«الثقافة في تعريفها مقاومة، فإذا ساوت بين القاتل و القتيل انهزمت في عدميتها فانتصر القاتل و كانت في صمتها شريكته»
الشهيد مهدي عامل
إن الحديث عن التعليم العمومي و علاقته أو ارتباطه الوثيق بالصراع الطبقي، نابع بالأساس من كونه لا ينشأ بمعزل عن بنية نمط الإنتاج التبعي. و في ضوء ذلك لابد من طرح إشكالات ملحة ذات علاقة بالهجوم المستمر من البورجوازية التبعية على التعليم العمومي، إضافة إلى ارتباط قضية التعليم العمومي بالقضايا المتسقة بالصراع الطبقي.
1_ ماهية إستهداف التعليم العمومي:
ينبغي أن نشير بداية إلى شيء أساسي و مهم، قد يعيننا على تفكيك تعقد جملة من الإشكالات. فنشأة المدرسة جاءت في سياق سيرورة تاريخية ذات صلة ب بنية الإنتاج، بمعنى أنه لا يمكن عزل المدرسة عن الإقتصاد و السياسة و أي محاولة في هذا الإتجاه إنما هي بشكل أو بآخر تعبر عن مساعي البورجوازية لجعل المدرسة معزولة عن الصراع، و ترويج مغالطات من قبيل أن في المدرسة موت للايديولوجيا و ذلك لشرعنة المزيد من الهجوم عليها.
و علاقة بتحديد مفهوم علمي للمدرسة، فقد عمل العديد من المفكرين على إيجاد توصيف مناسب للمدرسة. و يمكن اعتبارها " فضاء لتكوين مجتمع في طور التشكل".
و لفهم أدق لمساعي البورجوازية التبعية بالمغرب إلى تدمير التعليم العمومي و معه هدم المناعة الذاتية للمدرسة، لا ضرر من تحديد طبيعة البنية المجتمعية المشكّلة للمدرسة و التي هي بشكل أو بآخر محفز لأعداء المدرسة من أجل الاستمرار في كل محاولات تفكيك و هدم المدرسة، بهدف جعلها مواكبة لسيرورة تراكم رأسمالها و كذلك جعل النمو أو الإنتاج التربوي في خدمة النمو و الإنتاج الإقتصادي.
و هو ما يفسر طبيعة السياسة التعليمية الطبقية التي ينهجها جهاز الدولة للحفاظ على مصالح الطبقة البورجوازية المتحكمة في وسائل الإنتاج. و هذه السياسة التي سماتها الأساسية تضييق الخناق على الجماهير الشعبية و حقها في التعليم حيث في هذا السياق إنتقلت من إصدار مذكرات وزارية لطرد أبناء الشعب من التعليم خلال ستينات القرن 20 إلى إصدار مراسيم و قوانين لا تعد و لا تحصى وصولا إلى قانون الإطار 17/51 و الذي يعتبر إقصاء غير مباشر لأبناء الكادحين.
فالبورجوازية لا تريد مدرسة تتناقض مع توجهاتها و مصالحها، و هي لا تريد أيضا تعليما ينتج المعرفة بل إنها تسعى و باستمرار إلى جعله يستخلص كما مواقع إنتاجية أخرى فائض القيمة، و يظهر هذا التوجه جليا من خلال الشعارات البراقة التي ترفعها الدولة باستمرار (ربط المدرسة بسوق الشغل، مدرسة الجودة، المدرسة الدامجة للتقنيات، المدرسة الإفتراضية....).
و عملا بمقولة إذا أردت أن تفسد قيمة الأشياء فاغدق عليها بالمال، فالبورجوازية تتجه عمليا نحو تحويل المدرسة إلى مقاولة تكرس التراتبية بين علائق الإنتاج و قوى الإنتاج.
و بالتالي فإن ربط استهداف التعليم العمومي بسياسة وزارة أو حكومة إنما هو قصور أو سطحية في فهم أ- ب الصراع، على اعتبار أن الوزارة أو الحكومة هي مناديل تضعها البورجوازية التبعية في الواجهة لتمسح فيها أوسخها، بالتالي تصور نفسها الملاك المنزه عن الأخطاء .
2 _ تجليات الصراع الطبقي في قطاع التعليم:
لا حاجة هنا للتذكير بالسيرورة التاريخية للصراع الإيديولوجي بين طبقة متحكمة في منابع الإنتاج و طبقة بروليتارية منتجة بأدمغتها و بأيديها.
و الصراع هنا لا يعني التنافس من أجل مصالح نفعية ضيقة ، بل إنه يعبر بشكل أو بآخر عن طبيعة المجتمع الطبقي، و الذي من خلاله تتحكم حفنة من البورجوازيين في خيرات الوطن مقابل تفقير و تهميش و إقصاء عموم الجماهير.
و في هذا السياق فمنذ الإستقلال الشكلي و قبله أنشئت المدارس العصرية بغرض أساسي ، تكوين نخبة بورجوازية مثقفة تتحكم في مصالحها الإقتصادية.
لكن و مع احتدام الصراع، و تعقد أزمات النظام الاقتصادي التبعي تحولت المدرسة من فضاء تعبيري عن البورجوازية إلى فضاء يراكم لمسار طويل من الانتفاضات الشعبية و التي كان التعليم واجهة أساسية لها. و بذلك انتقلت العلاقة بين المدرس و المتعلم تدريجيا من تصدير و استيراد المعرفة إلى علاقة بنيوية.
و هذا التحول في طبيعة العلاقة بينهما ارخى بظلاله على المدرسة، حيث الانتقال من تكريس و ترسيخ العقل المطلق نحو العقل العلمي النسبي، و بالتالي الانتقال عمليا من تكوين إنسان مستقر و خاضع لقوى ضاغطة خارجية إلى تكوين ذوات واعية و مستقلة.
و الأكيد أن الحضور الفعال للأستاذ في صلب المعارك الجماهيرية التي تخاض من أجل قضايا عديدة أهمها قضية التعليم، جعل الدولة تشن هجوما ليس بريئا كما وصفه الجابري، بغرض تكسير العلاقة الجدلية بين المدرس و المتعلم، و محاولة عزل الأستاذ عن الحاضنة الشعبية .
و في هذا السياق فقد قدم الشعب تضحيات جسام دفاعا عن قضية التعليم، و تجسدت في قوافل من الشهداء و أفواج من المعتقلين.
كانت الإجابة عنها من الدولة هي البدء في مسار طويل من القوانين الطبقية استجابة لأوامر مركز رأس المال من التقويم الهيكلي مرورا عبر الميثاق و وصولا إلى الرؤية الاستراتيجية و قوانينها المنظمة.
و وحدة الهجوم تقتضي بشكل أو بآخر توحيد صفوف جناح المقاومة عبر التصدي و التخلص من السموم التي تحاول زرعها باستمرار لتفكيك و تشتيت نضالات الجماهير و عزلها عن بعضها البعض.
كما ينبغي أن لا نتناسا ماهية الإنسان في مدى تملكه لقضيته و التي تعبر عن موقعه الطبقي قبل مواقفه ، فلا وجود لقضية خارج و المواقع الطبقية إلا في ذهن صاحبها، فإما أن تتسلح بفكر و إيديولوجية الطبقة البروليتارية أو تكون خادما مطيعا لأعدائك و أعدائها، إذ لا يمكن فصل القضية عن صراع قديم تمظهر منذ انشطار المجتمع المشاعي البدائي و ظهور الدولة في شكلها الجنيني.