مفهوم أن المناضل الفرد، وحتى إن أراد أو تجند لذلك، لا يستطيع أن يتصدى
والخطير هو رفض بعض المناضلين الانخراط أو الإسهام في بناء التنظيم الثوري، وبالتالي الانزواء بعيدا والاكتفاء بالمتابعة والنقد (والنقد الناري في كثير من الأحيان) وترديد الشعارات والمقولات الثورية؛ أي ببعض المعاني ممارسة الترف السياسي من خلال "مع الكل وضد الكل" أو "مع البعض وضد البعض". إنها "حرية" أو ممارسة ليبرالية تحمي من القمع من جهة، ومن المحاسبة والمسؤولية وتحافظ بالنسبة للبعض على كاريزمية مهترئة ومتجاوزة مكتسبة من الماضي. وقد وفرت مواقع وآليات التواصل الاجتماعي فرص الحضور الإعلامي بالنسبة لفئة واسعة من المناضلين، وصارت الندوات الرقمية موضا جديدة بدل الوقفات والمسيرات، وخاصة الفولكلورية منها. وهو ما ساهم في توسيع دائرة "نضال المناسبة" بعيدا عن ضريبة التنظيم وبناء التنظيم "تحت نيران العدو".
* مفهوم أيضا أن الكثير من الأشكال النضالية التقليدية (الإضرابات المحدودة والوقفات المعزولة...) باتت عاجزة عن التصدي والمقاومة وانتزاع المكتسبات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبدورها الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية لم تعد أمام القمع والتضييق (وأشياء أخرى، صار من الممل ترديدها، ومنها البيروقراطية والمهادنة والتواطؤ) قادرة على إنجاز أبسط مهامها. فهناك محطات خطيرة، منها التطبيع مع الكيان الصهيوني والإجهاز على المكتسبات وضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومحاصرة المعارك العمالية...، ولا نرى أو نسمع غير بيانات أو بلاغات الاستنكار والتنديد والإدانة. وقد صارت هذه الصيغ بدورها مبتذلة كما المقالات والتعليقات، أي "أضعف الإيمان". هناك مبادرات نضالية ميدانية، إلا أنها محدودة. والمسؤولية هنا مشتركة، ولا أبرئ نفسي.
* ومفهوم كذلك أنه رغم الاعتراف بالقمع والتضييق والتهميش والإقصاء والحصار، والتنديد بكل ذلك والتباكي كلما مُنع شكل نضالي أو اعتُقل مناضل أو شرد عامل أو عمال أو فلاحين فقراء...، يتم التهافت على موائد النظام ومناسباته، ومنها محطات الانتخابات الجماعية والتشريعية، جنبا الى جنب مع القوى الرجعية ومن بينها القوى الظلامية والشوفينية مُحتضنة التطبيع والمُرحبة به ضدا على العمق الشعبي للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية. وفي كثير من الأحيان تنتظر بعض الهيئات السياسية وملحقاتها النقابية والجمعوية إشارات ولو من بعيد للانخراط في أعراس النظام وولائمه، وهي أدرى بواقع الديمقراطية المغشوشة ببلادنا. وقد توسعت دائرة هذه الجوقة غير المتناغمة بالتحاق جيوش من أشباه المثقفين و"الخبراء" والصحافيين والأساتذة الجامعيين لتبرير ما لا يُبرر ولقيادة حملات التضليل وفرض الأمر الواقع، كما هو الشأن بالنسبة "لأكلة التطبيع" (على قياس "أكلة البطاطس").
والخطير هنا هو استمرار "اعتقال" القواعد ومنهم المريدين والأتباع بثكناتهم من طرف الهيئات السياسية والقيادات النقابية والجمعوية التي تدعي القوة العددية وتزايد بها في المناسبات الباردة.
باختصار، النظام يعرف "خروب بلادو". وقد ساعده ذلك على تجنيد الوكلاء وتدمير الكثير من رصيد شعبنا المشرق..