30‏/08‏/2023

مناضل مكناسي // تكامل الأدوار بين النظام والبيروقراطية في إستهداف الطبقة العاملة ...معركة سيكوميك نموذجا


في المرحلة الثانية من تطور النظام الرأسمالي، أي استلام الرأسمال الصناعي
للقيادة وإنتاجه لنقيضه: الطبقة العاملة. ظهرت النقابات مع بداية القرن 19 كمنظمات في مواجهة السلطة السياسية كممثلة لهذا  النمط من الانتاج، وهو ما فطنت لخطورته البرجوازية وطورت بالتالي تكتيكاتها، إذ لم تعد تقتصر على استخدام أدواتها القمعية، من بوليس، وعسكر، وميلشيات مسلحة، بل عمدت إلى استقطاب القيادات النقابية بتحسين وضعها المادي واستقرارها الاجتماعي لتتحول فيما يعرف في الأدبيات ب: " الارستقراطية العمالية"، وبالتالي فصلها عن قاعدتها، وتوظيفها كأداة للحفاظ على السلم الاجتماعي، ونزع فتيل الإضراب والتمرد، ورهن وضع ومستقبل الطبقة العاملة كبالتفاوض الاقتصادي فقط ( الخبزي) أي بما لا يهدد نظام الاستغلال،  لتصبح بالتالي هاته القيادات أداة بيروقراطية تنوب عن العمال في تقرير مصيرهم وفق ماترتضيه ولية نعمتها البرجوازية.

وباختصار عملت البيروقراطية على افراغ النقابات من المضمون الكفاحي وعزل العمال عن النضال السياسي المتجه مباشرة  لجذر الاستغلال  بهدف القضاء عليه، ودفعهم إلى التسليم بكون النظام الرأسمالي قدر لا مفر منه، وكل ما يمكن عمله هو اللهاث وراء زيادات هزيلة في الأجور وتحديد ساعات العمل، التعويض عن الساعات الاضافيةوغير ذلك من الفتات الذي لن يمس بأية حال من مستوى الربح الذي تراكمه البرجوازية بفضل فائض القيمة.

فإذا كان هذا هو حال النقابات عالميا، فإن الوضع على المستوى المحلي لا يمكن وصفه الا بالكارثي، اذ تأسست أول مركزية نقابية مغربية " ا م ش " بقيادة " الطيب بوعزة" تحت رعاية النظام الذي لم يبخل على كوادرها بالاموال والعقارات، فنشأت منذ البداية كبيروقراطية خاضعة للايديولوجية البرجوازية ومعادية لفكر الطبقة العاملة، وهو ما سيتضح بشكل جلي على يد خلفه، "المحجوب بن الصديق" الذي سيشن حربا استئصالية ضد العناصر الثورية في صفوف النقابة، ممهدا بذلك الطريق لهذا المستوى من الانبطاح والعمالة الذي بلغته البيروقراطية ب"ا م ش"، والذي ستنحوه من بعدها "ك د ش"- باعتبارهما مركز اهتمام من قبل المناضلين / ت - وبالتالي لا يمكن عزل ممارساتهما الحالية عن جذورها في الماضي، والتي قد نحصرها  في بعض الامثلة على الأقل منذ تسعينيات القرن الماضي، التي حفل بها سجل ك د ش بمكناس على سبيل المثال لا الحصر.

فبذريعة تنظيم دورات تكوينية تم الترويج  للمفاهيم الليبرالية من قبيل المقاولة المواطنة،  والشراكة بين العمال والباطرونا، وأن هذه الأخيرة ليست عدوا وإنما خصما.. وبعبارة أخرى العمل على إقناع الطبقة العاملة بالتخلي عن الصراع لصالح التعاون الطبقي، والاقتصار على أسلوب التفاوض اواللجوء إلى "القضاء" بدل النضال لتحقيق المطالب؛ دون أن نغفل عن ممارساتها الخيانية في حق المعارك العمالية كما حدث سابقا مع عمال "زيوت مكناس"، حيث قامت الك د ش بنقل الاعتصام من المعمل إلى مقر النقابة مما فسح المجال للباطرون لاستقدام عمال جدد كي لا تتوقف مراكمة ارباحه،  ولما بلغ الخبر العمال الاصليين  وقرروا العودة للاعتصام بالمعمل تعرضوا لهجومين: الأول بواسطة عصابات من ذوي السوابق امام باب المعمل و الثاني بواسطة قوات التدخل السريع، وهم في طريقهم نحو المعمل، ليستمر استنزاف المعركة من داخل مقر الاتحاد المحلي حتى النهاية الماساوية: الطرد والتشريد للاغلبية، حصول البعض على ما يشبه التعويض مع المغادرة، وحتى من تم ارجاعه للعمل وجد نفسه في وضع مذل، إذ هناك من قضى ثلاثين سنة من العمل ليجد نفسه يؤدي احقر الاعمال: جمع ونقل المخلفات ( الفيتور) باجر لا يتجاوز 20 درهما في اليوم.

 وتقريبا نفس السيناريو سيتكرر مع بداية الألفية الثانية مع عمال "سيبوص" للنسيج، فبعد نسف الاعتصام   ومكافأة عناصر المكتب النقابي  المواطئة مع الإتحاد المحلي بالتشغيل بمدينة طنجة سيتعرض باقي العمال والعاملات للتشرد والتفكك الاسري ،وتركهم عزلا في البحث عن مورد للعيش اوالالتحاق بجيش أشباه البروليتاريا؛ وحتى التعويض الذي تحصلوا عليه من بيع الأرض التي أقيمت عليها الشركة فقد لا يكفي لتسديد ما تراكم عليهم من ديون .

 ولعل نفس الممارسات هي التي ستقود عمال "مغرب اينفورم" إلى مغادرة ك د ش والارتماء في حضن بيروقراطية أخرى ( ا م ش) ليظل ملفهم رهين المتاهة القضائية التي لم تصدر  حكمها لهم بالتعويض الا سنة 2019، أي بعد مرور 15 سنة.

وحاليا، وبعد إفشال معركة سيكوم سنة 2017 ، بفعل تفاهمات من تحت الطاولة  مع الإتحاد المحلي، فلازالت عاملات وعمال سيكوميك عرضة للطرد والتشريد منذ عامين، ولازالت المعركة مستمرة رغم كل المعاناة.

ونظرا لما أصبحت تشكله هذه الاستمرارية والصمود من ضرب لمخططات النظام في إخماد الجبهة العمالية، وكذا لما تمثله من تشويش على سلمه الاجتماعي المزعوم، ستوكل مهمة الإجهاز على المعركة- مرة اخرى- للاداة البيروقراطية، التي لم تعد تسعفها المناورات الاستنزافية  للمعركة وإنما لجأت إلى خطوة  متقدمة في طعن الطبقة العاملة اسندت مهمة تنفيذها للكاتب المحلي للكدش بمكناس، كشخص ذو ماض حافل بالاجهاز على معارك العمال  وتسخير عصاباته للهجوم على أبناءهم في تظاهرات فاتح ماي والوشاية بهم للأجهزة القمعية، وهي الخدمات التي كوفىء عليها باختياره ضمن 100 عضو المشكلين لما سمي"مجلسا اقتصاديا واجتماعيا" ، كأحد الأجوبة من طرف النظام على انتفاضة 20 فبراير، مما يدر على صاحبنا شهريا مبلغ: 30.000.00 درهما منذ سنة 2011 إلى الان. 

لذا لم يتورع  صاحبنا عن طرد المكتب النقابي ومناديب العمال لسيكوميك، وهو السلوك الذي لم نعهد له مثيلا الا في توصيات "المحجوب بن الصديق" لضباط جيشه البيروقراطي بطرد كل عامل لم يؤدي "واجب" انخراطه، ليطرح التساؤل حول المغزى من وجود النقابة: هل هو استقطاب واحتضان العمال أم طردهم؟ وبصيغة أخرى هل هناك وجود لنقابة بدون عمال؟!!!

ولعل ذلك لم يكن كافيا لشفاء غليل هذا الحقد تجاه نضال العمال ليتم توظيف نفس " البطل" للقيام هذه المرة بخطوة غير مسبوقة تمثلت في رفع دعوى قضائية ضدهم بحجة احتلالهم لمقر النقابة ومنعه من القيام بمهامه، ودعوى أخرى ضد إحدى العاملات حول تدوينة على الفيسبوك تعود لشهر مارس من سنة 2022 ، كما تتبع حيثياتها الرأي العام.

والعجيب في الأمر أن المكتب التنفيذي للك د ش، الذي يعد صاحبنا نائبا لكاتبها الوطني لم يتدخل الا مؤخرا لإلغاء قرار الطرد تجسيدا للمثل الشعبي " شي يكوي وشي يبخ"، مقابل رفع الاعتصام من امام المقر، وإدخال العاملات و العمال في متاهة المحاكمات في محاولة مفضوحة لتغيير مسار نضالهم عن قضيتهم الاصلية.

هذه بعض النماذج القليلة لما تتعرض له الطبقة العاملة من مؤامرات، بما يحفز كل المتعاطفين والمتعاطفات مع فكرها للانكباب على إنجاز الابحاث والدراسات التي تتناول واقعها ووضعها الراهن بالدقة والعلمية المطلوبة، بما يشكل مدخلا أو خطوة أولى على طريق الارتباط بها.

                                         

  مناضل مكناسي




شارك هذا الموضوع على: ↓




↓للتعليق على الموضوع
تعليقات
7 تعليقات

7 التعليقات:

رسالة أقدم الصفحة الرئيسية