عقدت النقابة الوطنية للتعليم المُنضوية تحت لواء الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
السبب المباشر طبعا هو الإقصاء المقصود من التمثيلية في رئاسة المؤتمر و(...). أما السبب غير المباشر (أو المباشر أيضا)، فهو تبعات صراع المكونات السياسية السابقة لفدرالية اليسار الديمقراطي بخصوص مشروع الاندماج، أي الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي. ومعلوم أيضا أن هذه النقابة القطاعية (قطاع التربية والتكوين) تضُم في صفوفها مكونات سياسية أخرى (أفراد وتيارات...)، غير أن هذه الأخيرة أقلية غير مؤثرة.
وأول سؤال يتبادر الى ذهن المتتبع: هل كان الإقصاء سيطال الحزب الاشتراكي الموحد في حال استمراره في صفوف الفدرالية، أي التزامه بمشروع الاندماج التنظيمي؟
طبعا، الجواب من باب "تفسير الواضحات" والعودة الى حكاية سقوط "الثور الأبيض"..
فبغض النظر عن أسماء المؤتمرين المقترحة لتحمّل المسؤولية في هذه اللجنة أو تلك، سواء كانت نظيفة أم متورطة في هذا "الإثم" أو ذاك، يتم الاحتكام الى التوافقات السياسية بين المكونات أو التحالفات المؤثرة. وهي نفس السيناريوهات المعتمدة في نقابات وجمعيات أخرى، ومن بينها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ولنا تجربة مشهودة ومُوثّقة، ولا نفتري على أحد أو جهة دون غيرها...
ولا غرابة، أن يتم اللجوء الى "لجنة الترشيحات" تارة، والى "الاقتراع السري المباشر" تارة أخرى. فالأمر يرجع أولا وأخيرا الى موازين القوة (العددية) ودرجة الهيمنة (العددية) في صفوف هذه النقابة أو هذه الجمعية.. ولم يحصل أن تم الاحتكام الى المعايير النضالية في علاقتها بالفعالية/المردودية والالتزام والمبدئية..
وبدون شك، فهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها الانسحابات بسبب عدم التوافق على الحصص والمقاعد والمسؤوليات.. وكلنا يتذكر الانسحابات المتكررة إبان المؤتمرات الوطنية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان من طرف الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
وكلنا يتذكر التسويات السياسية المُمْتدة خارج الأجهزة التنظيمية الشرعية من أجل "إصلاح ذات البين"، وضدا على الأصوات المبدئية...
إنها الديمقراطية العجيبة "يمينا" و"يسارا".. إنها ديمقراطية الكواليس القائمة على "فن" المناورة، حيث تتبخر بين عشية وضحاها لازمة "فخر الانتماء" ويسقط شعار "عاشت" هذه النقابة أو هذه الجمعية. ويسود بالتالي منطق أو معيار الولاء "للفرقة الناجية" أو للبطل الخرافي..
أتأسّف، وأقول بحسرة إن النظام القائم هو المستفيد من هذه المهازل وكذلك القوى الرجعية، ومن ضمنها القوى الظلامية والشوفينية.. وأتساءل في نفس الوقت ببراءة أو بخلفية سياسية (لا يهُم): من يُقدّم "الهدايا" المجانية للنظام القائم، سواء بوعي أو بدونه؟!!
فكَم من اسم "لا يُشقّ له غُبار" ردّد "عاش X"، وصار يُردّد بدون خجل وبتنكّر بشِع لماضيه/تاريخه "عاش Y" (وبين X وY ما بين السماء والأرض)!!
إنها الهيمنة الفجة للحزبي (وأي حزبي) بغض النظر عن مصلحة المعنيين وفي ضرب صارخ للديمقراطية الداخلية والشفافية التنظيمية والمالية والنقد والنقد الذاتي. وإنها كذلك حبّ مَرضيّ للحفاظ على كاريزما مُتخيلة/وهمية ومُتجاوزة...
فهل قواعد النقابة الوطنية للتعليم (الكنفدرالية الديمقراطية للشغل) راضية كل الرضى على أداء القيادة النقابية، خاصة ما يتّصل بمشاركاتها المُخجلة الى جانب الوزارة الوصية على القطاع، قطاع التربية والتكوين، فيما يُسمّى "بالحوار"، القطاعي أو المركزي، ومُخرجاته/نتائجه؟
هل كان المؤتمر العاشر محطة تقييم ومحاسبة حقيقين للقيادة (المجلس والمكتب الوطنيين)، أم فقط مناسبة لانتزاع "مشروعية" (بكارة) مُفتقدة/مُلفّقة، مع احترامي لكل المناضلين النقابيين المؤتمرين؟
هل بلور المؤتمر الوطني العاشر (10) للنقابة الوطنية للتعليم (النقابة القطاعية ذات التمثيلية) المنضوية تحت لواء الكنفدرالية الديمقراطية للشغل (المركزية النقابية ذات التمثيلية)، خُططا نضالية عملية للتصدي للمخططات الطبقية القاتلة، وخاصة مخطط تدمير المدرسة والوظيفة العموميتين وباقي المكتسبات المنتزعة من خلال التضحيات البطولية للشغيلة، وعلى رأسها مكتسب التقاعد...؟
ويبقى السؤال المشروع والمطروح بحدة في صفوف "اليسار": "هل نحن ديمقراطيون حقا؟"، مع استحضار ضرورات الصراع الطبقي؛ فلا نعتقد أن الأخلاق أو التسامح بالمعاني القدحية هما الحل..
وبإيجابية واقتناع راسخ بقضية شعبنا وبكل جرأة وثقة نضاليتين، نطرح السؤال على أنفسنا، السؤال الذي "يفضحنا" في كل وقت وحين، نحن من يدّعي الثورية والنضال الثوري: "ما العمل"؟ وهو السؤال المطروح في كافة مجالات الفعل النضالي، وأهمها المجال السياسي، كمجال جامع وشامل..
ولا أخفي أني من خلال متابعتي لردود فعل الانسحاب من المؤتمر، التقطت إشارة دالة وردت في أحد التعاليق، تقول ما مفاده:
"لنعُد الى فروعنا المحلية" (وليس الانسحاب من النقابة)..
لقد سبق أن دعونا رفاقنا الى ذلك، ولم ندْعُ الى هجر العمل النقابي والجمعوي أو الانسحاب من النقابات والجمعيات. فلا تهمُّنا "المناصب" أو المقاعد، لنتواصل مع القواعد؛ ولنبْن بالموازاة مع ذلك الذّات السياسية المناضلة من أجل خوض الصراع من موقع طبقي ليس فقط في صفوف الإطارات الجماهيرية، نقابات أو جمعيات (وكفى)، بل في الحقل المناسب، أي الحقل السياسي بارتباط وبالدرجة الأولى بالطبقة العاملة، الطبقة الثورية حتى النهاية.. ذاك هدفنا، طال الزمن أو قصُر؛ اليوم أو غدا..
إنها "فرصة" لنعترف أننا "نهرب" الى العموميات والى "النظري" وأيضا الى "انتقاد الآخر" دون أن نسمح باحتراق أناملنا الراقنة للتعليقات الجميلة والمقالات الإنشائية المتكررة التي تصلح لكل زمان ومكان..
لا أستثني نفسي، فقط...
رسالتي البسيطة الى "ذوي الألباب"..