قامت المفوضة السامية لحقوق الإنسان
السيدة نافي بيلاي بزيارة للمغرب، دامت أربعة أيام (26-29 ماي 2014) بدعوة من الحكومة
المغربية. ومعلوم أن السيدة بيلاي قد تقلدت هذه المسؤولية منذ سنة 2008، وتعتبر أسمى
ممثلة لمنظمة الأمم المتحدة مكلفة بحقوق الإنسان.
إن الكل يعرف أن منظمة الأمم المتحدة
ومختلف المؤسسات الدولية، وخاصة المالية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة
التجارة العالمية...الخ، أدوات بيد الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها. فلم تعد هذه
الأدوات القذرة في حاجة الى إخفاء مباركتها وتزكيتها لجرائم الامبريالية والصهيونية
والرجعية. لقد رفعت عن نفسها الحرج في ظل التحولات الراهنة وخاصة أمام الانهيار المدوي
الذي تعيشه اليوم حركات التحرر الوطني عبر العالم. وصارت، وأكثر من أي وقت مضى، بوقا
لترديد أسطوانات أمريكا والكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية وآلية لتبييض أياديهم الملطخة
بدماء الشعوب المضطهدة ومنحهم شهادات التقدير وحسن التدبير والإشادة بالحكومات الرجعية
وأدائها الاقتصادي والاجتماعي المدمر الذي يخدم مصالح الامبريالية..
إلا أن الغريب الذي نحن بصدده، هو
صمت الهيئات الحقوقية المغربية عن هذه الزيارة التي طبل لها النظام وزمر. والغريب أكثر،
هو عقد السيدة المفوضة للعديد من اللقاءات وإلقاء المحاضرات، دون أن تفكر في هيئاتنا
الحقوقية أو أن تسأل عنها!! فحسب التغطية الرسمية ومتابعة المواقع الالكترونية المختلفة
لهذه الزيارة، لم يتم أي لقاء معلن ومرتب للمسؤولة الأممية بالهيئات الحقوقية المغربية.
ومن بين من اجتمعت بهم المسؤولة الأممية،
الملك (مع مأدبة عشاء) ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ووزير العدل ووزير الخارجية والتعاون ورئيس المجلس
الوطني لحقوق الإنسان (وممثلين عن المجتمع المدني ونقابيين وبرلمانيين وسياسيين وسفراء
معتمدين بالمغرب).
من جهته سجل وزير الاتصال الناطق الرسمي
باسم الحكومة مصطفى الخلفي، يوم الخميس 29 ماي 2014 بالرباط (البوابة الوطنية): إن
زيارة المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بيلاي، تعكس قدرة المغرب على مواجهة
القضايا والإشكالات المرتبطة بحقوق الإنسان ب"جرأة وشجاعة ومسؤولية".
وأكد (حسب البوابة الوطنية) خلال لقاء
صحافي عقب انعقاد مجلس الحكومة، أن هذه الزيارة تعكس أيضا الإرادة السياسية للانفتاح
على الآليات الدولية في مجال حقوق الإنسان، و"هو الأمر الذي برز حتى في تصريحات
السيدة نافي بيلاي التي أكدت ما يعرفه المغرب من انتقال مهم في مجال حقوق الإنسان،
وأيضا الخطوات التي انتهجت في إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة وفي ما يخص دور المجلس
الوطني لحقوق الإنسان، والتفاعل الإيجابي مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان".
فعلا، أشارت المسؤولة الأممية لبعض
"الاختلالات" الني يعرفها مجال حقوق الإنسان بالمغرب (التعذيب، قمع المظاهرات...)،
إلا أنها أشادت بكلمات بارزة وبشكل يفوق اللباقة و"الديبلوماسية" ب"إنجازات"
النظام و"إصلاحاته". لقد ردت "التحية بأحسن منها".. لقد أهدت النظام
جائزة غير معلنة ولا تقل أهمية عن الجوائز التي منحت لجيمي كارتر (رئيس أمريكي سابق)
ومانديلا وأبطال مزورين آخرين..
فكيف يمر كل هذا "الضجيج"
من وراء ظهر هيئاتنا الحقوقية (باستثناء تنسيقية عائلات وأصدقاء ضحايا أحداث إكديم
إيزيك)؟
لا رسائل احتجاج، لا بيانات.. لا وقفات..
لا مسيرات.. لا تعليقات...
لا رفض.. لا تنديد..
هل يتعلق الأمر بالتواطؤ؟ هل يتعلق
الأمر بالحسابات السياسية؟ هل يتعلق الأمر بالعجز والخجل؟
أين الأحزاب السياسية؟ أين النقابات؟
أين الجمعيات (المجتمع المدني)؟
وحركة 20 فبراير وجمعية المعطلين...؟
فما معنى إشادتها بالنظام و"عبقريته"
(التجربة الفريدة في مجال حقوق الإنسان) في الوقت الذي يعرف بلدنا الجرائم تلو الأخرى؟
وآخر جريمة روعت المغرب وليس فقط شماله القتل الذي ذهب ضحيته كريم لشقر بمخافر مدينة
الحسيمة..
فهل وسائل الإعلام، الانترنيت بالخصوص
(الإعلام الالكتروني)، لا تصل الى عالم مفوضتنا السامية، لتعرف من خلالها ما يجري ببلادنا
من مهازل في مجال حقوق الإنسان؟
الاعتقالات بالجملة في صفوف العمال
والمعطلين والطلبة ومناضلي 20 فبراير...، ثم التعذيب والمحاكمات الصورية والأحكام الجائرة
الثقيلة... وحتى الاغتيالات: الشهيد أحمد بنعمار والشهيد نور الدين عبد الوهاب..
ألم تتطلع "زمردة" الأمم
المتحدة على شهادات المعتقلين السياسيين، آخرها شهادة المعتقل السياسي بعين قادوس بفاس
عبد الوهاب الرمادي؟
أليس في علمها العدد الهائل من الملفات
العالقة التي يتجاهلها المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟
أليس في علمها عدد الاعتصامات والوقفات
التي تنظم أمام المجلس الذي لا يرى سوى "مفاتن" الحكومة الشمطاء؟
إنه قبل السيدة بيلاي "المسكينة"،
كانت المجاملات الودية لصندوق النقد الدولي مؤخرا تجاه النظام من خلال تثمينه
"للإنجازات" الخطيرة التي تكرس التردي الاقتصادي والاجتماعي لأوسع الجماهير
الشعبية، وعلى رأسها الطبقة العاملة، والتي ستجهز لا محالة على ما تبقى من المكتسبات
التي انتزعت بالتضحيات والنضالات البطولية (قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي
كريستين لاغارد إن المغرب حقق تقدما هائلا، وشجعت السلطات المغربية على مواصلة السير
في النهج نفسه من أجل تحقيق استقرار مالي أفضل وإطار ماكرو اقتصادي جيد، رغم ما سجلته
من ملاحظات حول تقلص الطبقة المتوسطة بالبلاد...)
إنها حقيقتنا المرة.. إنه واقعنا الفظيع..
كفى..
شارك هذا الموضوع على: ↓