2024/01/05

سمير لزعر// لا يمكن مواجهة البيروقراطية دون ابتغاء تمثيل القاعدة المناضلة

 


لم يعد تموقع البيروقراطية النقابي الى جانب النظام محط جدال. بل اليوم، بدأ مسار ارتباط مواجهة النظام بمواجهة البيروقراطية، واعتبارهما وجهين لعملة واحدة، يتكرس ويتعمق وسط الحركات الاجتماعية والنقابية.

فنبذ البيروقراطية ورفضها من طرف الحركات المناضلة، والاحتجاجية، كطرف ممثل لها، ومحاور باسمها، آخذ في الانتشار بشكل ملموس. إنه نتيجة حتمية لتراكم تجارب الخداع والخيانة والمتاجرة في نضالات شعبنا و مآسيه، وللعمالة المكشوفة للنظام، ولدورها، أي القيادات البيروقراطية، المكشوف في تمرير توصيات مؤسسات القروض الامبريالية ، الساهرة على إغراق شعبنا في الفقر، ورهن الأجيال القادمة في وحل مصالحها  الامبريالية ، وتخليها عن مطالب الأغلبية ووقوفها ضدها والتواطؤ على معاركها و إفشالها. وكثيرا ما أجريت الاتفاقات المذلة الهزيلة باسمها، لتتحول على المكشوف بعد تراكمات الخيانة والمتاجرة والعمالة إلى جهاز للضبط، والترويض،  والسهر على "السلم الاجتماعي" لتمرير سياسات العدو الطبقي، وتنفيذ استراتيجية القوى الاستعمارية، التي تشترط، من بين ما تشترط على النظام، من خلال مؤسساتها التمويلية، ضمان يتمثل في ضرورة موافقة النقابات والمؤسسات التشريعية على تنفيذ شروط المانحين، وقبول إشراف خبرائها على التنفيذ. وهو ما تحقق على مستوى قطاع التعليم والصحة بعد توقيع النقابات (التمثيلية المخدومة) للاتفاق مع الحكومة، ونفس الخطوات جارية في قطاع توزيع الماء والكهرباء..

فالإجرام الذي تمارسه القيادات النقابية البيروقراطية بحق الطبقة العاملة و عموم الشغيلة هو شكل آخر، وجبهة أخرى، من جبهات الهجوم الرأسمالي الطبقي في شموليته على الطبقة العاملة، ومعركة الشغيلة التعليمية كشفت بما لا يدع مجالا لتبرير حجم التواطؤ المكشوف. و لا يحتاج الى الكثير من الديباجة و الفذلكة اللغوية لتبيان ذلك. وقدمت لنا درسا متقدما في المعركة ضد النظام وضد البيروقراطية، وكشفت واحدة ممن تدعي التوجه الديموقراطي بكونها تواطأت في الاتجاه نفسه، وللنتائج نفسها، كباقي البيروقراطيات. لتجعل، أي الشغيلة التعليمية المناضلة، من معركتها تلك العصى الممسوكة من وسطها، ليس للتوازن بين الأطراف، بل للضرب بالطرفين.. ضرب النظام بطرف وضرب البيروقراطيات بالطرف الاخر.

إن هذا الوضع الموضوعي هو ما خصب الأرضية لظهور أدوات جديدة من أجل تنظيم مقاومة الحركات الاجتماعية. ويتعزز أكثر هذا المنعطف بعد كل خذلان وخيانة لمعارك الصراع من طرف هذه الأجهزة النقابية المتواطئة.. وواهم من يعتقد أن التموقف من الأشكال التي تفرزها الجماهير لتنظيم مقاومتها بعيدا عن الإطارات البيروقراطية، النقابية، والحزبية، هو بمثابة علاج للحد من هجر القاعدة للإطارات التقليدية المهترئة..

إن التذمر من/وفقدان الثقة في، القيادات النقابية، والأحزاب السياسية الموجودة في الساحة السياسية ببلادنا، واقع موضوعي يتعمق باستمرار، وهو الذي يفتح موضوعيا الطريق لتوسع ظاهرة هجر القواعد لهذه الهياكل الفاقدة للثقة، وللبعض الاخر، الغير المنخرط، ليبقى على مسافة منها مع البحث عن بدائل اخرى، ويعمق المسار لظهور أشكال تنظيم مستقلة مرتبطة بالمعارك التي يفرزها، و سيفرزها واقع الصراع الطبقي، نموذج التنسيقيات في قطاع التعليم.. وهذا الواقع هو نتيجة لن يحد منها قول موقف "لا لهجر النقابات"، كما لا يعتبر هذا الموقف جوابا علميا عليها.. فلن تنفع أجوبة مستمدة من كتب جادلت في واقع يعود لما يزيد عن 100 سنة. إذا كان الواقع المعيش سياسيا واجتماعيا واقتصاديا متغير فيجب أن لا تبقى العقول والمواقف مجمدة في الماضي، ومن لم يستوعب هذا لن  يعنيه التحليل الملموس للواقع الملموس في شيء مهما كانت إدعاءاته. لهذا فالمستقبل يبشر بتعمق ظاهرة هجر النقابات، وحتى الجمعيات، لأن هذا واقع موضوعي لا يأبه بمواقف هذا أو ذاك، لهذا الأمر، ليس في من يقول "لا لهجر النقابات" أو عكسه، مادامت شروط الظاهرة متوفرة وتتراكم في خضم الصراع الجاري. وأكيد فالنظام لن يكون متفرجا على الظاهرة ولا غافلا لها، بل هو اليوم، في مهمة استباقية، يعمل جاهدا على تعميقها وتفكيكها مع خلق شروط إضعافها واحتوائها عبر آليات عدة من بينها استعمال سماسرة النقابات والانتهازيين والطفيليين، و استغلال كل أساليب البلقنة..   

إذا، فمثلما هو المناضل الثوري مطالب بالإشتغال من داخل النقابة، وفاعلا في كل الأشكال التي ينتجها أبناء شعبنا لخوض الصراع، في إستثماره لكل الإمكانيات المتوفرة للحفاظ على مكتسبات الشغيلة و تدعيمها، بمنطق أن المطالب تنتزع و لا تعطى، فهو أيضا مطالب بالكفاح والتضحية والمثابرة في الميدان، والعمل المسؤول في تجسيد خط ديموقراطي وسط المنتسبين النقابيين، بديل عن أي  قيادة منتصبة على كاهل العمال، أو الشغيلة بشكل عام، والمفروضة من فوق بعيدا عن إرادتها، ومعني بما يفرزه الواقع من معطيات ومستجدات. إن الأهم في هذا الموضوع هي تلك الأشكال التنظيمية التي تنتج في خضم معارك الصراع الطبقي مثل ما هو الأمر في وسط الشغيلة التعليمية، مع تجربة التنسيقيات.

إن السؤال المفروض طرحه وتقديم جواب عليه للتقدم بشكل سليم في تناول موضوع العمل من داخل الإطارات الجماهيرية هو: لماذا التنظيمات الثورية تنشغل بموضوع العمل داخل الإطارات الجماهيرية؟

إن الثورة تحتاج إلى الجماهير لتحقيق أهدافها، وبالدرجة الأولى في مايتعلق بالثورة التي تعنينا، كماركسيين لينينيين، جماهير البروليتاريا والفلاحين الفقراء والمثقفين، ودون العمل على قيادة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء لا يمكن أن تنجز أي ثورة. وفي هذه الحالة، التحدث باسم الماركسية اللينينية لن يعدو أن يكون مجرد نرجسية حالمة.. لهذا تعد الاطارات الجماهيرية، وبالأخص الإطارات الجماهيرية العمالية والتي تعد بعض  النقابات إلى حد ما من الإطارات المفروض الاشتغال فيها باعتبارها مصدر جد مهم للوصول إلى العمال من انشغالات التنظيمات الثورية، وهذا ما يحكم موقفنا من العمل في الإطارات التي لها قاعدة جماهيرية، والتي تعد بعض ألتنسيقيات في الشروط الراهنة من بين الإطارات التي يتوجب على المناضلين المعنيين بها الاشتغال بها، أخذا بعين الاعتبار ما يتطلبه الصراع من تضحية وكفاحية وسطها. بنفس الفهم الذي معني به المناضل وسط مركزية نقابية ما.

إننا نعلم جيدا أن البيروقراطية لن تترك كل فعل جماهيري أن ينفلت بما لا تبتغيه، بمعنى ضرورة مواجهة هذا الخط البيروقراطي/الإنتهازي من طرف الخط الديموقراطي و ذلك على المستوى القاعدة/المنخرطين. هذه القاعدة التي ترى أن مصالحها تقتضي انتداب وتقديم مناضليها النوعيين، الذين يثبتون صدقيتهم وكفاحيتهم ومبدئيتهم، الى واجهة الصراع من خلال المعارك النضالية، لتمثيلها و الحديث بإسمها والوقوف على قيادتها في مواجهة العدو وكذلك في مواجهة الخط البيروقراطي الذي يسعى الى استثمار المعارك لتحقيق مكاسب تخصه، من خلال خدمة مخططات العدو الطبقي.

 
إن تسييد ذلك الخط الديموقراطي وسط القاعدة يفترض التقدم الى واجهة الصراع لكسب تلك القاعدة المناضلة، أما الحديث عن التواجد وسط القواعد دون ابتغاء "مراكز التحكم" في الفعل النضالي فذاك يعتبر من الرؤى الصوفية الحالمة،  وهروب من مسؤولية الصراع الشرس مع البيروقراطية في الأماكن التي يفترض أن تقتلع منها. إن تمثيل القاعدة بشكل مبدئي وجعلها السند والمرتكز في الصراع ضد البيروقراطية وضد النظام، بالموازاة مع بناء الذات المناضلة، الحاملة لمشروع الطبقة العاملة، وسط كل الإطارات الجماهيرية، هو الطريق الصحيح لمحاربة البيروقراطية.





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق