10‏/06‏/2015

الغش وتسريب الامتحانات: هل هي ظاهرة موسمية أم ''فوضى خلاّقة''؟

سنة بعد سنة، تزداد ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات استفحالا، وهذه السنة اتخذت منحى خطيرا للغاية وذلك بالتسريب الواسع النطاق لامتحانات مادة الرياضيات، بعد أن تم تداول الأسئلة المتعلقة بذات المادة عبر الانترنيت ساعات قبل
موعد انطلاق الامتحان (اليوم الأربعاء على الساعة الثامنة صباحا)، وقد خلف ذلك ردا قويا من طرف التلاميذ وعائلاتهم في مجموعة من المدن خصوصا المراكز الكبرى (الدار البيضاء، فاس، الرباط،...) وصلت إلى مقاطعة الامتحانات وتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية أمام مؤسسات التعليم، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ امتحانات الباكلوريا، فيما اكتفى النظام بإنزال جيوش القمع أمام المؤسسات التعليمية لحصار المتحتجين وقمع المسيرات والوقفات الاحتجاجية، ومن جانب آخر تقديم الوعود المعسولة بفتح تحقيق حول مصدر تسريب الامتحانات لامتصاص رد فعل الجماهير والحيلولة دون تطور الاحتجاجات من نطاقها المحلي الضيق إلى  المستوى الوطني  وما سيرافق  ذلك من أحداث قادرة على إخراج ملف التعليم إلى الواجهة وتبنيه من طرف عموم الشعب المغربي.
 وكما هو واضح وجلي للعموم، فقد أصبحت هذه "الظاهرة" جزء من مخطط تدمير التعليم العمومي وتسهيل تمرير ما تبقى منه للقطاع الخاص. 
فالمخطط يقضي بفقدان الثقة في ''جودة'' التعليم والشواهد المحصلة عن طريق تشجيع الغش وخلق الشروط المناسبة لاستفحال هذه الظاهرة وزرع جيش من السماسرة في بيع نقط الامتحانات وكذلك الشواهد بأثمان باهظة وتشجيع التسجيل في القطاع الخاص.
  مستوى التعليم الثانوي ليس الوحيد الذي يعيش على هذا الإيقاع، فالتعليم الجامعي أصبح مرتعا للبيع والشراء في الشواهد، تنشط فيه لوبيات متغلغلة ومتنفذة وسط الإدارات والأطر التعليمية. فالعشرات من ملفات الفساد والتزوير والتدليس التي تم كشفها في مختلف المؤسسات التعليمية والجامعية  كان مصيرها الحفظ والطي والكتمان ( باستثناء بعض الملفات/الفقاعات التي تطفو  من حين لآخر في إطار تصفية الحسابات تارة أو لإضفاء نوع من المشروعية والشفافية المزيفة على أجهزة النظام والإدارات التابعة له -المحاكم، المجلس الأعلى للحسابات، وزارات التعليم…- تارة أخرى).
 فالنظام ومن يخدمون مصالحه الطبقية في قطاع التعليم يعلمون جيدا بالجرائم المرتكبة في هذا الإطار، بل هم من خططوا لها لخلق الشروط الملائمة للاستثمار في هذا المجال الحيوي، أما الحديث عن فتح التحقيق في تسريب الامتحانات أو اتخاذ عقوبات جزرية في حق من يغش فليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون وتقديم أكباش الفداء لتمويه الرأي العام عن السبب الحقيقي والجهة المسؤولة، وبشكل منظم، عن الأورام القاتلة التي تنخر قطاع التعليم العمومي.
 فمسؤولية النظام القائم لا غبار عليها في الوضع المأزوم الذي بات يعيشه قطاع التعليم ببلادنا، وإلا أين تذهب الميزانيات المخصصة، على الورق ودفائر التحملات، لإصلاح منظومة التعليم كما يرٌوج له في حين تأتي النتائج كارثية وعكس ما يطبلون له من توقعات وأهداف طيلة عقود من الزمن؟ لِمَ يتربع المغرب على قائمة البلدان الأكثر فسادا في قطاع التعليم؟ ما مصير الإصلاحات المزعومة التي فرضت بقوة الحديد والنار على الشعب المغربي الذي قدم شهداء ومعتلقين قضوا أثناء مقاومتهم ومواجهتهم لمخططات النظام الرجعي في قطاع التعليم؟

كم سنوات أخرى قد نحتاج لتظهر نتائج الغش المتراكم بعد النتائج الاجتماعية الاقتصادية الكارثية التي نعيشها الآن؟ ماذا قد ينتظر هذا الشعب بعد 10 سنوات أخرى لينضاف لما يعيشه اليوم من فضائع؟ أي منحدر هذا وأي نفق على الأبواب؟ لما لا نغير اسم الشواهد العلمية في بلدنا هذا الذي يتحكم فيه على الأرزاق نظام فاسد من رأسه حتى قدميه ونسميها دون خجل شواهد علوم الغش والكسل والخبث والإنحطاط؟ شواهد النظام الحقيقية وليست شواهد لنا.. إنها الفوضى العارمة.. إنها حصيلة الفاسدين والمفسدين.. إنها حصيلة مخططات الإجرام.. إنه التطور والمنعطف الأخير للبرجوازية الكمبرادورية وكل خدامها الأوفياء..
السؤال اليوم والذي يفرضه ما يجري في الواقع من استمرار اعتلاء الفاسدين لهرم الإدارة والتقرير هو: ألم تسرب امتحانات الباكلوريا وغيرها لأبناء الأغنياء الفاسدين من زمان والذين يتربعون اليوم على رأس جل المؤسسات والمصالح للنظام الفاسد القائم بالبلد؟ ألم تعد شواهد الباكلوريا وغيرها من الشواهد التي نقول عنها علمية وبيميزتها الحسنة والمستحسنة والمقبولة الموقع عليها من رؤساء المؤسسات التعليمية القائمة بالمغرب، شواهد شكلية لا غير والغرض منها هو الإدلاء بها كدليل على الإفلات من مصائب نظام تعليمي مأزوم لا هم له سوى الحشو والتضبيع.. يساهم في تدمير الفرد ومصالح الشعب والوطن وينشر ثقافة التخلف والطاعة والخضوع.
 ألسنا أمام مسرحية/مهزلة تتكرر نهاية كل موسم حيث يتقدم الجناة للتمسح بجثة الضحية لينطلق النواح والعويل على وضع تعليم اغتصب من أيدي الشعب ليصير سلعة رخيصة تعرض في مزاد المستثمرين ممن اغتنوا من نهب خيراتنا؟ هل نتوقع من نظام احترف الإجرام والإقصاء أن يكون حاميا للنزاهة وتكافؤ الفرص وضامنا وقائدا للتطور العلمي والتكنولوجي؟
سيقٌصى أبناء الشعب المغربي، سواء مارسوا الغش أو حاربوه، وسيسدل الستار عن مسرحية النظام وزبانيته، حماة الغش والتدليس والخداع والاستغلال… فمحاربة الغش تنطلق من مواجهة النظام الذي يجسد الأرضية الخصبة لاستفحاله وحاضنته. وهي، أي المواجهة، مسؤولية كل مناضلي الشعب المغربي الشرفاء، مسؤولية الأطر التعليمية والعاملين في هذا القطاع بالدرجة الأولى الذين لم تتلطخ أياديهم في جريمة تدمير التعليم بطريقة أو باخرى، مسؤولية آباء التلاميذ والطلبة بالانخراط إلى جانب أبنائهم في معركة الدفاع عن التعليم العمومي واسترجاع المكتسبات والحقوق المهضومة والتي ضحت من أجلها أجيال وأجيال (انتفاضة  23 مارس 1965 النموذج الأبرز)، مسؤولية كل مناصر ينشد التغيير الجذري…
  
  تحية النضال والصمود للتلاميذ وعائلاتهم وأولياء أمورهم الذين قاطعوا الامتحانات وخرجوا في مسيرات ووقفات للتنديد بالحالة المزرية التي وصلها قطاع التعليم ولم يسمحوا بأن تمر الأحداث بردا وسلاما على النظام القائم المسؤول الأول والاخير عن ما وصلت إليه الأمور. 



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق