2021/06/14

حسن أحراث // انقذوا حياة الريسوني.. كيف؟


لا يمكن لمناضل أن يتخلف عن مسؤولية إنقاذ إنسان في وضعية صعبة، وخاصة حياة إنسان، كيفما كان. المناضل، قد يضحي بحياته من أجل قضية، قضية الإنسان. وكل الشهداء ضحوا من أجل قضية الإنسان، العامل والفلاح الفقير والتلميذ والطالب والمعطل والمشرد... وحتى استحضارا للبعد الطبقي، فالمناضل يضحي من أجل الإنسان...

أولا، المناضل إنسان. 

ثانيا، أن تكون مناضلا يعني أن تتحمل المسؤولية النضالية. والمسؤولية النضالية تعني الانخراط المعنوي والمادي (النظري والعملي) في أي مبادرة نضالية تتوخى خدمة الإنسان. وبدون شك المقصود الإنسان المضطهد، الإنسان الذي يعاني الاستغلال والظلم والحيف... 

وأن تكون مناضلا، أو أن تدعي ذلك، لا يمكن ألا تصرخ من أجل إطلاق سراح المعتقل السياسي. إننا نناضل من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.. إننا نناضل من أجل تحسين الأوضاع السجنية لكافة المعتقلين، سياسيين أو غير سياسيين.. إننا نناضل من أجل التغيير الجذري لفائدة الجماهير الشعبية المضطهدة، داخل السجون وخارجها..

وعندما يُطرح السؤال: إنقاد حياة الريسوني.. كيف؟

نُجيب بمسؤولية نضالية، وبدون عاطفة زائدة (عاطفة خادعة): إنقاد حياة الريسوني هي إنقاد حياة كافة المعتقلين السياسيين..

إن الريسوني يُؤدي ثمن عدم النضال من أجل إنقاد حياة كافة المعتقلين السياسيين..

إن الريسوني يؤدي ثمن "الانتقائية" المقيتة من طرف العديد من الجهات، ومن بينها الجهات الحقوقية..

إن الريسوني يؤدي ثمن التعاطي السياسي والحقوقي المبتذل والانتهازي مع قضية الاعتقال السياسي.. فمن لا يعتبر الاعتقال السياسي قضية طبقية، يُسيء الى المعتقل السياسي ويُكرس معاناة هذا الأخير ولو جهلا أو كرها..

لكُل مُعتقل/ة سياسي/ة عائلة (أم أو أب أو أخت أو أخ أو زوج أو زوجة أو ابن أو ابنة أو صديق أو صديقة أو رفيق أو رفيقة...)..

لكُل مُعتقل سياسي حياة (أحلام ومشاريع ومستقبل...).. 

فلا مجال للانتقاء على قاعدة "هذا معي وهذا ضدي" أو "هذا قريبي وهذا لا يعنيني"..

إننا نؤدي، أو الأصدق، الريسوني يُؤدي وباقي المعتقلين السياسيين ثمن أخطائنا، أو للدقة ثمن ضعفنا/عجزنا.. وبصراحة جارحة، يؤدون ثمن انتهازيتنا الواعية أو غير الواعية..

لا أخفي أني ترددت كثيرا قبل أن أتناول هذا الموضوع.. والسبب أساسا هو: لماذا "هذا دون ذاك"، وبخلفية غير بريئة.. عموما، قد أخطئ. لكن المُهم هو تكاثف الجهود من أجل قضيتنا الواحدة، قضية شعبنا، وفي المقدمة الطبقة العاملة..

وأغتنم الفرصة لأُذكر بمقال لسليمان الريسوني بجريدة المساء الصادر يوم 24 فبراير 2012، والذي قدم حقائق صادمة لمنخرطي الاتحاد المغربي للشغل، تحت عنوان "عندما يتعايش النضال والاختلال" (يوجد نص المقال رفقته)، وهذه فقرة حرفية تخصني بالاسم:

"في خضم انعقاد المؤتمر الأول في غياب المحجوبي بن الصديق، تساءل حسن أحراث، عضو اللجنة المركزية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (يقصد المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، قائلا: «ماذا عن مالية الاتحاد قبل المؤتمر العاشر؟ أليست مالا للقاعدة العمالية العريضة للاتحاد؟ أليست مالا عاما؟ أليست موضوع محاسبة؟ هل نسمح بالإفلات من العقاب؟ والمصادقة على التقرير العام المقدم من طرف الأمانة الوطنية؟»، وأضاف أحراث قائلا: «وماذا عن ميزانية المؤتمر؟ إنه من حق عمال وعاملات الاتحاد معرفة التفاصيل.. وأخيرا، وكما قال عمر مخاطبا المحجوب، الزعيم الراحل /الحي: «أما مؤتمرك، مؤتمركم فلن يحل شيئا في الجوهر، فتشكيلته وتوجهه، وقرارات… كل ذلك ليس سوى نتاج جديد لـ«الدوامة» التي يستفيد منها البعض ويكون البعض ضحيتها»، وختم أحراث موجها كلامه إلى ميلودي موخاريق، الأمين العام الجديد، قائلا: «إنني، والحال هذه، ورغما عني، أهنئ مخاريق وخوارقه. تحولت «خوارق» موخاريق، بتعبير حسن أحراث، إلى خروقات جديدة في عمر الاتحاد المغربي للشغل، فمنذ انعقاد المؤتمر في دجنبر 2010 وإلى الآن، لم تقدم أمانة المال تقريرا ماليا..!".

وبالمناسبة أيضا، أخبرني الفقيد سعيد الشاوي حينه أن الميلودي موخاريق قد سأله إثر صدور المقال المشار اليه: "من هو هذا حسن أحراث"؟!!

إني كإنسان، أرفض الظلم، بغض النظر عن "أسباب النزول"، وتهم النظام ومؤامراته معلومة، والعبرة بالخواتم.. 

فكم تألمت في صمت (الصمت المخزي) لألم رفيقة سليمان الريسوني وابنه وعائلته الصغيرة والكبيرة.. 

وكمعتقل سياسي سابق، أحس الألم الفظيع أمام هذه المأساة، ألم الأم والأب والرفيقة بالدرجة الأولى..

