وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي لم يفهم بعد بأنه لم يعد أهلًا لفتح
إن الأصل في المترشحين هو الشك، والأصل في الجهة المشرفة على الامتحان هو العمل على طمأنتهم بكل الإجراءات الممكنة كالحفاظ على استقلالية هذه الجهة وموضوعيتها والإجابة على الشبهات بعيدًا عن لغة التهديد. أما وأن الشبهات بالجملة والضغوطات والتدخلات اعترف بها الوزير نفسه، فيبقى من حق المترشحين أن يحشدوا لمعركتهم وأن يعملوا على توسيع الدعم والمساندة لها. إضافة لذلك من حق وواجب النقابات والجمعيات والتنظيمات الأخرى، أو للدقة التيارات المناضلة من داخلها ، أن تعطي موقفًا واضحًا من هذه المعركة وأن تعمل على تفعيله. إن بقي هؤلاء المترشحين معزولين داخليًا ، فإن معركتهم ستنتهي كما سابقاتها بدون مكاسب حتى وإن تكلم عنها الإعلام الدولي وبعض الأصوات من هنا وهناك. النظام لن يسمح بسهولة بإقالة وزير أو تغيير قوانين تحت ضغط غير قوي وغير منظم للشارع حتى لا تكون سابقة وإشارة مشجعة للجماهير في نضالاتها اليومية .
إن الإحساس بالدعم المطلق في مواجهة الجماهير الغاضبة هو الذي دفع وهبي إلى الخروج بتصريحاته المستفزة كما يخرج غيره وكما كان يخرج سابقوه من الوزراء. ومن ذاكرته قصيرة، عليه أن يتذكر على الأقل تصريحات " الديبخشي" في الحكومة السابقة. الوزير فاخر بإجازة ولده من جامعة كندية في القانون حتى يدافع بذلك عن نجاحه الطبيعي في امتحان المحاماة!. لو افتخر بالإجازة المغربية لكان الأمر عاديًا ، لأن الامتحان كان في القانون المغربي وليس الكندي؛ والطبيعي هو أن يرسب كل من تقدم فقط بإجازته الكندية. لكن المغاربة فهموا المقصود الحقيقي من تصريح وهبي البعيد عن التحصيل الجامعي وهو التعالي واحتقار الشعب بأنه "لاباس عليه" وجمع من الأموال ما يسمح له بإرسال ولده للدراسة في الخارج!!
بعض الأصوات رأت في تصريح وهبي إهانة للجامعة المغربية و بدأت تدافع عنها بعصبية تضرب حتى مطالب الحركة الطلابية و تعطي صورة ليس لها ما يسندها على أرض الواقع . فإذا كان من محاسن المعركة الحالية فهو فتح النقاش على نطاق واسع حول الجامعة وإتاحة فرصة أمام المناضلين لتوعية الجماهير بقضاياها الحقيقية. لماذا لا نخرج النسبة الهزيلة من الطلبة التي تستطيع إكمال مسارها الجامعي و الحصول على الإجازة؟ لماذا ننسى مشاكل الاكتضاض في المدرجات وأساتذة "الجنس مقابل النقط" مثلًا ؟ لماذا ننسى الحرمان من المنحة الهزيلة أصلًا والحرمان من الإقامة الجامعية ؟ لماذا نتناسى المعارك اليومية للطالب من أجل توفير وجبة غذاء ومصارف الكراء؟ هذه القضايا وغيرها هي التي تؤثر بشكل مباشر في التحصيل العلمي وتدفع بكثير من الطلبة إلى المغادرة المبكرة . لا يجب السكوت على أزمة الجامعة المغربية مخافة التقليل من قيمة خريجيها. السكوت على هذه المصائب هو الذي سيفاقم الأزمة وقد يضرب مصداقية شواهدهم. أما نقاشنا فيستهدف تحسين شروط الدراسة لأبناء الشعب ولا يؤثر سلبًا في موقف الجهات المستقبلة (للدراسة أو الشغل) لأن لها مصادرها الخاصة. الوزارة الكندية المختصة مثلًا تعترف بتحصيل الطالب المغربي وإجازته التي يحتقرها وهبي وكل ومن تقدم إليها بطلب سيحصل على شهادة تعادل مستواه الجامعي في المغرب.
