2021/11/03

حسن أحراث // إننا نُكرر أخطاء الماضي ببشاعة..!!


ليس بعيدا عن الدينامية النضالية التي تلت انتفاضة 20 فبراير 2011 (حوالي عشر سنوات)، والتي لم تُحقق الكثير من المطالب والطموحات رغم التضحيات البطولية، ها نحن مرة أخرى نُعيد الكَرّة ببشاعة..

هذه الأخطاء صارت ملازمة لمسارنا النضالي منذ الماضي القريب والبعيد. فكم عشنا من انتفاضة شعبية وكم قدم شعبنا من شهداء ومعتقلين سياسيين ومن مشردين و"معطوبين"، إلا أننا وحتى اليوم ندور في حلقات مُفرغة..

لا نُنكر التراكم النضالي الحاصل ولا نتجاهل جدوى الزخم الحالي المتواصل الذي يعرفه الشارع المغربي، كما لا ننفي المكتسبات التي انتُزعت بدماء أبناء شعبنا وبناته، خاصة العمال والفلاحين الفقراء.. وفي نفس الوقت، لا نخفي أننا نعيش جزرا وانهيارا غير مسبوقين، خاصة والقمع الأسود (تزايد أعداد المعتقلين السياسيين...) وإطلاق الأيادي القذرة للقوى الظلامية والشوفينية والإجهاز على العديد من المكتسبات وتضييق الخناق على الفعل النضالي السياسي والنقابي والجمعوي والإعلامي؛ والخطير أن يتم ذلك بمساهمة الأحزاب السياسية، ومن بينها تلك المحسوبة على ما يُسمى ب"الصف الديمقراطي" وحتى "التقدمي"، وبمباركة القيادات النقابية والجمعوية البيروقراطية المُتحكمة في زمام الجمعيات والنقابات المركزية والقطاعية على حد سواء..  

إن الأخطاء المقصودة هي الفرح "الطفولي" بالحركة، وفقط الحركة، وبشعارات متجاوزة لا تُعبر عن متطلبات المرحلة وعن درجة احتداد الصراع الطبقي ببلادنا (تضحيات كبيرة ونتائج هزيلة). فالانحدار وصل حدوده الدنيا، من شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي هز منطقة شمال افريقيا كلها إبان مسرحية "الربيع العربي"، وخاصة تونس ومصر، الى شعارات "إسقاط المخزن" و"إسقاط الاستبداد" و"إسقاط الفساد"، ثم الى شعار "الشعب يريد إسقاط الجواز"...!!

إنه من حقنا أن نعتبر هذه "الأخطاء" المتكررة والقاتلة ممارسة مُمنهجة واختيارا/نهجا ملائما للعديد من أشباه المناضلين والقوى السياسية، وخاصة الإصلاحية (الإصلاحية، تجاوزا). 

إننا نغرق وسط الجموع الحاشدة (LA FOULE) التي تكتسح الشارع بين الفينة والأخرى بدون بوصلة (خُطة طريق)، أي بدون هوية طبقية وبدون تنظيم وبدون برنامج وبدون شعارات مُحينة ومُبدعة... إنها قمة العفوية.. إننا نسير في المسيرات ونقف في الوقفات دون حتى أن نعلم من يقف وراءها. والتجربة علمتنا وكذلك قراءتنا للواقع، أن النظام ومن أجل امتصاص الغضب وإطفاء نار الاحتقان وتقليص حظوظ الانفجار غير المتحكم فيه يفسح المجال للشارع لكي "يتنفس" تحت أرجل وهراوات مُختلف القوى القمعية سواء الخشنة أو الناعمة، وأحيانا تحت حمايتها وبقيادة رموز مُوالية للنظام وأخرى مُمتثلة لتعليماته وأوامره. مثال ذلك عندما يمتلئ السد أو الخزان وتفاديا للانهيار وحفاظا على التوازن يُسمح بتسريب الكمية المناسبة من الماء.. 

فكم من مرة صنع النظام الحدث بهدف إخراج المناضلين من "جحورهم" واقتناصهم وخاصة الطاقات المناضلة الواعدة، وفي نفس الوقت بهدف التحكم في المُخرجات والمآلات وإضعاف المناضلين المبدئيين أمام عناصر مشبوهة تُزايد بالشعارات وتسعى الى إبراز الذات السياسية الخنوعة والمتواطئة.. 

يصرخ كُل منا ملء فمه حتى نتخلص من ثقل "الذنب"، لنعود الى أبراجنا ومقاهينا سالمين أحيانا، وغير سالمين أحيانا أخرى..

نصنع "الأيقونات" لتطعننا من الخلف ومن الأمام أيضا (الطابور الخامس)، دُمى تلتحق بصفوف القوى القمعية وبالقوى السياسية الرجعية (حزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار...). والخطير أن التحاق هؤلاء "الشجعان" بالمستنقعات يُكلفنا غاليا. إنه يمُس بمصداقيتنا ويُشوش على مسارنا النضالي ويُوظف بمكر من طرف الأعداء لتشويهنا والتشكيك في نضاليتنا، وخاصة أمام الطاقات المناضلة وعبر الوسائط الرقمية (وسائل التواصل الاجتماعي).

كُلنا يتذكر مسيرات ما بعد انتفاضة 20 فبراير المجيدة، وكُلنا يتذكر الحماس والاندفاع والتهافت على الصفوف الأمامية وعلى الكاميرات، وكأن النصر قاب قوسين من أيدينا أو أدنى. لكن هل توالت وقفات التقييم والتأمل؟

هل ذقنا طعم المحاسبة أو النقد الذاتي؟

هل استخلصنا الدروس والعبر؟

هل وضعنا الإجابات، أو على الأقل مشاريع الإجابات العلمية للإشكالات المطروحة والقضايا الجوهرية، ومن بينها إشكالية التحالفات؟

هل استفدنا من تجارب الشعوب المضطهدة الأخرى، مثال التجربة السودانية الحية القريبة الينا من حبل الوريد؟

نعم، كانت بعض إرهاصات التقييم والبحث والتأمل والدراسة. لكنها لم تستمر حتى النهاية ولم يتم الاشتغال عليها بما فيه الكفاية في إطار ورشات منتظمة والى جانب الرفاق المعنيين. وحتى بعض الخلاصات القيمة لم تُنزل بالشكل المطلوب ولم يتم إغناؤها أو اعتمادها في اللاحق من الفعل النضالي.

إننا حتى اليوم، في ظل وقفات ومسيرات رفض فرض "جواز التلقيح" الذي يعني فرض "التلقيح"، وهي أشكال نضالية نُثمنها، نُواصل الغرق في التيه والعشوائية، أي أننا "نُنشط" الحياة السياسية لا غير، كما تُنشط بعض الفرق الرياضية البطولة "الوطنية" لكرة القدم.  

إن النظام القائم أدرى بمصالحه الطبقية وبآليات الحفاظ عليها، ولا نرى نُخبتنا المحمية إلا مُتفانية في خدمة أجنداته رغم "الزعيق" المُمسرح أمام الكاميرات بالهامش وبعيدا عن المعنيين الحقيقيين بالتغيير الجذري، أي العمال والفلاحين الفقراء..

جميل أن نرفض وأن نناهض فرض ما يسمى "جواز التلقيح" من خلال الوقفات والمسيرات وحتى الندوات الرقمية وغيرها، لكن ماذا عن المعتقلين السياسيين، كافة المعتقلين السياسيين وبدون انتقاء انتهازي؟

ماذا عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية (الزيادات في الأسعار وتدهور الخدمات الاجتماعية من سكن وصحة وتعليم وشغل...)؟

ماذا عن معارك العمال والفلاحين الفقراء "المنسية"؟

ماذا عن معارك المُعطلين والأساتذة ضحايا الإجهاز عن الوظيفة العمومية؟ 

ماذا عن التصدي للبيروقراطية التي تُتاجر بعرق ودم النقابيين والقواعد النقابية وتستنزف جهودهم؟

ماذا عن مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني والسكوت عن المُطبعين في السر والعلن (زيارة المُتصهين هنية الى المغرب لدعم النظام ومسلسل التطبيع و"رفاقه" في حزب "العدالة والتنمية" الظلامي...)؟

جميل عموما، تنظيم الوقفات والمسيرات وباقي الأشكال الاحتجاجية، لكن ليس من أجل العزف على الأوتار الحساسة (مخاطبة العاطفة واستغلال نقط الضعف) من أجل الاستقطاب والتجييش والتوظيف السياسي في المتهات الخاسرة.

والقبيح بالمقابل هو أن ننخرط أو أن ندعم الغموض والحربائية (كلام النهار يمحوه الليل وكلام الليل يمحوه النهار)، وهو كذلك أن ننخدع للكلام المنمق وأن نسير وراء السراب والأقنعة المصطنعة بدافع هذا المبرر أو ذاك، ومنه مبرر "الواقعية" والوحدة أو العمل الوحدوي..

نعم للوحدة وللعمل الوحدوي، نقولها ونرددها دائما. نعم للوحدة النضالية التي تخدم قضية شعبنا ومعاركه ومستقبله، الوحدة الوفية لشهدائنا ولمعتقلينا السياسيين.. كم من "وحدة" قسرية وبأهداف انتهازية آلت الى الفشل وقبل حتى أن تقوم على أرض الواقع. لنقرأ تاريخنا وتاريخ غيرنا.. لنقرأ التجربة الفلسطينية...

لا للوحدة من أجل الوحدة ووهم الوحدة وعيون الوحدة، أي الوحدة التي لا تخدم قضية شعبنا.. فأي وحدة مع من ينخرط في كل مناسبة في مخططات النظام ويُسوق لها؟!! فإما مع النظام أو مع الشعب، فلا يُمكن علميا أن نُرضي النظام وأن نعترف به وندعي في نفس الوقت خدمة الشعب. لا منزلة بين المنزلتين...

نعم، نعيش وضعا ذاتيا صعبا أو هشا، ولا يُخجلنا أن نعترف بذلك وأمام الملأ، إنها حقيقتنا المُرة، لكن لن يجعلنا ذلك نُعانق "الشيطان" أو أن نبيع أنفسنا في المزادات لمن يدفع أكثر.. وأسجل بمرارة أن سيوف بعض المحسوبين على الرفاق والمناضلين "أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند"..!!

إن المطلوب هو تنظيم الذات المناضلة، أي بناء ذات مناضلة قادرة على تنظيم صفوف الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وتأطيرها على قاعدة متينة قائمة على شعارات ثورية بديلة للشعارات الإصلاحية المُنومة المنتشرة الآن بغزارة... 

فكيف يُعقل بالنسبة لمن يدعي الماركسية اللينينية أن يتيه سياسيا وتنظيميا بعيدا عن الطبقة العاملة، ويعانق بالتالي فلول البورجوازية الصغيرة و(...)؟

إن الارتباط بالطبقة العاملة، نظريا وعمليا، هو العنوان الصحيح للطريق السديد..

لنلتفت، أيها الرفاق أيها المناضلون، الى مهامنا الآنية ولنقُم بأدوارنا الملحة تُجاه بعضنا البعض وتُجاه قضية شعبنا...

ملاحظة: ليس كُل شيء يُقال، ويقول المثل: "اللبيب بالإشارة يفهم".




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق