2024/11/22

حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء الأول)

الجزء الأول:  دفاعا عن الجدال (ملحق).

 قبل الشروع في إتمام الجزء الأول من المقال بمحور "دفاعا عن الجدال"، أود الإجابة على جزء من تعليق السيد التيتي الأخير على مقالي المعنون ب"دفاعا عن الجدال.. دفاعا عن الجدل" في جزئه الأول "دفاعا عن الجدال" والذي يعد هذا الملحق خاتمة له، دون الالتفاف الى ما تخلل تعليقه من افتراءات وكذب.

فقد كتب السيد التيتي في تعليقه:
"تحية للسيد حسن على كل هذا الكلام الفائض. لكنني اتحداك ان تعالج وتنتقد الافكار الواردة في التدوينة التي علقت عليها باسلوب غريب ولا علاقة له بالجدال الذي تتشدق به هنا. ارجع الى التدوينة وعالجها واقبض على الخطا فيها ذلك هو اهتمامي وليس الخوض في تراهات اقدمت عليها هنا وتتعلق بتحليل شخصيتي وهذه زلة كبرى ناقش افكاري الواردة في التدوينة تكلم لاراك. وقد سبق بيننا نقاش حول البضاعة وكان موقفكغريبا عن الماركسية والموقف الماركسي وكشف عن سطحية اطلاعك على كتاب راس المال. هل تتذكر. ومنذ ذلك الوقت لا زلت لم تبدل المجهود المطلوب في الحوار والنقاش وهو ما كشفه تعليقك في صفحتي على تدوينتي المركزة جدا. لك ان تتكلم عن علاقة المنطق الجدلي بالقطيعة وعلاقة نزع القطيعية من هذا المنطق وموضوع المنطق الصوري. وعلاقة ذلك بالشعبوية بارتباط ما يروج اليوم في الساحة السياسية ببلادنا. كان للتدوينة اسبابها لم تنتبه لها. بعد دحض الافكار الواردة في التدوينة واقناعي بوجهة نظرك وصواب جدلك ساعتها سالتفت لنصائحك ودروسك في الديالكتيك. في نقاش موضوع البضاعة عند ماركس لمست انك تعاند فقط لتعاند حتى ولو كان ذلك على حساب العلم والمعرفة ومن يومها قررت الا اجادلك حتى بادرت انت على صفحتي بهجوم ذاتي وخلفية غريبة لا يمكن تركها من دون رد. وها انت ايضا تكتب على صفحتك في حقي ما تشاء وذلك حقك لكن ليس من حقك شتم حزبي او الاساءة اليه."
دون الوقوف على الافتراءات والأكاذيب الواردة في التعليق والتي سأخصص لها ملحق بعد الانتهاء من الجزء الثاني "دفاعا عن الجدل"، أتوجه لما له علاقة بمحور النقاش كما كان بارزا في العنوان وأسجل أن السيد التيتي يتحداني أن أعالج وانتقد الأفكار الواردة في تدوينته، ويطالبني، وفق تعبيره، أن أتكلم "عن علاقة المنطق الجدلي بالقطيعة وعلاقة نزع القطيعية من هذا المنطق وموضوع المنطق الصوري. وعلاقة ذلك بالشعبوية بارتباط ما يروج اليوم في الساحة السياسية ببلادنا." (من تعليق التيتي) في الحقيقة تحدي غريب منتهى الغرابة، لماذا أقول إنه تحدي غريب منتهى الغرابة؟
السيد التيتي يقول في تعليقه، بأن تدوينته "انزع عن المنطق الجدلي مفهوم القطيعة يصبح منطقا صوريا. وبذلك ينتج صاحبه خطابا غوغائيا شعبويا." تحمل "أفكارا مركزة"، وفي تفاعله مع أحد المعلقين تحدث عنها ك"اطروحة" [تحية لك الرفيق حسن. بذهنك الوقاد تلتقط الاطروحة حتى ولو كانت مركزة مثل الاورانيوم المشبع (هذا رد السيد التيتي على تعليق احد رفاقه المؤيدين لرأيه وهو ايضا اسمه حسن ولا علاقة لاسم حسن فيها بحسن العبودي)]. ويطالبني أن أتكلم عن "علاقة المنطق الجدلي بالقطيعة وموضوع المنطق الصوري وعلاقة ذلك بالشعبوية".
طيب أيها السيد التيتي، من المطلوب منه أن يتكلم عن العلاقات التي تتحدث عنها هل الناقد أم صاحب "الاطروحة"، هل الناقد هو المطالب بتفكيك الأطروحة/التدوينة وتوضيحها، أم صاحب الأطروحة/التدوينة هو المطالب بتقديم وتفصيل ما توصل إليه من نتائج، عبر عليها في تدوينة تحمل "افكارا مركزة"، من خلال تقديم بحثه للقراء، أم البحوث العلمية صارت تكتفي بجملة مركزة في إعداد الأطروحة في زمن التردي وتسطيح المعرفة؟! في عرف البحوث العلمية عبر التجربة الطويلة للإنسان في ميدان العلم، المكتشف للفكرة الجديدة هو من يعمل على شرحها وتبسيطها للناس لكي يفهموا النتائج الجديدة التي توصل لها الباحث، وفي نفس الوقت، لتتحول تلك النتيجة إلى معرفة جديدة يستفيد منها الناس في حياتهم. لكن للأسف السيد التيتي اختار طريقة جديدة تعاكس عرف البحوث العلمية وإعداد وتقديم الأطروحات، ويقتصر على تقديم النتيجة دون تقديم البحث ويتحدى السيد العبودي بتقديم دراسة تفكك علاقات عناصر النتيجة/التدوينة/الأطروحة التي قدمها. لابأس، مادامت نسبة المصفقين في تصاعد أقترح تسجيل تدوينة/أطروحة السيد التيتي كأقصر أطروحة في ميدان البحث العلمي على غرار أقصر قصة قصيرة مؤثرة في تاريخ الأدب العالمي لكاتبها أرنست هيمنجواي وهي تتألف من ست كلمات فقط: (للبيع: حذاء أطفال، لم يستعمل قط).
اعتبار تدوينة من 14 كلمة أطروحة ذكرتني بطريفة جميلة كانت بمثابة مستملحة لدى طلبة أواخر الثمانينات والتسعينات بجامعة ظهر المهراز، ففي كل حلقة تٌؤخذ فيها نقطة نظام تساؤلية ترمي لدفع المتدخل لإعطاء إجابته على الموضوع المطروح كأرضية للنقاش، تثار الابتسامة على الوجوه، وقد يتلفظ أحد الطلبة على الهوامش قائلا "ما العمل الصفحة 20 أكامراد" ليذكر الحضور بجواب رفيق كلية العلوم ع. س، الذي قضى 5 سنوات بسجن عين قادوس كمعتقل سياسي، في إحدى حلقيات كلية العلوم على نقطة نظام تطرح سؤال، ما العمل؟ فقط ما ينقص رد السيد التيتي ليتطابق رده مع طريفة الرفيق ع.س هو الإحالة لرقم صفحة من مراجع أحد علماء الديالكتيك.
أيها السيد التيتي، إن أبسط طالب جامعي، وبالأخص في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، يعرف أن الأطروحة هي ما يطرح للبحث فيه أول مرة، يعني هي بحث جديد في الوسط العلمي، وتعتبر إضافة جديدة تقدم بعد الدراسة التي تتطلب الانطلاق مما توصل إليه العلم ودراسته وتدقيقه والتوصل إلى نتائج جديدة أو اكتشاف قانون جديد لم يكونا معروفين من قبل. لكن مع واقع الجزر وما أفرزه من أساليب بحوث "كوبي-كولي" فلا غرابة أن تظهر أطروحة "كوكوت مينوت" بلا دراسة، ولا بحث، من 14 كلمة في حقل المنطق الجدلي، أصعب، وأعقد، ميدان من ميادين البحث العلمي والفلسفي، ويقول عنها صاحبها مركزة وتعبر عن أفكار وترفع لها شارة النصر من هنا وهناك.
لهذا جاء تعليقي على تدوينة السيد التيتي لإعادة الأمور إلى نصابها، بمعنى هي مطالبته لسلك الطريقة التي يسلكها كل باحث أراد تقديم نتائج جديدة في ميدان من ميادين العلم وبالأخص في ميدان المنطق الجدلي، الذي قلت فيه بالحرف: "لا يجوز في علم الطبيعة والتاريخ النظريين، صياغة المقولات، أو تصميم الروابط، وحملها إلى الوقائع.. فالمقولة، أو الافتراض، المسبق غير المؤسس، والمقدم كمحاكمة ذهنية بلا تفكير ولا نقد لوقائع ملموسة، هي مجرد سفسطة..
الطريقة العلمية، وأعني الدياليكتيكية، تستنبط الأحكام من الوقائع وتعمل على إثباتها، بعد اكتشافها، عن طريق التجارب الملموسة قدر الإمكان. أما إنتاج الأحكام وتطبيقها على الوقائع هي مثالية مهما كان حشدها للمفاهيم المادية.."
لكن السيد التيتي من أجل التهرب من النقاش، كما هي عادته، كان جوابه هو عدم أهليتي لإعطاء الدروس، وبعد إصدار الجزء الأول من هذا المقال حول دفاعي عن الجدال، علق مرة أخرى يتحداني بتقديمي دراسة تفكك العلاقة بين العناصر التي جاءت في تدوينته التي لا تزيد عن 14 كلمة، ليتهرب بطريقة أخرى من توضيح فكرته الجديدة/الغريبة للقراء.  
وبالمناسبة أقول: إن ما جاء في تعليقي ليس بشيء جديد في ميدان النقد لكل من يصوغ مقولة/"أطروحة مركزة" ويسقطها على الواقع. فقد عبر عن هذه الفكرة، من قبل، العديد من النقاد والعلماء والفلاسفة، لأن ظاهرة الإسقاط لها جذور عريقة ولازالت مستمرة، وما قمت به أنا ليس سوى التعبير عنها مجددا بطريقتي الخاصة، وبما أن الجالس في البرج العالي لا يقبل سماع الأصوات الآتية من تحت، لا بأس من استدعاء عظماء الجدل (المنطق) والجدال. وأعمق صياغة أرى ضرورة نقلها للقارئ، في هذا السياق، هي الصياغة التي نقل بها لينين فكرة هيغل العبقرية والمنطقية والمقتبسة من كتاب لينين المعنون ب"دفاتر فلسفية": "يجب أن نستنتج المقولات (لا أن نأخذها تعسفيا أو ميكانيكيا)، لا <<أن نروي>>، لا <<أن نؤكد>>، بل أن نبرهن منطلقين من المقولات الأبسط الأكثر أساسية (الوجود، العدم، الصيرورة) (بدون أن نأخذ سواها). هنا في <<هذه البدرة هي كل تطورها >>."
هكذا استنتج العبقري هيغل الفكرة من دراسته لحصيلة المعرفة البشرية للتوصل لفكرة علمية دقيقة ونقلها لنا وعمل لينين على تبسيطها وصياغتها بمفاهيم دقيقة لا تقبل أكثر من معنى قائلا لنا ان الفكرة يجب أن نستنتجها أن نبرهن عليها أن نؤكدها لا أن نروي، لا أن نأخذها تعسفيا.. وهكذا أخذها، وعمقها، لينين الثائر، الذي خدم بتفاني الطبقة العاملة وقادها لإنجاز ثورتها.
اذن هل تقبل أيها السيد التيتي بدروس واحد من عباقرة المنطق الجدلي/الديالكتيك ومكتشفه مثلما قبل لينين الدرس وعمل على تعميقه، أم أن هيغل غير مؤهل لإعطاء الدروس لأمثالك؟
وهي الفكرة أيضا التي التقطها ماو تسي تونغ ليصوغها بطريقته وبلغة شعبه البسيط في الأرياف والمدن وفي شروط كان الحزب في صراع مع من كان يصنفهم ماو تسي تونغ بالجمود العقائدي، ليقول لنا في كتاب التناقض: "وفيما يخص التسلسل في حركة المعرفة البشرية، فهناك دائما نمو تدريجي من معرفة أشياء مفردة وخاصة إلى معرفة أشياء عامة، ولا يستطيع الإنسان أن يتوصل الى التلخيص وأن يعرف الجوهر المشترك بين أشياء مختلفة عديدة إلا بعد إلمامه بالجوهر الخاص بكل شيء منها، وبعد أن يلم الإنسان بهذا الجوهر المشترك، فإنه يستطيع معرفته كدليل له ويقدم عندئذ دراسة أشياء محددة مختلفة لم تدرس بعد أو درست دراسة غير معمقة، فيستخرج الجوهر الخاص لكل منها، وبهذه الطريقة وحدها يستطيع أن يكمل معرفته بالجوهر المشترك ويغنيها ويطورها، ويحول دون أن تصبح هذه المعرفة متحجرة جافة."
إذن هل كل هؤلاء المناطقة، (وأقول المناطقة لأن ما أتيت به مدون في كتبهم الخاصة بالبحوث ونقاش المنطق)، لا يمكن أن تقبل بدروسهم، إن كانت دروس حسن العبودي كما عبرت عنها تعبر عن فكرة "بليدة"؟
ففي رأيي أن السيد التيتي لحبيب لم يسلك الطريقة التي يسلكها كل باحث أو دارس أو سياسي جدلي.
السيد التيتي سلك طريقة كانط، ولم يسلك طريقة الديالكتيكيين، أي طريقة العلماء، لصياغة مقولته/أطروحته/أفكاره المركزة، وما على السيد حسن العبودي سوى أن يفككها إذا أراد أن يعطي الدروس.
ممكن للقارئ أن يلاحظ كون المرجعين أعلاه لكل من ماو ولينين لم يعتبرا صياغة الفكرة وإسقاطها على الواقع سفسطة، في حين أن تعليق حسن العبودي يقول بأنها سفسطة، وبهذا يكون إدراج السفسطة في تعليق حسن العبودي ليس سوى بهدف الهجوم وتبخيس أفكار السيد التيتي. ورفعا لكل ما يمكن أن يشوش فهم القارئ أضيف تعريفا لصاحب الرأس الأصلع، لينين، والذي أخذه بدوره من العبقري هيغل، وعمقه، ودائما من نفس الكتاب "دفاتر فلسفية"، يقول فيه لينين في تعريفه للسفسطة: "إن السفسطة هي محاكمة تذهب من افتراض مسبق غير مؤسس، مقر بلا نقد ولا تفكير." وعليه أقول هل تدوينة/أطروحة التيتي التي قال عنها حاملة لأفكار "مركزة مثل الاورانيوم المشبع" محاكمة من افتراض مسبق؟ أقول نعم هي محاكمة ولم تستخلص من أي دراسة ولا من أي بحث مسبق وقدمها صاحبها بلا نقد، وقام بإسقاطها للحكم على الواقع. ولهذا اعتبرتها مجرد سفسطة. إذن فأنا لم أقم سوى بدور تلميذ طبق أحد دروس المعلم لينين.
فمجمل القول حول ما سبق: أني لحدود هذه السطور لم أُقدم سوى على الدفاع وتعميق ما جاء في تعليقي على تدوينة السيد التيتي التي أعتبرها أفكارا "غبية" مضيفا كوني غير مهيأ لإعطاء الدروس في الديالكتيك، لأظهر للقارئ أن الدروس أخذتها من عباقرة المنطق الجدلي ودوري اقتصر على نقلها للقارئ بطريقتي المحكومة بتكويني البسيط كبروليتاري غير بارز في ساحة محترفي السياسة والثقافة القابعين في الأبراج.
صحيح أن موضوع المعرفة غير محدود، وعملية المعرفة غير محدودة تنتقل من مستوى إلى مستوى متقدم عن سابقيه في توسيع المعرفة واكتشاف حقائق جديدة، أو لنقل بطريقة لينين "من الجهل إلى المعرفة". مما يعني أن السيد التيتي له الحق في الاجتهاد وتطوير المنطق الجدلي مع ما تعرفه العلوم من تقدم لم يشهده عصر هيغل، ولما لا اكتشاف قانون جديد يحكم حركة المادة لم يتوصل العالم والفيلسوف الموسوعي هيغل في عصره لاكتشافه.
ومهما كانت تسمية تدوينته سواء باسم "اطروحة"، أو تدوينة، أو أفكار "مركزة مثل الاورانيوم المشبع"، فهي صياغة تعبر عن فكرة جديدة على المنطق الجدلي، وجديدة على المنطق الصوري، وأكثر من ذلك جديدة على المناطقة. إنها "إضافة" تسجل للسيد التيتي، ولا يمكن لي ألا اعترف بها للسيد التيتي وللقراء. لكن هل تفوق السيد التيتي في تقديم "إضافة" صحيحة، بغض النظر عن إسقاطها دون بحث ودون دراسة ودون إثبات، أم لا؟ هذا ما يتطلب معالجته في الجزء الثاني من المقال تحت عنوان "دفاعا عن الجدل".
(يتبع)

حسن العبودي

21/11/2024




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق