20 يونيو 1981.. كان الرصاص الحي.. كانت أنهار الدماء..
كانت المجزرة رهيبة في حق الشعب.. ومقابر جماعية سرية.. والمخافر السرية.. ودفن الأحياء..
ارتكبت الجرائم.. وفي المقابل كان الشعب الأعزل في معركة التصدي للرصاص بالصدور العارية..
وكان الشهداء والمعطوبون والمعتقلون والمختطفون.. شلت الطبقة العاملة الحركة.. وكانت
الصفعة للنظام.. وكان الفراغ.. وكانت السياقات والدروس.. ولازالت المسيرة مستمرة..
والسؤال كيف سنستخلص العبر من بعد كل هذا التراكم؟
بعد
المحاولتين الانقلابيتين لبداية السبعينات اللتين عكستا بوضوح الأزمة السياسية للنظام،
وجد هذا الأخير القوى الإصلاحية في أقصى حالات التأهب والاستعداد لفك عزلته ولإنقاد
عرشه من الإنهيار ولتثبت أنها القوة الاحتياطية للتنفيس عن أزمات النظام، والتي تتغدى
من المجالات الهامشية المصنوعة بكل عناية، والمراقبة بكل دقة، من طرف كواليس مختلف
مؤسساته وأجهزته. فلم تتردد في الاصطفاف خلفه والدعاية لشعاراته المفضوحة من مثل
"المسلسل الديمقراطي" و"السلم الاجتماعي" و"الإجماع الوطني"
والتغطية على أنشطة زوار الليل والمخافر السرية وجرائم السجون والتعذيب والمحاكمات
الصورية والمقابر الجماعية والحضر والمنع للإطارات الجادة والمناضلة.. هذا الإجرام
الفاشي الذي غطى مرحلة بأكملها، كان صيت دفن الأحياء بقرارات لم يعرف لها أثر على سجلات
المؤسسات الرسمية يلقي بأصدائه على جدران المساكن وكل أماكن التجمعات الصغيرة والكبيرة،
وينشر عنوة لترهيب النفوس وردع أي تمرد محتمل، استدعى من النظام التركيز على هيكلة
المؤسسات القمعية وتلغيم البلاد بالجواسيس والعملاء. وهذا المسار كان مرفوقا بإجرام
لا يقل عنه بشاعة جسدته سياسة تعميم الفقر /"التقشف" في استجابة النظام لأسياده
في مراكز القرار المالية العالمية –صندوق النقد الدولي والبنك العالمي- واعتبار كاهل
الفقراء مخرجا لثقل الأزمة ليعرض الحياة المعيشية اليومية للشعب المغربي للانهيار..
مع تجاهل الزيادات في الأجور التي كانت مطلبا ملحا للعديد من الإضرابات العمالية ولرجال
التعليم والصحة، وتغذية أرقام البطالة والهجرة والأمية الآخذة في التصاعد وما يترتب
وينتج عنها.
هذا
هو الأساس الخلفي والخطوط الرئيسية الكبرى التي شكلت ومهدت شروط الانفجار الشعبي في
انتفاضة 20 يونيو 1981 والتي كان قرار الزيادة في أسعار المواد الأساسية، المعلن يوم
28 ماي 1981، بعد زيادات 1979 و 1980، لتصل الى مستويات استحالت على الجماهير الشعبية
تحملها، النقطة التي أفاضت الكأس وفاقمت من حدة الصراع وأخرجت الجماهير الشعبية للشوارع
للمقاومة والدفاع عن الأداة والقرار العماليين الذي جسدتهما دعوة النقابة الجديدة/القديمة،
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، للإضراب العام ليوم 20 يونيو، ومواجهة نيران وبطش النظام
الدموي اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي الذي بنى ويبني صرحه على جماجم الفقراء والمضطهدين
في معركة غير متكافئة كانت فيها الاجساد العارية لأبنا شعبنا، وهي مسلحة بالصمود والتحدي
بوسائلها البسيطة وبإيمانها القوي بمقاومة ورثة الاستعمار والعملاء، في وجه الآلات
والأجهزة الفتاكة للنظام الذي حول أكبر مدينة عمالية (الدار البيضاء) الى بحيرة من
الدماء مستعملا كل الأساليب من عمليات القتل بالرصاص الحي والتخريب والسرقة والإغتصاب
والاختطاف وتشييد المقابر السرية... وغيرها من الأعمال الجهنمية لكسر الأضراب العام
وإخماد الغضب الشعبي. وبالرغم من هول البطش الفظيع، فجماهير شعبنا سجلت ملحمة تاريخية
يشهد لها دماء شهدائنا البواسل ومعطوبينا ومعتقلينا، أثبتت تخلف وتردي الفعل السياسي
وعجز القوى السياسية الإصلاحية عن السير على رأس المقاومة الشعبية بل وصلت في مسار
صيرورة الصراع الى الإنحطاط النقابي والسياسي وتدحرجت نحو الحضيض وصارت آلية من آليات
النظام لإخماد الفعل النضالي وتعطيل عجلة الصراع الطبقي وامتصاص الغضب وترهيب المناضلين
(الاعتقالات وسط المسيرات العمالية بفاتح ماي، اعتقالات 6 أبريل لمناضلي حركة 20 فبراير...)
وتسهيل تمرير مخططات النظام الطبقية الإجرامية وتلميع صورته وتمييع الأشكال النضالية
وتحويل الإضراب العام الى يوم عطلة... لتبقى العفوية هي السمة البارزة في كل انتفاضات
شعبنا (يناير 1984، دجنبر 1990، إفني، صفرو، تازة...) وتفقد قوتها بعد كل انجاز واندفاع،
وتتراجع دون تحقيق الأهداف الكبرى، كنتيجة لغياب تنظيم صاحب استراتيجية ثورية واضحة،
في واقع يدعو الى التغيير الجذري، لوضع الوعي بالقضايا الإستراتيجية لشعبنا في صلب
نضالاته وأهدافه، وهي العملية التي تستدعي بناء الأداة القادرة على تمثيل وتوحيد الصبيب
النضالي لجماهير شعبنا وقيادة تضحياته والسير ببطولاته الى النهاية. وهذا الكلام يشترك
ويتقاطع فيه الكثيرون باسم "الثورية" دون أي شيء ملموس على الأرض يعكس حجم
المسؤولية والاستعداد الفعلي للانخراط في تعبيد طريق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية،
ومن بينهم من تطغى عليه الميولات غير الصادقة والخادعة والتي يوظفها العدو ويعمل من
خلالها على صناعة بهلوانات فاقدة للتاريخ والبطولة ومرشحة للعب أدوار كومبارس (الطابور
الخامس) للتدمير والتشتيت. لهذا المطلوب من المناضلين الجذريين هو الاندماج والالتحام
بالجماهير الشعبية وبحركاتها المناضلة والاحتجاجية، في كل ميادين وأماكن تواجدها، وتقديم
التضحيات وسطها وفي مقدمتها، وتمثيل النموذج العملي المسؤول لطلائعها الفعلية ذات المصداقية
في تحديد الموقف السياسي والتنظيمي والإستراتيجية والتكتيك، والوقوف في وجه حملات القمع
والاعتقالات التي تطال الجماهير الشعبية ومناضليها المخلصين وجعل معركة إطلاق سراحهم
في صلب مطالب المرحلة، وفضح المؤامرات التي تحاك ضد الطبقة العاملة والقوى المناضلة
-20 فبراير، الحركة الطلابية في شخص النهج الديمقراطي القاعدي..- لاستئصال الممارسة
الجذرية، في دهاليز مخابرات النظام، بتسخير قوى لها تاريخ في العمالة والإجرام والتآمر
والارتزاق وبتواطؤ الإصلاحيين الملكيين والقيادات النقابية البيروقراطية المتخاذلة
ومميعي الشعارات الثورية ومشوهيها، مستغلين المساحات الفارغة التي يهيئها النظام من
خلال قمع البؤر الثورية في مواقع الفعل المتعددة والتضييق على المناضلين واجتثاثهم
(الاغتيال، الاعتقال، التعذيب، الترهيب، التشريد...).
تيار
البديل الجذري المغربي
.
C.A.RA.M
C.A.RA.M
19 يونيو 2014
شارك هذا الموضوع على: ↓