2022/03/18

حسن أحراث// أراسي وما داز عليك وباقي"..


طبعا، كثيرون غيري باقون، رغم المحن والمعاناة وغدر الزمن؛ علما أن البقاء "فيه وفيه"..

وبالمقابل، كثيرون رحلوا/غادروا، بسبب الحرمان والتهميش وغصة الظلم والحكرة وتحت التعذيب وفي ظلام الأقبية السرية وبالرصاص الحي وتحت جرافات الموت الصهيونية.. 

"أ راسنا وما داز عليك وباقي".. نعم، "راسنا"، وليس رؤوسنا. لأني أقصد رأسا واحدة، أي رأس المضطهدين والمعذبين فوق الأرض مثلي، سواء الباقين أو الراحلين/المغادرين..

وقبل الحديث عن نفسي، وبصيغة الجمع، لأني واحد فقط ضمن ضحايا هذا النظام؛ وقبل أن أرسم بعض صور محنتي/محنتنا، أقف إجلالا واعترافا بتضحيات أبطال سجلوا أسماءهم بمداد الفخر بثنايا الصراع الطبقي وبكتاب التاريخ المجيد للشعوب المقهورة.

سأُذكّر نفسي، أولا.. وأذكر ثانيا، رفاقي وباقي المناضلين وعموم أبناء شعبنا بأن شهر مارس يشهد على الجرائم التي اقترفت في حق الكثيرين من صناع الحياة..

أعتذر لن أستطيع ذكر الكل، سأذكر البعض.. والدعوة مفتوحة للتذكر، إنه واجب المناضل في شهر مارس وفي كل شهور السنة..

أتذكّر الانتفاضة الشعبية ليوم 23 مارس 1965 التي دقت ناقوس الخطر بشأن "نظامنا" التعليمي. إننا، وبالخصوص "الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد" نُؤدي ثمن توالي المخططات الطبقية الرجعية وخيانة القيادات النقابية البيروقراطية وتواطؤ الأحزاب والقوى السياسية الرجعية (وضمنها الشوفينية والظلامية) والإصلاحية..

أتذكّر أمنا السعدية الدريدي (السعدية بنرزوق) التي رحلت/غادرت يوم 17 مارس 1990، أم معتقلي مجموعة مراكش 1984، وكافة المعتقلين السياسيين بالمغرب، ورفيقة أمنا الباتول، أم رفيقنا الشهيد مصطفى بلهواري..

لقد كانت رفيقة كل أمهاتنا وأخواتنا/اخوتنا وآبائنا.. 

لقد كانت منارة مجموعتنا..

أتذكّر الجريمة الصهيونية النكراء في حق الشابة راشيل كوري يوم 16 مارس 2003 برفح، الشابة الأمريكية/الفلسطينية، الفلسطينية أكثر من العديد من الفلسطينيين والمغاربة و"العرب"..

إنها درس لنا بالمغرب وبكل بقع العالم. إنه التضامن الأممي المبدئي بعيدا عن الارتزاق وعن أشكال الانتهازية المقيتة، ومن بينها "الكلمة الفارغة وغياب الفعل المبدئي المُنظم والمُنتظم".. 

أتذكّر رحيل/مُغادرة المناضل الفذ والصامت محمد عباد في 01 مارس 2007..

لقد مرت ذكرى رحيله القاسي في بحر لُجي من النسيان.. أدعو بالمناسبة مجموعتنا، مجموعة مراكش 1984 (44 معتقلا سياسيا، ناقص خمسة)، إلى تنظيم محطات شهدائنا والراحلين/المغادرين منا، وفاء وإخلاصا لماض/تاريخ مشترك من المعاناة والعذاب والتضحيات، وخاصة مُعاناة وتضحيات العائلات، وفي مقدمتها الأمهات الجميلات.. وكم سيكون رائعا تنظيم لقاءات سنوية لإحياء الصلة والتواصل بين الرفاق والعائلات والتطلع الى المستقبل "المستحيل"، أي الحلم الذي جمعنا ذات يوم أو ذات سنة أو ذات تجربة.. 

إننا أمام مرآة الحقيقة الحقيقية، لا زيادة أو مزايدة، ولا نقصان أو إضافة.. لنبادر من أجل استمرار الحياة الجميلة والسعيدة، أو سنكون حطب النسيان وأطراف قتل/تدمير الذاكرة المناضلة لتجربة نضالية غير مسبوقة..

لنعُد الى البداية/الأصل، أصل الحكاية، لنعُد الى العنوان المُثير "أراسي وما داز عليك وباقي"..

في هذا الشهر غير المبارك، مارس 1984، نُقلت/اقتُلعت في الصياح الباكر من غُرفة بيتنا الدافئة في 27 فبراير 1984 الى غُرف التعذيب السرية (أقبية كوميسارية جامع الفنا) الى المستشفى "سيفيل" أو مستشفى ابن طفيل؛ وبعد ذلك الى السجن، سجن "بولمهارز" السيء الذكر..

أمران مهمان "دازا" (مرا) على "راسي وباقي" 

و"باقي" هنا ليس فقط بمعنى الوجود على قيد الحياة كباقي "الكائنات" الحية، بل بمعنى الصمود والمقاومة، أي التشبث بالقضية كما تعاهدنا والشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري داخل الزنزانة رقم واحد بسجن بولمهارز بمراكش؛ طبعا وكما التزمنا قبل ذلك وفاء لكافة الشهداء وخدمة لقضية شعبنا، أي قبل الاعتقال وقبل انفجار الانتفاضة الشعبية ليناير 1984.

أما "مهمان" فلأنه ينطبق عليهما معنى "الداخل مفقود والخارج مولود". ولنا أن نتأمل معنى "مفقود". لقد كنا مفقودين حقا وحتى حين.. ومنا من انتصر، ومنا من انهزم، ومنا من خان.. 

إن رفع الرأس وبأي ثمن، أعظم من الانحناء أو الركوع؛ وكذلك فعل الشهداء والمناضلون الصامدون القابضون على الجمر..

* الأمر الأول، الاعتقال والتعذيب:

فأن تُعتقل في سنوات الجمر والرصاص ودائما بالمغرب، يعني أنك صرت "في خبر كان". فبعد الاختطاف في أوقات مُتأخرة من الليل (جُل الأحيان) يتم الاختفاء لأيام وشهور وسنوات. وقد لا يظهر بعد ذلك أثر المختطف، وهو حال المُختطفين ومجهولي المصير وحال بعض الشهداء أيضا ومن بينهم المهدي بنبركة؛ فقبر الشهيد زروال لا زال مجهولا الى الآن وكذلك قبر الشهيد المعطي بوملي. وتتخلل فترة الاختفاء الحصص المنتظمة من التعذيب بكل أصنافه النفسية والجسدية. وبالإضافة الى من استُشهد تحت التعذيب (الشهيد عبد اللطيف زروال والشهيد محمد كرينة والشهيد أمين تهاني...)، هناك الكثير من المعتقلين الذين يحملون على أجسادهم وداخل ذواتهم وحتى اليوم آثار تلك الحصص الفظيعة والمُرعبة، ومنهم من رحل جراء ذلك.

إن الحفاظ على التوازن والانسجام إبان الاعتقال (فترة الاختطاف والاختفاء والاستنطاق) وفي خضم وهول التعذيب وبعد ذلك داخل السجن ثم خارجه مسؤولية نضالية. وأغلب من غير أو عكس المسار، أقصد من ارتد، قد فشل في الحفاظ على توازنه وانسجامه وبراءته/عذريته، والأصح على حياته. منهم من "صنع" توازنا وانسجاما "هشّين" قائمين على التبادل الانتهازي للمصالح الضيقة، ومنهم من غرق في وحل التيه المرضي المُميت.. 

* الأمر الثاني، الإضراب عن الطعام:

إن الإضراب عن الطعام ليس إعلانا عن الموت أو الانتحار، كما قد يُفهم أو أن يُروج له من طرف القوى الظلامية بالخصوص ودعاة النكوص والاستسلام، أي دعاة القبول بالأمر الواقع رغم بؤسه وشره وتفاهته، والاختباء وراء الأسطوانة المفضوحة "رفض الموت" و"الانتحار".. 

إنه إثبات للذات المناضلة المُحاصرة والمُغيّبة وتعبير راق وُمتميز عن التشبث بالحياة الكريمة من أجل الكل وليس الذات فقط.. إنه أداة للدفاع عن النفس وبواسطة النفس من أجل انتزاع الحق والحقوق والثقة في الذات أولا وفي الآخر..

إنه رفض على رؤوس الأشهاد للبؤس داخل السجن بالأساس (انعدام أبسط شروط الحياة الكريمة) وتذكير بحب الحياة الكريمة.. 

وإذا حصل الاستشهاد فإن النظام القائم مسؤول عن ذلك، ولا مجال لادعاء الانتحار. فبدل تحقيق مطالب المعتقل السياسي المشروعة من خلال المواثيق الدولية، يتم التعنت والتجاهل والانتقام، مما أسفر ويُسفر عن القتل المُتعمد للمُضرب عن الطعام..

إنه إجرام "عن سبق الإصرار..." من طرف النظام وأزلامه المتواطئين، بواقع كل المواثيق والقوانين المحلية والدولية..

سقطت الأقنعة..

سقطت المناضلة سعيدة المنبهي في 11 دجنبر 1977، ثم سقط الشهيدان بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري في 27 و28 غشت 1984 على التوالي، وسقط الشهيد عبد الحق شبادة في 19 غشت 1989، وسقط الشهيد مصطفى مزياني في 13 غشت 2014..

ماذا بعد كل هذا؟ 

ماذا بعد الانتفاضات الشعبية، ومنذ انتفاضة الريف المجيدة...؟

والأسلم نضاليا، ماذا بعد كل هذا والى متى؟

والخلاصة، كيف التخلص من قبضة الموت؟

قد ننجو وقد لا ننجو.. 

إنها معركة حياة كريمة أو موت شريف..

لا للتباكي أو القبول بالفتات تحت مبررات الضعف والعجز، أو اللجوء الى شعارات متجاوزة للتعايش مع الأمر الواقع، مثل شعار الوحدة. 

فلا وحدة لخلاص شعبنا غير الوحدة النضالية الى جانب أيادي مناضلة نظيفة..

وأي وحدة الى جانب الأيادي المُلوثة، ليست سوى سُما قاتلا، اليوم أو غدا.. 

و"إذا لم يكُن من الموت بُدّ فمن العجز أن تموت جبانا"..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق