2023/06/26

محسن أمين// الصراع الدولي على النفود في القارة الإفريقية، "بريكس تكتل اقتصادي لكسر هيمنة قوى الاستعمار القديم على الاقتصاد العالمي"


لم يتوقف يوما صراع القوى الإمبريالية العالمية حول النفود والسيطرة على
القارة الإفريقية، لوضع اليد على الموارد الطبيعية الغنية والتحكم في فرص النفود التي تقدمها القارة السمراء، حيث قطاع التعدين والطاقة أهم الموارد التي تجذب القوى الإستعمارية لفرض نفوذها والإستحواد على الموارد، زد على ذلك قائمة من الموارد الأخرى مثل المياه سواء أكانت أنهار أو بحيرات وكذلك الأخشاب والمطاط والقطن وغيرها. وتعد القارة الافريقية ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة إذ تبلغ حوالي ثلاثون(30) مليون كلم مربع بعد القارة الأسيوية، وعدد سكانها حوالي 1,2مليار نسمة.

وقد شهدت إفريقيا، ما بعد الإستقلالات السياسية الشكلية، إنقلابات عسكرية عنيفة متواصلة، أغلبها بتدخلات أجنبية رجعية، وكانت محور للصراعات الدولية إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي سابقا ودول الإستعمار الأخرى كفرنسا بريطانيا ..، تمثل ذلك في عدة مناطق صراع مثل: الحرب الأهلية الطويلة الأمد في أنجولا بعد إستقلالها عن البرتغال عام 1975 بين السلطة الحاكمة التي كانت توجهها ماركسي والمعارضة المسلحة المدعومة من القوى الرجعية الخارجية ، كذلك الصراعات في رواندا الصومال تشاد ليبريا الموزمبيق السودان أوغندا إثيوبيا ..،كلها صراعات دموية تسببت في قتل وتشريد الملايين ، ولا ننسى نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا الذي استمر حوالي نصف قرن وأنتهى سنة 1991. فظلت دول القارة السمراء تعاني حروبا لا متناهية وسفكا للذماء وفقرا ولا استقرار سياسي، وضغوطا دولية على مدى القرنيين الماضيين. كل هذا وجدت دول القارة نفسها مضطرة للتعامل مع تركة ثقيلة خلفها الإستعمار، حيث كذلك وقعت في فخ التمويل الدولي من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وبعض البنوك التجارية الأخرى ، لتجد نفسها في مستنقع شروط الديون وما افضى وسيفضي للخراب، وهو ما حال دون تطورها وإستقلالها سياسيا وإقتصاديا وثقافيا. ونتيجة لهذا النهب الجماعي الذي جعل من القارة السمراء فريسة، لتستمر معاناتها من الجوع والفقر والأمراض والأوبئة وحقلا للتجارب. إنها نتاج تراكمات تاريخية خلفها الإستعمار. 

إن التركة الإستعمارية الثقيلة أوصلت دول القارة إلى ما هي عليه اليوم، إلا أنها دخلت في موجة ثانية جديدة من التنافس الإقتصادي ـ السياسي حيث لغة النهب هو عنوان لهاته المرحلة الجديدة لكن بطرق مختلفة تماما حيث الإرتكاز على الموانئ الإستراتيجية والممرات المائية ،والموارد الطبيعية مثل البترول والغاز الطبيعي والذهب و الألماس والنحاس..إلخ ،بعناوين مختلفة كالشراكة والتعاون الإقتصادي من طرف الدول العظمى ،كالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وروسيا والصين والهند، في الوقت الذي بدأ النفود الفرنسي يتراجع بعد أكثر من ستة عقود من الإستغلال الفاحش، زد على ذلك إزدياد مشاعر السخط والكراهية والإحباط لذى شعوب القارة السمراء من سرقة ونهب خيراتهم خاصة من طرف فرنسا المستعمر المباشر والغير المباشر لغالبية دول القارة قبل بداية تراجعها بعد خسارتها لكل من مالي، بوركينافاسو، إفريقيا الوسطى، السنغال. نفس الشيء ينطبق، في الراهن، على الولايات المتحدة الأمريكية، ولو بدرجات متفاوتة، مع ما تواجه من صعوبات في ظل احتدام الصراع والتنافس الشديد إثر التمدد الصيني، وعودة الدب الروسي الى واجهة الصراعات الدولية، مع العلم أن الولايات المتحدة تفوق واردتها من النفط من الدول الإفريقية كنيجريا أنجولا تشاد الكونغو والغابون،ما تحصل عليه من الدول العربية الشرق أوسطية، وهي التي كانت المستهلك لربع إنتاج العالم من النفط ولا تمتلك سوى 3% فقط من إحتياطات الخام العالمي.

التراجع الغربي في إفريقيا تم تناوله وتأكيده من طرف ماكرون الرئيس الفرنسي في نونبر 2022 مع إنهاء مهمة "برخان" لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل وكذلك مغادرة قواته مالي بعد الإنقلاب العسكري المدعوم من روسيا والخلاف مع الحكومة التشادية والتي سحبت قواتها العسكرية من هناك. وهو الأمر الذي جعل ماكرون يعلن أن فرنسا سوف تعلن عن إستراتيجية جديدة حتى عام 2030 والتي تنص على أن فرنسا ستبقى دولة وقوة نووية وعسكرية وسوف تحافض على تواجدها ومصالحها في إفريقيا، وهو ما لن يمكن خارج الاعتماد على عملاء فرنسا في المنطقة. اما الولايات المتحدة الأمريكية فدشنت سلسلة من التحركات الدبلماسية والسياسية للقارة قادها وزيرها في الخارجية بليكن في الفترة ما بين 8 و 11 أغسطس2022 والتي بدأها من جنوب إفريقيا، في رد على زيارة لافروف، وزير الخارجية الروسي، لأربعة دول إفريقيا خلال شهر يونيو 2022، زد على ذلك زيارة سفيرة الولايات المتحدة و رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لبعض دول القارة ، كل هاته التحركات هذفها إعادة ترتيب المواقع والمصالح ومن أجل التصدي للمد الروسي ـ الصيني في القارة، هاته الصراعات والمصالح والتطاحنات الخفية والعلنية بين الدول العظمى ساهمت في اندلاع الحرب العسكرية بين الدول الغربية ـالناتوـ والولايات المتحدة الأمريكية من جهة وروسيا من جهة ثانية في أوكرانيا والتي دفع وسيدفع ثمنها الشعبين الأكراني والروسي. كما ان الولايات المتحدة الأمريكية زادت من تحركاتها ومناوراتها العسكرية المشتركة مع تايوان، مع العلم أن الصين تعتبر تايوان جزء لا يتجزأ مو اراضيها، وصنفت الصين هذه المناورات والزيارات المتتالية للمسؤولين الأمريكيين استفزاز.. ونفس الأمر جار في شبه الجزيرة الكورية باشعال المناوشلت المستفزة هي وحلفائها، كوريا الجنوبية واليابان" الهادفة  لخنق النمو الاقتصادي لكوريا الشمالية وبالخصوص على مستوى الصناعة العسكرية، زد على ذلك قيادة المحاولات الانقلابية الفاشلة في عدة دول من طرف الولايات المتحدة الأمريكية  لخصومها مثل فنزويلا،.. كل هاته العوامل وأخرى مرتبطة بالمنافسة حول تقسيم العالم من جديد، جعلت من مجموعة من الدول الصاعدة والتي تتقاطع مصالحها بمصالح الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية تفكر في تأسيس تكتل اقتصادي عالمي جديد في سبتمبر 2006 يهدف لكسر هيمنة مجموعة السبع وينهي هيمنة القطب الواحد، وهو تكتل إقتصادي جديد يحمل إسم "بريك"، وهو تركيب للأحرف الأولى للدول المؤسسة، وهي البرازيل روسيا الهند الصين، وهي صاحبة أسرع نمو إقتصادي في العالم، لتنضم جنوب إفريقيا للتكتل في 2010 ليصبح الإسم هو "بريكس"، 

هاته الدول الخمس المؤسسة لا يشملها تحالف سياسي إلا أنها تنسق فيما بينها للتأثير في الإتفاقيات التجارية، فهي أكثر تطورا في المجال الإقتصادي العالمي، ولديها نقاط عدة لتلعب دورا محوريا في هذا المجال،

فالبرازيل مثلا هي عملاق أمريكا اللاتينية من أكثر الدول المزودة للمواد الخام؛

روسيا مصدر عالمي للطاقة والغاز؛

الهند مصدر متقدم من حيث تكنولوجية المعلومات؛

الصين لها موقع إنتاجي وديمغرافي متطور؛

جنوب إفريقيا هي منطقة تعدين عالميا وموقع إستراتيجي عالمي بإشرافها على المحيط الهندي والمحيط الأطلسي معا؛

ويشار إلى سعي عدد كبير من الدول للإنضمام الى المجموعة من بينها إيران السعودية فينزويلا بنغلاديش تركيا مصر تونس نيجريا باكستان المكسيك الإمارات العربية المتحدة بيلاروسيا... وهناك من تقدم بطلب للإنضمام للمجموعة كالجزائر.

ومن أهداف هذا التكتل:

السعي إلى تحقيق نمو إقتصادي شامل؛

زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان الغير الأعضاء؛

التعاون بين دول المجموعة في كل المجالات؛

توحيد الجهود لضمان تحسين نوعية النمو؛

السعي إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية، وكذا الإتفاقيات البيئيةمتعددة الأطراف؛

الإلتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية؛

تعزيز الأمن والسلام من أجل نمو إقتصادي وإستقرار سياسي؛...إلخ،

تغطي دول المجموعة "بريكس" مساحة تزيد عن 39.000.000 كلم مربع أي ما يعادل 27%من مساحة الأرض في العالم، وهناك معادلة إقتصادية يتفق عليها أغلب المختصين في الإقتصاد تقول كلما زادت مساحة الدول الجغرافية زادت حظوظها في الحوصول على الموارد الطبيعية المتنوعة والثروات الباطنية التي تحتاجها في تنمية إقتصادها، ولو طبقنا هذه الفكرة لوجدنا أن روسيا هي أكبر دولة من حيث المساحة، البرازيل في أمريكا اللاتينية، الهند والصين في آسيا، 

على المستوى الإقتصادي هناك عدد من المكونات المالية لبريكس، نذكر من بينها،

ـ NDB بنك التنمية الجديد،

CRA، ، وترتيبات الاحتياطي

تم توقيع هذين المكونين في معاهدة 2014، و تفعيلها عام 2015.

بنك التنمية الجديد هو عبارة عن صندوق إحتياطي نقدي ومقره شنغهاي والذي بدأ عمله عام 2018،

ترتيبات الإحتياطي الإجتمالي لبريكس، هو إطار لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية، ويشمل قضايا العملة، حيث يسعون إلى إطلاق عملة موحدة بينها وبالتالي تنهي هيمنة الدولار على الإقتصاد العالمي.

وتحاول الصين مصنع العالم أن تلعب دورا محوريا في المجموعة، حيث تضاعف إستهلاكها للنفط خلال العقد الأخير تعمل على فرض سيطرتها على حقول النفط التي لم تكتشف بعد من أجل ضمان الحصول على موارد للطاقة تمكنها من إستمرار نموها الإقتصادي، وتستفيد الصين من النظام الإقتصادي الرأسمالي عبر إدارة مشاريع ضخمة في إفريقيا مثل مؤسسة البترول الوطنية الصينية، التي تسيطر على مجالات عدة مثل الطاقة والتعدين والبتروكيماويات والإعمار والمواصلات والخدمات المالية، وإستطاعت الحصول على إمتيازات تمكنها من السيطرة على الموانئ والمطارات والسكك الحديدية في دول عدة المنتجة للنفط مثل السودان، نيجريا أنجولا بسبب عروضها منخفضة الفائدة للمشاريع، وعروضها لمشاريع البنية التحتية مقابل الموارد الطبيعية، ونظرا كذلك لتبنيها خطابا مضادا للإمبريالية الامريكية ولعدم وجود تاريخ إستعماري لها في القارة السمراء، وحصلت مؤخرا على صفقات عديدة للتعدين لإستخراج الذهب والألماس واليورانيوم والبللاديوم والكوبالت في دول عدة كزامبيا ناميبيا جنوب إفريقيا الكونكو والنيجر.

ولهذه الأسباب وأخرى أصبحت الصين تمارس أدوارا كشريك للتطويرالأول في إفريقيا.

ولا نستثني روسيا كقوة عالمية تسعى نحو مكاسب عدة في إفريقيا وتدخلها بشكل مباشر وغير مباشر في مشكلات الشرق الأوسط وإفريقيا ومالي والسودان وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى لدليل قاطع على تقدمها  في تغيير المعادلة لصالحها، كما تحاول تحقيق مكاسب سياسية عبر إرسال خبراء عسكريين إلى مناطق النزاعات مثل جمهورية الكونكو، وهنا نتذكر إستقبال الرئيس الفرنسي ماكرون إثر الزيارة الأخيرة للكونكو برفع صور بوتين في وجهه من طرف الكونكوليين، والاستقبال المهين الذي حظي به من طرف رئيس الكونكو.

إذن فعلى الرغم من أن الحرب بين المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وبين روسيا في أوكرانيا فرضت تداعيات مباشرة على التحركات نحو القارة السمراء إلا أن هناك أهداف أخرى ترتبط بالمصالح الحيوية لكل طرف، فهناك تحذيرات عديدة ومباشرة سواء من دول الناتو أو من أمريكا من المخاوف من صعود وتغلغل النفود الروسي الصيني في إفريقيا.

وحصيلة القارة السمراء من هذا التنافس والصراع الدولي الحاد، هو المزيد من استنزاف خيراتها الغنية الطبيعية، في الوقت الذي تعرف فيها بلدان القارة أزمات اقتصادية سياسية أمنية بيئية اجتماعية، نظرا لضعف بنية الدول وارتباطاتها بالقوى الخارجية، لتبقى فريسة ومسرحا للتنافس والمعارك بين القوى العظمى.

في: 17 يونيو 2023

محسن أمين





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق