2021/08/26

حسن أحراث // في الذكرى 37 للشهيدين الدريدي وبلهواري


يكتب الكثيرون عن الشهداء ويتحدث الكثيرون عن الشهداء، ودائما بالتمجيد والتعظيم. وهناك من يتجاوز عتبة الإطراء الى تناول تجارب الشهداء ومواقفهم، ودائما بالإيجاب؛ ونادرا جدا ما يكون العكس.

بالفعل، الشهداء يستحقون التمجيد والتعظيم، إلا أن السؤال المؤرق هنا هو: هل كل من يكتب عن الشهداء وكل من يتحدث عن الشهداء مخلص للشهداء ووفي لهم ولقضيتهم؟

الجواب لا يحتاج الى كثير عناء (IL FRAPPE AUX YEUX). 

الجواب هو لا وألف لا.. 

عموما، الشهداء معنيون بأكثر من الكتابة والحديث عنهم، ومن الباب الإيجابي، أي التمجيد والتعظيم؛ ومعنيون أكثر بتناول تجاربهم السياسية التي تستحق الدراسة والتقييم. ولن ينقص من قيمة الشهيد انتقاد تجربته السياسية والاستفادة من نقط قوتها ونقط ضعفها. لكن الكثيرين يقومون بذلك بنوع من الانتقائية والتلقائية والحماس (بدون خلفية)، وأيضا من أجل تسجيل الحضور المتميز عبر وسائل التواصل الاجتماعي. والبعض ينخرط في المناسبة من باب الخسة والدعاية الرخيصة لنفسه ولمشاريعه، أي توظيف الشهداء وامتطاء تضحياتهم. ولا حديث عن "عباقرة" تبييض سجلات قتلة الشهداء، من قوى ظلامية وشوفينية..

وأغلبية "الكثيرون" ومنهم من "رافق" الشهداء و"عاهدهم"، شئنا أم أبينا، تلتقي عند نقطة البحث عن الإفلات من مصيدة "تأنيب الضمير"، وتسعى الى جنة "التكفير عن الذنب" من خلال "تكريم" الشهيد دون "متابعة خطاه".. 

أما أقلية "الكثيرون" فتستحضر محطات الشهداء من أجل الحفاظ على الذاكرة وفضح إجرام النظام وزيف ديمقراطيته والتحفيز بالتالي على مواصلة درب النضال استرشادا مبدئيا بدلالة "من يكرم الشهيد يتبع خطاه"..

نعم، الجواب هو لا. فلو أخلص القليل من هؤلاء "الكثيرون" للشهداء ووفوا لهم ولقضيتهم لكُنا في وضع سياسي أحسن بكثير مما نحن عليه الآن من هامشية وهشاشة.

لو التزم هؤلاء "الكثيرون" بتصريحاتهم، قولا وفعلا، لاستطعنا انتزاع حضور سياسي يشرف الشهداء ويؤهلنا للتقدم الفعلي في خدمة قضية الشهداء، أي قضية شعبنا..

فهل نخدع الشهداء من خلال الكتابة والحديث عنهم أم نخدع أنفسنا؟

إننا بدون شك نخدع أنفسنا، أما الشهداء فقد قاموا بواجبهم النضالي تجاه قضية شعبهم. والخطير أننا نخدع شعبنا عبر ترديد الشعارات وتسويق الأوهام.

لا أعمم، فهناك مناضلون مخلصون وأوفياء للشهداء ولقضيتهم، داخل السجون وخارجها. لست في موقع يسمح لي بتوزيع شهادات الإخلاص والوفاء؛ وأكثر من ذلك، أحمل نفسي قسطا كبيرا من المسؤولية. إن الأهم هو اختيار الخندق الملائم، أي كونك مع الشهداء بالواضح أو ضدهم بالواضح.. 

ومن يهمه حقيقة الارتباط بخندق الشهداء لابد أن يطرح على نفسه السؤال المحدد والفاصل: أين أنا (فرديا وجماعيا) في خضم الصراع الطبقي الجارف؟

بمعنى آخر؛ فمن لم يطرح على عاتقه مسؤولية التقييم الفردي والجماعي للوضعية الذاتية الراهنة، فسيستمر في التيه والعبث وسيُسيئ للشهداء ولقضية الشهداء ولو يكتب ويتحدث عنهم ليل نهار.. وسيبقى "يخلد" الذكرى تلو الذكرى حتي "لا شيء"..

كيف لمن يزكي مهزلة الانتخابات في إطار الانخراط في مخططات النظام التي تُغرق أوسع الجماهير الشعبية، وخاصة العمال والفلاحين الفقراء، في معاناة الفقر والبؤس أن يسمح لنفسه بالكتابة أو الحديث عن الشهداء وعن المعتقلين السياسيين؟

لا أتحدث هنا من فراغ أو من باب المزايدة والترف، ولا أسعى لاقتناص "شهادة الوفاء والإخلاص للشهداء ولقضيتهم"؛ لقد كنت أحتضر كواحد من رفاق الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري في نفس الفترة، أي الأيام الأخيرة من شهر غشت 1984 في إطار إضراب لامحدود عن الطعام، وحملة الانتخابات التشريعية حينذاك في أوجها.

استشهد الرفيقان مصطفى وبوبكر والحملة الانتخابية كانت حينه رهان القوى الرجعية وحلم "الكثيرون"، ومنهم من يواصل الزعيق اليوم باسم الشهداء. 

استشهد الرفيقان مصطفى وبوبكر، لكنهما قوضا "العرس الديمقراطي" الذي يتكرر اليوم بفظاعة.

والآن في الذكرى السابعة والثلاثين لتغييب الشهيدين مصطفى وبوبكر، أصرخ في وجهكم وفي أوج حملتكم القذرة: ما أبشعكم وما أقبح صوركم!! إنكم تقتاتون على دماء الشهداء وعرق الكادحين...

إننا على الدرب سائرون رغم الحصار والتشويش ورغم القمع.. 

المجد والخلود للشهيدين مصطفى بلهواري وبوبكر الدريدي ولكافة شهداء شعبنا..

الحرية لكافة المعتقلين السياسيين..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق