أولا، أحيي كافة النضالات والإطارات المناضلة في قطاع التربية والتكوين وفي كل القطاعات الاجتماعية الأخرى؛
ثانيا، لا يمكن أن نغفل إضافات الفعل النضالي، نقابي أو جمعوي، للعمل النقابي من داخل النقابات أو بعض النقابات. كما لا يمكن نسيان المكتسبات النضالية التي انتُزعت من خارج النقابات؛
ثالثا، لم يعُد خافيا تواطؤ القيادات النقابية وتخليها عن مهامها وأدوارها من منطلق المبدئية والمسؤولية والكفاحية.
لكن رغم كل هذا أو في ظله، ليس من المقبول نضاليا الرضوخ للأمر الواقع أو اللجوء إلى الطرق التي يُعتقد أنها "القصيرة" أو الى الحلول التي تبدو "سهلة". فحتى الآليات التي تم بواسطتها انتزاع بعض المكتسبات (لجن وتنسيقيات...) سقطت فيما كانت تلوم عنه النقابات أو القيادات النقابية. ومنها من سقط في انتهازية مقيتة (حتى لا نقول شيئا آخرا) وأبشع من انتهازية القيادات النقابية المعنية. وتعتبر القوى الظلامية رائدة في مجال تأجيج العواطف والتجييش لربح رهاناتها السياسية بغض النظر عما يشكله ذلك من مَطبّات أمام الفعل النقابي الجاد والمسؤول على المديين القريب والبعيد.
قد نتفهم لجوء جهة متضررة إلى شكل نضالي معين من أجل رفع الحيف من خارج النقابة، لكن أن نرفع شعارات تتجاوز حجمنا وإمكانياتنا (النداء رفقته)، فقط من أجل تحقيق مطالبنا وانتهى الأمر، فذلك يسيئ الينا والى الفعل النضالي أيضا. والخطير هنا أننا نقدم للنظام فرص ضرب عصافير بحجر واحد. إنه، أي النظام، ينفرد بنا في ظل الشتات والتمزق (الفئوية القاتلة) قمعا وتنكيلا واستقطابا (العصا والجزرة)؛ ويعمق ولاء القيادات النقابية ويكرس انبطاحها بمبررات "مُقْنِعة" ومُقَنَّعة، أي كونها قيادات معزولة وغير ديمقراطية وبدون قواعد وشفافية مالية (تحت رحمته). ويمرر بالتالي وبشكل مريح كافة مخططاته الطبقية المُمْلاة من طرف المؤسسات الامبريالية، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، على مهل وعلى نار هادئة. حصل هذا في الماضي البعيد والقريب، ويحصل الآن بفظاعة، خاصة وانهيار "اليسار" سواء "الديمقراطي" أو الجذري. فهل من مناضل منصت واعٍ (فردا وجمعا) ومن مناضل مبدع صادق (فردا وجمعا)...؟
إن عمق المسألة سياسيٌّ وبخلفية طبقية. فأيٌّ فعلٍ نقابي بدون خلفية طبقية من موقع الجماهير الشعبية المضطهدة (عموم الشغيلة والطبقة العاملة أساسا) سيسقط لا محالة في الانتهازية ولن يُنتج أيَّ أُفق كفاحي ينشد التغيير الجذري. لأنه في آخر المطاف وبدون أوهام بورجوازية (صغيرة أو متوسطة أو كبيرة)، تحقيقٌ فعليٌّ لمطالب الشغيلة ولمستقبلها السعيد ومعها أوسع الجماهير الشعبية الكادحة لن يتأتى خارج سيرورة التغيير الجذري. والفصل الفجّ والشكلي للعمل النقابي عن العمل السياسي الكفاحي المنظم أسقطنا وسيُسقطنا في متاهات لا يتحكم في خريطتها غير النظام وعملائه من قوى سياسية وقيادات نقابية لئيمة. كما أن خضوع العمل النقابي للإملاءات الحرفية الانهزامية للحزبي الرجعي لن ولا يؤدي وبنفس الدرجة إلا إلى المزيد من النكوص والانحدار اللذين يخدما مصالح النظام وأزلامه وقاعدته الطبقية.
فبدل أن تدعو النقابة أو النقابات، سواء المركزية أو القطاعية، كافة الفئات المتضررة الى الانضمام الى صفوفها أو على الأقل الانخراط في معاركها كمعركة واحدة وموحدة، وبدل أن تدعو النقابة أو النقابات الأحزاب والتيارات السياسية المناضلة الى دعمها ومساندتها، نجد مختلف الفئات المتضررة من خلال آلياتها التنظيمية (لجن وتنسيقيات...) تدعو المدراء (المديرين) والآباء وأولياء أمور التلاميذ الى تفهم معاركها (النداء رفقته)، وتدعو الإطارات النقابية الى دعمها في نضالاتها والوقوف في صفها (النداء رفقته)، وكأن النقابات ليست معنية مباشرة بالموضوع (كائنات فضائية)..!!
يحيلنا هذا الوضع المقلوب رأسا على عقب والمؤسف على أطروحة/فرضية هيجل (جورج فيلهلم فريدريش هيغل) المثالية التي تقول بأسبقية الوعي عن المادة قبل تصحيحها من طرف كارل ماركس ليقف الجدل/الديالكتيك على قدميه بدل أن يمشي على رأسه..
بدون شك، كيف لنقابات بدون مصداقية نضالية، بل كيف لقيادات متورطة في المساومات والمجاملات البغيضة وحتى في الريع (التفرغ النقابي وتسوية ملفات المقربين...)، أن تلعب هذا الدور النضالي الراقي؛ لكنه "الشر" الذي لابد منه. إن الكرسي الفارغ هديةٌ فوق طبق من فضة أو من ذهب للنظام أولا وللبيروقراطية ثانيا ولعرابي هذه الأخيرة ثالثا. إن "الشر" أيضا يتجلى في هجرة النضال النقابي نحو آفاق مُريحة ومُطمئنّة، ومن بينها النضال الحقوقي بخلفية طبقية بورجوازية. وأعترف بالمناسبة وفي إطار نقد ذاتي مسؤول، أني ساهمت بشكل من الأشكال في هجرة النضال النقابي لفائدة النضال الحقوقي رغم تفاوت التقديرات والرهانات والحسابات أيضا في صفوف المشتغلين في الحقل الحقوقي. وإن "الشر" أصلا هو هجرة النضال السياسي، وبالضبط التنظيم السياسي، والتيه هنا وهناك.. فمرة النضال الحقوقي، ومرة النضال النقابي (ومن غطاء بيروقراطي الى آخر)، ومرات التسكع حسب الهوى والمزاج بالداخل والخارج وإفشال المشاريع التنظيمية النضالية البديلة...
إن قوة التنسيق الفعلية تتجسد من داخل النقابات، ولو تكن رجعية، وليس من خارجها، شرط أن تكون لديها قاعدة مستهدفة نضاليا؛ بما في ذلك مواجهة النظام وحلفائه الطبقيين والتصدي لمناوراته ومخططاته الرجعية، الى جانب القوى السياسية المناضلة المعنية بالتغيير الجذري. ومن يستطع في سياق شروط موضوعية مواتية تأسيس تنسيقية أو لجنة مناضلتين يستطيع أيضا تأسيس فعل نضالي في صفوف النقابة، أي داخلها. وتصبح من مهامه الواضحة وبالدرجة الأولى إدانة، بل إسقاط القيادة البيروقراطية أو على الأقل فضحها أمام قواعدها و"حواريها" وانتزاع المشروعية (التاريخية والنضالية) من مخالبها، وبالتالي تسييد التوجه الديمقراطي المناضل (من داخلها) الذي يستوعب كل المطالب ويناضل من أجل تحقيقها بشفافية وديمقراطية ودون مساومة أو رضوخ لابتزاز النظام وأجهزته سواء القمعية أو الإدارية. إنها تحديات نضالية لا مفر من معانقتها، اليوم أو غدا، من طرف المناضلين المخلصين لقضية شعبنا.
إن "أرض الله" ليست واسعة كما يرى رموز الخنوع والخضوع، سواء سياسيا أو نقابيا او جمعويا. إنه الصراع الذي لا يرحم، إما أن نكون أو لا نكون...
فعلا، ابتعدنا حيت لا يجب أن نبتعد. لكن لا نريد للرفاق والمناضلين أن يبتعدوا حيث يجب أن يحضروا..
لا نريد للرفاق والمناضلين تكرار أخطائنا والسقوط في متاهاتنا المذلة..
إن الخطير، بل الأخطر هنا، ليس فقط تأسيس اللجن والتنسيقيات وخوض المعارك من خارج نفوذ النقابات ومجالها/غطائها بغض النظر عن مآلات ذلك، إنه مجالسة القيادات النقابية المتهمة بأقذع التهم بحميمية، ومجاملتها ومحاباتها من خلال دعوتها اللطيفة والمُستعطفة للانخراط في المعارك المعلنة. إن دعوتها بأي طريقة تعد بمثابة تزكية لها وثقة في دعمها ومناصرتها. وإذا كانت القيادات النقابية محطّ تفاعل وثقة وترحيب (وليس ريب)، لماذا النضال من خارج إطاراتها/أجنحتها الدافئة؟!!
هل أيها الرفاق، أيها المناضلون، الذئب حلال أم حرام (الذيب حلال، الذيب حرام) ؟!!
أمامنا الحقيقة والتاريخ...