يقول المثل السائر "إذا زاد الشيء عن حده انقلب الى ضده". وبدون شك، فالإدمان على الفايسبوك (وحده) صار آفة اليوم. لأن هذه العادة السيئة قتلت لدى المناضلين واجب (حب) الحضور الميداني المكافح. فالصراع الطبقي يحسم على أرض الواقع وليس بالعالم الافتراضي. ونعلم أن أشد ما يزعج النظام هو الحضور الميداني. وبالتأكيد ليس أي حضور، بالتأكيد ليس الحضور "الاحتفالي" (الشكلي).. إن الحضور المزعج حقا هو الحضور السياسي المنظم والوازن في الزمان والمكان المناسبين، ولا أقصد غير زمان ومكان العمال...
لا يسمح المجال لقول الشيء الكثير عبر الفايسبوك (تفسير الواضحات من المفضحات)، وإن اجتهدنا أو أبدعنا في فن "التمثيل"؛ لكن من يهمه فعلا واقع ومستقبل شعبنا، فلن يعجز عن التواصل بأي وسيلة مع من يعنيه فعلا واقع ومستقبل شعبنا. إن العناوين السياسية معروفة وكذلك منسوب المسؤولية وحجم الجدية وقوة التضحية وطاقة الاستعداد للمزيد من التضحية..
إن رسالتي هنا غير مشفرة..
وللتذكير، أعيد نشر عمل بسيط سابق (5 نونبر 2018) من توقيعي، بمناسبة ذكرى استشهاد المناضل الثوري أمين تهاني:
"شرفتنا حاضرا وغائبا..
من يفهم "لغة" الشهداء، الآن؟
من يفهم "لغة" المناضلين، اليوم؟
هل نحتاج الى مدرسين/ات؟
لا، أبدا.. إنها "اللغة" التي لا تحتاج الى تدريس أو تلقين أو تعليم..
لغة الشهداء هي الحياة، وكلنا نتكلم الحياة.. كلنا نحب، بل نعشق الحياة، الحياة الكريمة...
وشعبنا بدون شك، ليس "أميا".. لأن تضحياته وبطولاته تشهد على ذلك...
الشهيد أمين، الشهيد الرمز، لقد شرفتنا ومشعل النضال في يدك.. وتشرفنا اليوم وبالملموس...
لم يحصل لي شرف معانقتك جسدا.. اعتقلت سنة 1985، ورفاق الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري (وأنا واحد منهم) صامدون في خضم معركة الإضراب عن الطعام البطولي الذي دام ما يزيد عن ست سنوات بدهاليز مستشفى ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء..
تابعنا استشهادك في 06 نونبر 1985 تحت سياط الجلاد بالمعتقل السري السيء الذكر "درب م. الشريف" بالدار البيضاء.. وتابعنا قبل ذلك اعتقالك، من خلال بنات وأبناء شعبنا، جنود الخفاء..
لقد تركت بصمتك فينا.. لقد كان لاستشهادك ذلك الحافز لاستمرار شعلة معركة الشهيدين لما يزيد عن ست سنوات، تماما كما كان بالنسبة لاستشهاد رفيقنا المناضل عبد الحق شبادة سنة 1989.
لقد عاشت بصمتك بين أضلعنا، رفيقنا الغالي؛ كما باقي بصمات شهداء شعبنا المكافح..
وكم أسعدني تواصل روحك رفيقي إبان المحنة الأخيرة المزعجة التي استهدفتني.. كم أفرحني ذلك وأسرتي أيضا، وكم شرفني تضامن ودعم أسرة/روح شهيد..
أن تتوصل بدعم روح الرفيق الشهيد أمين تهاني، فذلك أجمل وأرقى وسام لمناضل بسيط يحب شعبه وقضية شعبه..
توصلت بدعم الكثيرين من الصديقات والأصدقاء والرفيقات والرفاق.. مرة أخرى لهن/لهم كل حبي وتقديري..
فقط، وللتاريخ، أسجل تضامن أخ الرفيق الشهيد مصطفى بلهواري وأخ الرفيق الشهيد بوبكر الدريدي وتضامن ودعم أسرة الرفيق الشهيد أمين تهاني..
لقد توصلت من روح الرفيق أمين تهاني برقم هاتفها قصد تسليمه لأسرتي في حالة أي مكروه من أجل الدعم غير المشروط..
إنهم الشهداء والشهيدات، الأحياء دائما.. إنهم المناضلون/ات الحقيقيون/ات...
إنك حاضر دائما أيها الشهيد البطل.. لقد تركت روحك في روحك.. لك ولأسرتك/عائلتك ألف تحية اليوم وغدا...
وإننا على دربك، الدرب الصحيح للحركة الماركسية اللينينية المغربية سائرون/ات، بكل صدق وإخلاص...".