الكثير منا لا يعرف غرينلاند، كما لا يعرف العديد من البقع الجغرافية على كوكبنا.
فلولا ما توفره محركات البحث في عصرنا لوجد أساتذتنا لمادة الجغرافية احراجا حقيقيا امام مراسلاتنا واسئلتنا، وبالاخص الاسئلة المتعلقة بالمميزات الاقتصادية لهذه البقع من الكوكب التي دفعت احد اللصوص الامبرياليين، المقبل على اعتلاء البيت الابيض، ليضج بالحديث عن شرائها أو احتلالها. فالتفاصيل المتعلقة بمنطقة القطب الشمالي وما تخفيه تحت الجليد من ثروات معدنية هائلة تكاد تكون مجهولة لذا مجتمعات الجنوب، أو لنقل لدا الكثير من الناس من الجنوب والشمال نتيجة لتخلف التعليم ولتسييد ثقافة اللامبالاة.
غرينلاند، وحسب المعلومات المتوفرة على محرك البحث غوغل، هي أكبر جزيرة في العالم، لا يزيد عدد سكانها عن 58 الف نسمة، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي تحت السيادة الدنماركية، وواحدة من مناطق الشمال بعد كندا التي شهر ترامب مقص "سايكس بيكو الجديد" في وجهها، باعتبارها جزء من المخطط المطروح على مكتب ترامب وموظفيه الامبرياليين لترسيخ هيمنة الولايات المتحدة على نصف الشمالي الغربي من الكرة الأرضية. وإذا نجح، في ابتلاع بنما وكندا وغرينلاند، بعد ابتلاعه للشرق الاوسط، فقد يتجنب الإفلاس المطلق للولايات المتحدة التي وصلت مديونيتها إلى 35 تريليون دولار امريكي.
ونحن نتابع يوميا مستجدات بداية الربع الثاني من القرن الواحد والعشرين، المغموسة في الدم، وللتصريحات البشعة بعودة الإسكندر الأكبر الذي يريد بناء أمريكا العظمى، الموجهة للناخبين، يلوح أن الافق ينعطف بنا نحو مرحلة تبدو أنها ستسجل كتاريخ للتمزيق، تمزيق الأوطان وتمزيق الشعوب، وتمزيق حقوقها وثقافاتها، وقيمها.. بعد تمزيق الأجساد، وتمزيق الاطراف وتمزيق الاحاسيس والعواطف، والمشاعر الانسانية.. وبالتالي تمزيق الانسان، وتمزيق آرائه وتصوراته التي بنيت في سيرورة من التطورات التاريخية لتشكيل الرأي الجديد بسهولة وسلاسة من حقل ألغام من المعلومات والرسائل المرئية، والتي يتم إعادة إنتاجها في الوقت الحاضر بواسطة خوارزميات على منصات اخضعت عيون واذان غالبية الشباب وقتلت ملكة النقد لديهم، وتركت لهم فرص الضغط على الازرار لإثبات قدراتهم المعرفية.
إننا أمام مخطط أمريكي يحاول تجديد هيمنته بالحروب الحديثة، المخاضة من المكاتب المكيفة. فهو مخطط مدروس للنهب الذي لن يستثني ولن يرحم حتى حلفاءه الخاضعين في أوروبا وآسيا والقارتين الأمريكية والافريقية.
وما يتضح ان كل الخاضعين يظهرون حالة الارتباك والقلق، لا يعرفون ماذا يفعلون!
إنهم قلقون ويرتجفون من "يالطا الجديدة"، من الثلاثي القادم بوتن-شي-ترامب.
وعلى الرغم من كل "الظلام"، فقد دخلنا عصرًا جديدًا بالأخص في أوروبا، عصرًا يبدو انه مفتوح على انتفاضات الشعوب..
لهذا تعد إمكانية أبطال كل هذه الرسوم السياسية، التي تحيط بنوع السلطة المؤقتة الموجهة إلى جماهير الناخبين، وما تتوعد به لصناعة الجحيم على الأرض، غير مستحيلة. لذا أجرؤ على القول أن مهمة كل منا، نحن المنتمون إلى جماهير العمال الذين لم يعودوا يعملون ليعيشوا بل يعيشون ليعملوا، هي الخروج من أصدافنا الإعلامية، وإزالة الغبار عن عقولنا المشتركة وحلها والعناية بها واستخدامها في النهاية، بهدف رفع الوعي المشترك بعالم أفضل، نصنعه بسواعدنا وجعله افق نبتهج به، حتى وإن يبدو مستحيلا في الراهن يجب أن نجعله ممكنا لانه هو البوابة الوحيدة لإخراج تاريخ الإنسانية من هذا الجحيم.