ابن الوزير حاصل على الإجازة الكندية وعلى ما يبدو لي أنه هو الذي فتح عيني أبيه على نظام "QCM”. وهنا أتساءل لماذا لم يخبر أباه بأن كندا ، مع كل النواقص ، يسري فيها قانون على الوزراء يسمى "قانون تعارض المصالح "(1) .
وما دمنا نستورد القوانين الأجنبية، فهذا أولى بالاستيراد لأنه سيساهم في تفادي ما يحصل من فضائح في كل المباريات والامتحانات.هذا القانون يمنع الوزير ،في إطار مزاولة مهامه ، من اتخاذ قرار أو المشاركة فيه إذا علم أو كان من الواجب أن يعلم بأنه سيتواجد في وضعية تضارب مصالح. ويعرف القانون هذه الوضعية في إمكانية حصول مصلحة شخصية له أو لعائلته أو لأصدقائه..
يستثني القانون توظيف أعضاء ديوان الوزير لأنه يعتمد على الولاء والثقة. وهذا القانون يطبق على الوزراء وموظفين " سامين" آخرين. وبمقتضاه سيكون الوزير وهبي في حالة تعارض مصالح ، لأن واحد على الأقل من أفراد عائلته مترشح لامتحان ؛ نفس الامتحان الذي فرض فيه وهبي نظامًا جديدًا هو QCM، نفس الامتحان الذي تدخل وهبي لتغيير نقطة الرسوب حتى عدد الناجحين من 800 إلى 2000، ونفس الامتحان الذي شكل له وهبي اللجنة المشرفة وهو رئيسها. وبمقتضاه أيضًا ، سيكون موظفون آخرون في حالة تعارض مصالح ومنهم المدير المركزي الذي كان ضمن اللجنة المشرفة وأعلن إسمه ضمن الناجحين. وهنا لا نتحدث عن إمكانية أو احتمال حصول مصلحة شخصية ، بل حصولها فعليًا.
إبن الوزير درس بجامعة مونتريال التابعة لإقليم الكيبيك والوزير أبدى إعجابه بالنظام الكندي ، بناءً على تصريحاته. لما سمعت هذه التصريحات ، استغربت كيف لوزير يبدي إعجابه بنظام لا يرى فيه إلا سرعة وتكاليف التصحيح. في كليات العلوم الإنسانية يستعمل نظام الامتحان QCM (أسئلة وأجوبة اختيارية) أو نظام QVF (أسئلة وأجوبة صحيح أم خطأ)، لكن في سلك ما يعادل الإجازة ونظام الأسئلة المفتوحة والتحليل يطبق كذلك. في هذا السلك يعتمد التلقين بشكل أساسي على محاضرات الأستاذ ويمتحن الطالب في المعلومات المحصلة ولهذا نظام QCM يتلاءم مع الأهداف التعليمية. أما بعد هذا السلك، يغيب هذا النظام بشكل كبير لصالح الأسئلة المفتوحة وكتابة مواضيع رأي وتقارير لأن الأهداف التعليمية تتغير لصالح الارتقاء بالعقلية النقدية واستقلالية الطالب في البحث واتخاذ القرار ومثال ذلك. ولمزيد من التوضيح فامتحان الأهلية للمحاماة ليس موحدًا في كندا؛ فإقليم اونتاريو مثلا ً ذو المرجعية القانونية الانجليزية Common Law يعتمد نظام QCM أما إقليم الكيبيك- الذي يستوحي قانونه من المرجعية الفرنسية كالمغرب و الذي درس فيه إبن الوزير- تشرف عليه هيئة المحاماة من خلال مدرسة التكوين التابعة لها. هذا الامتحان يدار على مدى يومين؛ اليوم الأول بأكمله على شكلٍ مواضيع تحليلية واليوم الثاني تحضر فيه الأسئلة والأجوبة الاختيارية (2).هذه المعلومات موثقة بالروابط أسفله وتكذب الوزير المحامي. تصريحات وهبي الكاذبة تتعارض مع قسم المحاماة وتقاليد وأعراف المهنة في المغرب. ونظرًا لإعجابه بالنظام الكندي، أقول له بأن الميثاق الأخلاقي لهيئة المحامين هناك (3) أيضًا لا يسعفه . هذا الميثاق يمنع على المحامي الإدلاء بتصريحات يعرف أنها كاذبة أو من المفروض أن يعرف أنها كاذبة. وإذا أضفنا إلى ما سبق تصريحه الذي يوحي بأن كلية الحقوق بمونتريال تفرض معدلًا عاليًا (19/20) ودراسة أربع سنوات جامعية كشروط لتسجيل الطالب الجديد، وهي معلومة غير صحيحة (4)، يكون المحامي وهبي وقع في مخالفات صريحة لأخلاقيات المهنة قد تعرضه للطرد لكن ليس في المغرب. التسجيل بشعبة القانون بجامعة مونتريال مسموح للحاصلين على ما يعادل الباكالوريا المغربية، وإذا كان ابن وهبي درس بالجامعة المغربية أربع سنوات قبل الالتحاق بكندا، فهذا ليس شرطًا . وبالنسبة للمعدل ، فجامعة مونتريال تنشر أقل معدل للطلبة المقبولين ليس كشرط ولكن للإخبار، وفي السنوات الأخيرة فهو حوالي 12/20.
ميثاق المحاماة المذكور يمنع أيضًا وقوع المحامي في حالة تعارض المصالح، وأخلاقيات المهنة في العالم تؤيد هذا المبدأ. لذا أتساءل ماهي القواعد والإجراءات التي اتخذها رئيس اللجنة المشرفة على الامتحان لضمان نزاهته؟ وإذا كانت مكتوبة، فلينشرها. حسب تصريحاته، فهو لا يسأل عن هذا ابن من وهذا أب من ، وعاد مع الرمضاني ليقول أن العادة أن يسأل المترشح في امتحان الشفوي عن مهنة أبيه. حسب قراره، فاللجنة المشرفة تشكلت أيضًا من الرؤساء الأولين والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ل 15 مدينة ونقباء هيئات المحامين الممارسين ل9 مدن. من سيبحث عما إذا كان هؤلاء الأعضاء في حالة تعارض مصالح أم لا إذا لم يبحث رئيس اللجنة، ومن سيسأل عما إذا كان لهم أبناء أو أقارب من المترشحين أم لا . أليس من حق الراسبين أن يشيروا إلى هؤلاء إذا كان من الناجحين أبناء نقباء ووكلاء؟
أخيرًا ، فالحل ليس تمكين الراسب من الإطلاع على نسخته، لأن الامتحان فصل على مقاس لا يسمح بنجاح إلا الاستثناءات النادرة ومن توفر على أجوبة اللجنة عبر التسريب، غير تغيير نسخ المترشحين وغير ذلك من الوسائل. فالقضية الكبرى تتعلق بجانب الناجحين في أجواء امتحان مشبوهة.
ورغم محاولات تحوير النقاش ، ففضيحة امتحان المحاماة أعادت إلى الساحة نقاش السياسة الطبقية في التعليم و التشغيل، والقمع والحگرة. حتى الشبهات جاءت بالجملة وبجميع الأنواع من "اباك صاحبي"، "اباه لاباس عليه"، "اباه يده طويلة"، الجنس مقابل النجاح، ذنبك على الآلة ، "الذي دوى يرعف " واللائحة تطول.
محمد سعيدي 08-01-2023