"ديمقراطيون" ليسوا كالديمقراطيين، "مناضلون" ليسوا كالمناضلين...
"نضال" ليس كالنضال...
فعل هلامي بطعم المرارة...
إنه زمن المسخ..
ولنقدم بعض عناصر الجواب عن السؤال: كيف؟
هناك أحزاب سياسية كالفطر وكذلك "المجيمعات". لكن لا أثر لها على أرض الواقع، نقولها نقدا ونقدا ذاتيا. بدون شك، لا ننتظر شيئا من الأحزاب الرجعية، وماذا عن الأحزاب "الإصلاحية"؟
باختصار، هناك أحزاب إصلاحية على مستوى الشعارات والأدبيات (غياب الثقافة والممارسة الديمقراطيتين داخليا)، لكن نكاد نجزم بعدم وجودها على أرض الواقع، أقصد الموقف المناسب والمكان المناسب. فهي أقرب الى الجمعيات منها الى الأحزاب السياسية. وإن كانت هذه الأحزاب تدعي القوة، سواء بمفردها أو من خلال علاقاتها/تحالفاتها، خاصة مع القوى الظلامية، فما هو أثر ذلك أمام الإجهاز المتواصل على المكتسبات واستفحال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأوسع الجماهير الشعبية، وخاصة الطبقة العاملة؟
لا أحد يجادل في القوة العددية للقوى الظلامية، لكن أين تصديها للمخططات الطبقية للنظام؟ أين تصديها للتطبيع مع الكيان الصهيوني وهي صاحبة الشعارات البراقة في علاقة الأمر بالقضية الفلسطينية؟ متى تحرر جنودها المكبلين في زنازنها (بيوت "الله"). إنها قوى رجعية متواطئة مع النظام وخادمة للمشاريع الامبريالية، الى جانب كونها متورطة في إجهاض المعارك النضالية (سيرورة 20 فبراير، كمثال) واغتيال المناضلين (الشهداء عمر بن جلون ومحمد أيت الجيد والمعطي بوملي). وانتظار "بركتها" كانتظار "بركة" الفقيه/الشيطان.
إننا نكاد نجزم بعدم وجود معارضة سياسية ميدانية منسجمة، على الأقل بصيغة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. فأمام إجرام النظام القائم وانتهازية القوى السياسية وتؤامرها واختلال موازين القوى على الصعيد الدولي لصالح الامبريالية والصهيونية والرجعية، تحولت جل الجهود الى العمل الجمعوي (المدني/التنموي) ذي الأهداف الربحية (A BUTS LUCRATIFS). وصار العمل السياسي بفعل ازدواجية الانخراط (الحزب/النقابة/الجمعية) مصبوغا بألوان العمل الجمعوي (المدني/التنموي) الربحي وغير المكلف (المقصود التكلفة القمعية)، وبات أخطر من ذلك ملطفا/مسكنا للصراع الطبقي ومشوها للوعي السياسي وقاتلا صامتا للذاكرة النضالية. وهو ما جعله عملا انتهازيا ومبتذلا وبدون هوية طبقية أو مرجعية سياسية وإيديولوجية واضحة.
ونقدم مثالا صارخا اليوم في ظل الإجرام الصهيوني في حق أبناء شعبنا الفلسطيني بمباركة الأنظمة الرجعية والامبريالية؛ كيف يستقيم أن نتحدث عن شبكات وجبهات التضامن وعن الوقفات التي تقارب الستين وقفة (16 ماي 2021) وعن "الهاشتاغات"، ونحن أبعد من إسقاط تطبيع النظام مع الكيان الصهيوني (تجريم التطبيع) أو طرد "السفير" الصهيوني" أو فضح وعزل المتورطين في التطبيع من "مثقفين" و"فنانين" وباقي الرموز الشوفينية المتسترة والمفضوحة، عدوة القضية الفلسطينية؟
لا نبخس المجهودات الصادقة المبذولة، ونحن جزء منها رغم ضعفنا/هزالنا، إلا أننا نؤكد على كونها غير مؤثرة وغير مؤسسة للفعل السياسي (الجذري) المعارض حقيقة، سواء بخصوص القضية الفلسطينية أو بخصوص قضيتنا المغربية. وكما نقول بدارجتنا المغربية "شحال خصك من استغفر الله يا البايت بلا عشا"!! وبالمناسبة، نرفض، بل ندين صبغ التضامن مع الشعب الفلسطيني بالألوان الدينية أو الشوفينية، كما نرفض التوظيف الفج بهدف الدعاية الانتخابية والتسويق المكشوف للرموز الورقية المريضة بالنجومية...
هناك أيضا نقابات كالفطر، لكن دون أثر في الواقع. فالعمال والشغيلة عموما تواجه مصيرها وجها لوجه مع أعدائها الطبقيين. لا نستطيع أن ننفي وجود نقابيين مناضلين في بعض النقابات، كما لا يمكن نكران تضحياتهم وبطولاتهم في إنجاح العديد من المعارك النقابية، لكنهم محاصرون وبعيدون عن اتخاذ القرارات الملائمة التي تخدم مصلحة العمال؛ وليس فقط بعيدون عن اتخاذ القرارات، بل بعيدون أيضا عن اعتماد الأشكال النضالية المناسبة لانتزاع الحقوق وتحصين المكتسبات. ويعود ذلك الى تحكم البيروقراطية في أنفاس النقابات والى الضعف الذي يكبل المناضلين وسقوط البعض في "فخاخ" البيروقراطية، إذا لم يكن ذلك عن طيب خاطر، لأنه كيف يعقل مغازلة البيروقراطية والسكوت عن فضائحها، وفي نفس الآن ادعاء النضال وخدمة الطبقة العاملة؟!!
إن المناضلين كأفراد وإن عظمت تضحياتهم، وحتى من داخل النقابات أو الجمعيات، أي بدون تنظيم سياسي، لن يستطيعوا هزم النظام ولا البيروقراطية المدعومة من طرف النظام. وقد لا يتوفقون حتى في صيانة ذواتهم وحماية رفاقهم...
وقد يستمر سيل الارتداد والاستنزاف...
لننتظم سياسيا،
لنحضر ميدانيا،
لنتضامن كفاحيا،
لنناضل مبدئيا...
المجد لشعبينا البطلين المغربي والفلسطيني.