وكواحد ممن خبر الإضراب عن الطعام، طولا وعرضا وصدقا، أحس الألم طبعا. لكني أحس الفخر، فليفخر الريسوني وعائلة الريسوني (رفيقته وابنه بالخصوص) بالمجد والرقي الى فرض الذات على النظام وعلى أزلام النظام وحتى على حواري "النضال"..

إن قضية الريسوني لا تنفصل عن قضية كافة المعتقلين السياسيين، واختزالها كحالة منعزلة يسيء اليها ويفسح المجال للنظام لتوظيفها وفق أهدافه وخلفياته الماكرة.. لنُناضل من أجل كافة المعتقلين والمعتقلين السياسيين، ومن ضمنهم الريسوني..   

لنعد الى الماضي القريب، أعترف أن انتصار قضية المعتقلين السياسيين السابقين قام على نضالات عائلات المعتقلين السياسيين وتضحيات المعتقلين السياسيين ودعم المناضلين داخل المغرب وخارجه..

ليُدعم المعتقلون السياسيون بعضهم البعض.. ولتُدعم العائلات بعضها البعض.. ولنُناضل جميعا من أجل قضية الاعتقال السياسي كقضية طبقية..

وأعترف مرة أخرى، أن انتصار معركة الشهيدين الدريدي وبلهواري التي دامت أزيد من ست سنوات قام على صمود رفاق الشهيدين وتضحيات العائلات ودعم المناضلين من داخل السجون ومن خارجها، ومن داخل المغرب ومن خارجه..

كل التضامن مع ضحايا الاعتقال السياسي..

كل التضامن والدعم لعائلات المعتقلين السياسيين..

لنناضل من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين...

المقال المعني:

"الاتحاد المغربي للشغل.. عندما يتعايش النضال والاختلال

 عن جريدة المساء ليوم الجمعة 24 فبراير 2012

سليمان الريسوني

الاتحاد المغربي للشغل أول نقابة في المغرب وأكبرها. لكن بقدر كبرها وتغلغلها وسط العمال والمأجورين، بقدر تغلغل «الفساد» الإداري والمالي وسطها. صحافي «المساء» لبس قبعة الطبقة العاملة ودخل للنبش بين جدران وأوراق «النقابة العتيدة»، ليصطدم بجدار من الصمت يضربه من يُسمون بـ»البيروقراطيين»، ومن يطلقون على أنفسهم «الديمقراطيين»، بحيث لم تستطع «المساء» الحديث إلى الأمين الوطني لـ»الاتحاد» الميلودي موخاريق، كما لم يشأ أحد من «يساريي» النقابة مثل عبد الحميد أمين وعبد الرزاق الادريسي، الحديث إلينا حول مشاكل الاتحاد المغربي للشغل. في هذا التحقيق نتطرق إلى خمسة مجالات تعتبر الأكثر غموضا داخل الاتحاد المغربي للشغل: مالية وممتلكات النقابة، و»الخروقات» المالية داخل تعاضدية التعليم، و»عرقلة مؤتمر نقابة التعليم». و «التجاوزات التي يعرفها قطاع «الطاقة»، بالإضافة إلى الصراع الذي يعرفه الاتحاد الجهوي بالرباط بين رفاق عبد الحميد أمين ورفاق المحجوب بن الصديق، الذي يتساءل العديد حول ما إذا كان يحكم «الاتحاد» من قبره

في سنة 1959، وقف المحجوب بن الصديق، عامل السكك الحديدية الذي أسندت إليه قيادة للاتحاد المغربي للشغل، يخطب وسط مئات العمال بمناسبة المؤتمر الثاني للنقابة، قائلا إن «العمل النقابي لا علاقة له بالشعوذة والديماغوجية والكذب وليس، أبدا، وسيلة لتحقيق المطالب الشخصية». وأضاف المحجوب بن الصديق، الرجل الذي منح المغرب لقب «أقدم نقابي في التاريخ» (55 سنة على رأس النقابة)، بمناسبة افتتاح المؤتمر الثاني أن «العمل النقابي هو المرادف للنضال المعقول والصبور وعدم البحث عن منافع، وهو كذلك الالتزام الشريف بالتحرك من أجل خدمة مصالح الطبقة العاملة فقط

كان هذا الخطاب أيام كان الاتحاد المغربي للشغل يضم كل أطياف المشهد السياسي في المغرب، من حزب الاستقلال إلى الحزب الشيوعي، ويجلس فوق منصته في فاتح ماي من كل سنة قادة تاريخيون من قامة علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الله ابراهيم.. شيئا فشيئا، بدأ المحجوب يقترب من «حاشيته» ويبتعد عن العمال، وبدأ كبار حاشيته يصنعون، بدورهم حواشيهم. وشيئا فشيئا، أيضا، تحولت النقابة إلى «مافيا»، بتعبير «الشهيد» عمر بنجلون، الذي كان قد ألـّف كتابا عقب تقرير للمفتشية العامة للمالية رصدت فيه اختلالات كبيرة في مالية النقابة، وقد اتهم عمر بنجلون المحجوب بن الصديق في كتاب «المافيا» بالسعي إلى تأسيس حزب من داخل الاتحاد المغربي للشغل واختلاس أموال الطبقة العاملة وتحريف العمل النقابي عن أهدافه

لم يعبأ المحجوب لانتقادات واحتجاجات «الحركة الإصلاحية» والصحافة الوطنية والدولية التي كالت له من النعوت: «الامبراطور، الديكتاتور، الحاكم بأمره».. بل خط لنفسه مسارا انبنى على أن النقابة هي الزعيم والزعيم هو النقابة، والويل والتبور لمن يقف بينهما مطالبا بالديمقراطية والمحاسبة

في 17 شتنبر 2010، توفي المحجوب بن الصديق في فرنسا، عن عمر يناهز الـ88 سنة، وهو متشبث بـ«أهداب» كرسي الاتحاد المغربي للشغل. تنفـّس مقربوه، قبل خصومه، الصعداء، فسيكون بإمكانهم، أخيرا، معرفة الكيفية التي ظلت بها نقابتهم تعمل وسيكون بإمكانهم، على الأقل، رؤية وجه جديد يقود هذه النقابة

