تشير كل الترتيبات إلى انعقاد مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا غدًا الإثنين 2 يونيو 2025 في إسطنبول، لمناقشة أوضاع أوكرانيا على أساس "المذكرة" الروسية.
جاء ذلك بعد طلب الوسيط الأمريكي، الجنرال كيث كيلوغ، من الجانب الأوكراني بالحضور، وذلك إثر اشتراط الأوكرانيين تسلُّم المذكرة الروسية أولاً. الأوكرانيون يدركون إلى حدّ ما طبيعة الإنذار الضمني الذي يواجههم، والذي تجلّى في تحذير كيلوغ من انسحاب الولايات المتحدة كوسيط للسلام في حال فشل المفاوضات.
يبدو الأوروبيون في حالة قلق! لكن الولايات المتحدة، عبر مفوضها الخاص الجنرال كيلوغ، حثتهم على المشاركة. ومن المتوقع حضور ممثلين أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين "كمشاركين" في المحادثات.
يُظهر الأوروبيون ترددا واضحا حيال التسوية السلمية، وهم يائسون لوقف إطلاق النار. يشعرون بأنهم خسروا بالفعل جزءا من هيبة "الناتو" على الساحة الدولية. ولم يوضح المبعوث الأمريكي ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في تدفق السلاح إلى كييف في حال فشل المفاوضات أم لا. مع العلم أن مجرد قطع الدعم المعلوماتي (الأقمار الصناعية، طائرات الإنذار المبكر **AWACS**، التجسس...) قد يؤدي إلى انهيار سريع للجيش الأوكراني.
من جانبهم، يؤكد الروس بوضوح أن المفاوضات هي بين "روسيا وأوكرانيا" فقط! وأن حضور الآخرين هو اختياري. ويعد هذا التصريح بمثابة تأكيد روسي مسبق على موقفها القوي باعتبارها الطرف المسيطر.
السؤال المطروح: هل سيقبل نازيي كييف والاتحاد الأوروبي بشروط المذكرة الروسية للسلام؟
إن قبول كييف بـ"المذكرة الروسية" يعني فعليًا قبول الاستسلام دون شروط، ونزع سلاح الناتو من أوكرانيا، والاعتراف بتوازن دولي جديد يقوّض مكانتها. وهو ما تراه الحكومة الأوكرانية بمثابة تهديد وجودي، والعظام على أبواب كييف.
في المقابل، يبدو أن دوائر مؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي ("النازيين الجدد الخفيين") تفضل هزيمة أوكرانيا الكاملة على قبول تسوية تراها مهينة. ويعبرون عن ذلك بدعمهم اقتصاد الحرب على حساب الشعوب الأوروبية، واستغلال الأزمة في الحملات الانتخابية تحت شعار دعم كييف، والتلويح بإرسال القوات الى الجبهة. إلا أنهم في الظروف الحالية يخشون من انسحاب الدعم الأمريكي بالكامل لأوكرانيا، وهو الخوف الذي تجلّى بعد الحادثة التي اعتُبرت إهانة لزيلينسكي في البيت الأبيض. وهم يتساءلون باستمرار عن البدائل: إرسال قوات؟ فرض عقوبات؟.. الإجابة عندهم واضحة: بدون الولايات المتحدة، وبدون مساعدتها العسكرية لأوكرانيا، وبدون عقوباتها على روسيا، وبدون وجود عسكري أمريكي، لا يستطيع الأوروبيون فعل شيء ذي بال.
لذا تشير كل التطورات والمعطيات إلى أن الموقف الأمريكي هو المحوري. فماذا تستطيع أمريكا أن تفعل؟
هذا يقودنا إلى الاستنتاج التالي: في حالة رفض المذكرة الروسية وفشل المفاوضات، ستعتبر القيادة العسكرية الروسية يديها مطلقتين. وقد يصبح استخدام أنواع أكثر تقدماً من الأسلحة خياراً مطروحاً على الطاولة. ومن المرجح أن تعتمد روسيا على تفوقها الناري وتواصل القتال حتى تحقيق أهدافها التي أدت إلى شن الحرب. وقد سبق أن صرّحت الأوساط العسكرية الروسية بأن المفاوضات لم تثمر عن نتائج ملموسة...
كل هذا سيؤثر على مستقبل المفاوضات الخلفية والمشاورات السرية بين روسيا والولايات المتحدة والصين، حول موازين القوى في أوراسيا، وقد يؤدي إلى تعثرها. ولن يعاد إحياء هذه المشاورات إلا إذا شهدت مناطق أوروبا وأمريكا وروسيا "اضطرابات داخلية" تجبر النظام الرأسمالي العالمي على البحث عن خيارات بديلة، أو إذا فرضت حقائق الميدان العسكري نفسها كحل.