خرجت الشغيلة التعليمية يوم 5 أكتوبر للانتفاض ضد النظام الأساسي المشؤوم، الذي أراد النظام فرضه وتمريره بقوة الحديد والنار بتواطؤ مع القيادات النقابية البيروقراطية،
وقد قوبل هذا النظام المشؤوم بالرفض التام من طرف شغيلة التعليم على طول خريطة الوطن، بدخولها في معركة بطولية عبر إضرابات ومسيرات ووقفات جهوية ووطنية عرفت صمودا منقطع النظير لما يقارب الأربعة أشهر من الصمود والتضحية من طرف الشغيلة التعليمية داخل التنسيق الميداني لقطاع التعليم، مطالبة بإسقاط النظام الأساسي المشؤوم، النظام الاستعبادي الذي يهدف إلى بيع الوظيفة والمدرسة العموميتين عبر الإجهاز على الحق في الوظيفة العمومية والتعليم المجاني لكافة أبناء الشعب المغربي.لققد حاول النظام طيلة مسار هذه المعركة على إيقاف الزحف النضالي، والصمود البطولي، باستعمال بيادقه من القيادات النقابية عبر حواراته المشبوهة والاتفاقات الخيانية الموقعة، وأخص بالذكر اتفاقي 10 دجنبر و26 دجنبر 2023 من أجل إطفاء المعركة. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، واستمرت الشغيلة التعليمية في معركة إسقاط النظام الأساسي بمعية التنسيقيات الميدانية المناضلة، بعد طعنات الغذر التي تلقتها هذه الأخيرة من طرف قيادة النقابة الخامسة في شخص نقابة fne بعد خيانتها لميثاق التنسيق مع باقي التنسيقيات الميدانية، لتلحقت بجوقة النظام وتأخذ كرسيا إلى جانب الرباعي البيروقراطي وتلعب دور الكمبارس في ذبح الشغيلة التعليمية وتوقيعها اتفاق الخيانة والخنوع يوم 26 دجنبر 2023، وتعطي الضوء الأخضر للنظام القائم في شخص الوزارة لشن حملة من الهجومات على المناضلين عبر توقيفات عن العمل مع وقف الراتب في حق مئات من الأساتذة والأستاذات كضريبة قدمتها الجماهير الأستاذية المناضلة لزيارتها طريق الكفاح والتضحية. وهذه التوقيفات لازالت مستمرة للشهر الخامس على التوالي في حق 204 أستاذ واستاذة مع حرمانهم من رواتبهم بهدف تركيعهم والنيل منهم كضريبة لنضالهم الميداني داخل هذه المعركة، ومن خلالهم بعث رسالة إرهابية للقاعدة الأستاذية. وكما كان مقررا من طرف الوزارة أن مجموع 204 من الأساتذة الموقوفين، سيتم عرضهم يوم 29 أبريل على المجالس التأديبية المشبوهة، تم تأجيل هذه المحاكمات الانتقامية في أجواء ما يسمى "الحوار الاجتماعي".
إن استمرار التوقيفات التي طالت ازيد من 200 استاذ واستاذة، مؤشر ملموس على أن المعركة البطولية التي خاضتها الشغيلة التعليمية مازالت تلقي بظلالها على المشهد النقابي و السياسي، وان النظام القائم اكثر استيعابا لحجمها ومضمونها. فليس عبثا ان يعمد النظام الى تمديد التوقيفات زمنيا وان يتلذذ في تعذيب اسر الموقوفين.. إنها خطة مدروسة هدفها الانتقام من المعركة وتفتيت التراكمات السياسية و الميدانية وبالأخص التنظيمية.
كما ليس من مصلحة النظام واتباعه سيادة الصورة الملحمية التي رسمتها المعركة في الوعي الجماعي للشعب. لذا كان عليه تشويه هذا النضج النضال، خاصة وانه مقبل على مخططات اكثر رجعية واستهدافا (قانون الاضراب – إصلاح أنظمة التقاعد - وفي الأفق تعديل مدونة الشغل لتوفير شروط استغلال لازيد من 8 ساعات عمل).
ماذا يعني الموقوف؟
اولا: التوقيف هو اسلوب هجوم الرجعية على معارك الشعب عامة والفئات خاصة، تلجأ اليها اما للجم الحركة قبل تطورها او لاستنزاف الزخم وتجنب استثمار الانتصار بعد المعركة. ووجود الموقوف كنتيجة للمعركة التعليمية يعني ان المعركة افشلت(بضم الالف) في شقها الديموقراطي لأسباب ذاتية ابرزها جنينية الاشكال التنظيمية التي افرزتها سيرورة المعركة وتسرب الاطروحات الانتهازية في داخلها. وهنا، نقولها بكل جراة، نتحمل المسؤولية في عدم القدرة على تحصين الفهم السليم للصراع داخلها.
ثانيا: تضرر البيروقراطيات النقابية من الابداعات التنظيمية المستقلة التي افرزتها القواعد كرد فعل موضوعي على مستوى الترهل الذي اصبحت عليه الاطارات النقابية، لتنكشف حقيقتها وحقيقة تلاقيها الموضوعي مع النظام. ودرءا لإعادة تكرار التجربة، كان لزاما توفير كل ما يبرر قرار النظام لردع تطور الفعل النضالي والتنظيمي وخصوصا انها ملتزمة مع النظام لتمرير مشاريع مخططات إجرامية تحت غطاء "الحوار الاجتماعي". والتي تعثر إخراجها باعتراف رئيس الحكومة الذي قال بان الظرفية ليست مناسبة لنقاش قانون الاضراب والتقاعد في الفترة التي كانت فيها المعركة متوهجة ومؤثرة في كل المستويات، خاصة انتقال عدواها الى قطاعات الصحة والعدل والجماعات المحلية. لذا لم يسمح النظام ان تستثمر المعركة من طرف الشغيلة سياسيا او تنظيميا بل فتح المجال للبيروقراطيات لاستثمار الوضع واعادة سكة الفعل والصراع الى طاولتها، طاولة النظام، انهما سيان .
من المستفيد من الموقوف؟
اولا: ان اكبر خاسر من استمرار التوقيف هي الشغيلة التعليمية والشعب عامة نظرا لمستوى الوعي والاحباط الذي يراد تسييده من خلال استمرار وضعية الموقوف، خاصة تأخير اي رد فعل من لدن الشغيلة على اي مخطط طبقي يستهدفها مستقبلا؛
ثانيا: عدم السماح للوعي التنظيمي للرقي والتقدم في نقد وتقييم تجربته. اكبر المستفيدين طبعا النظام لأنه استعاد السيطرة والاجواء السياسية التي كان يبتغيها للمضي في سياسته الطبقية وخير دليل جرأته على طرح والمساومة مع البيروقراطيات على ملفي قانون الاضراب والتقاعد. هنا يظهر أن النظام خدمه التوقيف إلى حدود ما.
المستفيد الثاني هم البيروقراطيات وإلا لماذا الحوار والاستمرار فيه بينما الموقوفين والموقوفات لم يحل ملفهم؟ الجواب ببساطة هو ان الحوار لم يكن يعنيهم بقدر ما يعنيهم ايقاف المعركة واعادة اللعبة الى المأسسة والهياكل البيروقراطية والرجعية المتفق عليها مع النظام.
ستستفيد البيروقراطية اكثر لو افشلت المعركة في حل التوقيف واعادة حله الى الهياكل الفارغة (المجالس التأديبية ) وما ينعيه هذا بالنسبة لها قبر الابداعات التنظيمية اي التنسيقيات وافراغ محتواها بل الصاق التهم بها كونها السبب.
ان تطبيل البيروقراطيات للمجالس التأديبية يعني اسهامها المكشوف في تجريم الفعل النضالي وحرية التعبير، او بلغة "اخنوش" الاسهام في اعادة التربية للموقوف والشغيلة عامة.
ومهما كانت استفادة النظام والقيادة البيروقراطية من التوقيفات، فإن التوقيفات بالنسبة للقاعدة الأستاذية هي ضريبة قدمتها في خضم تجسيدها لملحمتها الحقيقية، وهي تقدم تجربة تنظيمية ونضالية، مهما تخللها من ضعف، إلا انها استطاعت أن تنفلت من قبضة القوى البيروقراطية، وبنت لحمة ووحدة الجسم الاستاذي واهلته ليلعب دوره الموضوعي في معارك الصراع الطبقي، وفتحت آفاقا للفعل النضالي من داخل القطاع رغم حجم الطعنات وتكلفة الضريبة.
هذا درس حقيقي ميداني ملموس لا يترك مجالا للمزايدة، يعرفه المناضل كما يرهب الاعداء والخصوم. ويضعنا كمناضلي القطاع أمام مسؤولية لتقوية جسور التواصل والنقاش المسؤول، ودراسة التجربة دراسة علمية، والعمل على تطويرها لفتح آفاق جديدة تربط الحركة الأستاذية بالحركة الجماهيرية المناضلة، ونضال شعبنا من أجل تقرير مصيره، باعتبار القاعدة الأستاذية جزء لا يتجزء من الجماهير الشعبية.
كل التضامن والدعم للأساتذة الموقوفين..