02‏/02‏/2015

وكزيز موحى// السلطة وحكومة سيريزا..

استقطبت اليونان أنظار العالم بأسره، بمناسبة الانتخابات التشريعية الأخيرة ليوم 25 يناير 2015، التي قادت جبهة "سيريزا" للحكم. خرجت جماهير غفيرة باليونان للشوارع لتعبر عن فرحتها وقلقها على مصيرها بعد سنوات عجاف نال النظام الرأسمالي من ما تبقى من مكتسبات اجتماعية واقتصادية وسياسية في إطار حربه الطبقية بعد أن دمر مواقع الصمود عن آخرها. يعتبر الشعب اليوناني من بين الشعوب الأوروبية التي تعاني كثيرا من سياسات النظام الرأسمالي من ضمنها سياسة التقشف. قال لي أحد مسئولي الحزب الشيوعي اليوناني ما مفاده، إذا كان اليمين بأثينا يسعى لتنظيم الألعاب الاولمبية على مقاس وبأدوات وطرق تلك الألعاب في الماضي البعيد، فان الحياة العامة واليومية للشعب اليوناني قد تأخرت وتراجعت هي الأخرى بسبب النظام الرأسمالي وقواه السياسية والإدارية.
من خلال هذه المقاربة، يمكن فهم ما آلت اليه أوضاع الشعب اليوناني بحيث أصبحت شرائح البرجوازية تلتحق جماعات وأفرادا بصفوف العمال. وأصبح الفلاح والتاجر وقطاعات أخرى لا حول ولا قوة لها إلا الهامش والعطالة. وبدأت أعراض نفسية واجتماعية وعمرانية وصحية تنتشر كالطحالب في قلب المدن والقرى اليونانية.
انتشر خبر فوز "سريزا" كالبرق والتقطته جميع القوى السياسية والمالية، وأصبح موضوع هذا الفوز رهين حسابات ليس أقلها تقديم تحالف "سيريزا" وحكومتها مهددة وكأنها على نقيض مصالح النظام الرأسمالي. ورأى حتى الفاشيون في وصول جبهة اليسار "سيريزا" الى الحكم، مناسبة للتعتيم والتقطوا المناسبة/النتيجة للبقاء على الأقل إعلاميا ضمن صفوف المتبارين من أجل قيادة وإدارة سياسات النظام الرأسمالي بأروبا وكأنهم، أي الفاشيون، معنيون بالتضامن والدفاع عن مصالح الشعوب الأوربية. منذ الدقائق الأولى لإعلان نتائج الانتخابات أبرقت التنظيمات الفاشية برسائل التضامن وتأييد "سيريزا" وحكومتها "اليسارية"، شأنها في ذلك شأن القوى اليمينية وصقورها التي استغلت الحدث. ويقول اليمين الفرنسي إن "سيريزا" ستعمل على إصلاح دولة اليونان دون الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويضيف اليمين الفرنسي ان المفاوضات من أجل تخفيف المديونية لليونان رهين ومشروط باستكمال وتطبيق "الإصلاحات الهيكلية ببلادها".
تداعت قوى الاحزاب الاشتراكية لتتدارك مصالحها السياسية وعبرت عن تأييدها "لسيريزا". يقول رئيس مجلس النواب الفرنسي إنه "لو كان يونانيا لصوت لصالح سيريزا"، معلنا بدلك فشل حليفه باكوسPACOS وفي نفس الوقت ركوب حصان طروادة للحفاظ على ماء الوجه أمام الهزات السياسية العنيفة المرتقبة والمخاض السياسي المرتقب بفرنسا.
وماذا عن اليسار الأوروبي الذي تشكل بعد تصفية الاتحاد السوفياتي، من ما تبقى من الأحزاب الشيوعية والتيارات المنحدرة من الأحزاب الاشتراكية وغيرها؟
قبل ذلك اليكم بعض النقط من برنامج "سيريزا". تخص الجبهة مكانة للمطالب العادلة للشعب اليوناني من سكن وتغدية وتقاعد وتخفيض سعر التدفئة (chauffage) وإلغاء الفواتير الكهربائية... الخ.
إجراءات أخرى أو وعود في مجال التشغيل والراتب: رفع الراتب الأدنى الى 751 يورو عوض427 الآن للشباب و586 يورو لباقي العمال، منع التسريحات... وهذا، أمام هول الأزمة والحياة المتردية بأوروبا بشكل عام التي أصبحت تقارب مستوى العيش بالجنوب.
وفيما يخص الدولة والسلطة، ستعمل "سيريزا" على "استعادة هيبة الدولة" وليس بناء دولة جديدة أو سلطة جديدة مخالفة للدولة الحالية. تعد الجبهة بإصلاحات الجماعات المحلية وتسعى لتقوية دور البرلمان الى غير ذلك من إجراءات، كإعادة هيكلة وسائل الإعلام في شتى المجالات.
أما على مستوى المالية، تسعى "سيريزا" لتقليص المديونية وليس إلغائها من طرف واحد كما يطرح الحزب الشيوعي اليوناني والبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي وليس الخروج منه. أما على المستوى العسكري، خلافا لموقف الحزب الشيوعي، فحكومة "سيريزا" ووزيرها الأول السيد ألكسيس تسيبراسalexis Tsipras ستعمل في إطار حلف الناتو.
وعلى يسار جبهة "سيريزا" يقترح الحزب الشيوعي اليوناني:
. تفكيك وإلغاء ومن جانب واحد المديونية خلافا للمفاوضات التي تقترحها الحكومة الحالية.
· فك الارتباط مع الاتحاد الأوروبي عوض العمل من داخله كما تطرح "سيريزا"؛
· التملك الاجتماعي للاحتكارات nationalisation؛
· حكم السلطة العمالية الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي؛
· ضد مشاركة اليونان في تحالفات الامبريالية و في الحروب الجارية؛
· ... الخ.
يعتبر الحزب الشيوعي جبهة "سيريزا" "مفيدة للرأسمال لاسيما العامين الماضيين في مجال تقويض الحركة العمالية". وتشهد كثير من المصادر على أن "سيريزا" ملأت الفراغ بعد تفكك تنظيمات الحزب الاشتراكي الحاكم سابقا.
تنتمي "سيريزا" الى حزب اليسار الأوروبي الذي يترأسه الكاتب الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي،,Pierre Laurent وهذا الحزب، أي اليسار الأوروبيPGE معروف بعدائه للشيوعية والأحزاب والحركات الثورية والتقدمية على الصعيد الأوروبي والعالمي. كباقي الأحزاب الرسمية الإصلاحية التي تسعى الى ترسيخ النظام الرأسمالي بعد انتقاده وبعنف أحيانا، رأت جبهة اليسار الفرنسيةFront de gauche بقيادة الحزب الشيوعي الفرنسي في انتصار "سيريزا" والوصول الى الحكم، انتصارا لها ولبرامجها وتوجهاتها الانتهازية. ولم يعد ما يشغل بال رئيس حزب اليسار الأوروبي والكاتب الوطني للحزب الشيوعي الفرنسيPierre Laurent، في ظروف انتخابية تخص الأقاليم الفرنسية لشهر مارس القادم، إلا استقدام العمال والمستخدمين كأرقام انتخابية للتصويت لصالح الجبهة بفرنساFDG وتعميم الوهم بأن التغيير سيأتي به حليفه باليونان، بل هو قيد الإنجاز وما على الناخبين الفرنسيين وخاصة المستخدمين والعمال سوى سلك نفس نهج اليونانيين الذين أبوا إلا "التصويت ضد التقشف".
أكيد أن الشعوب الأوروبية تتطلع الى التغيير إلا أن هذا الأخير لا يعني تقديم شيك على بياض للقوى المشكلة لهذه الجبهات وسياساتها الإصلاحية المخادعة للشعوب، وبالخصوص الطبقة العالمة. وإذا كان الأمل قد عانق العمال فان هذه الجبهات الموالية للرأسمال بأروبا تبوثق هذا الطموح في التغيير الجذري لدى العمال في خانة وسقف يسمح للجبهات المذكورة بإعادة ترتيب أحوالها ومقايضة شرائح ودوائر مالية لتتخلى عن سياساتها الحالية وإفساد الوعي الطبقي عند العمال وجعلهم مرتبطين بالحلول الطبقية للبرجوازيات الأوروبية. تتساءل l’Humanité في عددها ليوم الأحد 1 فبراير 2015 وبصفحتها الأولى، هل الحركات ضد التقشف ستعرف انطلاقة أو قفزة جديدة بعد الانتصار باليونان؟ ولتأكيد ما تتوخاه هذه القوى من العمال اليونانيين ومن خلالهم العمال بأوروبا أكدت الجريدة على التحام وتأييد العمال بالقطاع العمومي لوزير الوظيفة العمومية بحكومة "سيريزا" السيد جورج كاتروكالوس georges Katrougalos. وتضيف الجريدة المؤيدة وضمنيا لسان حال هذه الجبهات هل سيتحقق الانتصار كذلك باسبانيا؟
على المستوى الاقتصادي، لا تختلف الجبهات الأوروبية الموالية للرأسمالية في شيء من حيث رؤيتها العامة للشأن الاقتصادي، حيث تنادي بالنمو الاقتصادي الرأسمالي وتناضل ضد التقشف، وذلك شأنها باليونان واسبانيا وفرنسا وألمانيا... الخ. وعندما خاض عمال قطاعات السكك الحديدية والطاقة الكهربائية والغاز اليوم بباريز تظاهرة حضروها بكثافة ضد قانون ماكرون loi Marcon التحق القادة البيروقراطيون لنقابات العمال من خلال تصريحاتهم بالقادة السياسيين للجبهات وذهبوا في ما يؤكد أن القادة السياسيين والنقابيين ملتحمون ومنسجمون في إطار رؤية إصلاحية وبيروقراطية مسعاها وهدفها دمج العمال وإبقائهم حبيسي النظام الرأسمالي وانشغالهم وفقط بالمطالب الخبزية لا غير.


1 فبراير 2015 - فرنسا



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق