ليس في نيتي، في هذه السطور، نقاش الموضوع من زاوية وقعه في الشارع المغربي. بل الدافع هو الوقوف على بعض الاراء السياسية لأناس كثيرا ما يستهلون كلامهم ب"الماركسية" و"الماركسية اللينينية". للنظر هل فعلا يمثلون الماركسية باعتبارها نظرية الطبقة الثورية حتى النهاية في المجتمعات الرأسمالية.
والبداية مع رأي قدمه السيد لحبيب التيتي، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، يوم 27/12/2023، تحت عنوان "شرط نجاح حراك التعليم" مستهلا بقوله "أهم شرط نجاح أي حراك هو أن يحتضن شعبيا. وفي ذلك الحصن المنيع لوحدة المتضررين لأنهم سيكونون محصنين من أي اختراق. النضال النقابي يحتاج بدوره لهذا الاحتضان حتى يحقق مطالبه الأساسية."
بداية ما كنت لأفكر في نقاش مثل هذا الكلام لو كان صادرا من سياسي لا تربطه أي رابطة بقيادة تنظيم سياسي، ويتكلم كثيرا عن "الماركسية اللينينية" منذ 2013 بعدما أن وضع تنظيمه قطيعة معها منذ انطلاق المراجعات إثر الانهيارات الكبرى للمعسكر الشرقي.
فحين ينخرط القائد الحزبي، أو النقابي في النقاش في أوج معمعان الصراع الطبقي، والمعارك المشتعلة، اكيد فهو لا يجب ان يغيب عن باله، بديهية، أن الحزب لا معنى له إذا لم يكن جزء من الطبقة، أو الفئة، أو الفئات، التي يشكل أوعى عناصرها، بكل ما تعنيه هذه المعاني من دلالات التوعية والتنظيم والقيادة. وهذه الدلالات تنطبق على أي حزب بمعناه الحقيقي، إذا كان فعلا حزبا سياسيا، وليس فقط جماعة من الافراد مرخص لها لتكوين حزب، لأن الحزب الفعلي هو تنظيم سياسي غير مستقل في حد ذاته عن جذوره الطبقية، أو الفئوية، لذا فتأثيره، وفاعليته، مسألة واجبة لتكون بديهية، وهذا ما اثبتته كل الاحزاب التاريخية في مسيرتها النضالية. لكن، وللأسف، عندنا صار من العادة أن يتحدث قائد حزبي ويمتطي قواعد نظرية ليقارع بها دون أن يولي اي اهتمام بكونه هو مسؤول عن تطبيق وتمثيل تلك القواعد، وبكونه المطالب طبقا لدعايته بتجسيد منطلقاته النظرية وليس لحشدها كمنطلقات نظرية لتبرير أزمة معينة ودقيقة، ولقبول التوقيع على اخضاع مستقبل شعبنا لمخططات الاحتلال في وضع حي. بمعنى ليس الأمر في قول "أهم شرط نجاح أي حراك هو أن يحتضن شعبيا." بل هل فعلا الحزب الذي يمثله السياسي المنخرط في النقاش جسد هذا الفهم؟ هل كان حزبه قدوة في حشد الشعب لاحتضان "الحراك"، بمعنى هل كان له دور فعال في استنهاض القاعدة الشعبية التي يدعي تمثيلها لاحتضان معركة الشغيلة التعليمية؟!
كان على هذا القيادي، بدل إعطاء الدروس في قواعد العمل، أن يتحدث عن تطبيقه لها، أن يتحدث عن حشد القوى من طرف حزبه وعن أدواره وسط الشعب في احتضان، وتحصين المعركة، وليس تلويك الأفكار وفدلكة الكلام.. أما عدم تجسيد ذلك فينطبق عليه حكم التخاذل، بمعنى ان مصلحته اقتضت ابعاد اهتمام الطبقة أو الفئة التي يعبر عنها عن صلب الصراع الجاري، أو ان الحزب الذي يتحدث باسمه لا تربطه بطبقته أو الفئات التي يتحدث باسمها سوى الاسم. بمعنى اثبتت المعركة، في كلا الحالتين، بأنه صفرا الى اليسار من الناحية السياسية، وحزبا في الواجهة المتخاذلة عمليا امام مصلحة الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة.
إن التاريخ يسجل بكون الارتداد الذي حصل بعد الانهيارت الكبرى للمعسكر الشرقي وما خلفته من نكسة وسط اليسار العالمي نتج عنه هياكل متبرجزة بنت مشروعها على جمع المال باية صورة، بما في ذلك الاتفاق مع اعداء الطبقة العاملة، والجماهير الشعبية عامة، لقاء فتات الموائد. وهذه ظاهرة عامة في أرجاء العالم.
وفي نفس المقال، دائما للسيد لحبيب التيتي جاء هذا الكلام: "إن للعمل النقابي الكفاحي قوانينه ومتطلباته وهي الاشتباك وفك الاشتباك. ومن يخلط بين هذه القضايا لن يستطيع قيادة أي نضال وما بالك نضال مثل حراك التعليم ببلادنا.
المعارك النقابية جزء معتبر من الحرب الطبقية وهذه قضية تحتاج الى إدارة سياسية من طرف قوى محنكة في خوض الصراع الطبقي تعمل على توفير شروط تحويل الأزمة الموضوعية إلى أزمة ثورية." وانطلاقا من هذا القول أتساءل: هل هذا القول هو إقرار بأن الطرف السياسي المتربع على قيادة fne غير محنك، أم هذا القول مجرد تمويه ودفع النقاش بعيدا عن المسؤولية السياسية؟!
على الأرض وكما هو مسجل للتاريخ، أن قيادة fne برعاية طرفها السياسي "المحنك" قد قادت عملية "فك الاشتباك" الى قبول الكرسي الخامس في مسرحية التوقيع على توصيات صندوق النقد الدولي، في لحظة جد حاسمة، حيث المعركة حشدت آباء وأمهات التلاميذ اليها، ونالت تعاطفا شعبيا واسعا، عجز الإعلام المضخم، والمتخم بالاموال، في التشويش عليها، وعجز التهديد والوعيد والاقتطاعات بالحد من توهجها، ووضعت النظام في عنق الزجاجة. هذه حقيقة لا يتناطح عليها كبشان، ولا تحتاج المزايدة..
ويضيف صاحبنا "من يراهن على معركة واحدة او فئة اجتماعية واحدة مهما كانت استعداداتها النضالية في ظل الأزمة الاجتماعية الحالية فانه يخطئ التقدير." فهل هذا القول يعني ان حزب صاحبنا كانت له مبادرة لتحريك الشارع ووقفت في وجهه اصوات عدة، أو أصوات معينة، معترضة هذا الموقف؟!.. للاسف هذا الخيار غير وارد بل الحزب لم يحرك الساكن لا كحزب ولا كمكون من مكونات جبهات عدة تعتبر التعليم جزء من اهتماماتها،..
اذا متى سيتحرك هذا الحزب أو غيره ممن يدعي أن المسؤولية في الدفاع عن المدرسة العمومية مسؤولية مجتمعية، أليس هذه المعركة، التي وصل زخمها قاعديا وزمنيا إلى مستويات ادخلت العدو في مأزق حقيقي، تستدعي ما يقال عنه حشد القوى لتصليب "الحركة النضالية".. إذا من يبيع الوهم هل من يدفع بالصراع إلى الأمام أم من ظل يرفع شعار المدرسة العمومية ولما طرحت المعركة الشعار على المحك اختار الالتواء والتبرير والتنظير للمصالح الضيقة والفئوية.. نقول باللهجة المغربية "فاش ناضو الرجال للصيادة عاد بوبي كيقلب فين إيبول"
دعونا من النقد السطحي واعتبار الدفاع عن استمرار المعركة تسويق للاوهام، قولوا بكل جرأة ووضوح للقاعدة الاستاذية، قولوا لها انكم تقبلون ربح الامتيازات مقابل التوقيع على تمرير توصيات المؤسسات الاستعمارية ورهن البلد وشعبنا للراسمال المالي. لهذا لا حرج عليكم ان تتجندوا لإطفاء الزخم ودعوة القاعدة للعودة الى الحظيرة.. فلا حرج عليكم أن تسيروا على نهج "قيادات الحركة الوطنية" في توقيعها على معاهدة "إيكس ليبان" وتحولها لارتكاب جرائم القتل في صفوف من رفضوا الاستقلال الشكلي وأعلنوا استمرار في الكفاح المسلح ليسقطوا في ساحة الصراع بشرف. اما اعتبار العمل الكفاحي لتحفيز الجماهير الاستاذية وكل شعبنا للدفاع عن المعركة ضد التسليم بالمدرسة العمومية لمؤسسات القروض الدولية الاستعمارية مجرد "تسويق للاوهام". فأقول ليس هكذا يكون الجدال ولا هكذا تكون المسؤولية السياسية، بقدر ما هي عملية خادعة لتحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن الإشكاليات الحقيقية، وعن مسؤولياتنا في الصراع السياسي، وأكثر من ذلك هو قول يؤسس لقتل الكفاحية وتشويه للصوت الرافض لعملية الانصياع للمخطط الاستعماري.
مشروع النظام القائم على التداين وعلى ربط مصير المدرسة العمومية بالرأسماليين والمخططات الاستعمارية من أجل تحويله لقطاع استثماري مربح سيرا على ما يجري اليوم في أغلب القطاعات التي كان في الأمس القريب يستفيد منها شعبنا، في حدود ما، هو مشروع النظام الذي لا تجاهر به البيروقراطيات النقابية، ويصمت عليه السيد التيتي ولم يقل عنه ولو كلمة واحدة، ولكن وبالمقابل قامت، أي القيادات النقابية، بكل ما يساعد على توطيده بتوقيعها لاتفاق 26 دجنبر 2023، وبتزكيته بالمكشوف من طرف السيد التيتي، مثل هذا الوضع لن يدفع سوى لاندماج أكثر فأكثر للبيروقراطية النقابية الجديدة في شخص fne بالدولة وإلتحاقها رسميا بسابقاتها وهي إمكانية صارت واقعا ملموسا بعد توقيع/فضيحة26 دجنبر 2023 .
إن معركة الشغيلة التعليمية بكل عنفوانها، وبصمودها، محطة مهمة تحمل رسالة واضحة للسياسي الثائر، ومفهومة للنقيض، ولكل من لهم مصلحة في نظام التبعية، وربط مصير البلاد بمصالح الرأسمال العالمي، مفادها لا لرهن مصير شعبنا بالمؤسسات المالية ورهن الاجيال القادمة بالقروض..
كما يمكن أن أضيف، بكون التجربة بينت لغالبية قواعد شعبنا، منذ تجربة حكومة التناوب أن الكثير من "الزعماء" والقيادات النقابية والسياسية ما إن يجلسوا على كراسي بجوار ممثلي النظام والذي يقولون عنه انه "عدو" حتى يصبحوا مجرد دمى بيد طغم المال والفساد ولا يعملون حتى عن تقديم ولو القليل لمن صعدوا على اكتافهم.
إن البيروقراطيات النقابية ومن ضمنها قيادة fne والنقابات الصفراء هي اليوم من تلعب دورا مركزيا في تواصل تمرير مخططات صناديق التمويل الاستعمارية على شعبنا. إنها الواسطة الباقية بيد النظام والمؤسسات المالية الاستعمارية لضرب كل إمكانية لمقاومة جذرية لجرائمهم الهادفة لرهن شعبنا للرأسمالية المالي العالمي. إن المقاومة صارت تتطلب دعم الصمود وحشد القوى لصراع متقدم يراكم لمسار اكثر قوة وتنظيما وتاطيرا وقيادة، فقد يحتاج ذلك لوقت و تراكم، ولكن سيظل ذلك اتجاه الصراع، فشعبنا وفي مقدمته الطبقة العاملة ومثقفيه لن يبقى إلى مالا نهاية دون الأدوات السياسية القادرة على إدارة معاركه المصيرية للتحرر من قبضة الاستعمار غير المباشر لبلدنا.
سبق أن قال روسّو قولا عظيما: "يعتقد الإنجليز أنّهم أحرار لأنّهم ينتخبون ممثّليهم كلّ خمسة أعوام، إنهم أحرار يوما واحدا فقط، هو يوم الانتخابات، هذا كلّ ما في الأمر. ليس لأن الانتخابات زُوِّرت، ولا لأنّنا نغشّ في صناديق الاقتراع. إنّها مزوّرة لأنّ الخيارات محدّدة سابقاً."
فعلا قد كنتم أحرار أيها الموقعون لحظة توقيعكم، وكنتم مبتهجين أمام الكاميرات.
عندنا "القاعدة" النقابية فوضت القرارات للقيادات بحرية، والقيادات قالت لها الحكومة وقع على إلتزاماتنا بحرية، فإلتزاماتنا هي توصيات صندوق النقد الدولي نلتزم بها بحرية، وصندوق النقد الدولي لا يقبل التراجع عنها بحرية.
القيادة لم توقع على شيء صنعته او ساهمت في صنعه، أيها السيد التيتي الصامت عن هذا العمق، القيادات وقعت شيء صنعته القوى الاستعمارية وفرضته من خلال توصيات مقدمة وملزمة من صناديق التمويل، ولم يصنعه أحد من أطراف الحوار. الكل تسلمه وانصاع له، أيها السيد التيتي لحبيب القائد الحزبي المحترم، واعتبره مثل مسلمات لا تقبل النقاش ولا الرفض. وأنا اقول، أيها المنظر المحترم، هكذا تم، ويتم، قبول حكم المستعمر من قوى اليمين الى قوى "اليسار" دون حاجة حتى لطلقة واحدة من مدفع مهترئ.
لا أحد سأل الشعب، ولا شغيلة قطاع التعليم، ولا شغيلة الماء والكهرباء مثلا، ولا غيرهما من الشغيلة، على ما يريد أن ينفذ عليهم. يقولون للجميع إن ممثليكم قد وقعوا، إنها مراسيم، إنها قوانين، ولكن من صنعها وكيف حصل ولما هذا، لا يطرح للواجهة، فقط يلزمون الجميع بقبول ان يحكموا..
بكل صدق اقول، قد سقطت كل الشعارات الديماغوجية أمام انظار شعبنا،.. سقط قناع التوجه الديمقراطي،.. سقطت دعاية بناء حزب الطبقة العاملة المستقل في القاع، في حضن النظام، وانصاع رفاقك على الكراسي بجوار الموظفين الحكوميين وبصموا على تمرير توصيات صندوق النقد الدولي،.. وسقط شعار خدمة الشغيلة وليس استخدامها، وشعار الاستقلالية عن كل أجهزة النظام وعن خياراته، وشعار الدفع إلى جوار الجماهير إلى التغيير.. لا جديد في الحقل النقابي.. ذهبت كل الشعارات في مهب الريح.. كل القادة صاروا بياعين.. كلهم صاروا خداما للدولة والمؤسسات الاستعمارية الممولة.. وسابقة في التاريخ أن يخرج قائد نقابي، على القنوات الالكترونية، ويعلن انه أنصاع لتوصيات صندوق النقد الدولي، بمعنى الانصياع للاحتلال غير المباشر لبلدنا.. إنها أكبر فضيحة في التاريخ. حتى بعض العملاء لم يتجرؤوا عن إعلانها بصريح العبارة.. ماذا عن انتماء رفيق الى الحزب أيها القائد الحزبي؟! ماذا عن مسؤوليته أمام القاعدة المناضلة؟! هل لازال ما يشفع لمثل هكذا قيادات؟!.. أليس ما حصل هو عمق الخيانة؟!.. إنها خيانة شعب.. لقد انكشف كل شيء،.. كل قيادات الخماسي قبلت بالانصياع لتوصيات القوى الاستعمارية، وقبلت باستمرار سيطرتها على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، وبالخضوع لمصالحها، وهذا يضع الاستقلالية السياسية لهذه القيادات، عن الدولة وعن مراكز التمويل المالي في شخص صندوق النقد الدولي مجرد دعاية خادعة ووهم يتم الترويج له.. فاكيد ان كل اشكال المقاومة التي تظهر خارج هذه البيروقراطيات النقابية هو إفراز موضوعي لواقع اليأس من، وفقدان الثقة في إطارات مهترئة ومملوكة.. فالمعركة طبقية وسوف لن تبقى إلى ما لا نهاية مموهة.. سيفضي فشل السياسات الحالية إلى موجة جديدة من المعارك وسيفرز الشعب قادته الحقيقيين.
والآن سانتقل لنقاش احدى الآراء التي ظهرت للواجهة مع بداية سخط الشغيلة التعليمية اثر مصادقة المجلس الحكومي على "القانون الأساسي" المشؤوم، والمتعلقة باشكالية بناء الاداة الثورية هل تسبق المعارك أم المعارك تسبق البناء، والذي اختصره صاحبه بقول "الحصان قبل العربة". هذا الأشكال ليس أشكالا مستجد، بل سبق ان عالجت الماركسية اشكالية الاداة الثورية هل بناؤها اولا ثم الانخراط في الصراع ام ان البناء هو مهمة يقتضي إنجازها في خضم الصراع. واليوم هناك من يعيد إلى جدول الأعمال هذا النقاش، وهو ينطلق بكون معارك الشغيلة التعليمية (معركة الشوارع) لا فائدة منها ومحكوم عليها مسبقا بالفشل ما دام الحزب الثوري غير موجود وعليه يقدم فكرته الجاهزة دون تحليل مسبق، بانتقاد الخروج للشوارع، واعتباره مجرد "لعب على العواطف"، بمعنى رفضه المعارك المنفلتة للمؤسسات، قبل وجود الحزب الثوري، بمقولة موجزة، "العربة قبل الحصان".
احاول مناقشة هذا الموضوع باسلوبين متداخلين في أسلوب واحد، اسلوب واقعي ميداني استشهادا بالتاريخ واسلوب نظري وفقا للتحليل الماركسي للظواهر الطبيعية والاجتماعية.
في هذا النقاش لن اقول ما سبق وقلناه في اكثر من عمل باسم البديل الجذري ولن أعيد التذكير باقتباسات من الإرث النضالي للحركة الماركسية اللينينية المغربية بتبنيها للبناء "تحت نيران العدو". فقط لنتفحص التاريخ للنظر لقوانينه، وما يمكن أن نستخلص من دروس نظرية. ولهذا أشير لكون الطبقة العاملة نشات قبل نشوء احزابها، وناضلت ايضا نضالا شديدا لتاريخ طويل ولأجيال عديدة قبل نشوء اي حزب يمثلها ويعبر عنها. فمنذ نشات الطبقة العمال وهي تواجه أقسى ظروف الاستغلال، فمثلا في أعرق البلدان الصناعية مثل بريطانيا واجه العمال أقسى ظروف الاستغلال وصلت لحد اعدام العامل اذا هرب للمرة الثانية من العمل.. ومع ذلك ناضلت الطبقة العاملة وقاومت بطرقها البدائية وتعلمت بناء التنظيم في معمعان الصراع، وافرزت هياكلها الاولية في ظل هذه السيرورة بفضل زعماء وقادة انتجتهم في الميادين، وصاروا هم لسانها وقدوتها، ومقبرة شهداء شيكاكو لازات شاهدة على تاريخ من الكفاح والعزيمة بالصدور العارية في وجه نيران البرجوازية. وهكذا تمكنت الطبقة العاملة بدون حزب سياسي يعبر عنها تحقيق بعض الحقوق والمكتسبات التاريخية التي ينعم بها العمال لحدود اليوم، وعلى رأسها تخفيض ساعات العمل.. كل ذلك قبل نشوء اي حزب عمالي بالمعنى الذي نعرفه اليوم للاحزاب العمالية. فالنضال من اجل افتكاك الحقوق من المستغلين سبق تأسيس الاحزاب العمالية بعقود عديدة، وفي نفس الوقت في النضال تعلم العمال التنظيم، وفي الصراع الحاد أفرز العمال القادة التاريخيين بالمناسبة أذكر القارئ بهذه الدولة التاريخية: "سيأتي اليوم الذي يكون فيه صمتنا أعلى من الأصوات التي تخنقونها اليوم". وهي الكلمات المنقوشة في قاعدة النصب التذكاري لشهداء شيكاكو. التي تعود لقائد الانتفاضة العمالية سبايس قبل وقت قصير من إعدامه، وهو أحد القادة الذي افرزتهم الانتفاضة العمالية الامريكية.. وهذا التراكم التاريخي للطبقة العاملة ألهم الفكر النظري وقدمه لمستويات ظهر معه أبرز علمائها ومنظريها في شخص كارل الماركس وفريدريك انجلز.
لهذا نستكشف أن النضال واقع موضوعي، نتيجة لواقع الصراع الطبقي، وأن التنظيم هو عملية ملازمة للعمل، تفرز في خضم انتقال الانسان من النظرية الى العمل، بحيث يظل وسيلته الموضوعية لزرع الحياة في الافكار التي يحملها. إنها قوانين التطور ومن لا يقبل بالاستفادة من قوانين التاريخ وتطبيقها بشكل جيد يلفظه التاريخ للهامش. لهذا، من يعتقد بأن النضال قد ينتظر لحين البناء السياسي لأدواته السياسية فهو واهم، بل مثالي ومن يقول ذلك يضع نفسه موضوعيا خارج الفكر المادي وبعيدا عن الماركسية، فهو أكثر تراجعا وتخلفا حتى عن من ركبوا موجة الخروج للشوارع، وحتى العواطف، بهدف انتزاع الفتات.
إن التسليم بتمرير توصيات المؤسسات الاستعمارية دون مقاومة بدعوى "غياب الأداة الثورية" هو موقف انهزامي، أما العازم على المقاومة فهو من يخلق لنفسه موقعا على الجبهة بشكل منسجم، وبوضوح، ودون تردد، وليس من ركب الموجة ثم الشماتة في القارب الذي اتخذ مركب كرهان للوصول، وكان ينادي الجميع بصوت عال لركوبه، وبعد ان وصل بمن خدعوا (بضم الخاء وكسر الدال) ورافقوه لمحطة 26 دجنبر 2023 تحول للشماتة في القارب بدل انتقاد جرأة خياره غير الموفق.