الحياة السياسية حبلى بالدروس؛ دائما وأبدا، محليا وجهويا ودوليا.
إن الهيمنة الطبقية للنظام القائم اليوم لا تُخطئها العين، وليس فقط التحليل (التحليل الملموس للواقع الملموس). وأول الدروس السياسية التي تفقأ العين هو هذه الهيمنة المُخزية والمُذلة. فلم يعش النظام فترة استرخاء سياسي (راحة سياسية) "أروع" من الآن. بدون شك، للظرفية الدولية، وأهم مميزاتها السيطرة الامبريالية والتوسع الصهيوني وانتكاس حركات التحرر الوطني، دورها في دعمه وشد عضده وبسط بطشه؛ دون إغفال ولائه واستباحة خيرات بلادنا وثرواتها وانخراطه في كُل المُخططات الامبريالية والصهيونية والرجعية، ومن بينها مؤامرة التطبيع مع الكيان الصهيوني وأداء مهمة "الدركي" بمنطقتنا الاستراتيجية، وخاصة على المستوى العسكري...
أما ثاني الدروس السياسية، فتتجلى في الانبطاح غير المسبوق داخليا. وهنا يكمن الجزء الخفي من جبل الثلج (ICEBERG). وفي الحقيقة، لقد بات هذا الجزء مكشوفا، بل مفضوحا؛ لقد صار الجبل عاريا. وقد ساعد على ذلك الانتشار الواسع للتكنولوجيا (وسائل التواصل الاجتماعي)، فبدل أن تكون هذه الأخيرة وسيلة لتطوير الفعل النضالي المبدئي، على مستوى التواصل والتنسيق بالأساس، صارت آلية للتمييع والتشويش والتضليل. وأكبر المستفيدين من هذه الطفرة العلمية (سيف ذو حدين) هو النظام وأزلام النظام. أما "الرفاق"، بوعي أو بدونه، فقد غرقوا في واحة "الأسهل" أو "المريح". فترى "المناضل" متجذرا افتراضيا، وميتا واقعيا!!! والأخطر، أن تجده مُدعما للتضليل والافتراء والتشويش.
وكعناوين معبرة عن واقع الأمر وعن صور الخضوع والخنوع، نسوق الأمثلة التالية كبداية للمزيد من التشريح والدراسة في أفق تصحيح الأخطاء ومعانقة المناضلين المبدئيين والصادقين:
- قتل الذاكرة من خلال الطمس والتعتيم وشراء/توظيف "فرسان" الماضي بهدف المساهمة في "دفن" الإرث النضالي لشعبنا وأبناء شعبنا، ومنهم بالخصوص الشهداء والمعتقلين السياسيين.
- مسخ الأشكال النضالية وضرب مصداقيتها. فلم يعد الإضراب إضرابا، ولم تعد الوقفة وقفة، ولم تعد المسيرة مسيرة؛ عموما تم تسييد التمييع لمصادرة "شهية" النضال والمقاومة، وخاصة الفعل النضالي الجذري المنظم
- تدمير أدوات المقاومة بواسطة الاحتواء والاختراق، لدرجة أن النقابة لم تعد نقابة والحزب لم يعد حزبا والجمعية لم تعد جمعية...لقد صارت هذه الأدوات السياسية مقاولات تنفيذية (بمقابل) لأوامر وتعليمات النظام (البرنامج التنموي) وواجهات لتنزيل مخططاته الطبقية المدمرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا...
- خلط الأوراق والألوان، أو بلغة "طبية" نشر مرض "عمى الألوان" لستر عورة المتواطئين والمختبئين وراء الشعارات البراقة والخادعة. ومن بين أخطر المتواطئين، بل أبشعهم، من يدعي النضال وينحني تبجيلا وخنوعا أمام الأقدام المتسخة للبيروقراطية وأسيادها المتورطين في الإجرام في حق الطبقة العاملة وكافة الجماهير الشعبية المضطهدة؛ علما أن سيدها الأول هو النظام القائم. ومن بين أخطر المتواطئين، من "يُبيض" سجل القوى الظلامية ويفسح المجال أمامها لاكتساح الساحة السياسية والتضييق، بل مناهضة الفكر العلمي والانتصار للفكر الظلامي الرجعي...
وكم يُؤلم التضامن مع مناضل، سواء كان داخل السجن أو خارجه، وتناسي مناضل آخر، سواء داخل السجن أو خارجه.
كم يُؤلم التضامن مع معارك دون أخرى..
من يتضامن حقا، أو من يتحمل حقا مسؤولية التضامن لابد أن يتوفر على مواصفات المُتضامن حقا، بعيدا عن المزايدات و"الحلقية" المقيتة والمصطنعة.
إن المُتضامن حقا هو المناضل حقا...
وكم يُعبر عن البُؤس من يُسجل دعمه أو تضامنه مع "ضحايا" مُعينين، ويختم "تغريدته" ب"وعلى رأسهم" أو "في مقدمتهم"...!! فبأي معايير نميز بين "الضحايا"، أو الأصح بين المناضلين؟
من بوأك فوق الرؤوس يا "بطل"؟!!
إنها مواقف سياسية واضحة، لا مجال لإخفاء الشمس بالغربال.. مما يعني لا مجال للمجاملة وادعاء الانتماء للشيء ونقيضه (حفاظا على المصالح المعروفة أو الخفية).. فإما أن تكون "مع" أو "ضد".. وأقولها على رؤوس الأشهاد وللتاريخ، لماذا تغيبون معتقلين سياسيين دون غيرهم (معتقلي الحركة الطلابية بفاس مثلا)؟ إنكم بذلك، لا تقتلون المعتقلين السياسيين وحدهم، بل تقتلون أيضا عائلاتهم.. أي إجرام هذا يا جمعيات ويا "مناضلين"؟ نتحدث عن إجرام النظام، وماذا عن "..."، حتى لا نقول "إجرامكم"؟
خلق إغراءات البحث عن فُرص النجاة و"الكاريزما" الوهمية. وتُعد لُعبة الانتخابات بكل مراحلها وتلاوينها حصان فرض الذات المريضة للكثير من "الأبطال" الورقيين (لا أتحدث هنا عن مُحترفي اللعبة التقليديين)؛ بالإضافة الى التمويلات المشبوهة من الداخل والخارج
فهل انتهى زمن التضحية المبدئية ولاح في الأفق زمن تمويل "التضحية" أو ما يسمى بالتضحية؟ حذاري من الانزلاقات المقصودة وغير المقصودة.
وماذا عن "الانفجار الديمقراطي" في صفوف فدرالية اليسار؟
لا يخفى دور الأيادي القذرة المعلومة في دس العُبوات المتفجرة في بطن الفدرالية، كما في السابق ودوما وأبدا. ويُذكرنا ذلك في محطة "تفجير" منظمة العمل الديمقراطي الشعبي عشية اللعبة السياسية في منتصف التسعينات من القرن الماضي (القريب). إنها "لُعب عاشوراء" للإلهاء و"قنابل" للتأديب و"روائز" (TESTS) لفرز المُوالين و"المُنحرفين"...
ويهمنا نحن كدرس مُتميز هو كون "التجييش"، أي الاحتماء والافتخار بالعدد وجمع ما لا يُجمع، لا ينفع خاصة لحظة الشدة/الفرز. فبين عشية وضُحاها صار "الرفيق" عدوا والعدو "رفيقا"، سبا وقذفا وتشهيرا...
درسُنا الأخير: ألم تر كيف فعل النظام بأصحاب الرسالة؟
رسالتُنا نحن واضحة ومواقفنا ناصعة، فلنواصل المشوار الى جانب العمال والفلاحين الفقراء وباقي أبناء شعبنا...