انعقد المؤتمر العاشر، الذي بقي معطلا لمدة 15 سنة، وأفرز قيادة أعطت فرصة لخصوم المحجوب، الذي يصفون أنفسهم بـ«المناضلين الديمقراطيين»، للتميز عن «البيروقراطيين»، وهو الوصف الذين يوصف به المحسوبون على المحجوب بن الصديق. كل شيء كان يُنبئ في البداية أن الاتحاد المغربي للشغل في طريقه إلى «ربيع نقابي» تزهر فيه الورود، بكل ألوانها المتنافرة. لكنْ فجأة، توقف الجميع أمام عودة «المسلكيات» القديمة واصطدموا بعدم تنفيذ مقررات المؤتمر الأول بعد رحيل «الزعيم». فهل الأمر مجرد ارتداد جسم في مرحلة انتقالية وأنه من الطبيعي الاصطدام بجيوب مقاومة اعتادت على «الريع» النقابي والقرارات الانفرادية؟ أم إن حالة الاتحاد المغربي للشغل يصلح للتدليل عليها المثل القائل: «وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر

ممتلكات «الاتحاد»؟!..

صادق المؤتمر العاشر للاتحاد المغربي للشغل، والأول في غياب المحجوب بن الصديق، في دجنبر 2010، على توصية تقضي بفرز لجنة لإحصاء ممتلكات «الاتحاد»، خصوصا أن عددا من المؤتمرين كانوا مُصرّين على استرجاع العديد من أموال وممتلكات النقابة التي كان بن الصديق قد حوّلها إلى ملكيته الخاصة، بعد أن سجلها باسمه وباسم أبنائه.. وعلى رأس هذه الممتلكات مطبعة «أمبريجيما»، التي تقدر قيمتها بملايير السنتيمات، والتي كانت توجد في قلب مدينة الدار البيضاء وكانت تدر على النقابة 300 مليون سنتيم كأرباح في السنة، قبل أن يبيع نجل المحجوب بن الصديق مقرها لمقاولين في مجال البناء ويحوّل مقرها إلى الحي الصناعي في الدار البيضاء، وأيضا مصير 8 فيلات في منطقة أنفا في الدار البيضاء حوّلها المحجوب بن الصديق إلى ملكيته الخاصة، والعديد من الأراضي الفلاحية في ضواحي برشيد. كما ناقش المؤتمِرون ما سبق أن كشفه القيادي السابق حسن بزوي في كتابه «الاتحاد المغربي للشغل: الحلم والواقع»، والذي «فضح» فيه بزوي حجم «اختلاس» الزعيم الراحل مالية الطبقة العاملة، مثل تسلمه مبلغ 100 ألف دولار سنة 1985 من قبل اتحاد المعلمين العرب، بغرض إنشاء مركز نموذجي لتدريس اللغة العربية»، لكنْ «اختفى المشروع ومعه 100 ألف دولار، وطالب اتحاد المعلمين بأمواله وهدد باللجوء إلى المحاكم دون نتيجة». كما تلقى المحجوب بن الصديق، عبر أقساط، مبلغ 300 ألف دولار، في إطار اتفاق التعاون مع المنظمة العربية للشغل، ولا أحد يعرف مصير هذه الأموال.. كما دفع أحد الأحزاب السياسية المغربية لبن الصديق مبالغ مالية تصل إلى 450 مليون سنتيم مقابل طبع منشورات انتخابية في مطبعة «الاتحاد»، ولا أحد يعرف ما آلت إليه هذه المبالغ.. كما لا يعرف أي من قيادات النقابة مآل مبلغ 78 مليون سنتيم كان بن «الزعيم» قد جمعها كمساهمات لإعادة إصدار إحدى الجرائد المحسوبة على النقابة.

انتهى المؤتمر ولم تلتئم لجنة إحصاء ممتلكات «الاتحاد» ولم يعد أحد يتحدث عن ملايير السنتيمات التي «سلبها» الزعيم الراحل المحجوب بن الصديق من «فائض قيمة» العمال وعن قيمة ومصداقية العمل النقابي في عيون ملايين المغاربة

في خضم انعقاد المؤتمر الأول في غياب المحجوبي بن الصديق، تساءل حسن أحراث، عضو اللجنة المركزية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قائلا: «ماذا عن مالية الاتحاد قبل المؤتمر العاشر؟ أليست مالا للقاعدة العمالية العريضة للاتحاد؟ أليست مالا عاما؟ أليست موضوع محاسبة؟ هل نسمح بالإفلات من العقاب؟ والمصادقة على التقرير العام المقدم من طرف الأمانة الوطنية؟»، وأضاف أحراث قائلا: «وماذا عن ميزانية المؤتمر؟ إنه من حق عمال وعاملات الاتحاد معرفة التفاصيل.. وأخيرا، وكما قال عمر مخاطبا المحجوب، الزعيم الراحل /الحي: «أما مؤتمرك، مؤتمركم فلن يحل شيئا في الجوهر، فتشكيلته وتوجهه، وقرارات… كل ذلك ليس سوى نتاج جديد لـ«الدوامة» التي يستفيد منها البعض ويكون البعض ضحيتها»، وختم أحراث موجها كلامه إلى ميلودي موخاريق، الأمين العام الجديد، قائلا: «إنني، والحال هذه، ورغما عني، أهنئ مخاريق وخوارقه

تحولت «خوارق» موخاريق، بتعبير حسن أحراث، إلى خروقات جديدة في عمر الاتحاد المغربي للشغل، فمنذ انعقاد المؤتمر في دجنبر 2010 وإلى الآن، لم تقدم أمانة المال تقريرا ماليا..! من باب السخرية، يتذكر أحد القياديين السابقين في الاتحاد المغربي للشغل، عندما نواجهه بهذا، حادثة طريفة وقعت سنة 1990 لمهندس فلاحي اسمه عبد الرحيم الهندوف «تجرأ» وطالب المحجوب بن الصديق بتقديم التقرير المالي، فما كان من المحجوب إلا أن أجابه: «حتى تكون كتعطي شي حاجة عاد أجي طالبنا بالحساب»! وأضاف المصدر السابق، ملتمسا عدم الإشارة على اسمه، أن «زبانية المحجوب التفـّت على المهندس الهندوف وقالوا له: عندك الزهر منين ما لاحوكش من الشـرجم».. ويستطرد مصدرنا قائلا: «لقد ظل المحجوب يُعيـِّن أمينا، شكليا، للمال، وعندما لا يروقه يسرّحه ويأتي بآخر». وينهي القيادي السابق حديثه إلى «المساء» بنبرة لا تخلو من تشاؤم: «من الصعب استرجاع ممتلكات ومالية «الاتحاد»، ومن الصعب، أيضا، ربط التكليف المالي بالمحاسبة في ما يتعلق بمالية الاتحاد المغربي للشغل

فين فلوس المعلمين؟

في بداية شهر فبراير الجاري، استمتعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى مجموعة من المسؤولين داخل التعاضدية العامة للتربية الوطنية، يتزعمهم محمد غيور، رئيس التعاضدية، بناء على ما ورد في تقرير المفتشية العامة للمالية لسنة 2009، والذي يتهم غيور بالاستفادة من تعويض غير قانوني يصل إلى 4 ملايين سنتيم في الشهر، منذ سنة 1987، رغم أن الظهير الصادر في 1963 المنظم للتعاضد وكذا القانون المنظم للتعاضدية، يؤكد أن «العمل داخل التعاضديات تطوعي». كما يتهم غيور، الذي تجاوز الثمانين من العمر، ومع ذلك انتـُخِب ضمن القيادة الجديدة للاتحاد المغربي للشغل، بـ«الاستحواذ» على أزيد من مليارين وثلاثمائة وأربعين مليون سنتيم من مالية التعاضدية العامة للتربية الوطنية. وفي المجال الصحي، سجل تقرير المفتشية العامة للمالية «احتيال»  التعاضدية على المستفيدين من الخدمات الطبية، حيث يجبَر المرضى على أداء مبلغ 70 درهما، مع أن النظام الأساسي للتعاضدية لا يُلزم المنخرطين بأي مساهمة للاستفادة من العلاج، وسجل التقرير أن التعاضدية استطاعت أن تحصل من ذلك أزيد من 300 مليون سنتيم

وفي مجال الصفقات العمومية، اتهم تقرير المفتشية العامة للمالية محمد غيور بتفويت أغلب الصفقات التي تبرمها التعاضدية العامة للتربية الوطنية لـ»شركة وحدة للتوزيع» التي هي في ملك ابنه، رشيد غيور، دونما احترام لمدونة الصفقات العمومية. كما يتهم التقرير التعاضدية العامة للتربية الوطنية باتباع طريقة «Les marchés sur devis» لعقد الصفقات، وهي طريقة تمس بمبدأ المنافسة، لأنها تمر من دون أن يقدم المرشحون ملفاتهم التقنية للتنافس، إذ يتم اعتماد الطلب دون النظر إلى دفتر التحملات

وفي مجال التشغيل، قال التقرير إن محمد غيور شغـّل أخاه عبد الرحمان غيور، الذي لا علاقة له بالتعاضدية، في منصب «مكلف بالتواصل» مقابل مبلغ مالي قدره 3 ملايين سنتيم وألفين وخمسمائة درهم.. وكذا تشغيل ابنه رشيد بأجر «امتيازي»، مع أنه لا يحضر إلى مقر العمل، وتشغيل ابن أخيه، ابراهيم غيور، في مكتب التعاضدية في القنيطرة..

كما سجل تقرير المفتشية العامة للمالية أن عمليات التوظيف داخل التعاضدية تخضع لمنطق «الزبونية والمحسوبية»، حيث تم توظيف خديجة البريني، ابنة محمد لبريني، رئيس فرع التعاضدية في سطات، وبشرى زيان، ابنة أحمد زيان، رئيس فرع التعاضدية العامة للتربية الوطنية في أسفي، وفاطمة زيان، ابنة عياد زيان، المحرر في التعاضدية، ومحمد أديب الدويب وأخته كوثر الدويب، ابني عبد اللطيف الدويب، محرر الفي التعاضدية، وفاطمة الزهراء حميدي، ابنة محمد حميدي، المحرر في التعاضدية، وعمر فاطمي، ابن محمد فاطمي، رئيس فرع تطوان، وسلوى لعظم، ابنة رئيس مصلحة المشتريات، وحسن الشقوري، ابن بوجمعة الشقوري، رئيس فرع التعاضدية في أكادير، وبشرى رضا، ابنة محمد رضا، رئيس فرع التعاضدية في بني ملال، وسناء أديمي، ابنة رئيس فرع التعاضدية في مكناس، وابراهيم غيور، ابن أخ محمد غيور، ورشيد غيور، ابن محمد غيور، ورشيدة السرتي، ابنة رئيس فرع التعاضدية في فاس..

وقد أكد تقرير المفتشية العامة للمالية أن هؤلاء استفادوا من مناصب عمل في إطار يخلو من الشفافية. كما سجل التقرير، أيضا، حصول موظفين على ترقيات قبل الوقت القانوني وكذا الغياب التام لـ»الهيكلة الإدارية»، إذ إن العديد من مسؤولي التعاضدية لا يعرفون أي شيء عن قرارات تعيينهم.

وأشار التقرير إلى لجوء التعاضدية إلى القيام بتحويلات مالية لأشخاص لم يؤدوا أي خدمة للتعاضدية ودون وجود أي سند قانوني لذلك، وكذا إصلاح معدات إليكترونية بأزيد من 34 ألف درهم، مع أن صفقة شراء تلك المعدات كانت تنطوي على مدة ضمان، وإصلاح معدات أخرى دون أي وثيقة تثبت ذلك، وصرف مبلغ لأحد المهندسين دون وجود عقد معه.

مجالات أخرى وقف عندها تقرير المفتشية العامة للمالية تعكس مدى الاستهتار المالي والإداري الذي وصلت إليه التعاضدية العامة للتربية الوطنية على يد رجل بلغ الثمانين من العمر ويعاني من أمراض لا حصر لها، ومع ذلك، ما يزال متشبثا بمنصبه: «بل الأنكى من ذلك أن يجد غيور من يدافع عنه ويعبئ له الأصوات لإعادة انتخابه ضمن الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل في زمن الربيع العربي، حيث نشهد سقوط ديكتاتوريات حكمت دولا بالنار والحديد، ولا نرى سقوط بيروقراطيات نقابية من طينة محمد غيور»، يتساءل أحد منخرطي تعاضدية رجال التعليم، طلب تعريفه بصفة «مناضل تعاضدي

أما عبد السلام بلفحيل..... فصرح لـ«المساء»، بنبرة لا تخلو من تذمر قائلا: «أنا كمناضل في الاتحاد المغربي للشغل غير مرتاح لأن يكون عضو في القيادة الوطنية لنقابتنا متورطا، رفقة أفراد من عائلته، في هذا الريع النقابي، الذي تحدث عنه تقرير المفتشية العامة للمالية». وتابع بلفحيل: «لذلك أنا أطالب بربط المسؤولية بالمحاسبة، سواء داخل تعاضدية التربية الوطنية أو داخل الهيآت التعاضدية لموظفي الإدارات والمصالح العمومية في المغرب، التي يتحمل مسؤولية نائب رئيسها أحمد بهنيس، عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، وهي التعاضدية التي تعرف اختلالات لا حصر لها ويجب تعميق الافتحاص فيها

 ويزداد منسوب الانفعال في نبرة بلفحيل عندما يتطرق لـ»الجهات التي لا تكتفي بممارسة الفساد داخل التعاضديات، بل تسعى إلى تأبيده»، ويستطرد: «مؤخرا، أطلقت وزارة التشغيل مشروع مدونة التعاضد، الذي يسعى إلى تغيير ظهير 1963، المنظم للتعاضد، والذي أثبت عجزه، لأن الموظفين يقومون فيه بالتدبير الإداري والمالي، بينما مشروع مدونة التعاضد الجديدة تسعى، على ما فيها من نواقص، إلى الفصل بين السلط؛ حيث لا يبقى للموظف غير دور المراقبة». يصمت بلفحيل قليلا، قبل يعود إلى الحديث، بنبرة لا تخلو من غضب: «الآن، تشكـَّلَ لوبي من المفسدين خارج القانون أطلقوا اتحاد التعاضديات بالمغرب، غايته إيقاف مشروع مدونة التعاضد»، وهو الاتحاد الذي يضم رؤساء التعاضديات الثمانية: «سيعمل، عبر أحمد بهنيس، ممثل الاتحاد المغربي للشغل، داخل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، على عرقلة هذا المشروع، خلال الدورة التي سيخصصها المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمناقشة مشروع مدونة التعاضد، لأنه لا يخدم مصالح لوبيات التعاضديات التي تنتعش في الماء العكر وفي الخلط بين السلطة الإدارية والمالية»، يؤكد عبد السلام بلفحيل.

نقابة التعليم بلا تنظيم!

يذكر كل من عرف المحجوب بن الصديق أنه كان يحمل كرها عميقا للتعليم والمعلمين، وكلما أثير نقاش حول رجال التعليم، كان  بن الصديق يردد: «كمشة ديال العمّال خيرْ من شواري ديالْ المعلمين».. لا داعي للبحث عن الأسباب، فالزعيم القادم من صفير القطارات واصكاك عجلاتها على سكة الحديد، لا قابلية له لمسايرة شريحة لا تتعبها الاجتماعات والبيانات والمحاضرات والنقاشات ونقط النظام والإكثار من الكلام. لذلك عيـّن رفيقه محمد غيور على رأس الجامعة الوطنية للتعليم، التي لم تعقد مؤتمرها منذ مارس 1995،  واستراح إلى الأبد..

يؤكد المنتقدون لأداء الجامعة الوطنية للتعليم أن هذه النقابة تعاني  من إرادة تحكمية لا تترك أي فرصة للإبداع والمبادرة، كما تعاني من استشراء الفساد، من جراء عدم تقديم التقارير المالية، والعمل، في المقابل، على التوزيع العشوائي و»الغامض» لبطائق الانخراط، كما تعاني من انعدام وجود ملف مطلبي منبثق عن نقاش معمق ومن ارتباك في وضع تصور واضح لمسألة التحالفات و«الانقلاب» على المكاتب النقابية «غير الموالية» وتجريد النقابيين «الديمقراطيين» من مهامهم ومن امتيازات كانوا يتمتعون بها، من قبيل التفرغ النقابي. يتوقف هؤلاء المنتقدون كثيرا عند شخصية ينطبق عليها المثل المغربي القائل «صْغيرة ومْحاينها كبارْ».. إنه البشير لحسيني، الذي يعتبره الساخطون على نقابة محمد غيور مصدر «تخلف» الجامعة الوطنية التعليم.

يحكي أحمد المسيح، نائب الكاتب الجهوي السابق للاتحاد المغربي للشغل في الخميسات، قائلا: «في دجنبر 2004، أخبرنا البشير الحسيني نيته الابتعاد عن مسؤولية منصب الكاتب الجهوي للاتحاد المغربي للشغل في الخميسات، بعد أن أسس جمعية تنموية تهتم بالعمل النقابي تتلقى الدعم من الخارج. وقال إنه سيتفرغ لهذه الجمعية، التي ستهتم بالدراسات النقابية في المنطقة». ويستطرد لمسيح قائلا إن الكاتب الجهوي لبشير الحسيني كان من المقربين للزعيم الراحل المحجوبي بن الصديق، بل إن هذا الأخير كان يعتبر لحسيني «وزير خارجيته»!.. «بعد إلحاح لحسيني على الاستقالة، يضيف لمسيح، عقدنا المؤتمر الجهوي وأفرزنا مكتبا جهويا انتـُخِب على رأسه أحمد الهايج، فيما شغلتُ أنا منصب نائب الكاتب الجهوي. وضعنا الملف القانوني لدى السلطات وبدأنا نشتغل بشكل عادي، إلى أن فاجأنا المحجوب بن الصديق، بعد زيارة له، بالقول «أنا لا أعترف بكم».. «بعث المحجوب بن الصديق نائبه ميلودي مخاريق إلى عامل الخميسات لكي يلغي الترخيص لنا، فأجابه العامل باستحالة الأمر، بعد تسليمنا وصل الإيداع القانوني».. يجاهد أحمد المسيح في رسم بورتريه للبشير الحسيني، وعندما يفشل، يقول: «نحن في الخميسات نسمي لحسيني ببنعرفة، الذي انقلب بدعم من الخونة على الملك الشرعي محمد الخامس»!.. يتوقف لمسيح قليلا ويواصل: «في مارس 2005،  تفاجأنا بالبشير لحسيني يكتب رسالة غاية في سرية إلى المحجوب بن الصديق، رسم له فيها خريطة بوضعية المناضلين الديمقراطيين (اليساريين) في كل فروع ومكاتب الاتحاد المغربي للشغل في المغرب، وكذلك وضعيتهم داخل النقابات الوطنية وداخل المكاتب المحلية، مع تحذير للمحجوب لا يخلو من حقد على المناضلين  الديمقراطيين

وقال أحمد لمسيح، الذي كان حينها نائبا للكاتب الجهوي في الخميسات وكاتبا عام للنقابة الوطنية للتعليم في تيفلت، والذي يبذل جهدا جهيدا لاستذكار التواريخ، بقوة: «ما زلت أذكر جيدا أن يوم 19 أبريل من سنة 2005 كان يوما أسود لا يُنسى: أخبرتنا الأمانة الوطنية أنها قادمة إلى الخميسات لفتح نقاش حول أزمة الاتحاد الجهوي، وفعلا، في الثامنة صباحا، كان أعضاء الأمانة العامة كلهم حاضرين، باستثناء المحجوب بن الصديق ومحمد غيور، كما كان جميع كتاب الجامعات الوطنية (الشـّيفان) حاضرين في مقر الاتحاد الجهوي، مصحوبين بأعضاء من المجالس الجهوية، التي أذكر منها مكناس وسيدي سليمان والقنيطرة والدار البيضاء، إضافة إلى 10 «سطافيطات» معبأة بأكثر من 100 «بلطجي» بلغة اليوم.. بعد حضورنا، اكتشفنا أن الأمانة العامة كذبت على أغلب هؤلاء بأن أوهمتهم أن «نقابة الأموي»، أي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ستهجم على نقابتنا».. يضيف  لمسيح: «أردنا أن نفتح نقاشا حول هذا الإنزال وحول مشاكل الديمقراطية، فاستفرد بنا ميلودي موخاريق، الأمين الوطني الحالي، في زاوية من مقر النقابة القديم وقال لنا بصريح العبارة: «نحن لن نعترف بكم»، حاول أحد رفاقنا، وهو المهندس الزراعي أوحادة، أن يحاججهم، فأشبعوه ضربا وتعنيفا.. عقدوا جمعا عاما شكليا وعيـّنوا البشير لحسيني كاتبا جهويا للنقابة وانصرفوا

نفس التصرف الذي قام به موخاريق، حسب ما يؤكد أحمد المسيح، عندما ذهب إلى عامل الخميسات طالبا منه إلغاء الاعتراف بـ«المكتب الجهوي الشرعي»، سيقوم به البشير لحسيني، مؤخرا. ويضيف لمسيح: «بعد انتخاب إحدى المناضلات الديمقراطيات ككاتبة عامة للتعليم في منطقة تيداس، ذهب البشير الحسيني عند قائد المنطقة يطالبه بسحب وصل الإيداع من المكتب الذي انتخبت على رأسه بشكل ديمقراطي، فأجابه القائد بأن ما يطلبه مُنافٍ للقانون

في الراشيدية أيضا، تمت معاقبة محمد أولوط، الكاتب العام الجهوي للجامعة الوطنية للتعليم في جهة مكناس تافيلالت، والذي يشغل، في نفس الوقت، مهمة الكاتب العام للاتحاد المحلي في الرشيدية وعضو اللجنة الإدارية الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، على موقفه الداعي إلى ترك الاختيار لمناضلي النقابة بالتصويت حسب قناعاتهم على الدستور، حيث انتزع منه التفرغ الذي كان يستفيد منه مقابل قيامه بمهام نقابية وطنية وجهوية ومحلية، ومنح التفرغ لأستاذة لا تربطها أي علاقة بالعمل النقابي، سوى أنها زوجة أحد أعضاء مسؤول في أحد الأحزاب المساندة للقيادة الحالية، و»هذا الانقلاب يحمل بصمات البشير الحسيني»، يضيف مصدرنا، بعد أن تردد محمد أولوط، الكاتب العام الجهوي المنقلـَب عليه في التصريح بذلك.

ورفض البشير الحسيني، الذي يتحمل مسؤولية داخل الأمانة الوطنية للجامعة الوطنية للتعليم، رغم أنه لم ينتخَب خلال المؤتمر الأخير لسنة 1995، التعليق على هذه الوقائع وغيرها من التي تتهمه باحتكار بطائق نقابة التعليم وتوزيعها على منخرطين دون آخرين وعلى فروع دون أخرى، بغاية صنع «خريطة» يسهل التحكم فيها خلال المؤتمر المقبل للجامعة الوطنية للتعليم.. وقال الحسيني، في اتصال لـ«المساء» به: «أنا رجل ميدان ولو كنت دخلت مع منتقدي إلى أحزابهم اليسارية لكانوا رفعوني عاليا وقالوا إنني أكبر مناضل، لذلك فأنا لا أعير كلامهم أي اهتمام، وسأرد عليه لاحقا».

يصمت البشير الحسيني، ويعود أحمد لمسيح  للكلام: «كنتُ كاتبا عاما وطنيا في الجامعة الوطنية للتعليم، ذهبت في2006 إلى ميلودي موخاريق أطالبه ببطائق الانخراط، فأجابني/ لقد سلمناها إلى البشير الحسيني بصفته عضوا في الأمانة الوطنية للتعليم. لكنني كنت موقنا بأن الحسيني لا يمكن أن يسلم البطائق لأي فرع غير محسوب على البيروقراطية!..

الطاقة  الثمينة

 اليوم، نحن نقابة لم يبق منها سوى العنوان، خاوية على عروشها، بين يدي من يريد أن يتاجر برصيدها لتحقيق مكاسب ذاتية رخيصة وأمام من يريد تجميد هذه الآلة النقابية الكبيرة وخنق مناضليها ومصادرة أبسط الحقوق التي يكفلها لهم القانون». هذا ما جاء في ديباجة مشروع هيكلة وتنظيم العمل النقابي في شركة «ريضال»، وهو المشروع الذي يسعى إلى تقويم الممارسات النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل، الذي يبقى النقابة الوحيدة في المغرب التي تحتكر قطاع إنتاج وتوزيع الطاقة.

يعتبر عمال ومستخدمو وأطر شركة «ريضال»، الذين التقت بهم «المساء»، أن المكتب النقابي يعرف انحرافات لا حد لها، من قبيل «تواطؤ» المكتب النقابي مع الإدارة، الشيء الذي يجهز على العديد من الحقوق والمكتسبات ويتسبب في «الطرد الجماعي للعمال»، مع صمت مفضوح للمكتب النقابي وتسريح العمال والأطر وتماطل في تسوية ملف المستخدمين المتعاقدين والعمل في ظروف سيئة واعتماد معايير غير شفافة في التنقيط السنوي والتراجع على مستوى الخدمات الاجتماعية». وفي مجال الخدمات الاجتماعية هذا، تنتقد «الحركة التصحيحية» داخل المكتب النقابي لـ«ريضال» ما قام به الكاتب العام، رشيد المنياري، «بتواطؤ مع الإدارة، بفبركة لائحة لتسيير الأعمال الاجتماعية داخل الشركة، مع حرمان كل العمال من حقهم في الترشيح، ودون استشارة أي طرف، بعد أن تم التخلي عن كل الأعضاء السابقين في جمعية الأعمال الاجتماعية، لاختلافهم مع الكاتب العام حول الطريقة اللا ديمقراطية والعشوائية في وضع اللائحة

لا تكتفي «الحركة التصحيحية» باتهام الكاتب العام، رشيد المنياري بالتواطؤ مع الإدارة، بل تعتبر أنه «فاقد للشرعية»، لكونه «لم يتم انتخابه في جمع عام عمالي منذ 1997 وإلى اليوم، وهذا لا ينسجم مع القانون الأساسي الجديد ومع التوصيات التي جاء بها المؤتمر الأخير للاتحاد المغربي للشغل

ولم تكن «الحركة التصحيحة» النقابية وحدها التي انتقدت رشيد المنياري، الكاتب العام الحالي للنقابة، بل إن تقريرا للمجلس الأعلى للحسابات وآخر صادرا عن مؤسسة أجنبية غير حكومية أكدا قيامه بتجاوزات للحصول على مصالح شخصية، فقد تطرق تقرير أصدرته مؤسسة «فرنسا الحريات»، التي كانت ترأسها دانييل ميتران، بخصوص ملف التدبير المفوض لقطاع الماء والكهرباء والتطهير في العاصمة الرباط، الذي تدبره شركة «ريضال»، التابعة للمجموعة الفرنسية «فيوليا»، عما أسماه «شبهات» تلـُف علاقة الكاتب العام للمكتب النقابي لشركة «ريضال»، وهي النقابة التابعة للاتحاد المغربي للشغل، بهذه الشركة سبق لـ»المساء» أن تطرقت له مؤخرا. يشير تقرير مؤسسة «فرنسا الحريات» إلى أن رشيد المنياري، الكاتب العام للنقابة، «يعمل في مكتب للدراسات له صلة بـ»ريضال» ويشتغل كإطار ملحق بالشركة، وبهذه الصفة استفاد من سكن وظيفي، سبق أن راسل بشأنه الإدارة بتاريخ 13 ماي 2003، وهو السكن الموجود في حي «فيو ماروكان» في تمارة وتبلغ قيمته الكرائية 45 ألف درهم شهريا، في حين تبلغ قيمته الإجمالية أزيد من مليارين و300 مليون سنتيم».. ويضف التقرير أن «المنياري يستفيد، أيضا، من مجموعة من الامتيازات، منها ميزانية الإصلاح والحراسة والنظافة، وهي الامتيازات التي أرسل بشأنها طلبا إلى الإدارة سنة 2004 بقيمة 40 مليون سنتيم، وطلبا جديدا سنة 2010 بقيمة 80 مليون سنتيم

كما قال التقرير إن المنياري، بصفته إطارا ملحقا لدى الشركة، ليس من حقه الاستفادة من السكن الوظيفي الذي تمنحه الشركة لأطرها، والموجه بالأساس إلى المدير العام للشركة أو للمستخدَمين، من قبيل أطر الصيانة والاستغلال، ليضيف أن تمكين الكاتب العام للنقابة، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، من هذا الامتياز غير مقبول أخلاقيا، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على العديد من أعضاء النقابة، الذين يحصلون على حوافز خارج القانون التنظيمي عبر سلالم مرتفعة لا تتوافق مع درجاتهم الأولية، وهو ما يتضح بشكل جلي من خلال حرمان عدد من أطر النقابة التي تقدمت بشكوى من منحها المستحقة.

واستهدف رشيد المنياري، في الاتصال الذي أجرته «المساء» معه، الهجوم على المؤسسة التي أصدرت التقرير أكثر من استهدافه مضامين التقرير، حي قال إن «التقرير صادر عن مؤسسة تعنى باللاجئين وليس بشيء آخر»، مضيفا أنه بصدد مراجعة المحامي لإصدار رد مناسب عليها، قبل أن يستدرك بأن «المعطيات التي تضمنها تقرير «فرنسا الحريات» مجانبة للحقيقة، لأنني أشتغل إطارا في شركة «فيوليا» منذ 20 سنة وأستفيد من سكن وظيفي أؤدي عنه مقابلا شهريا يبلغ 3200 درهم تـُقتطَع بشكل مباشر من أجرتي، والأمر لا يتعلق بامتياز لأن المساكن الوظيفية في الشركة تتجاوز مائة مسكن وليست مجانية أو بأثمنة رمزية، بل تخضع للمساطر المحددة، حسب رتبة كل إطار

سيتجاوز الاستهتار بحقوق العمال والمستخدمين والأطر في اختيار تمثيلياتهم التي يرضونها، الحدود عندما ستلجأ شركة «ريضال» إلى رفض تنفيذ حكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية في الرباط في دجنبر 2010، يقضي بأحقية ترشيح لائحة للا منتمين لانتخابات المأجورين في جمعية الأعمال الاجتماعية والتعاضدية. أمام رفض «ريضال» تنفيذ الحكم، وجّه وزير الداخلية استفسارا للمسؤولين المركزيين لشركة «ريضال» حول الأسباب التي تجعلهم يُحقـّرون حكما قضائيا صادرا لفائدة مستخدمي الشركة، بالحيلولة دون تنفيذه..

عرفت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء في مدينة القصر الكبير تجاوزات وخروقات لا حصر لها، تورط فيها مسؤولون نقابيون في الاتحاد المغربي للشغل، فقد وقف المجلس الجهوي للحسابات في طنجة خلال  افتحاص 13 ملفا على  وجود مجموعة من  الخروقات والتجاوزات منها «صفقة 19 /01، التي تهم تشييد وتجهيز مركز التقسيم الكهربائي في سيدي عيسى في القصر الكبير»، حيث عثر قضاة المجلس الجهوي للحسابات على محول من حجم صغير ثمنه أقل من محول الحجم كبير المنصوص عليه في الصفقة، كما سجلوا أن تشييد المركز شابته خروقات فظيعة واعتبروا أنه غير مطابق لدفتر التحملات، وقد توصلت «المساء» إلى أن تسليم محول مركز التقسيم الكهربائي سيدي عيسى لم يوقع عليه المهندس رشيد القرقوري لوحده، بل كذلك إطار نقابي هو نجيب الساحلي، وكذا الكاتب المحلي للاتحاد المغربي للشغل، أحمد المودن.

واهتزت ساكنة مدينة القصر الكبير خلال شهر يونيو المنصرم لخبر اختلاس أكثر من 70 مليون سنتيم من الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء ومن فروعها التجارية. ولم تتمكن إدارة الوكالة من حصر المَبالغ المختلسة بشكل دقيق إلى حد الساعة ولم تعمل على دفع الملف إلى القضاء قصد التحقيق في خروقات المسؤولين الحقيقيين. كما أن المصلحة التجارية للوكالة وفروعها تعرف نقص مبلغ حدد في 150 مليون سنتيم يرجع لعدة سنوات. وقد سبق لـ»المساء»، في أبريل من السنة الماضية، أن تطرقت، في أحد التحقيقات، إلى ما يطال الوكالة من «اختلالات وتجاوزات للمعايير التقنية المعمول بها، وخصوصا في المصلحة التجارية

وربط العديد ممن اتصلت بهم «المساء» من مستخدمي وأطر الوكالة، صمت الكاتب العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل في القصر الكبير عن هذه الخروقات باستفادته من توظيف أحد أبنائه كإطار إداري داخل الوكالة في العرائش، ثم ترقيته، في وقت وجيز، إلى رئيس المصلحة، وتوظيف ابن آخر له في وظيفة قارئ للعدادات، ثم تشغيل أخ له حارسا في مركز التحويل..

عندما اتصلت «المساء» بمدير الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، قال: «هذه المواضيع لا يمكنني مناقشتها في الهاتف». وأنهى المكالمة، رافضا الإجابة عن استفسارات الجريدة..

تحرير  الرباط

 تحرير الرباط، هكذا يتحدث شباب «الشبيبة العاملة» المحسوبون على النهج الديمقراطي، الذين التقتهم «المساء» في المقهى التحت أرضي لمقر «الاتحاد» الجهوي، الكائن في شارع جون جوريس في قلب العاصمة الرباط. يتمترس هؤلاء الشباب كحماة لمكتسب انتزاع «فرع ديمقراطي» حسب تعبيرهم، ويبدون مستعدين للدفاع عنه بالأسنان والمخالب. واكتفى عبد الحميد أمين وعبد الرزاق الإدريسي، القياديان في النهج الديمقراطي وفي الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، واللذان رفضا أن يتحدثا إلى «المساء» حول المشاكل الخلافية داخل النقابة، بالقول الكل داخل «الاتحاد» يتفقون ويختلفون من أجل تقوية النقابة ووحدة الطبقة العاملة. لكن «المساء» انتهت إلى العثور على قيادي آخر، هو عبد الله الفناطسة، عضو المكتب الجهوي للرباط وعضو اللجنة الإدارية للاتحاد المغربي للشغل، الذي بدا مستعدا للحديث في موضوع «عرقلة المؤتمر الجهوي الحادي عشر للاتحاد الجهوي في الرباط». واعتبر الفناطسة أن «بعض رموز الفساد النقابي، وهـُم أقلية، رفضوا نتائج المؤتمر الحادي عشر وقاطعوا أنشطة الاتحاد ونضالاته لمدة ست سنوات، ولم يظهر لهم أثر إلى الآن، رغم أن الفترة السابقة كانت حافلة بالمعارك التي خاضتها الطبقة العاملة في المنطقة في مواجهة الإغلاقات التعسفية للمعامل ودفاعا عن الحق النقابي الذي تعرض لحرب حقيقية من طرف الباطرونا والسلطة المخزنية». وتابع الفناطسة قائلا: «قد حاولنا عقد المؤتمر الجهوي الثاني عشر في وقته، أي قبل سنتين إلا أن الأمين العام السابق، المحجوب بن الصديق، الذي ظل وفيا لموقفه السلبي من تجربتنا، لم يوافق على ذلك. وبعد وفاة هذا الأخير والأجواء الايجابية والدينامية التي خلقها المؤتمر الوطني العاشر، قررنا عقد مؤتمرنا الجهوي وشكـّلنا لجنة تحضيرية اتخذت جميع الإجراءات التنظيمية والمادية والأدبية طبقا للقوانين الداخلية لإنجاح المؤتمر، الذي كان مقررا انعقاده يوم 25 شتنبر 2011. وفجأة، ظهرت عناصر الفساد النقابي، التي نجحت -للأسف- في عرقلة أشغال المؤتمر وحالت دون إنهائه في وقته. ونظرا إلى كونها معزولة ومنبوذة من طرف أغلب عمال وعاملات المنطقة، فهي تحاول القيام بـ»انقلاب» حقيقي على الهيآت التقريرية القانونية، مدّعية أنها تحظى بدعم الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل». فهل يستطيع الاتحاد الجهوي للاتحاد المغربي للشغل عقد مؤتمره و"تحرير" الرباط، حسب تعبير أشبال منظمة «الشبيبة العاملة»؟.."





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق