تأسست المركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل في 20 مارس 1955،
كان الطيب بن بوعزة أول أمين عام قبل أن يوضع الملف القانوني لدى سلطات ما كان يسمى ب"الحماية"، حيث لم يُكتب له الاستمرار بفعل فاعلين، وعلى رأسهم "الزعيم" الخالد/الراحل المحجوب بن الصديق؛ هذا الأخير الذي تربع قسرا وبدعم منهم (الاستعمار وعملاء الاستعمار) على عرش "امبراطوريته" مدة 55 سنة (توفي سنة 2010 عن عمر يناهز 88 سنة). وقد خلفه بعد ذلك في عرس سريالي بمباركة "اليمين واليسار" والى اليوم مريده الحاذق "الباطرون" (من الباطرونا فعلا، وليس قولا أو ادعاء) الميلودي موخاريق.
يقول المثل الدارج "إمارة الدار على باب الدار". فكيف يُعقل أن يستمر "زعيمان" فقط طيلة هذه المدة (67 سنة) على رأس نقابة تدعي الديمقراطية وفي صفوفها الكثير من مناضلي اليسار الديمقراطيين الأشاوس؟!
هل يعني ذلك غياب البديل، وخاصة الطاقات والكفاءات المناضلة الشابة أو غير الشابة؟!
هل نُصدق كون "الزعيمين" مُخلصان للشغيلة ويُضحيان من أجلها؟!
من نُصدق؟
هل نُصدق من انحنى وينحني أمام "الزعيمين" الورقيين؟
هل نحترم من تملكه ويتملكه الخرس أمام "الزعيمين" المصنوعين؟
هل نثق في من يرفض عمليا إدانة الامبريالية ومؤسساتها المالية، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وغيرهما، وفي من يتلكأ في التصدي للرجعية والصهيونية والتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
هل ننسى تسويق الاتحاد من طرف القيادة البيروقراطية، دون حياء أو احترام ل"شركائها" في القيادة المقاطعين وغير المقاطعين للعبة "الديمقراطية" (الانتخابات)، كذراع نقابي موالي لحزب الأحرار، حزب رئيس الحكومة الرجعية الحالية؟ لقد وصلت "الجرأة" (الوقاحة) بقيادة الاتحاد حد الدعوة للتصويت لحزب الأحرار؛ على غرار ما قام به الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لفائدة حزب "العدالة والتنمية" الظلامي "قائد" الحكومة الرجعية السابقة..
وتفاديا لأي لبس أو افتراء، وقبل أن تُستل سيوف الاتهام الصبيانية والمجندة لقتل أي بادرة نضالية تقول الحقيقة العارية، ندعو وبقوة إلى الانخراط في العمل النقابي الجاد وإلى توحيد المعارك النقابية بما يخدم مصلحة العمال والشغيلة. لكننا نرفض وبقوة أيضا تزكية القيادات البيروقراطية التي تُوظف العمل النقابي لفائدة مشاريعها. فمن يستطيع نفي اغتناء هذه "الزعامات" المتواطئة مع الباطرونا والمنفذة لتعليمات وأوامر النظام القائم؟ والإشكال القائم هنا لا يتعلق بالدعوة الى الانخراط في العمل النقابي أو عدمه، الإشكال الحقيقي الذي يقفز عليه الكثيرون وعن قصد هو أي عمل نقابي نريد؟ هناك من ينخرط في العمل النقابي وتجده متحمسا الى ذلك، فقط من أجل الريع والمصلحة الخاصة (التفرغ "النقابي" والاستفادة من الصفقات السرية والعلاقات المشبوهة مع الباطرونا والمسؤولين...).
والسؤال الفاضح الذي يطرح نفسه على الجميع وبحدة هو: لماذا استمرار القيادات البيروقراطية فوق جراح الشغيلة في الوقت الذي لم يعُد يربطها أي رابط بها (متقاعدة ومتورطة في العديد من المؤامرات ضد الشغيلة، ومنها تمرير قوانين التقاعد والتعاقد والإجهاز على المكتسبات التي انتزعت بالتضحيات البطولية لأبناء شعبنا...)؟
والأصح، كيف نقبل، نحن المناضلين استمرارها رغم فضائحها التي تزكم الأنوف وعلى رؤوس الأشهاد؟ والخطير "أننا" نتعايش معها في صمت ونُنسق (نُكولس) معها.
إننا ننخرط في هذه النقابة أو تلك اعتمادا على معيار نضالي أساسي، وهو وجود قاعدة نقابية عريضة، وخاصة قاعدة عمالية؛ وذلك بهدف التواصل معها تأطيرا وتنظيما. فلا ننخرط في النقابة من أجل عيون "زعيمها" أو مواقفها أو مقراتها الفارهة. وعلى هذا الأساس، لن نتردد في إعلان مواقفنا وانتقاد كل ما نعتبره انحرافا أو تآمرا أو إساءة للعمل النقابي.
ولا يخفى أن "نقاباتنا" بعيدة كل البعد عن الفعل النقابي الكفاحي. فإلى جانب التواطؤ والتخاذل، لا وجود للديمقراطية الداخلية والشفافية المالية..
إن النظام القائم، يعتمد الريع كأسلوب للإخضاع والولاء، أسلوب ليس جديدا. وعندما نتحدث عن "العصا والجزرة"، فإننا نقصد اللجوء إلى الريع تارة وإلى القمع تارة أخرى، وهو ما تقوم به المافيات الخانقة للعمل النقابي والمتحكمة في زمامه بهذه النقابة أو تلك، وبتوجيه من أولياء أمرها الصغار والكبار..
وهنا أيضا يتحمل من يتعايش مع البيروقراطية ويقتسم معها المقاعد الوتيرة في الهياكل التنظيمية المسؤولية الجسيمة. فكيف طيلة 67 سنة باجتماعاتها ومؤتمراتها ومؤامراتها، لا أثر لوثيقة تنظيمية مسؤولة تكشف مالية الاتحاد المغربي للشغل أمام الأعضاء أولا وفي وجه الإعلام والرأي العام ثانيا؛ ولا أثر لمعركة نضالية حقيقية (بعيدا عن المزايدات والابتزاز) تطالب بها؟! كذلك الديمقراطية الداخلية؛ فالمؤتمرات، ومن بينها المؤتمر الذي تلى رحيل عرابها التاريخي بن الصديق، مرت وتمر في أجواء التوافقات الفجة وغير النضالية وعلى طاولة احتساب الحصص (QUOTAS) في الهياكل التنظيمية التقريرية والتنفيذية.
نفهم ونتفهم الوضع النقابي الحالي البئيس، فلا يمكن إغفال الشروط الموضوعية والذاتية التي نعيشها، وطنيا وجهويا ودوليا. ولا يمكن إلا أن نستمر في الدعوة بمرارة إلى الانخراط في العمل النقابي، مؤكدين على أهمية فضح البيروقراطية والتصدي لها والعمل على نزع أي مشروعية قد تلتجئ اليها أو تتستر وراءها. إنه الخط الفاصل بين الثوري (الماركسي اللينيني) والإصلاحي (الانتهازي). علما أن العجز عن إسقاط البيروقراطية يُعد مؤشرا سلبيا دالا على عجزنا عن إنجاز مهام أخرى أكبر. فمن يعجز عن إسقاط البيروقراطية، هل سيقوى على إسقاط شيء آخر. الأمر طبعا ليس ميكانيكيا أو إراديا أو عاطفيا، لكنها "حلقة" يجب أن يضعها المناضل في أذنه. وأكثر من ذلك، فلن يتقدم الفعل النقابي وأي فعل نضالي آخر دون أن نتقدم سياسيا وتنظيميا. ففي غياب التنظيم الثوري، سنجتر ببشاعة مهازل العمل النقابي المهادن، بل المُشوه والمُتاجر بقضايانا المصيرية. وكُلنا يتذكر مرحلة المد النقابي الكفاحي والمرحلة الذهبية للنقابة الطلابية العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (UNEM)، كانت مرحلة ذهبية إبان الأوج السياسي والتنظيمي للحركة الماركسية اللينينية المغربية في بداية السبعينات من القرن الماضي. كذلك اليوم أو غدا، لن نُوقف العمل النقابي في انتظار ما قد يأتي أو لا يأتي؛ لكن بالموازاة مع ذلك، لابد من الاشتغال على قدم وساق بهدف بناء الذات/الأداة الثورية، أي حزب الطبقة العاملة الماركسي اللينيني.
وحتى عندما نتحدث بمبدئية عن الوحدة كشعار "جميل"، سواء الوحدة النقابية أو السياسية؛ فإنه شعار فارغ ومُضلل، أي بدون مضمون عملي ناجح، إذا لم يُقرن بما هو طبقي وعلى أرضية سياسية وإيديولوجية واضحة وبخلفية نضالية مبدئية بعيدا عن المناورة ومنطق "العدد" غير العلمي وغير الطبقي (جمع ما لا يُجمع). فبناء التنظيم السياسي على قاعدة علمية أو فرز التحالفات السياسية المناضلة لا يقومان على إطلاقية محدد العدد. وقد عشنا جميعا، من داخل السجون ومن خارجها، تجارب مختلفة ومتعددة أبانت عن هشاشتها وفشلها بسبب اعتمادها على عنصر العدد/الكم. ولا أدل على ذلك من فشل المقاربة المغازلة للقوى الظلامية المستميتة في اعتقال جيوشها الى أجل غير مسمى (ربما ما يسمى ب"يوم الحشر"، أي يوم الانتخابات التي تهمها/تلائمها في القادم من الأيام/السنوات) تواطؤا مع النظام بالدرجة الأولى وفي انتظار دورها الموعود، إن آجلا أو عاجلا..
طبعا، الكم مطلوب من أجل فرز الكيف وعندما يتعلق الأمر بالمشاركة الواسعة للجماهير الشعبية المضطهدة، وخاصة العمال والفلاحين الفقراء في نضالات أبناء شعبنا وفي مقدمتهم العمال. لكن أيننا من كل هذا؟
إنه سؤال المرحلة بمعنى "ما العمل؟"
بدون شك، سقف العمل النقابي محدود، وكذلك العمل الجمعوي (الثقافي أو الحقوقي أو الإنساني...). ومهما طال "ازدهاره" في خضم الصراع الطبقي لأسباب وأخرى، ومنها نضالات المعنيين المباشرين بالتغيير الجذري والمناضلين وبعض التيارات السياسية في أوج تألقها، سيتراجع وستضيع التضحيات؛ وقد يكون ذلك عائقا أمام تطوير والرقي بالعمل النقابي مجددا. فتراكم الفشل سيف ذو حدين، قد يفيد في القطع مع التجارب الفاشلة، ولن يتم ذلك في غياب الحزب الثوري. وقد يعمقها، وهو حالنا اليوم. فأن تكون نقابيا "لا يُشق له غبار" يعني في أحسن الأحوال السذاجة، وهو يعني في كثير من الأحيان أشياء أخرى. إن من لم يستحضر "السياسي" كقاطرة مُؤطرة ومنظمة لأي فعل نضالي، فإنه يضحك على ذقوننا ويستهزئ بنا. أما "النوايا الحسنة" (مشكورة) فتُؤدي في كثير من الأحيان إلى الهامش أو إلى "القاع...".
ومنطق الصراع، في جميع الحقول السياسية والنقابية والجمعوية، فيقوم على القاعدة المعروفة والمحفوظة على ظهر قلب (المنسية بسوء نية)، "إما أن نكون أو لا نكون..."
فلنكن أيها الرفاق..
لنكن أيها المناضلون..
واقعنا واحد، ومصيرنا واحد...